هل المجنون أقدر، على انتزاع حريته ، من العاقل !؟

عبد الله عيسى السلامة

 ربّما .. أحياناً .. بشروط .. من أهمّها :

 *) ألاّ يكون جنونه مطبقاً ! فصاحب هذا الجنون حرّ في كل الأحوال ، لأنه لايشعر أصلاً ، بأيّ قيد يقيّد حريته عن فعل أيّ شيء !

 *) أن يكون جنونه من النوع الخفيف ، والمتقطّع غير المستمرّ طوال الوقت ..

 *) ألاّ يكون جنونه بسبب خلل عقلي ، أو عصبي ، لديه .. بل بسبب هوَسه بحبّ الحرية ، وهيامه بالقيم الرائعة السامية ، التي تجسّدها إنسانية الإنسان الحقّ !

 *) أن يشعر أن له حريّة مسلوبة ، وأن مِن حقّه انتزاعها !

 *) أن يشعر ألاّ شيء لديه يخسره ، إذا قتِل أو سجِن .. لأن فقد الحريّة ، يعني فقد الإنسانية ذاتها ! وليس ثمّة شيء أقدس منها لدى الإنسان ، حتى الدين ! لأن الدين إنما أنزل لمصلحة الإنسان ، ولجعله إنساناً سامياً كريماً فاضلاً ! فإذا فقد إنسانيته ، كان الدين بالنسبة له - هو شخصياً - مجرّد نافلة ، قد يعجز عن مجرّد التفكير بها، بلهَ الإفادة منها !

 *) أن تكون لديه همّة تدفعه إلى الفعل ، وجرأة أو شجاعة ، تقيه من الخوف ، وتصميم يحول بينه وبين التردّد ، ويمنعه من التخاذل ، أو التراجع !

 *) أن يكون قد اطّلع ، على قولة ذلك العالم الجليل الزاهد ، الذي قال في مواجهة أعدائه : ماذا يفعل بي أعدائي !؟ قتلي شهادة ، وحبسي خلوة ، ونفيي سياحة !

 *) أن تكون في صدره نفس حرّة حقاً ! تتسامى نحو الآفاق الأرحب ، من الحياة الإنسانية الكريمة النبيلة .. لانفس دنيئة تحاول التفلّت ، من قيود المجتمع الإنساني ، وأخلاقياته وآدابه ، ونظامه العامّ..وتعدّها قيوداً، تَحدّ من اندفاعها، لارتكاب الجرائم، المؤذية للمجتمع عامّة ، وللأفراد الذين يعيشون فيه ! وهذا النوع من النفوس ، لا يعَدّ مجنوناً أصلاً ، بهذا الهوس في تشهّي الجرائم .. بل لا يعَدّ حرّاً ، بالمفهوم الصحيح للحريّة.. إنما هو عبد لشهوات ، يسعى إلى إشباعها ، فإذا حيل بينه وبينها ، وعرف كلفة التمرّد ، على القوانين الضابطة لنزعات التفلّت ، خنَع واستكان ، ورضي بالأمر الواقع ، الذي تؤثره نفسه المستعبَدة لشهواتها .. تؤثره على العقوبات المؤلمة ، المترتّبة على مخالفة القوانين ! أمّا حقّ الإنسان في أن يقول : نعمْ لكذا .. ولا لكذا.. فهذا هو جوهر الحرّية وأساسها !

 *) أن يكون له من الوعي الفطري أو المكتسب ، مايجعله يتمثل معانى أبيات المتنبي ، حتى لو لم يكن قد سمع بها ، وهي :

 ـ وإذا لم يكن من الموت بدّ فمِن العجز أن تموت جبانا

وليس ثمّة موت ، أبشع من موت الإنسان ، الذي يعيش بلا حرية !

 ـ ذلَّ مَن يَغبط الذليلَ بعيشٍ ربَّ عيش أخفّ منه الحِمام

 وليس شيء في الدنيا ، يعدل في نفس الحرّ ، إحساسه بالذلّ والهوان !

 ـ ليس مَن مات فاستراح بميْتٍ إنّما الميْت ميّت الأحياءِ

 فالحياة بلا حرية هي ، بالضرورة ، ذلّ وقهر، وإحساس قاتل بالضآلة والمهانة ! وهذه كلها موت مع العناء ، أصعب بمئات المرّات ، من الموت الذي يَفنى فيه الجسد ، وترتاح النفس ، من شقائها وآلامها !

 *) أن يكون الموت بحدّ ذاته ، حريّة قائمة بذاتها ، يحصل عليها ، إذا عجزعن انتزاع حريته في الحياة !

 *) أن يكون قادراً ـ بما لديه من الصفات المذكورة ، أعلاه ـ على إقناع سالبي حريته ، بأن استمرارهم في ، سلب حريته ، يكلفهم ثمناً ، هو أكبر بكثير، من الفائدة التي يجنونها ، من سلب هذه الحرية !

 *) ويبقى السؤال الأخير، الذي يحقّ للقارئ أن يسأله ..هو :

 هل الصفات المذكورة هنا ، هي صفات إنسان مجنون !؟

والجواب هنا ، أيضا : ربّما .. أحياناً !

وسوم: العدد 746