في العهد والميثاق وحق البيان والبلاغ ، والكشف عن ظلمة المشتبهات
(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)
وفهمت منها على مدى الأيام أن على الذين يعلمون أن يعلّموا الذين لا يعلمون. وأن الرجل من الذين يعلمون إذا سمع رجلا من الذين لا يعلمون يتكلم بغير علم، أن يرده إلى العلم بوجه من وجوه الحكمة القريبة، سواء كان هذا الذي لا يعلم ممن هو أعلى، أو ممن هو أدنى، وأن ولاية الرجل على من يليه أولى وأقرب، ومسؤوليته عنه بين يدي الله أبلغ وأكبر. وقد فهمت من الآية أن الصمت على الجهل حين يضطرب ويسود، ويعمّ ويعمي، هو اشتراك فيه. والميثاق الذي أخذه الله على الذين أوتوا الكتاب من الأولين، مأخوذ بالدرجة نفسها، على الذين أوتوا الكتاب الأخير المصدق والمهيمن. واللام في قوله (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) لام توكيد، واقعة في جواب قسم محذوف، عهد الله عليكم، وقسمه عليكم لتبينّنه...فأين يهرب منها الصامتون...
وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس...
وهذا الحكم يشمل أمورا في الحياة الفردية، وفي الحياة الاجتماعية، وفي فضاءات الفكر والثقافة والسياسة...
يستقبل الرجل من الناس الأمر من أمور السياسة الكبرى، لو نزل مثلها في عهد عمر رضي الله عن عمر، لجمع لها أهل الشورى، من مشيخة بدر، ثم نجد رجالا يهيمون في وديان القول، كلٌ يقول بما يشتهي، وبما يقذف مبلغه من العلم على لسانه، فيقول ولا يبالي...ولعله يقول كلمة من تلك الكلمات التي لا يلقي لها الإنسان بالا، فترديه وتخرّ به إلى حيث نستعيذ بأمر الله...
في فضائنا السوري اليوم، تروج على الألسن شعارات وعناوين ومواقف كلها تحتاج إلى من يعجم عودها، ويعيد تقويمها، ووزنها، ومقاربتها مقاربة العلماء من أهل الذكر – وأهل الذكر في السياق الذي نحن فيه أهل العلم بمعناه المستشرف المفتوح على كل الآفاق- يضبطون لجمهور الناس، ماذا يقولون، وكيف يقولون، وما هو القدر الذي ينضبطون في القول فيه...
عناوين كثيرة في واقعنا السوري بكل أبعاده، هاج في ميادينه الهائجون، واسترسل في متابعتهم المسترسلون، فلا عالم يعلم، ولا كبير يرشد، ولا صاحب فكر يطاع، ولا مشعل نار يأوي الناس إلى ضوء ناره...
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به" فكيف حالنا في صلاة جماعة جامعة، لا يرتفع لإمامها صوت عند ركوع أو عند قيام؟؟
كان الناس إذا نزل بهم الأمر فحزبهم يتساءلون: وماذا قال فلان؟ وماذا قال فلان وفلان؟؟ وصرنا إلى ما ترون وما تسمعون وما تقرؤون أيضا..
ليس ادعاء وصاية على الناس، وإنما هو نداء على الذين تحملوا، مذكرا بميثاق الله: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)..
وسوم: العدد 1068