أصول ومبادئ النظام السياسي في الإسلام

د.أحمد سعيد حوى

دورة أمية الخامسة بتاريخ  28/9/2013م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالميِن والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين

مقدمة في الفقه السياسي الاسلامي

ولى الزمان الذي كان يقال فيه (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) وربما يصح هذا عند آخرين الذين ينظرون إلى العمل السياسي على أنه اقتناص للفرص بغض النظر عن مبادئ أو قيم أو أخلاق وهذا أمر واقع لا نزال نجده الآن وللأسف, حتى الدول الكبرى إذا تعارضت مصالحها مع القيم والمبادئ والأخلاق داست هذه القيم بجنازير دباباتها , فأمريكا التي تتشدق بحماية حقوق الانسان والحريات هي أول من استخدم سلاح الدمار الشامل في العالم وقتلت الملايين كما أنها في العهد القريب قتلت ثلاثة ملايين عراقي وقتلت مليوني مسلم أفغاني .

وفي المقابل نقول الأمر عندنا مختلف , فليس من المستحيل عندنا أن تجتمع القيم والمبادئ مع مصالح الشعوب هذا هو الأصل مع أن شريعتنا جاءت لإسعاد الشعوب , وتكلمنا في محاضرة أخرى عن خصائص هذه الشريعة , فلا بد أن تلتقي السياسة مع الدين لأن السياسة في الشرع هي جزء من هذا الشرع وجزء من هذا الدين , والدين لا يقيم حواجز بيننا وبين مصالح الشعوب , وإن سر هذه الشريعة الأعظم أنها رحمة العالمين .

ونحن نقول لا بد أن يلتقي السياسي المسلم مع الفقيه المسلم وأن يجدا جواباً لكل مسألة ولكل واقعة.

والاشكال يكمن في جمود وتحجر البعض وفي المقابل تفلت الآخرين وبعدهم عن ربقة هذه الشريعة , لكن من التزم منهج هذه الشريعة بما تزوده من خلال مصادرها الأصلية والتبعية سيجد حقيقة أن هذه الشريعة فيها مجال واسع وفيها مرونة لكن ضمن مقاصد وضوابط هذه الشريعة , وأقرب دليل أن هذه الشريعة حكمت فعلاً ولقرون طويلة إلى أن تآمر العالم في بدايات القرن الماضي على انهاء الخلافة الاسلامية , إخواننا وجود الخلافة الاسلامية على مدار ثلاثة عشر قرناً بغض النظر عن مراحل المد والجزر، الصعود والهبوط لكن في الجملة هي دولة ودولة عظمى وقدمت للبشرية أرقى حضارة ربما عرفتها البشرية , ويزعم الآخرون أن الحضارة الغربية هي أرقى حضارة وهذا الكلام غير مسلم , لأننا نقول الحضارة ذات شقين : جانب مدني وجانب قيمي , فالموجود عند الغربيين الآن جانب مدني فيوجد تقدم وسائل وأدوات وصناعات ....... لكن لا وجود للجانب القيمي الأخلاقي , وعلى العكس يحاولون أن يشوهوا صورة هذا الدين وهذه الحضارة حتى ينفروا شعوبهم من أن تتطلع لهذا الدين وهناك أدلة نلمسها , لأنهم يدركون أن حضارتهم المزعومة ليست حضارة طالما أن الجانب القيمي مختل , وهم يدركون أن هذه الحضارة ستنهار عما قريب , ويدركون أن الحضارة الاسلامية هي المؤهلة لأن تحتل هذا الدور .

أمر آخر لا بد أن نذكر به وهو خطورة وضخامة هذه المعركة : فمعركتنا هذه ليست فقط مع أسرة متسلطة وليست فقط مع طائفة رضيت بهذا الدور وطائفة حاقدة , معركتنا ليست فقط مع حزب علماني فاجر كافر ليست فقط مع الحلف الصفوي الذي يدعم هذه الطائفة , هي مع كل هؤلاء ومع كيدٍ صليبي صهيوني عالمي , إذاً هي معركة الأمة وليست معركة الشعب السوري , وبالتالي على الأمة  كلها أن تتحمل مسؤولياتها تجاه معركة الشعب السوري , فالشعب السوري يأتي طليعة لهذه  الأمة في هذه المعركة, وإذا كانت المعركة بهذه الخطورة وهذه الضخامة فهذا يملي أيضاً مسؤولية كبرى على أهل العلم أن يقدموا تصورات وآراء واجتهادات تكافئ حجم هذه المؤامرة وهذه المعركة , فلا ينبغي لأفراد وأشخاص أو جماعات أن ينفرد كل منها على حدة و يملي على الأمة تصوراته وأفكاره بل نحتاج إلى جهود علماء الأمة والجماعات الاسلامية كاملة حتى تسهم في وضع هذا التصور وهذه الخطط لعلنا ننتقل إلى بر السلام بإذن الله تعالى .

الأمة مقبلة على مرحلة تغيرات كبيرة , وقد بدأت فعلاً هذه التغيرات ولعل هذه المرحلة ستكون من المراحل المفصلية في تاريخ الأمة , فالتاريخ الماضي سجل محطات ومراحل خلدها التاريخ (معركة حطين ومعركة عين جالوت .... ) كان واضحا أنه يوجد تغير في مسار التاريخ في مثل هذه المواقف , لكن يجب أن لا ننسى أن الأمة ما وصلت إلى حطين وعين جالوت إلا كان قبل ذلك مخاض عسير وربما يكون أحياناً  طويلا, بالتالي إذا كنا الآن نتوقع أو نرى أننا مقبلون وربما فهمنا من نصوص تشير إلى هذا وربما لا تقل عن تلك التي حصلت في التاريخ الاسلامي فيما مضى وربما يرجى منها اعادة المكانة والهيبة لهذه الأمة ودينها , وسيسجل هذا في التاريخ كما سجلت تلك المحطات المشرقة في تاريخ الأمة.

 باختصار إزالة هذا الكيان الذي زرع في قلب فلسطين في قلب الأمة الاسلامية ويدعمه العالم كله لحمايته ـ ليست بالأمر الهين فهو أمر خطير وكبير لكن هذه مقدماته , وبالتالي علينا أن ندرك أنه دائماً الثمار الكبيرة تحتاج إلى تضحيات كبيرة وإلى ثمن كبير , وبالتالي علينا أن نبصر الأمة بما هي مقبلة عليه وبالتالي يعرف كل إنسان أن الشيء الذي نطلب كبير يحتاج إلى ثمن كبير , فلا يجب أن نيأس ولا نقنط , هذه سنة الله تعالى ولا تتغير ولا تتبدل , وهذا التغيير سنة من سنن الله تعالى , وإذا كان الجيل الماضي عجز عن صنع هذا التغيير فلعل هذا الجيل يكون أهلا لصناعة هذا التغيير .

هناك أمر آخر : وهو أنه يتصل بالفقه أبواب من الفقه الاستثنائي وهذا يعتمد بشكل كبير على فقه الموازنات والأولويات , لكن نريد أن ننبه – ليس من باب رفض هذا النوع من الفقه – إلى قضايا فعندما نتكلم عن الدولة الاسلامية المثالية نقصد تلك التي كانت في المرحلة الأولى في مدة النبوة ومدة العصر الراشدي وبعد ذلك بدأ الانحدار في المسار السياسي في الدولة الاسلامية وبدأت تظهر أشكال أخرى للولاية والإمامة في الأمة وتكلم فيها الفقهاء وقالوا ما يسمى ولاية المتغلب وولاية العهد وأقروها ومضت قرابة 12/ أو 13 قرن .

السؤال الذي يطرح نفسه : هل هذا الذي أقره الفقهاء في زمان ما هل هو بالفقه الأصيل؟ أم أنه هو الفقه الاستثنائي؟ وإذا كان فقها استثنائيا وبني في حينه على موازنات , فربما فقهاء الصحابة والتابعين اجتهدوا أيضاً , فإذا كان هذا مبنيا على موازنات كانت في حينها , فهل يعقل أن يستمر هذا ثلاثة عشر قرنا ونبقى نقول موازنات؟؟! لا يعقل ذلك , فلا يجوز أن نجعل الفرع أصلا والأصل فرعا, دائماً الحكم الأصلي يجب أن يبقى حاضراً , فعندنا حكم أصلي وعندنا حكم استثنائي , ولا يجب علينا أن نبقى طيلة هذه المدة أو أن يراد منا أكثر من ذلك أن نبقى راضين بواقع مريض بحجة الموازنات و الاستثناءات.

النصوص بشرت أننا سنعود إلى الحكم الأصلي ( ثم تعود خلافة على منهاج النبوة ) إذاً آن لنا أن نخرج من مرحلة الملك العضوض والملك الجبري لنعود إلى الصورة التي ارتضاها النبي (ص) واثنى عليها , ففقه الموازنات جزء من هذا الدين لكن بقدر ولا يكون غالباً على الفقه أو الاحكام الأصلية , وهذا موجود حتى في طبيعة الشريعة فهناك رخص وهناك أحكام أصلية , والرخصة مرتبطة بظرفها فإذا انتهى هذا الظرف أو السبب  نعود للحكم الأصلي , وهكذا يقال في هذه الموازنات .

في العهد القريب قد يقال إن أي ثورة ستعني تكاليف ودماء وأشلاء , وربما جزء من المؤامرة إيصال رسالة للشعوب العربية والاسلامية أن هذا التغيير مكلف , صحيح مكلف , لكن تحسب هذه الكلفة بالمقارنة مع الكلفة المقابلة للخنوع بأن تستعبد الأمة إلى أجيال وربما إلى قرون , وعرفنا في فلسفة الجهاد أنه تضحية بالقليل في سبيل حماية الكثير , فالجزائر يضرب فيها المثل بأنها بلد المليونين شهيد قدمتهم في سبيل استقلالها عن فرنسا , إذاً فهذه التكلفة تحسب بالنظر إلى ثمارها الكبيرة المرجوة من وراء هذا التغيير .

طال الزمان الذي يكرس للخنوع ويكرس للخضوع وآن الأوان لفقه النهوض والتغيير والجهاد بإذن الله تعالى .

أشرنا في محاضرة أخرى إلى أن هذه الأمة مبشرة ببشارات ونبوءات جاءت في القرآن الكريم وفي السنة الصحيحة , ونحن مع إيماننا بما صح من هذه البشارات لكن ينبغي أن نفهم أيضاً أن هذه الاشارات لها دور في بعث الأمل والدفع على العمل , من الأمثلة السلبية التي وجدت في هذه الأمة قضية التعلق بالمهدي , فعندما يأتي المهدي سيغير لكن يحتاج إلى أعوان وأنصار – طبعاً إذا سلمنا بصحة الأحاديث التي وردت في أمره – لذلك وجد ردة فعل عند بعض الناس وبعضهم قال لا يوجد مهدي بسبب التعلق والتكاسل وترك العمل لأجل هذا الدين , وهذا مثال من أمثلة كثيرة , ونحن الآن مبشرون ببشارات كثيرة ( بعموم دولة الاسلام وزوال دولة اسرائيل ... ) هل نجلس وننتظر المهدي , إخواننا انظروا أين كانت تأتي بشارات النبي (ص) وكيف كان حال الصحابة , كانوا يحفرون في الخندق ولم يتركوا حفر الخندق بل استمروا به على صعوبته مع أن البشارات جاءت وتحققت فيما بعد ( فتحت خيبر وكسرى ... ) .

نريد أن نؤكد على أننا أمة أسباب وينبغي ألا نعطل الأسباب المستطاعة والمتاحة والمباحة ولا نخرج عن دائرة الإباحة إلا لضرورة والضرورة لها أحكام , وصحيح أن الله تعالى ينزل نصره ويؤيد جنده بملائكة بريح ... لكن قبل كل شيء أنا مطالب بالأخذ بالأسباب , فلا يجوز أن أعطل الأسباب , العلماء يقولون تعطيل الأسباب معصية والاعتماد على الأسباب شرك , إذاً يجب الأخذ بالأسباب ونعتمد على الله تعالى , وبالتالي نحن الآن يجب أن نعرف ما هو الحكم الشرعي وما هو المطلوب منا وكيف يمكن أن ننفذ هذا المطلوب وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تنفيذ هذا المطلوب الشرعي , فقد يتبادر إلى الأذهان أننا عاجزون – للأسف – هذا يدل على عدم فهم حقيقة هذا الدين , إخواننا نحن عندما نصل إلى العجز بعد استنفاد الأسباب فليس مطلوب منا شيء لكن قبل أن نتخذ الأسباب لا يجوز أن نقول عجزنا , فالنبي (ص) في رحلة الهجرة اتخذ كل الاسباب التي يتصورها بشر كاملة ( تغيير الطريق – الدليل – الرعاة– اللجوء إلى الغار ... ) ووصل المشركون إلى باب الغار , فالنبي (ص) لم يقل قبل ذلك مستحيل مع أن المشركين يحيطون به من كل جانب , لكن الله تعالى أمره وأذن له بالهجرة وأخذ بالأسباب ولكن باللحظة التي وصل المشركون فيها إلى باب الغار كان النبي (ص) قد اتخذ الأسباب كاملة وهنا قال لأبي بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .

إذاً نحن نؤمن أن الله معنا لكن أيضاً علينا أن نفتش فيما إذا اتخذنا الأسباب كاملة أم لا , وهنا تصبح القضية – للأسف - كصراع بين الإيمان وبين الارتماء في أحضان الكافرين , فالله تعالى يقول للنبي (ص) : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا ) فقد يصل البعض في مرحلة إلى أن يرى الظروف صعبة ويطلب حلا من الآخرين ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ) ( لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) فالحل عندنا وهو الحكم الموجود في الشرع .

بعد أن نفهم الحكم الشرعي ننتقل إلى التنفيذ نفتش عن الأسباب التي تعين على تحقيق الحكم الشرعي مع الإيمان , وهنا يكون إيماننا بالغيب والبشارات دافعاً إضافياً  رصيداً إيمانياً محفزاً على مزيد من العمل والبذل والعطاء لهذه الأمة وسيحقق الله تعالى ما وعد , وشواهد التاريخ كثيرة , فعندما تقرأ التاريخ الاسلامي وبعض المعارك تجد عجباً ( الزلاقة مثلاً وعين جالوت وحطين .... ) فهي معارك كبرى ولم تكن تملك الأمة إلا شيئا يسيرا وقليلا لكن اتخذوا الأسباب ولجأوا إلى الله تعالى فأعانهم .

الآن في ظل هذه المعركة الكبيرة والشرسة على هذا الشعب مؤامرة عالمية باتت واضحة ودعاية مضادة كبيرة ، وللأسف أعداؤنا عندهم جنود وعلماء سلاطين يشتغلون في خدمة المشروع المضاد أو لتشويه حراك الشعوب العربية التي تتطلع إلى الحرية والنهوض , فعلينا أن نحذر من هذه الدعاية والحملات المضادة التي تريد أن تفت في عضد هذه الأمة , ونحن نخشى أن كثيرا من الناس تسلل إليها اليأس والقنوط , لكن مع ذلك نحن نرجع لله تعالى , وقد ذكر الله تعالى لنا نماذج سواء في قصص السابقين من الأنبياء (ص) أو حتى في سيرة محمد (ص) وحصار الشعب أوضح مثال حيث استمر ثلاث سنوات ولا يوجد شيء يأكلونه وبعض الصحابة يروي أنه كان إذا قضى حاجته يسمع صوتا لرشاش البول فيدرك أن هناك قطعة جلد يابسة فيحرقها ويدقها ويسفها , فلم يبق شيء يأكلوه ..... وهؤلاء هم أصحاب رسول الله (ص) خير الناس وحصار دام عليهم ثلاث سنوات ثم جاء الفرج من حيث لم يتوقعوا .

ونحن الآن نرى دور المنافقين والمثبطين والمرجفين مستمرا على أشده , وفي المقابل مطلوب منا ليس فقط إبطال إرجاف هؤلاء وتثبيطهم والرد عليهم , المطلوب أيضاً شحذ الهمم وبعث الأمل مرة بعد مرة وهذه سنة النبي (ص) .

قضية أخرى : بات واضحاً الطريقة التي يفكر بها أعداؤنا وكيف يتآمرون على هذه الأمة وعلى هذه الثورات وعندنا نماذج قريبة فمثلاً : قامت حركات جهادية في أفغانستان أواخر السبعينات نجحت بفضل الله تعالى  في إخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان وكان ذلك مقدمة لانهيار الاتحاد السوفييتي , وما حصل بعد ذلك – للأسف – عملية تناحر وصراع واقتتال بين الجماعات المجاهدة التي طردت الدب الروسي , يا أخوة المثال يتكرر ونخشى أن أعداءنا قد خططوا وهم يحاولون إجهاض هذه الثورات بما استطاعوا، وعندهم خطط بديلة إذا نجحت الثورة في مكان ما كيف يتعاملون معها، والمثال على ذلك مصر , لكن نحن مع ذلك لا نيأس ولا نقول إن المعركة انتهت في مصر أو غيرها , الآن حجم الجماعات المجاهدة في سورية فاق التصور لكن  للأسف على تناحر وتمزق والخشية الأكبر أن يتحول هذا التمزق إلى صراع واقتتال , وبذور الفتنة موجودة .

واريد أن أذكر أن الشيخ أحمد ياسين رحمه الله رفع شعار حرمة الدم الفلسطيني ويدرك أن أي اقتتال بين الفلسطينيين هو خدمة لإسرائيل , ونحن نفس الشيء يجب أن نرفع شعار حرمة الدم السوري وأن أي اقتتال فيما بيننا هو خدمة للنظام المجرم.

كما أنهم يريدون أن يفرقونا إلى جماعات تتبنى أفكارا واتجاهات – وللأسف – يجدون جنودا يخدمون هذه المؤامرة بالمجان , فالكل يطعن في الكل , فلا مانع من نقل الأفكار والحوار فيها ولكن ليس الاقتتال , الذي نخشاه أن ينجح أعداؤنا في الطعن في كل التيارات وكل الجماعات لإضعافها جميعاً وبالنهاية يرجع العلمانيين , مثال : في ليبيا مثلاً الشعب فطري متدين ونسبة الالتزام والتدين أكثر من مصر ويوجد جماعات وتيارات اسلامية ولكن – للأسف – تناحر الاسلاميين وطعن بعضهم ببعض أعطى الفرصة للعلمانيين بعد كل تلك الدماء والتضحيات التي قدموها في الثورة .

إذاً لا بد من توحد جهود الاسلاميين جميعاً , ولن يستطيع الاخوان وحدهم أن ينهضوا بالشعب السوري ولن تستطيع النصرة وحدها أن تنهض بالشعب السوري ولن يستطيع حزب التحرير أن ينهض بالشعب السوري وحده ....... لا بد من تكاتف كل الجهود وكل التيارات والجماعات الاسلامية حتى نقطع الطريق على الآخرين .

 بعد هذه المقدمات الطويلة نأتي إلى موضوعنا في اصول ومبادئ الحكم في الاسلام أو اصول ومبادئ النظام السياسي في الاسلام أو للحديث عن شكل وخصائص ومواصفات الدولة الاسلامية, ويلحق بهذا بعض المسائل التي تطرح الآن وهي الاجابة عن تساؤلات واضحة وما موقف الشرع منها ( قضايا العلمانية والديمقراطية والدولة المدنية .... )

نبدأ أولاً في الحديث عن الشق الأول :

 إن الدولة الاسلامية مرت بمراحل مثالية – مرحلة النبوة ومرحلة الخلافة الراشدة – فالنبي (ص) أقام دولة اسلامية ومرجعها الوحي , ودولة الخلافة الراشدة أثنى عليها النبي (ص) عندما قال : (خلافة على منهاج النبوة) , لكن لاحظنا أنه بعد ذلك اصبح المسار يختلف – ملك عضوض – ملك جبري .

السؤال : إذا أردنا أن نستخلص خصائص ومواصفات الدولة الاسلامية إلى أين نرجع ومن أين نأتي بهذه الخصائص والمبادئ ؟؟  نحن لدينا مرحلة تطبيق عملي إضافة إلى نصوص القرآن والسنة واجتهادات الأئمة الثقات الراسخين في العلم  , وهناك قضايا لم ينقل فيها نصوص وطرأ عليها اجتهادات كولاية المتغلب أو ولاية العهد , لكن نحن ابتداءً يجب أن نرجع إلى المرجلة التي كانت محل ثناء النبي (ص) باعتبارها التطبيق العملي  للصورة الأفضل الأمثل والأكمل , وبالتالي إذا اردنا أن نستخلص هذه المبادئ نرجع أولاً إلى دولة النبي (ص) ثانياً إلى دولة الراشدين -  ولا يخفى أن دولة الراشدين طرأ خلالها خلاف أو فتنة أو اقتتال – ولكن نحن نتكلم عن الدولة نفسها كمبادئ وأسس وأصول حرص عليها هؤلاء الراشدون .

كما أننا لا نختلف ونحن نتحدث عن مواصفات ومبادئ وأصول مع الآخرين ـ الذين ربما يخالفوننا في فهم أو استنباط أو الإقرار ببعض هذه الخصائص ـ  لأن الهدف هو السعي إلى إقامة دولة الاسلام وتحكيم شرع الله وأن الهدف الأكبر هو إعادة الخلافة التي بشر بها النبي (ص) وأنها ستكون على منهاج النبوة .

ونلاحظ أن الخلافة الأولى كانت محل ثناء النبي (ص) والخلافة الأخيرة الموعود بها هي محل ثناء النبي (ص) .

أصبح لدينا مؤشران لشكل الدولة : المؤشر الأول هو مرحلة النبوة والثاني مرحلة خلافة راشدة أمرنا النبي (ص) باتباع قادتها .

ونحن لا نجد داعيا ان نتلمس مرحلة الملك العضوض والملك الجبري وما صار فيها , فالنبي (ص) هو الذي يعظ ويبشر أنه ستكون خلافة على منهاج النبوة أي تماماً كما كانت في المرحلة الأولى .

ما هي هذه الخصائص والأسس التي نتكلم عنها ؟

الآن سنرى ماذا عندنا , فأول خاصية تبرز في الدولة الاسلامية وهي الخاصية الكبرى :

أولاً : الشورى :  ويتعلق بها مسائل:

تعريف الشورى : وهي طلب الرأي , أو الاستشارة  من أهل الاختصاص ..

بداية يوجد بنص القرآن أمر بالشورى : ( وأمرهم شورى بينهم ) الظاهر أنها خبر , لكن من الممكن أن يكون الخبر أبلغ في الدلالة على الأمر , أي كأنه يريد أن يقول هذا أمر مفروغ منه .

وقال تعالى ( وشاورهم في الأمر ) وهذا أمر صريح .

إذاً وجدت آية تقرر أمر الشورى وكأنه مسلم به , وآية أخرى تأمر بشكل صريح بالشورى .... فإذا كان الأمر للنبي (ص) - وهو خير من يشير أو يشار عليه - يؤمر بالاستشارة , فمن باب أولى من بعده .

سؤال : هل بالضرورة أن يطرح كل شيء على الشورى ؟

سؤال: هل هذه الشورى ملزمة أم معلمة , بمعنى أن الإمام إذا استشار أهل الشورى , فهل هو ملزم بأن يعمل برأي الغالبية أم يكفي أن يطلع ويستعلم ؟؟؟

بداية نريد أن  نفترض أننا أعلنا أمام الناس أننا ننادي بحكم إسلامي شوري , والشورى تكون فيه معلمة وليست ملزمة للحاكم ..... سيقولون أننا سنصنع مستبدا تحت ستار الصورة الاسلامية , إذاً بالنظر إلى الواقع ليس من الحكمة الآن أن نطرح أمام الناس بأن الشورى معلمة فقط , فهم يقولون السلطة المطلقة مفسدة مطلقة وستنتهي إلى الاستبداد .

فإذا أتينا إلى النصوص نجد أن النبي (ص) كان يحرص على الشورى , وكان ينزل على رأي الأغلبية في الشورى وكان يخالف أحياناً, أمثلة :

ــ مثال 1 : يوم أحد : النبي (ص) رأى رؤيا مخيفة , قال : رأيت ثلمة في سيفي , ورأيت بقراً تذبح، فكان تأويل الرؤيا هو الذبح الذي صار في أصحابه وقتل منهم سبعون , فلما طرح الأمر للشورى (هل نخرج لملاقاة القوم خارج المدينة أو ننتظرهم ونقاتلهم من بين الأزقة والبيوت وعلى أسطح البيوت) كبار الصحابة كان رأيهم أن يبقى في المدينة , أما الشباب قالوا نخرج لملاقاتهم خارج المدينة , وكان الرأي الغالب هو رأي الشباب , فنزل (ص) على رأي هؤلاء مع أنه على خلاف رغبته , حيث كان يميل إلى البقاء في المدينة ....... إذاً أخذ النبي (ص) برأي الأغلبية مع أنه كان على خلاف رغبته , وهذا تأكيداً منه على الشورى .

ــ مثال 2: يوجد أمور أخرى استشار فيها النبي (ص) ولم يأخذ برأي الأغلبية , يمكننا أن نقول أنها كانت أمور جزئية وليست أموراً كبيرة أو خطيرة , ويمكن أن نقول أن ذلك استثناء من الحالة العامة وهي أخذ رأي الأغلبية أو إن ذلك القرار كان بناء على وحي.

سؤال : كيف أفرز الواقع أهل الشورى , أو كيف يمكن أن يفرز الواقع أهل الشورى ؟؟

عندما توفي النبي (ص) حصل اجتماع عرف باجتماع السقيفة وتأخر دفن النبي (ص) حوالي أربعين ساعة , و النبي (ص) مسجى لم يدفن إلى أن ابرموا أمر الخلافة لأبي بكر (ر) , فمن هم هؤلاء الذين أبرموا أمر الخلافة ؟؟

يسميهم الفقهاء فيما بعد أهل الحل والعقد , ولكن كيف صاروا أهل حل وعقد ؟؟

يبدو لي أنه كان هناك افراز تلقائي عفوي, أي عرف سادات الصحابة وأهل الشورى منهم وسلم الناس لهم تلقائياً وكان فيهم السابقون أمثال أبي بكر وأبي عبيدة وكان فيهم من أهل العلم والفتوى وكان فيهم من سادات الأنصار وكان فيهم من آل بيت رسول الله (ص) كالعباس وعلي (ر) , كأنه كان إفراز طبيعي أو تلقائي ولم ينافس أحد هؤلاء أو يزاحمهم , وقدموا بالتزكية وسلم الناس لهم فيما قرروا .

مثال آخر: النبي (ص) توفي وتولى الأمر أبو بكر (ر) وكانت تعرض عليه قضايا كان يستشير فيها أهل الشورى وأهل العلم , وعمر كذلك وقد اعترض بعض أهل الشورى على عمر أنه أدخل معهم شابا صغيرا اسمه عبد الله بن عباس , لكن عمر أدخله لعلمه , وأراد أن يقيم عليهم الحجة فسألهم : ما تقولون في قول الله تعالى : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فما عرفوا , فقال ابن عباس هو أجل رسول الله (ص) , فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تقول , فأقام عليهم الحجة وأراهم بأن لديه علما , وبالتالي له أن يدخل في أهل الحل والعقد أو في أهل الشورى .

مثال : لما هاجر النبي (ص) إلى المدينة وكان هناك دولة قائمة ولها ترتيبات فلا يعقل أن كل قضية ترفع إلى النبي (ص) بشكل مباشر , حيث ترفع إليه القضايا المتعلقة بالدين ( الحلال – الحرام ... ) حيث يُسأل دون حاجب أو بواب, ولكن هناك قضايا الإدارة والدولة وتمثيل الناس , فماذا فعل النبي (ص) ؟؟

قال للأنصار : أَخرِجوا لي منكم اثني عشر نقيباً , ورد الأمر إليهم فقال : أَخرِجوا أنتم ومنكم , ولم يفرض عليهم , فأفرز الأنصار منهم اثني عشر نقيباً , وهذا ألا يعتبر شكلا من الافراز أو الانتخاب ؟! وسلمت به الأمة ومضت الأمور هكذا في المرحلة الأولى .

- ما هي الصورة العملية التي تمت بها الولاية لكل من الخلفاء الراشدين ؟

هل عهد النبي (ص) بالخلافة إلى أبي بكر أو إلى غيره ؟

أهل السنة يقولون لا يوجد نص صريح بتولية الخلافة لأبي بكر ولا لعلي ولا لأحد من أصحاب رسول الله (ص) ويقولون في معرض الرد على الشيعة أنه إن كانت هناك نصوص فالنصوص تشير إلى أبي بكر (ر) , وهذه النصوص في حقيقة الأمر ليست صريحة فهي إشارات ربما فهم منها الصحابة , فمثلاُ : جاءت امرأة إلى النبي (ص) تطلب شيئاً فقال : ما عندنا , انتظري حتى يأتي مال البحرين , فقالت : إن لم أجدك , قال : اذهبي إلى أبي بكر , فهل هذا يعني أن أبا بكر خليفة ؟ هي تحتمل ذلك لكن لا تعني بالضرورة , وربما أقوى إشارة كانت مع قرب وفاة النبي (ص) , حيث ما عاد يستطيع أن يخرج إلى الصلاة , فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس , وحاولت عائشة (ر) أن تصرف هذه المهمة عن أبيها لِما علمت من ضعفه وبكائه ورقته فقال (ص) : مروا أبا بكر فليصل بالناس , فالصلاة ليست خلافة ولا تعني تنصيب أبي بكر خليفة لكن فيها إشارة .

فعندما توفي النبي (ص) ولم يعهد , اجتمع وجهاء الصحابة في سقيفة بني ساعدة وتأخر دفن النبي (ص) أربعين ساعة , وهذا يدل على حجم الخلافات والنقاشات والحوارات فيما بين الصحابة , وهذا شيء طبيعي , وبالتالي ليس غريباً إذا اجتمع أهل الحل والعقد عندنا وتحاوروا وتناقشوا لأنهم في النهاية سيصلون إلى رأي , فقد كان هناك المهاجرون من طرف والأنصار من طرف , والأنصار فيهم الأوس وفيهم الخزرج , والمهاجرين فيهم السابقون وفيهم اللاحقون وفيهم من آل البيت , وبعد نقاش طويل وحوارات انتهى الأمر إلى أن عمر أخذ بيد أبي بكر وبايعه وتبعه الناس.

هناك من يقول إنه لا يوجد شيء في الاسلام اسمه تصويت , ولكن في سقيفة بني ساعدة كان هناك رأي غالب وجاءت النتيجة وفقاً للرأي الغالب , بغض النظر فيما إذا كان التصويت برفع اليد أو بدون رفع اليد أو التصويت عن طريق الكمبيوتر أو بدونه , فلا تعنينا الوسائل , فهو رأي أغلبية , وذكر في حينها أن بعض الصحابة قالوا في ترجيح ولايته وخلافته : رضيه رسول الله (ص) لديننا أفلا نرضاه لدنيانا , فكانت كأنها من باب قياس الأولى .

وإذا نظرنا إلى ولاية عمر (ر) بعض الناس تقول هي ولاية عهد أو أن أبا بكر عهد له بالخلافة وبالتالي صار خليفة بعهد أبي بكر , وهناك بعض العلماء المحققين يقول إن ولاية عمر إنما تمت ببيعة الصحابة (ر) له , فأبو بكر لم يطلب من الناس في حياته أن يبايعوا عمر , فنحن نتكلم عن بيعة وأن النصوص تتكلم عن صفقة يدٍ , فكأن البيعة تنعقد في هذه اللحظة , وبالتالي غاية ما يمكن أن يقال في عهد أبي بكر أنه ترشيح وهذا الترشيح ما جاء إلا بعد استمزاج وتقدير لآراء الناس , فأبو بكر نفسه (ر) يعرف من حوله من الصحابة ويقدر من يمكن أن يكون هو الخليفة من بعده وكان في ذهنه أن الأمر يدور بين أشخاص محدودين , منهم عمر وعثمان وعلي , وهو رأى أن المرحلة تحتاج إلى رجل حازم فأشار إلى الناس أو رشح للناس أو عهد للناس أن يجعلوا أو ينتخبوا عمر خليفة لهم , وسادات الصحابة أصحاب رأي أيضاً ولا يملي عليهم أحد بمعنى أنه لا يتصور أن يقال إنهم أكرهوا أو أجبروا أو خافوا من عمر , ولو أرادوا أن يمتنعوا لامتنعوا , لكن ما نقل أن أحداً منهم تردد في بيعة عمر .

وبالتالي نقول إنما انعقدت الخلافة لعمر رضي الله عنه ببيعة الصحابة وهم أهل الحل والعقد , فكان هذا اختياراً ضمنياً منهم , ومثل هذا تكرر في قصة عثمان (ر) لكن بصورة أوسع , حيث كان هناك الترشيح لواحد , بينما عمر رشح ستة وما نازعه أحد , وترك الأمر لهؤلاء الستة لأنه رأى أن هؤلاء خيرة الناس , وهؤلاء فيما بينهم جرت حوارات وانسحب بعضهم وانتهى الأمر بين علي وعثمان , ثم صار الحكم عبد الرحمن بن عوف , خرج يستشير الناس , فإذاً القضية في النهاية مردها إلى الناس ولم يمل على الناس شيئاً .

سؤال : هل بالإمكان أن تعقد بيعة مشروطة ؟؟

نستطيع أن نضيف ما يمكن أن نسميه ( البيعة المشروطة ) فعبد الرحمن بن عوف قال لعلي : نبايعك على أن تسير بنا بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر , وعلي فقيه مجتهد وقد خشي أن يلزم نفسه بشيء من اجتهادات الشيخين وتأتي ظروف لا تناسبها هذه الاجتهادات فأبى ورفض , فقال عبد الرحمن لعثمان نبايعك على أن تسير بنا بسيرة الشيخين , فقال : نعم , وتمت البيعة وقام الناس وبايعوا وما سمعنا أنه وجد اعتراض أو رأي آخر مخالف أو معارض وحتى علي كان من السابقين لبيعة عثمان وبقية الستة كانوا من السابقين لبيعة عثمان , وهكذا نرى كيف اقترح مرشح وسلم الناس له ولم يوجد مرشح آخر ولم يوجد رأي آخر ولا يوجد اعتراض أو رفض لهذا الترشيح وتمت البيعة فانعقدت الخلافة بهذه البيعة فعلاً .

النتيجة الفقهية التي ذكرها بعض أهل العلم أنه بالإمكان أن نبايع إماماً بيعة مشروطة, فما يعنينا الآن أمام حديث الآخرين عن تنظيم السلطات والحيلولة دون تحول السلطة إلى دكتاتورية , فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة , ويبدو أن الحكام كلما طال الزمان كلما ازداد تعلقهم بالكرسي , فنحن يمكن أن نشترط عليه سلفاً مدة محددة كإمام للمسلمين , وهذا الأمر ليس فيه أية إشكالية , فأهل الحل والعقد هم أصحاب القرار الحقيقي بتنصيب الإمام ولهم صلاحية نزع أو خلع الإمام إذا وجد ما يستوجب خلعه , وبالتالي يمكن أن تعطى له ولاية مقيدة بأربع سنوات مثلاً أو خمسة , ويمكن أن تقيد بمدة أو مدتين أو ثلاثة تقديراً للمصلحة , فليس في الشرع ما يمنع أن نعطي بيعة مشروطة , فكما أن عبد الرحمن بن عوف حاول أن يأخذ من علي بيعة مشروطة فرفض وأخذها من عثمان فقبل , فهذا الأمر يستأنس به هنا .

سؤال : هل يعتبر إقرار الفقهاء بعد ذلك لولاية العهد التي استحدثها معاوية ـ إقراراً صحيحاً وفي ظروف موضوعية صحيحة محايدة ؟؟

هذه البيعة لم تكن في ظروف عادية بل في ظروف استثنائية , وقد طال الزمان ونحن نتمسك بهذا الاستثناء حتى صار الاستثناء هو الأصل ( فقه الخضوع , وفقه الخنوع , وبحجة الموازنة و درء المفسدة ... ) , فيبدو لنا أن معاوية لما اجتهد كان اجتهاده لدرء فتنة , وحتى لا يعود الناس للاقتتال , كما أن الصحابة والتابعين الذين سلموا أو سكتوا ولم يعترضوا كان في ذهنهم خشية العودة إلى الفتنة والاقتتال , إذاً الدافع كان درء مفسدة , لكن هل يعني بالضرورة إقرار ولاية العهد في ذلك الوقت ـ إقراره ليكون طريقاً شرعياً صحيحاً على مدى الزمان ؟!! لا يعقل ذلك خصوصاً أن النبي (ص) ذكر تلك المرحلة بوصف مذموم ( ملكاً عضوضاً ) وهذا هو مبدأ الانحراف في السياسة , فبعد أن كان تنصيب الإمام بيد أهل الحل والعقد أهل الشورى صار بيد الحاكم , إذاً لا يمكن أن نعتبره فقهاً مستمراً ولا تصرفاً صحيحاً أو طريقاً من الطرق الصحيحة لتنصيب الإمام .... ومن باب أولى فإن ولاية المتغلب أقرها الفقهاء درءً لمفسدة وهذا استثناء .

ـالنتيجة :  إذاً الصورة الشرعية الوحيدة هي بيعة أهل الحل والعقد ( أهل الشورى , أما ولاية المتغلب وولاية العهد فهي فقه استثنائي ) .

كلامنا كله كان عن خاصية أساسية في الدولة الاسلامية هي قضية الشورى .

ثانياً: مبدأ الفصل بين السلطات :

وهو مبدأ موجود في الفقه الوضعي , وهو يعني الفصل بين سلطات الدولة الثلاث : التشريعية و التنفيذية والقضائية .

ويعني أنه لا يجوز تركيز كل هذه السلطات بيد شخص واحد حتى لا يستبد , وبالتالي لا بد من الفصل بين هذه السلطات , وعند اللزوم يخضع الحاكم للمساءلة أمام القضاء ..... فهل هذا المبدأ كان موجوداً في الدولة الإسلامية , أم تركزت السلطات في يد الإمام ؟؟

الحاكم في الدولة الإسلامية يعين القضاة وهو يقضي أيضاً , كما أنه يخضع للقضاء ولا يستبد , ويطبق مبدأ الشورى ويلتزم برأي الأغلبية ..... إذاً فمبدأ الفصل بين السلطات من حيث نتيجته مرعي عندنا , فالحاكم لا يستبد بالسلطة التشريعية ولا يستبد بالسلطة القضائية وهو خاضع لرقابة أهل الحل والعقد , فإذا أخل بشروط الولاية حاسبوه وعزلوه إذا احتاج الأمر إلى العزل .

ثالثا: مبدأ حق المواطنة للجميع :

هل هذا المبدأ موجود في الدولة الاسلامية أم لا؟ أو هل يعامل الإسلام مواطني الدولة غير المسلمين معاملة مواطن منقوص المواطنة , أم أن له كامل حقوق المواطنة ؟؟؟

ـــ نعود إلى أول تطبيق للدولة الإسلامية في عهد النبي (ص) في المدينة , فاليهود كانوا موجودين أصلاً حتى قبل تأسيس الدولة الإسلامية , واعتبرهم النبي (ص) مواطنين في الدولة وشركاء فيها , وحملهم مسؤوليتها أيضاً , طبعاً لما غدروا عاقبهم على غدرهم , كما أقرهم في موطنهم باعتبارهم كانوا موجودين من قبل , وقد طبق نفس هذا المبدأ في النماذج الأخرى لدولة الإسلام , وبالنتيجة لولا أن الإسلام أقر حقوق المواطنة لهؤلاء لما بقي منهم إلى يومنا هذا أحد .

ـــ أيضاً : عمر لما وجد ذلك الرجل الذمي يتسول في المدينة فسأله : فقال له الذمي أنه مطلوب منه أن يدفع الجزية وليس لديه أي مورد , فأخذه عمر وأسقط عنه الجزية وصرف له معونة من بيت مال المسلمين أي أن عمر اعتبره مواطنا واعتبر نفسه مسؤولاً عنه , أما الجزية فهي بمثابة إعلان خضوع من طرفهم والتزام بالحماية من طرفنا.

رابعا: مبدأ العدالة والمساواة بين جميع المواطنين :

أي إعطاء كل ذي حق حقه , وهو يتجلى عندما تنصف الغير من نفسك , وهذا الإنصاف موجود بين المسلمين وقد أعطيناه لغير المسلمين أيضاً , فالجميع ابتداءً متساوون ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ) , ولا يوجد تفرقة بسبب عرق أو جنس أو لون , فالجميع سواء .

خامسا: حماية الحقوق والحريات الشخصية والعقدية :

ــ نبدأ بالعقدية : يقول الله تعالي ( لا إكراه في الدين ) , ( وما أنت بمكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) , وواقع الحال أننا أقررنا أهالي البلاد المفتوحة على أديانهم , وحتى المجوس قال عمر: سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم .

ــ الحريات الشخصية : أي الإقامة والسكن والتنقل والسفر والعمل والكسب .... كل هذا مرعي بما لا يخل بالنظام العام .

ــ التعبير عن الرأي : وله نوعان : فقد يكون القصد منه التشويش والتشويه وإثارة الشبهات والتلبيس على الناس في دينهم وهذا لا يجوز , وقد يكون القصد منه الحوار , فنحن لا نصادر ولا نمنع الحوار , قال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن )

سادسا: الـرقابـة :

حتى لا ينتهي الأمر بالإمام إلى الاستبداد لا بد من الرقابة , فالإمام بشرٌ وليس معصوماً , فالرقابة لا بد منها , وهذه الرقابة موجودة في الدولة الإسلامية ولها الصور التالية :

1)ـ رقابة ذاتية : أي رقابة الحاكم لنفسه من تلقاء ذاته , ويضع العلماء قاعدة ( تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة ) .

2)ـ رقابة من قبل الأفراد في الدولة الإسلامية : وهذه الرقابة تشمل الأمور التي ظهرت للناس , فمن حقهم أن يسألوا , مثال : صعد عمر على المنبر ليخطب فقال : اسمعوا واطيعوا , فقال أحد الناس : لا سمع ولا طاعة , قال له : لماذا ؟ فقال : لقد أعطيت لكل واحد قطعة من الثياب لا تكفي لصنع ثوب , فكيف صنعت أنت ثوبا منها , فأجاب ابن عمر , وقال إنني أعطيت قطعتي لأبي فأكمل بها ثوبه , قال : الآن سمعاً وطاعة .

 قال عليه الصلاة و السلام: ( لـتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ) وهذا الخطاب للجميع وليس فقط إلى أهل الحل والعقد .

3)ـ ولكن إذا قصر الأفراد كلهم في الرقابة , فيجب على أهل الحل والعقد مراقبة الحاكم , لأنهم هم السلطة التي نصبت الإمام وهي السلطة التي تراقب وتحاسب الإمام وتعزله عند اللزوم . 

بل إن الإمام أو الحاكم يعلم الناس , فأبو بكر من أول يوم قال : أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني , وقال (ص): ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) , وقال أيضاً ( سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله ) .

هذه أهم خصائص الدولة الاسلامية وبناء على ما سبق يمكن أن نطرح التساؤلات الحالية و الاجابة عنها:

ــ الموقف من الديمقراطية والعلمانية :

مفهوم الديمقراطية : وهي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه , وبالتالي لا يوجد قيود وما يريده الشعب في النهاية هو القانون , وكل شيء قابل للتغيير بناءً على رغبات الشعوب .

هل من الممكن أن تكون الدولة الإسلامية دولة ديمقراطية , أي هل نقبل بأسلوب العمل الديمقراطي في الدولة الإسلامية ؟؟؟

قبل أن نجيب نقول لو أننا استطعنا تقديم نموذج الدولة الاسلامية من خلال مجلس أهل الحل و العقد الذي ينصب الامام فلسنا بحاجة إلى أن نقلد الآخرين أو أن نأخذ من أساليبهم ، ولكن لو فشلنا فما الحل ؟

إن النهج الديمقراطي يشتمل على جانبين : الأول جانب عملي , والثاني جانب فكري :

ــ الجانب الفكري : مفهوم الديمقراطية مرتبط بالعلمانية , فعندما يحكم الشعب نفسه بنفسه فهو لا يلتزم ولا يتقيد بدينه أيضاً , لذلك أصبح هناك تلازم بين الديمقراطية والعلمانية , فالديمقراطية هي وسيلة للمرجعية العلمانية , لذلك فالعلمانية مرفوضة عندنا , والسبب في ذلك أن مصطلح العلمانية أصلاً متناقض : فعندما يقولون بفصل الدين عن الدولة يُملون بنفس الوقت دينهم علينا وهو (العلمانية) , فالعلمانية دين لأنها تحلل وتحرم , والدليل قوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ) فقال عدي ابن حاتم : يا رسول الله ما عبدوهم من دون الله, قال النبي (ص) : ألم يحلوا لهم الحرام ويحرموا عليهم الحلال , ألم يطيعوهم , فتلك عبادتهم إياهم.

فإذا قارنا وقلنا : الربا حرام شرعاً , العلمانية تقول الربا حلال , نقول الزنا حرام , والعلمانية تقول الزنا حلال , نقول الشرك والكفر حرام , والعلمانية تقول هذا حرية رأي , نقول الجهاد واجب , والعلمانية تقول هذا إرهاب .... إذاً فالعلمانية دين , وتحت ستار إقصاء الدين عن الدولة يفرضون علينا دينهم فهذا مرفوض قطعا و من حق أمتنا أن تحكم بدينها .

ــ الجانب العملي : من الناحية العملية فإن الديمقراطية هي منهج أو أسلوب أو آلية تعتمد الصناديق أو الانتخابات , وهم ذاتهم يقرون أنه يعتريها عيوب مثل التسوية بين العالم والجاهل وبين الكبير والصغير ..... 

بالنسبة لنا فإنها كوسيلة تُدرس ويُؤخذ منها ويرد وتقيد , وبالتالي ليس هناك مانع في الشريعة من حيث المبدأ من اعتماد هذا الأسلوب كوسيلة ,

طبعاً سيُعترض هنا اعتراضات عديدة , أولها أننا نساوي بين المسلم وغير المسلم في التصويت أو الانتخاب , نرد على ذلك : أننا عندما ننجح في البداية في أن نجعل المرجعية الإسلامية في الدستور فلا يوجد مشكلة , فعندما يرضى الآخرون بالمرجعية الإسلامية فلن يكون بعد ذلك سلطان لغير المسلمين أن يخلوا بالتزاماتنا تجاه ديننا وبالتالي سيكون تصويت الناس فيما يمس معاش الناس وخدماتهم وقضاياهم مما لا يمس بديننا وعقيدتنا .....

من الاعتراضات أيضاً : أن الحكم الشرعي سيُعرض للتصويت , والحق حق لا يعرض على التصويت , وهذا الكلام يشمل جانبين :

 ـ الأول : الاستفتاء على الدستور أي معرفة فيما إذا كان الناس سيرضون أن يكون هذا الدستور بمرجعية اسلامية أم لا , وهنا لا نجبر الناس فالشعوب الإسلامية إما أن تكون حريصة على دينها وبالتالي ستطالب بالمرجعية الإسلامية , وهذا الأمر سيكون من باب إقامة الحجة على الآخرين وليس من باب عرض الإسلام على الناس لمعرفة هل هو حق أم باطل .

ـ الثاني : بعد أن نقر المرجعية الإسلامية سيكون هناك تصويت على قضايا أخرى نرجع فيها للاجتهاد , فعندما يكون التشريع الإسلامي هو المرجع الأساسي فأي مشروع سيطرح ينبغي أن ينظر إليه في ضوء منظار الشرع وما عدا ذلك فالباب واسع : - تنظيمات – إدارات – مصالح مرسلة .....  فيصوت عليها من شاء ولا يوجد أي إشكالية , فهذا المواطن غير المسلم شريك في هذا الوطن .    

تساؤل: ولنفترض أنه من البداية رفض الشعب التصويت للمرجعية الإسلامية في هذا البلد , فهذا يعني أنهم لا يستحقون , وهم أحرار في ذلك , ولا يفرض عليهم الدين , فعلينا نحن أن نلجأ إلى أسلوب الدعوة وتحبيب الناس في الدين ولا يمكننا أن نفرض الشريعة عليهم بالقوة وذلك لغياب الدولة الإسلامية .

النتيجة : إذاً نحن نقبل بالديمقراطية باعتبارها وسيلة وأسلوب دون أن تكون مرجعية لنا لأن الأصل في الوسائل والأساليب الإباحة ما لم يرد نص يمنع , وأما المحاذير التي يذكرها الآخرون فنحاول أن نتفاداها ونتغلب عليها , كما أننا عندما نقر المرجعية الإسلامية في الدستور فنكون قد تجاوزنا كثيراً من هذه المحاذير التي يتكلم عنها الآخرون , أما الديمقراطية بمرجعيتها العلمانية الفكرية فهذه مرفوضة وغير مقبولة في الأحوال العادية .

الدولة المدنية :

سؤال : ماهي صفة الدولة الاسلامية : هل هي دولة دينية أم مدنية؟

بداية إذا كان القصد أنها دولة مدنية في مقابل الدولة العسكرية , فهي دولة مدنية وليست عسكرية, ولكن السؤال الأهم والذي هو محل اختلاف حتى بين العلماء : هل هي دولة مدنية في مقابل دولة دينية ؟ أم أنها دولة دينية ؟؟

بداية نوضح معنى الدولة المدينة كما هي في مصطلح من وضعوا هذا المصطلح:

عانى الناس في الدول الغربية من سطوة الكنيسة وانحرافها مع سطوة الإقطاعيين , وأصبح رجل الكنيسة يمثل عند الناس تلك الصورة السيئة للجشع والطمع والتستر باسم الدين , فثار الناس على الكنيسة وعلى الإقطاع وأصبحوا يقولون أنهم يريدون دولة مدنية وطالبوا بفصل الدين عن الدولة ( أي بالعلمانية ) .... إذاً فثورة الناس عندهم على السلطة الدينية كان بسبب انحرافها وكذبها .....  وهذا الكلام كله غير موجود عندنا ولا يوجد عندنا حاكم يدعي أنه ظل الله في الأرض أو يُوحى إليه , إذاً فالمحاذير التي خشي الناس منها غير موجودة عندنا أصلاً , وعندنا حاكم هو بشر يخطئ ويصيب وهو خاضع للمساءلة , وعندنا حرية الأديان مكفولة للآخرين , وبالتالي عندما ننظر إلى خصائص ومواصفات الدولة الإسلامية نرى أنها أقرب إلى ما يسمى عندهم ( دولة مدنية ) لذلك لا نستطيع أن نسمي الدولة الإسلامية دولة دينية طبقاً للمفهوم الذي كان عندهم , وبالتالي لا مانع من أن نسميها دولة مدنية , ولكن حتى ندفع اللبس الذي نشأ عند البعض من أن أولئك يقولون بفصل الدين عن الدولة فإننا نصر على أن نقول إنها دولة مدنية ولكن بمرجعية إسلامية .

ولكن للأسف بعض الناس وبقصد التشويش والتشويه أصبح يطرح الطرح التالي :

الجماعة الفلانية  تدعو إلى دولة إسلامية , وهؤلاء يدعون إلى دولة مدنية , فهل فعلاً أن هؤلاء يدعون إلى دولة مدنية ؟!! وهل هم رافضون للدولة الاسلامية؟

إن الإخوان مثلا يدعون إلى دولة إسلامية وسبقوا كل الجماعات الإسلامية , فأول جماعة إسلامية أنشئت بعد اسقاط الخلافة ونادت بإعادة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية هي جماعة الإخوان المسلمين، و لكنهم مع ذلك يبينون وجهة نظرهم أن هذه الدولة هي دولة مدنية بمعنى أنها ليست دولة دينية بالمفهوم الكنسي في عصور الظلام في أوروبا .

فلا ينبغي أن يثار هذا الأمر للتشويش و التشكيك و لكن نتواصل و نتحاور و نصل الى ما يحقق مصلحة البلد و الأمة .