العرب والأتراك .. تاريخ طويل مشترك يوجب حاضراً ومستقبلاً مشتركين

حماد صبح

كثرت الأخبار والحوادث التي تدل على عداء  الأتراك للعرب وضيق صدرهم بالسوريين الذين ألجأتهم الحرب الطويلة في وطنهم إلى تركيا . وبعض تلك الأخبار والحوادث تتسم بطابع قومي تركي حاد مثل منع كتابة بيانات المحلات التجارية  بالعربية  ، والمطالبة بأن يكون الأذان  بالتركية لا العربية . وتأثرا بهذا الجو العدائي عاد بعض السوريين إلى بلادهم ، وانتقل من استطاع منهم إلى بلدان أخرى ، ويجنح بعض أبناء فلسطين من المقيمين والعاملين هناك إلى العودة إلى وطنهم . وأي نفور من العربية يأخذ فورا بعدا دينيا بصفتها لغة القرآن الكريم الذي جاء  بالإسلام ، وكتبت بها كل علومه ، وصار التفقه فيها وسيلة للتفقه في تلك العلوم التي أسهم المسلمون من غير العرب فيها إسهاما أربى على إسهام العرب أنفسهم خاصة في القرون الأولى للإسلام ، كما أسهموا في وضع علوم العربية نحوا وصرفا وبلاغة ومعاجم ، وفي فنونها شعرا ونثرا وترجمة . وكتبت لغاتهم مثل الفارسية والتركية  بالحرف العربي . وفكر السلطان سليم الأول ( 1470_ 1520 )  الذي بسط السيطرة العثمانية عل مصر والشام في تعريب تركيا باتخاذ  العربية لغة وطنية لها ، وأخفق في تحقيق فكرته . وأراد السلطان عبد الحميد الثاني ( 1842 _ 1918 ) تنفيذ ما فكر فيه السلطان سليم الأول ، وكان يرى " اللغة العربية لغة جميلة . " ، ويتحسر على عدم اتخاذها لغة للدولة في زمن مبكر ، وعارض  سعيد باشا كبير أمناء القصر السلطاني  ما أراده عبد الحميد محتجا بقوله : " إذا عربنا الدولة فلن يبقى للعنصر التركي شيء بعد ذلك . " . وفي العهد الكمالي العلماني قررت  الجمهورية التركية الجديدة في 1928 التحول من الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني في كتابة لغتها الوطنية ، وقام مجمعها اللغوي الجديد بمحاولة تصفية  تلك اللغة من آلاف الكلمات العربية والفارسية دون نجاح ملحوظ . واجتازت البلاد في العقود التالية تقلبات من الابتعاد والاقتراب عن العالم العربي والإسلامي سياسة وثقافة وعلاقات اقتصادية وتجارية ، وانفتح سيلها على هذا العالم في زمن حزب " العدالة والتنمية " الذي يحكم البلاد بقيادة أردوغان منذ 2002 . والآن هي شاملة الاتصال بهذا العالم ، ويواجه هذا الشمول اعتراضا من قوى الإرث الكمالي العلماني التي تحرك عناصرها حساسيات قديمة بين الأتراك والعرب إلا أن تيارات التقارب مع العرب والمسلمين تظل قوية . 98 % من الأتراك مسلمون ، ومنذ وقت قليل  طالب علي أرباش رئيس الشئون الدينية في البلاد بأن يكون يوم الجمعة عطلة رسمية ليستطيع المواطنون أداء صلاة الجمعة في المساجد . وتركيا جار لدول عربية وإسلامية جوارا قريبا وبعيدا ، والجوار يفرض حسن العلاقات لنفع المتجاورين  ، وجوار الدول دائم يختلف عن جوار العائلات والأفراد الذي قد يزول لسبب أو لآخر . والجوار الجغرافي للدول يصنع تاريخها السياسي والحضاري ، وامتزج تاريخ العرب وتاريخ الأتراك بعد فتح العرب لبلاد الأخيرين في زمن الدولة الأموية ، واتسع دور الأتراك العسكري والسياسي في صنع  هذا التاريخ متزاوجا مع دور الفرس  بعد زوال الدول الأموية في المشرق في 132 هجرية ، ونشوء الدولة العباسية . وتواصل الدور التركي في صورتيه السلجوقية والعثمانية طاغيا على الدور العربي وطامسا له ، وحاسرا  للدور الفارسي . وللأتراك السلاجقة دور عظيم في التصدي للصليبيين ، وللأتراك العثمانيين عظيم الفضل في حماية العالم الإسلامي من الغزوات الأوروبية اللاحقة ، ولولاهم لكان هذا العالم خاصة العرب في حال أباس من حال الهنود الحمر في ما وراء الأطلسي . ورفض السلطان عبد الحميد الثاني إعطاء اليهود وطنا في فلسطين مقاوما إغراءهم المالي بسداد ديون بلاده للدول الأوروبية ، و"بشراء " فلسطين بمليوني ليرة تركية . ولرفضه تآمروا عليه مع جماعة الاتحاد والترقي وعزلوه . والقناعة كاملة في أن لهم دورهم حاليا في إبعاد تركيا عن العالم الإسلامي إدراكا منهم أن أي وحدة  إسلامية حقيقية خطر مطلق ماحق لإسرائيل  . فما من مسلم صادق الإسلام يسكت على وجودها  في فلسطين . وتركيا لن تكون إلا جزءا كبيرا من العالم الإسلامي ، ومفيدة لهذا العالم مثلما كانت تاريخيا ، وعلى العرب ان يكونوا كبيرين ومفيدين له ، بل أن يكونوا قدوة في إفادته لسائر المسلمين ، والمؤلم أنهم في كثرتهم  يفعلون خلاف هذا لا لنواقص  في العرق العربي ذاته ، بل لنواقص قاتلة  في حاكميه الذين أبادوا قدراته وإيجابياته ، وانحازوا إلى أعدائه ، وشجعوا الدول الأخرى على استضعافه والاستهانة به  . هؤلاء الحكام الآن هم قادة التطبيع والتحالف مع إسرائيل ، ومنهم من ينشط سمسارا لإغواء الدول الأخرى ماليا بالتطبيع والتحالف معها . ولكي يحترمك الاخرون اعداء وأصدقاء عليك أن تكون محترما لذاتك أولا ، " ومن لا يُكرِم نفسه لا يُكرَم . " بلسان شاعرنا زهير بن أبي سلمى .       

وسوم: العدد 1046