المواطنة

د. حامد بن أحمد الرفاعي

د. حامد بن أحمد الرفاعي

المُواطنَةُ في الإسْلامِ متعددةٌ(قُطريِّةٌ..وإقليميِّةٌ..وقاريِّةٌ..وكونيِّةٌ) الأصلُ في المُواطنَةِ أنْها كونيِّةٌ لقوله تعالى:"وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ"والأرضُ مَنبتُ الإنسانِ ومُستعمرتُه التي استعمره الله تعالى فيها لِقولهِ جلَّ شَأنُه:"هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"والأرضُ خِزانَةُ رزقِ الخلائق لِقولهِ سُبحانهُ:"أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا"وهي ميدانُ سَعي الإنسان وكدحِهِ لِقولهِ تباركت أسماؤه:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"والنَّاسُ أسرة واحدة ورحمُهم واحدٌ لِقولهِ تعالى:"الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً"والنَّاسُ مُستخّلفونَ في الأرضِ منْ أجلِ عَمارتِها وإقامةِ الحياةِ في ربوعِها لِقولهِ تعالى:"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً"وعَمارةُ الأرضِ مسؤوليةٌ مُشتركةٌ بينَ النِّاسِ جميعاً لقوله تعالى:"وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"وإصلاحُها وعدمُ إفسادِها واجبٌ بشريٌّ جمعيٌّ لِقولهِ تعالى:"وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"والتعاونُ والتدافعُ واجبٌ لصرفِ الفسادِ والإفسادِ لِقولهِ سُبحانهُ:"وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ"وأقَامَ اللهُ قاعدةَ التسَابُقِ في الخَيّرِ لِقولهِ تعالى:"فَاسْـتَـبِـقُـوا الْخَـيْرَاتِ"وشرِّعَ رسولُ اللهِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التنافُسَ في التنافُعِ فقالَ:"خيّرُ النَّاسِ منْ نِفعِ النِّاسِ"وأقامَ محمد صلى الله عليه وسلم وشيجةَ التضامُنِ والتراحُمِ بينَ النَّاسِ فقالَ:"لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لِنفسهِ" والأخوةُ هنا هي الأخوةُ الإنسانيِّةُ على الإطلاقِ  كما قال إبن رجب الحنبلي يرحمه الله تعالى..أجل إنَّ هذه المنظومةُ الربانيِّةُ التضامنيِّةُ الكونيِّةُ.. تُؤكدُأنَّ المُواطنَةَ ومسؤولياتِها تَشملُ الدوائرَ الثلاثةَ (القُطريِّةُ والإقليميِّةُ والقاريِّةُ والعالميِّةُ)..وهذا يَتسقُ تماماً معَ قولهِ تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".