الشاعر الداعية عمر بهاء الدين الأميري -1

clip_image002_2f9d4.jpg

( 1337ه/ 1918م= 1413 هـ / 1992 م )

هو أمير شعراء حلب، وشاعر الإسلام الحنون، وشاعر الإنسانية المؤمنة،  صاحب فكر وإبداع وتفوق، يعدّ عمر بهاء الدين الأميري رائداً من رواد الواقعية الإسلامية، بل إني لأعده عميد الشعر الإسلامي دون منازع، ....

ولادته، ونشأته:

clip_image003_03d64.jpg

ولد الشاعر عمر بن محمد بهاء الدين بك الأميري  في حلب عام 1337/1918م، وقيل أنه من مواليد 1334 هـ / 1915م، ونشأ في كنف والده محمد بهاء الدين بك الأميري، نائب حلب في مجلس المبعوثان العثماني ..وأما والدته الفاضلة فهي سامية الجندليّة، ابنة حسن رضا، رئيس محكمة الاستئناف في حلب، وعائلة الأميري عائلة كريمة معروفة في مدينة حلب وفي سورية.

دراسته، ومراحل تعليمه:

درس عمر بهاء الدين الأميري الابتدائية والإعدادية في مدينة حلب.

ثم حصل على الشهادة الثانوية في الآداب والعلوم النفسية، وكان متفوقاً في مراحل دراسته.

ثم درس الأدب وفقه اللغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة السوربون في باريس عاصمة فرنسة عام 1937م، وفيها استطاع شاعرنا أن يثبت في وجه التيارات الفاسدة.

ودرس الأميري الحقوق في الجامعة السورية بدمشق عام 1940م ..

أعماله، ومسؤولياته:

وبعد تخرجه عمل عمر بهاء الدين الأميري معلماً، فدرّس علوم الاجتماع، والنفس، والأخلاق، والتاريخ، والحضارة في مدرسة تجهيز حلب عام 1946م.

كما عمل في التدريس بدار المعلمات بحلب، ودمشق.

وعمل في التعليم الإسلامي الخاص، فتولى إدارة المعهد العربي الإسلامي بدمشق.

فأسهم الأميري في بث الروح الإسلامية بين طلابه في المعهد الذين سعدوا بالاستماع إليه.

وبعد حصوله على شهادة في الحقوق مارس مهنة المحاماة في حلب ردحاً من الزمن، فكان مثالاً للمحامي النزيه، والقاضي العدل، لا يترافع إلا مع الحق، ولا يقضي إلا بما يقره الشرع، وشارك في بعض مؤتمرات اتحاد المحامين العرب، فكان فيها نجماً، وكان له في قراراتها تأثيراً ملحوظاً.

وصار عضواً في اللجنة العلمية في الكلية الإسلامية بحلب.

جهوده في تأسيس الحركة الإسلامية في سورية:

clip_image005_64c88.jpg

انتسب عمر بهاء الدين الأميري في شبابه المبكر إلى الحركة الإسلامية الوليدة في سورية، حيث شارك مع ثلة من الدعاة الشباب في تأسيس دار الأرقم الإسلامية في حلب عام 1937م، وكان منهم: القاضي عبد الوهاب ألتونجي، والمحامي عبد القادر السبسبي، وعبد الحميد الأصيل، وشقيقه سامي الأصيل، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ طاهر خير الله، ثم شارك في تأسيس حركة الإخوان المسلمين في سورية عام 1945م في سورية، ومصر، وكان الساعد الأيمن للشيخ د. مصطفى حسني السباعي – رحمه الله –، وقد تأثر بفكر الإمام الشهيد حسن البنا، وطريقته الإصلاحيّة، وانتسب إلى (جماعة الإخوان المسلمين)، وتولّى مناصب قياديّة فيها، وهي لا تزال في مرحلة التأسيس، واختير عضواً في مكتب الإرشاد للجماعة سنة 1367/1948.

وكان يثني على هذه الجماعة وعلى مؤسّسها، ويرى أنها الحركة الإسلاميّة التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمّة الإسلاميّة من كبوتها، وتحرّرها من ربقة الاستعمار.

وكان متفائلاً بمستقبل هذه الحركة حيث يقول: إن المستقبل لهذه الحركة الإسلاميّة إذا توفّر لها الفهم الصحيح للإسلام، والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون.

لقد دخلت دعوة البنا الى سوريا ، فرعاها رجال أفذاذ من أمثال الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار ، والأستاذ الشاعر عمر بهاء الدين الأميري ، والمحدث عبد الفتاح أبو غدة ، والقاص محمد المجذوب ، والعالم الرباني محمد الحامد، والمفكر سعيد حوى  ....وغيرهم كثير . 

ولقد كتب الأستاذ أحمد الجدع مقالة قيمة جعلها تحت عنوان ( الإمام حسن البنا، والشاعر عمر الأميري ) يقول فيها:

(كانت شخصية حسن البنا آسرة، لا يقابله رجل، ويستمع إليه إلا أقنعه بما يدعو إليه، أو أثار إعجابه واحترامه، يشهد على ذلك كتابات الذين اتبعوه، وآمنوا بدعوته والذين استمعوا إليه، ولم يدعوا بدعوته، كلهم أجمع على احترامه والإشادة بأخلاقه وسحر بيانه.

وممن قابل البنا، وأحبه، ونادى بدعوته الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري، فقد حمل هذا الشاعر الكبير فكر الإمام البنا إلى القطر السوري ، ونادى به، وعمل له.

ولأن الأميري شاعر تسبق العاطفة إلى وجدانه فقد دفعه حبه للإمام إلى الإشادة به شعراً، وقد نشر قصيدته التي أشاد فيها بالإمام الشهيد ودعوته في العدد الثاني من مجلة "المسلمون" التي صدرت عام 1948م، وكان صاحب امتيازها الإمام الشهيد، ومدير تحريرها الداعية سعيد رمضان، وقد توقفت هذه المجلة عن الصدور بمصر باستشهاد صاحب امتيازها.

القصيدة لا تجدها في دواوين الأميري المطبوعة، لهذا فهي تعد من نوادر القصائد الإسلامية المعاصرة، وأحب هنا أن أثبتها كاملة كوثيقة تاريخية من وثائق الدعوة الإسلامية المعاصرة، لا بد أن تعرض على من يعمل على كتابة التاريخ الأدبي لهذه الدعوة التي أمتد تأثيرها إلى كل الأقطار على امتداد الكرة الأرضية.

يقول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري واصفاً الإمام حسن البنا:

أنت لو أبصرت في 

أو لمست عقله

أو سمعت جرسه

أو رأيت خلسة

مشفـــــــــــــــــــــــــــــــــــقاً مستبــــــــــــــــــــــــشراً

 

غور همِّ بسمته

وهو يهدي حكمته

وهو يدعو دعوته

في صلاة وقفته

كم يغــــــــــــــــــــــــــالب عـــــــــــــــــــــــــــبرته

      وتحدث الأميري عن رحمة الإمام وعطفه على الناس، وتسامحه مع المخطئين، فلو رأيت هذه الصفات في ذلك الإمام لأحببت روحه وعشقته:

أو تأملت على

من كريم عاثر

ومصاب بأذى

لعشــــــــــــــــــــــــــــــقت روحــــــــــــــــــــــــــــــــه

 

أهل خطب عطفته

جد يمحو عثرته

راح يأسو كربته

صـــــــــــــــــــــــــــاغ منــــــــــــــــــــــها رحمــــــــته

      ويعجب شاعر الإنسانية المؤمنة (الأميري) من ذلك الجدّ والعزم والجهاد الذي تحلى به الإمام، فيقول:

ثم لو شمت إذا

وإذا الداعي دعا

وعلى الباغي على

قلت هذا قسور 

وهــــــــــــــــــــــو في الواقع شــــــــــــــــــــــــهم

 

جد جد عزمته

لجهاد همته

أي حق غضبته

هاج يزجي ضربته

ثــــــــــــــــــــار يحـــــــــــــــــــــــمي أمتــــــــــــــــــــــــــه

     فهو صيحة الماضي المجيد، وثورة الحق على الباطل، بذل قصارى جهده لنهضة أمته، فيا له من ملاك طاهر:

صيحة الأجداد في

وأنين المجد  في الأصفاد

إنه صورة شعب

إنه جيل من الإسلام

أنت لو أبصرته

بشــــــــــــــــــــــر مـــــــــــــــــــــــــــــــــــن مـــــــــــــلك

 

الأحفاد حاكت صيحته

أورى ثورته

هب يغزو وثبته

يبني نهضته

لقدرت قدرته 

قـــــــــــد تلـــــــــــــــــــقى فطـــــــــــــــــــــــــــــــــرته

       فالإمام البنا يبتسم حين تشتد المحن، وتتعاظم الهموم، إنه ابتسام الواثق من ربه، ومن قدرة الله على تفريج الكروب وجلاء الهموم.

والإمام البنا – على صغر سنة- ذو حكمة بالغة، أنضجها مبكراً هذا العقل الكبير الذي وهبه الله له .

ولقد وهب الله الإمام البنا صوتاً ساحراً متقبلاً، يدفع السامعين إلى الإنصات له وهو يدعو إلى ما آمن به.

وكان البنا كثير الصلاة كثير القيام، إذا نظرت إليه في صلاته وجدته خاشعاً باكياً، يغالب العبرات، وهو متفكر في قدرة الله، داعياً أن يعينه على المهمة التي حملها  لبعث أمة الإسلام من مرقدها .

أنت لو أبصرت في

أو لمست عقله

أو سمعت جرسه

أو رأيت خلسة

مشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفقاً مســــــــــــــتبشراً

 

غور هم بسمته

وهو يهدي حكمته

وهو يدعو دعوته

في صلاة وقفته

كم يغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالب عــــــــــــــــبرته

        ثم إن البنا لا يشغله شاغل عن مواساة ذوي الخطوب والنوازل، فهو مع أهل الكرم الذين تصيبهم العثرات، يقيل عثراتهم، ويقف إلى جانبهم، وهو إذا رأى مصاباً (بأذى) راح يواسيه، ويعمل على مداواة جراحه ومآسيه.

هذه الصفات التي تحلى بها الإمام هي التي تحبب الخلق به، وتدفعهم إلى الإيمان بدعوته.

أو تأملت على

من كريم عاثر

ومصاب بأذى

لعشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقت روحـــــــــــــــــــــــــــه

 

أهل خطب عطفته

جد يمحو عثرته

راح يأسو كربته

صـــــــــــــــــــــاغ مــــــــــــــــــــــــنها رحمتــــــــــــــــه

هذا الرجل العابد، وهذا الرجل المواسي، أسد إذا جد الجدّ، واشتد الخطب، لا ينام على ضيم، ولا يسكت على بغي، إنه الأسد الهصور في حماية أُمته وفي الدفاع عن حقوقها:

ثم لو شمت إذا

وإذا الداعي دعا

وعلى الباغي على

قلت هذا قسور 

وهــــــــــــــــــــــــــو في الـــواقع شــــــــــــــــهم

 

جد جد عزمته

لجهاد همته

أي حق غضبته

هاج يزجي ضربته

ثـــــــــــــار يحـــــــــــــــــــــــــمي أمـــــــــــــــــــــــــــته

        إن دعوة الإمام ما هي إلا دعوة الأجداد في الأحفاد، تجسمت في هذا الرجل الرباني، وما هي إلا صدى هذا الأنين الذي ينطلق من أولئك الذين صفدوا حتى لا يهبوا أو ينطلقوا لأهدافهم النبيلة، إنه آمال شعب تجسمت في شخصه، وفي دعوته، إنه يمثل جيلاً كاملاً من هذه الأمة التي انطلقت تبني نهضة الإسلام المعاصرة.

إنك لو تمثلت مجموع هذه الصفات التي تحلى بها الإمام لأدركت أن هذا الإنسان قد صيغ في أخلاقه وصفاته صياغة ملائكية جعلها الله فطرة في نفسه وخلقه وجهاده.

صيحة الأجداد في

وأنين المجد  في الأصفاد

إنه صورة شعب

إنه جيل من الإسلام

أنت لو أبصرته

بشــــــر مــــــــــــــــــــــــــــــــن مــــــــــــــــــــــــــــــــلك

 

الأحفاد حاكت صيحته

أورى ثورته

هب يغزو وثبته

يبني نهضته

لقدرت قدرته 

قـــــد تـــــــــــــــــــــــــقى فطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرته

       إن الذين أجهدوا أنفسهم في وصف الإمام نثراً قد بزهم الأميري في وصف الإمام شعراً، وقد أصاب هذا الشاعر العبقري صفة الإمام الذي حمل هم الأمة وراح في شهامة يدافع عنها، ويدفع بها نحو المجد.

وما لبث الإمام بعد هذه القصيدة الرائعة  في وصفه أن استشهد، امتدت إليه يد البغي فأرسلت إلى قلبه رصاصات أوقفت نبضه، ولكنها ما أوقفت تأثيره، فهيهات، لقد أطلق البنا روح الإسلام في وجدان أمته، فحمل هذه الروح رجال مضوا بها صعدا، ولا بد لهذه الروح أن تبلغ مداها.

كان وقع استشهاد البنا على الأميري أليماً، فصاغ هذا الألم في قصيدة نشرتها جريدة الشهاب السورية، أحب أن أوردها أولاً كاملة لأنها أيضاً قصيدة عزيزة قلما تجدها معروضة لعشاق الشعر والأدب، وهي أيضاً ليست منشورة في دواوين الشاعر المطبوعة:

كبلوا من حوله أبناءه

جردوه خلسة في خسة

وذئاب البغي حامت، ونضى

والجماهير التي من ذاته

حوقلت في خور وانطلقت 

والألى كانوا يقولون له

خذلوه وبدت أوجههم

وشرى الباغون منهم ألسنا

في بيــــــــــــــــــــــــــــوت الله ســــــــــبوا فنداً

 

ورموه بين أشداق الأفاعي

وتنادوا، وهو فرد، للنزاع

كل نذل حوله سيف القراع

بذل الرفد لها دون انقطاع

لا تبالي بجهاد وصراع

ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

في الملا سوداء من غير قناع

بذلوها ما دعا للمال داع

خـير داع للهــــــــــــــدى فيها وراع

هكذا فعلوا، كبلوا أنصاره،  وتركوه وحيداً، وأطلقوا خلفه أفاعيهم.

وصورة ثانية: جردوه من كل حماية، وقد وصف الأميري هذا الفعل بالخسة، ثم تنادوا، نادى بعضهم بعضاً، هيا نازلوه،  ونازعوه!

وصورة ثالثة: هؤلاء البشر الذئاب حاموا حوله، وقد شرعوا سيوفهم وأغمدوها في قلب الإمام!

وماذا كانت ردة فعل الجماهير التي بذل الإمام نفسه في سبيلها:

والجماهير التي من ذاته

حوقلت في خـــور  وانطـــــلقت

 

بذل الرفد لها دون انقطاع

لا تبالي بجـــهاد وصـــــــــــــــــــــــــــــــــراع

        هذه من الأميري نفثة غاضب، نعم لم تبد الجماهير غضبتها لأن السيوف كانت مشرعة للإطاحة بأي رأس يرتفع صوته محتجاً، ولكن هذه الجماهير التي بذل الإمام نفسه لها قد أخلصت له، وأقبلت على دعوته.

ثم ماذا فعل هؤلاء (الألُى) الذين كانوا يقولون للإمام: قد جئت بالأمر المطاع؟!

والألى كانوا يقولون له

خذلوه وبدت أوجههم

وشرى الباغون منهم ألسنا

في بيــــــــــــــــــــــوت الله ســـــــــبوا فنداً

 

ملقا، قد جئت بالأمر المطاع

في الملا سوداء من غير قناع

بذلوها ما دعا للمال داع

خــــــــير داع للهـــــــدى فيها وراع

       وكشف الحاقدون الذين كانوا يتملقون الإمام عن حقيقتهم السوداء، فبذلوا أموالهم لشراء الألسن التي انطلقت تسب الإمام حتى وصل بهم الحقد أن أمروا أتباعهم بسب الإمام على منابر الرسول في بيوت الله.

لست أدري لماذا ينتابني شعور بأن القصيدة لم تقف عند ما وقفت عليه كما هي منشورة في صحيفة الشهاب السورية، وأن لها أبياتاً تكمل المشاهد الناقصة، ولعل ثورة الأميري قد جمحت به إلى أبيات رأت المجلة أن لا تنشرها.

هذا شعور قد تكشف عن حقيقته مذكرات الأميري لو نشرت.

$           $          $

عمر بهاء الدين الأميري شاعر كبير، وإذا أردت أن تصنفه في الهرم الشعري الإسلامي وضعته على قمته، وهو له من اسمه نصيب، بل أنصبة، فهو عندي، وعند الدارسين غيري، أمير الشعر الإسلامي المعاصر.

وما قرأت نثراً لشاعر مهما كانت منزلته في الشعر إلا وجدت نثره دون شعره، إلا ما كان  من الأميري، فإنه حتى، وهو يكتب  نثراً يسمو بنثره إلى آفاق الشعر، فإذا قرأت  نثره قلت: هذا ناثر يكتب شعراً . وحتى أدلل على صدق ما أقول أورد هنا نصين نثريين  يصف فيهما الإمام البنا، الأول يصف فيه حقيقة الإمام، ويرسم له صورة متكاملة، فتشعر وأنت تقرأ هذا الوصف كأنك تشاهد الإمام وتجالسه، والثاني يتحدث فيه الأميري عن الإمام كداعية يعشق دعوته ويتفاني في سبيلها.

يقول الأميري واصفاً الإمام البنا كأنك تراه :

"سمعت عنه كثيراً، ورأيت  له في مرايا قلوب محبيه صوراً لامعة رائعة، فتراءى لعقلي عملاق هدى ورأي وحكمة، وتخيلته أمام عيني عملاقاً في جسمه أيضاً جباراً في قسماته وسماته، ولما رأيته بين صحبه، أول ما رأيته، ما ظننت أنه هو، ثم قدمت إليه فتلقانى في بشاشة، لا تكلف فيها، ورحب بي، منساقاً مع فطرة رحبة.

لم أجد له في مشاهدتي، صورته في مخيلتي..... كان أقرب إلى القصر منه إلى الطول، وأدنى إلى الوداعة منه إلى الجبروت، في صراحته إباء، وفي جرأته إغضاء، لا يكاد يطالع الناظر إليه من الحزم الذي سمعت عنه إلا تقطيبة بين الحاجبين تصغر معها عين، وتكبر عين، كلما تحدث في أمر هام.

زرته في بيته، فوجدته زاهداً بسيطاً، وأكلت في مائدته، فوجدته فقيراً كريماً, وصحبته في أسفاره، فلم أر أكثر منه أنساً وإيناساً في مواطن الراحة ولا أكثر منه فناء في العمل، وقت العمل.

ولزمت حياته أياماً، فوجدتها دأباً مستمراً، وجهداً مرهقاً، كلما اشتدت عليه زادت بشاشة روحه، فبدا أشد انهماكاً في السعي، وأكثر إمعاناً في التسليم، وأقوى تآلفاً بالاستبشار .

ما رأيته مرة إلا زدت له إكباراً وبه تعلقاً وعليه إشفافاً وفيه أملاً.

ويقول الأميري متحدثاً عن البنا كداعية :

"شاهدته يتكلم بين أفراد، فلم أجد صوته يتطاول على الأصوات، ولاح لي أميل إلى الإصغاء منه إلى إبداء الآراء، فإذا دخل الحديث طور المراء، صمت في إعراض، أو أقبل في ابتسام، هو بين الإشفاق والشفقة، حتى إذا انتهى الأمر إلى زبدته، كانت كلمته هي الفاصلة.

وأصغيت إليه، وهو يخاطب ملأه، فخيل إلي أنه يحاول أن يسكت لسانه، وينطق قلبه، بل وكل جوارحه، وإذ ذاك كان يمعن النظر في من أمامه، وكأنه يحدق في أفق بعيد، فينبعث من عيونه شبه نور وهاج، يتصل شعاعاً بقلب، فقلب، فقلب وإذا بالملأ تحت تأثيره  المطلق، قد أسلموا إليه عقولهم يهديها، وقلوبهم يخفق فيها، وسواعدهم وكواهلهم، يحملها ما يرى من أعباء، أعباء رسالته ورسالتهم، وسمعته يخاطب الجماهير، فوجدته الطبيب الخبير، يبدأ، ويبدو معهم في أكثر الأحيان، واحداً منهم محدثاً أكثر منه خطيباً.

يكثر من سوق التشابيه والأمثال، يبسط بها فكرته، فتتلقفها الأذهان بيسر، وقد يعالج في ثنايا حديثه شئوناً من صميم حياة المستمعين حتى ليظن أحدهم أنه كوشف بخويصة مشكلته، وأخذ يصف له الدواء فإذا آنس أن القوم قد ركنوا إليه، اشتد عليهم في موعظته، وبادرهم بإهابات خطابية، وجلجل بصيحات الحق، تتخلل حديثه الدفاق، المرصع بآي الله، فيضعون أنفسهم منه، دون اختيار، موضع الرعية من الراعي .

وهكذا، يبلغ منهم لدعوته ما يريد، وينتهي غير مملول، محبوباً مرهوباً.

كيف يسري النغم السائغ في الآذان نشره

هكذا من قلبه المؤمن يزجي الهدي دعوه

زاخر الأعماق بالإيمان في دعوته

منكر الذات حكيم السير في وجهته

طب أرواح، فلا تخفى عليه خافية

باسط الصــــــــــــــــــــــــــدر بعيد الغور شــــــــهم داعية

       هاتان القصيدتان، وهاتان القطعتان النثريتان جزء من تراث الإمام، وأنا قد اطلعت على التراث الذي نشر للإمام البنا، فلم أجد فيما نشر اهتماماً بالشعر الذي قيل في الإمام.... وهو غزير وبليغ يستحق الاعتناء به.

وقد شارك عمر بهاء الدين الأميري في الدفاع عن القدس مع جيش الإنقاذ خلال حرب فلسطين عام  1379 / 1948م.

clip_image007_f6bff.jpg

وجاهد بقلمه وشعره دفاعاً عن القدس وفلسطين، يصف الهزيمة، ويبشر بالنصر.

وكان ناظر الوقف الأميري منذ عام 1940 م.

ثم صار مدير المعهد العربي بحلب عام 1948م.

أستاذ التاريخ الإسلامي في الكلية الفاروقية.

وأستاذ الأخلاق والثقافة الإسلامية في مدرسة الشرطة بحلب.

وأستاذ لمادة حكمة التشريع في كلية الشريعة عام 1941 م.

وأسهم في تأسيس حركة ( سورية الحرة )، وكان رئيس الجانب السياسي فيها عام 1384/ 1953 م .

عمل في السلك الدبلوماسي، فمثل سورية وزيراً مفوضاً، وسفيراً في باكستان عام 1950 م، وفي أوائل عام 1954 م نقل وزيراً مفوضاً إلى جدة في السعودية، ثم سفيراً في وزارة الخارجية السورية  ..، وكان في مهامه السياسية خير ممثل لدولته لما تمتع به من ذوق في العبارة وحسن تصرف ولباقة ودبلوماسية .

يجيد الفرنسية، والأوردية، والتركية.

وأسهم في عدد من المؤتمرات العربية والإسلامية في العالم، واهتم بقضايا الثقافة والسياسة والجهاد في أوطان العروبة والإسلام ..، واشترك في العديد من مؤتمراتها ومواسمها، واتصل بكبار علمائها ورجالاتها ومؤسساتها .

وكان عضواً في أسرة المجمع العلمي العراقي.

ثم صار عضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ( مؤسسة آل البيت) في الأردن.

وهو عضو مؤتمر علماء بلاد الشام.

وعضو شرف في مجلس الاتحاد الإسلامي الأعلى في بومباي عام 1940 م.

وأمين سر علماء الشام وهيئاتها الإسلامية العامة لنصرة فلسطين.

قدم ترشيحه للنيابة عن حلب عام 1947م، فلم ينجح لأنه لم يمارس الدعاية الانتخابية.

وعمل مدرساً للحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في مدينة فاس.

كما دعي إلى المغرب عام 1955 م، فعمل أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية والتيارات المعاصرة في دار الحديث الحسنية في الرباط، إضافة إلى قسم الدراسات الإسلامية العليا للدبلوم والدكتوراه في جامعة القرويين في المغرب، واستمر يدرس هناك لمدة /15 / سنة .

كما درّس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس.

دعي أستاذ زائراً ومحاضراً في جامعات الرياض، وفي الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وفي جامعة الملك فيصل، والملك عبد العزيز في السعودية، وجامعات الأزهر، والجزائر، والكويت، وصنعاء، والأردن، وجامعة الإمارات العربية، وعدد من الجامعات الإسلامية في باكستان، وتركيا، وأندونيسيا.

وكان عضو شرف في رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي أسسها الندوي –رحمه الله، وينصح العاملين في هذه الرابطة أن يبذلوا ما يناسب أهدافها النبيلة من الجد والجهد المتواصل الدؤوب ..، وعندما سئل عمن تأثر به في بداية حياته الأدبية، قال: تأثرت أكثر ما تأثرت ومن فضل الله تعالى بمدرسة القرآن، وتأثرت بإشعاع الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، وتأثرت بعظماء أفذاذ أمتنا عبر التاريخ الطويل.

وفي آخر حياته عاش في مسكنه على شاطئ الهرهورة في الرباط، عاكفاً على الكتابة ونظم الشعر، ...

شاعريته:

clip_image009_964ba.jpg

وهو شاعر منذ بواكير عمره قال: وبدأت نظم الشعر، وأنا في التاسعة من عمري، وأحرقت ديواني الأول، وأنا في الثانية عشرة ..، وضاع من شعري الربع في الأسفار، والتوزع تحت نجوم السماء، وأذكر من طلائع شعري قولي:

- نام كل الناس إلاي أنا        مقلتي لم تستطع غير السهر

- فجميع الكون في رقدته        وأنا في وحدتي أرعى القمر

-وإذا رمت سلـواً عاقني          أنني مالي منن الذكرى مفر

- آه لو أنّ الهوى لم يأتني       أو أتاني وفؤادي من حجر

وله قصيدة ( أب ) أعجب بها العقاد على قلّة ما يعجبه من شعر المعاصرين، وعدّها من عيون الشعر الإنساني، ولا غرابة أن يجعلها الأميري عنواناً لديوانه الذي ضم قصائده في أبنائه.

وقد تعددت معه اللقاءات، وكثرت فيه الكتابات، فقد جمع بين الأصالة والمعاصرة، وطرق موضوعات إسلامية في جوانب عميقة، ونفذ بعاطفته الجياشة في شعره ونثره إلى أعماق النفس البشرية .

كتب فيه:

- ألفت في دراسة شعره أطروحات جامعية عدة:

1- عمر بهاء الدين الأميري – شاعر أبوة الحانية، والبنوة البارة، والفن الأصيل – د.محمد علي الهاشمي، ط1 في دار البشائر الإسلامية في بيروت – عام 1406ه/ 1986م. ويقع الكتاب في 120ص، درس فيه المؤلف ديوان أب، وديوان أمي.

2-عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة – د. خالد بن سعود الحليبي- ط1 عام 1425ه/ 2005م.

3-البناء الفني في شعر عمر بهاء الدين الأميري – د. خالد بن سعود الحليبي - ط1 1430ه/ 2009م.

4-القيم الروحية في شعر عمر بهاء الدين الأميري – وائل مصباح محمود العريني- رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة- 1428ه/ 2007م.

5-عمر بهاء الدين الأميري: شاعر الإنسانية المؤمنة- رسالة دكتوراه تقدم بها الطالب العراقي وليد علي السامرائي.

6- (المرأة في شعر عمر بهاء الأميري)- د. زينب بيره جكلي.

7- (نظرات في شعر الأميري من خلال ديوانه: ألوان طيف)- عبد الرحمن حوطش.

8- معجم البابطين.

9- معجم الأدباء الإسلاميين: أحمد الجدع.

مؤلفاته:

وله من المؤلفات:

1-أب  - دار القرآن الكريم في بيروت.

2-مع الله – طبع في مطبعة الأصيل في حلب عام 1959م، ثم طبع في بيروت ثانية عام 1972م.

3-إشراق – دار القلم في الكويت 1990م.

4-ألوان طيف – طبع في المكتب الإسلامي في بيروت عام 1966م.

5-ملحمة الجهاد – دار البيان في الكويت عام 1968م.

6-حجارة من سجيل – شعر وفكر وسياسة، دار الثقافة في الدوحة عام 1989م.

7-رياحين الجنة – شعر في الطفولة والأطفال، رابطة الأدب الإسلامي عام 1997م.

8-ملحمة النصر – دار القرآن الكريم في بيروت - عام 1974م.

9-الهزيمة والفجر – دار البيان في الكويت عام 1968م.

10-الإسلام وأزمة الحضارة الإنسانية المعاصرة.

11-الإسلام في المعترك الحضاري.

12-المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة.

13-عروبة وإسلام.

14-الأقصى وفتح والقمة – الدار البيضاء في المغرب عام 1970م.

15-من وحي فلسطين – شعر وفكر.

16-في رحاب القرآن.

17-ألوان من وحي المهرجان – وزارة الثقافة في المغرب عام 1957م.

18-أمي – دار الفتح في بيروت عام 1978م.

19--صفحات ونفحات – مؤسسة الزمن في عمان 1984م.

20-لقاءات في طنجة – تاريخ وفكر وشعر، الدار البيضاء عام 1986م.

21-أم الكتاب.

22-آذان القرآن – شعر إسلامي، مؤسسة الأمة في عمان 1985م.

23-وسطية الإسلام وأمته في ضوء الفقه الحضاري.

24-نجاوى محمدية – دار القبلة في جدة 1987م.

25-الفقه الحضاري.

26-إقبال والزبيري.

27-الزحف المقدس – دار الضياء في عمان 1989م.

28-قلب ورب – دار القلم في دمشق عام 1990م.

29-بشائر الحق.

30-براً بالأبوة والتاريخ.

31-الحوار في منهجية البحث المقارن.

32-في التصور الحضاري المعاصر.

33-الشخصية المستقلة للحضارة الإسلامية.

34-حكم البعثة المحمدية وآثارها.

35-تاريخ الدولة الحمدانية.

36-الخماسيات.

37-وصيحات الحق.

- وله كثير من المحاضرات، نشرت في الصحف والمجلات العربية، وترجمت بعض قصائده إلى لغات بلاد إسلامية، والفرنسية، والانجليزي.

- ولديه عدد كبير من الدواوين والبحوث والمذكرات المخطوطة.

ثناء العلماء، والأدباء عليه:

أثنى عليه جميع من عرفه عن قرب، وها هو الشيخ الداعية المستشار عبد الله العقيل يقول عنه: ( عرفته حين زار مصر أوائل الخمسينيات، وكان وقتها سفيراً لسوريا في باكستان، وقد اجتمعنا به أكثر من مرة مع مجموعة من طلبة البعوث الإسلامية، واستمعنا إلى توجيهاته ونصائحه فيما يتعلق بالعمل الإسلامي، وكان يركّز في حديثه على أن المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين كبيرة جداً، وهي محكمة الخطط ماكرة التدبير تشارك فيها كل القوى المناوئة للإسلام من الصليبية والصهيونية والشيوعية والإلحاد بكل فرقه والتغريب بكل جيوشه والاستعمار بكل ألوانه وأعوانه.

وإن ضياع دولة الخلافة الإسلامية وضياع فلسطين، إنما هو بتكالب أمم الكفر، وتفرّق كلمة المسلمين وانقسامهم على أنفسهم واحترابهم فيما بينهم والاستعانة بأعدائهم على إخوانهم.

بالإضافة إلى تأخر الأمة الإسلامية في ميدان العلم، وتأخرها عن ركب الحضارة ومجاراتها لأهواء الحكام وشهواتهم وانغماس شبابها في الملذات والشهوات وتقليد الغرب في رذائله الخلقية، وقشور حضارته، وترك النافع من علومه.

وكان يحمّلنا المسؤولية، ويقول: أنتم شباب اليوم ورجال الغد وحملة الإسلام إلى الناس جميعاً، فعليكم بالتزود بالعلم النافع والالتزام بالخلق الفاضل والارتباط بالعمل الإسلامي الجاد الذي يسعى لإعادة الأمة إلى إسلامها وعودتها إلى أمجادها وتمسكها بعقيدتها وتطبيق شريعتها في واقع الحياة المعاصر.

وكان يثني الثناء الحسن على حركة الإخوان المسلمين ومؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، ويرى أنها الحركة الإسلامية التي تتوافر فيها المواصفات المطلوبة للنهوض بالأمة الإسلامية من كبوتها وتحررها من ربقة الاستعمار وأنها استطاعت ـ بفضل الله ـ أن تربي الشباب على منهج الإسلام، وأن تعرض الإسلام على الجماهير كما جاء في كتاب الله، وسُنَّة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وأن تضع المفاهيم الأصيلة والقواعد الشرعية موضع العلم والعمل حيث جاءت «رسالة التعاليم» للإمام البنا لتعطي خلاصة الإسلام التي يجب أن يفهمها المسلمون، ويتدبروها، ويعملوا بها، ويدعوا الناس إليها.

كما أن حركة الإخوان المسلمين عنيت بالشباب عناية تامة، وأعدّت البرامج الكفيلة بتنشئته النشأة الصالحة.

وأضاف الأستاذ الأميري: إن الإسلام الحق هو ما فهمه الإخوان المسلمون وليست هذه البدع والخرافات، وإن المستقبل لهذه الحركة الإسلامية التي توفّر لها الفهم الصحيح للإسلام والقيادة الحكيمة الرشيدة، والعاملون المخلصون، فعليكم يا طلبة البعوث الإسلامية بالارتباط بها والاستفادة من مناهجها وبرامجها وخبراتها وتجاربها، وانقلوا ذلك إلى أقطاركم حين تتخرّجون، وادعوا شعوبكم للعمل من أجل الإسلام والتحرر من مناهج الجاهلية والبرامج الوضعية.

وكان الأستاذ الأميري يتميّز بإشراقة الديباجة في حديثه ومحاضراته مع البسمة التي لا تفارقه والبشاشة التي يلقى بها الناس، فضلاً عن النكتة والدعابة الطريفة حين يقتضي المقام ذلك.

ثم باعدت الأيام بيننا بعد التخرج لسنين، حتى التقيت به في سوريا ولبنان والكويت والسعودية..، وشرفت بتقديمه في محاضرات عدة عن الحضارة الإسلامية، وقصائد شعرية، وأكرمني أكثر من مرة بزيارتي في البيت، وحضر ندوة الجمعة، وألقى كلمة مناسبة في الحضور، وأهداني معظم مؤلفاته، ودواوين شعره الذي كان يتدفق بالعاطفة الإسلامية الجياشة، والسلاسة، والرقة، والشفافية، والمناجاة الصادقة مما لا يتسع المجال لبسطه.

اتصاله بالإخوان المسلمين:

كان الأستاذ عمر بهاء الأميري من أوائل من التحقوا بحركة الإخوان المسلمين في سوريا مع الأستاذ د. مصطفى السباعي، والأستاذ محمد المبارك، والأستاذ الشيخ محمد الحامد، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. وغيرهم من رجالات بلاد الشام، وقد بذل جهوداً طيبة لرفد الحركة ودعمها، وأسهم في توجيه شبابها، وكان وثيق الصلة بالأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين بعد الإمام البنا، يكثر من زيارته، والتردد عليه، ومشاورته في الكثير من الأمور.

منهجه، وأسلوبه:

وللأستاذ الأميري أسلوبه في علاج المشكلات ومواجهة التحديات، فهو يؤثر الحكمة واللين والمهادنة مع أصحاب السلطة لاستلال السخائم من نفوسهم وعدم استثارة حفائظهم، وترغيبهم في الإحسان إلى شعوبهم، وكسب عواطفهم ومحبتهم؛ لأن محبة الشعب للحكام من أهم عوامل الاستقرار.

وصيته للشباب:

وكان الأميري يوصي الشباب المتحمس بعدم التعجل، لأن الزمن جزء من العلاج، وأن طول فترة التربية هو الأسلوب الأمثل لإعداد الرجال، لأن الحمل ثقيل والمسؤولية كبيرة، وتحتاج إلى نوعية من الرجال الأشداء أصحاب العزائم الذين يصبرون على البلاء، ويتحملون المشاق، ويصاولون الأعداء في كل ميدان مستعينين بالله عزّ وجل، آخذين بالأسباب المستطاعة لتحقيق مرضاة الله بإبلاغ دعوته.

إن الأستاذ الأميري كان محبوباً من كل من عرفه عن قرب، فقد كان زينة المجالس بحديثه الشيّق وأدبه الجمّ ومداعباته اللطيفة، فالشيوخ والشباب على حدٍّ سواء يتسابقون للاستمتاع بحديثه ومسامراته النافعة وتوجيهاته السديدة وآرائه الحكيمة وتجاربه الطويلة.

والأستاذ الأميري لم يكن شاعراً وأديباً فحسب، بل كان من زعماء الحركة الإسلامية والعاملين في الحقل الإسلامي الذين لهم إسهاماتهم الكثيرة في أكثر من قطر ومع أكثر من زعيم وقائد ومفكر وداعية.

اعتقاله بلبنان:

وقد تعرض للاعتقال في لبنان في شهر مارس عام 1966م مع إخوانه توفيق الشاوي وعصام العطار وزيد الوزير، بناءً على ضغط من حكومة عبد الناصر العسكرية بمصر، ولم تطل فترة الاعتقال حيث تدخلت وساطات لبنانية وعربية فتمّ الإفراج عنهم بعد أقل من شهر، ولكن طُلب منهم جميعاً مغادرة الأراضي اللبنانية.

شهادة الأستاذ أحمد محمد جمال:

وفي حفلة التكريم التي أقامها عبد المقصود خوجة للأستاذ الأميري، أعطيت الكلمة للأستاذ أحمد محمد جمال، وهو الداعية الإِسلامي المعروف، فقال:

( فما أسعدنا بهذه الندوة التي نلتقي فيها بعلم من أعلام الفكر الإِسلامي الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري.

- ربما غلب تصوركم وتصور الآخرين بأن الأستاذ عمر بهاء الأميري شاعر عربي إسلامي، أو من أعلام الشعر العربي الإِسلامي.. هذا صحيح، ولكن الواقع أن الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري عالم، وخطيب، وأديب، إذا كتب أطرب، وإذا خطب أعجب، وإذا شعر اجتذب بشعره القلوب.

- الأستاذ عمر بهاء الأميري ليس مجرد شاعر عربي، ولكنه أديب كبير، مفكر إسلامي عظيم، يهتم بقضايا العالم الإِسلامي في التاريخ الإِسلامي قديمه وحديثه.    له ذكريات أشار إلى بعضها في حديثه إليكم، ذكريات تاريخية عصرية عن فترة مرت بمصر، وما يمرّ بمصر يمرّ بالعالم العربي كله.. فترة الإِمام حسن البنا، وعبد القادر عودة، وسيد قطب، ومحمد فرغلي.

فأقول ما أسعدنا بهذا اللقاء بهذا العلم... علم من أعلام الفكر الإِسلامي، أدباً وتاريخاً، وشعراً ونثراً، ولا بد من أن نحمد الله أولاً على أن أتيحت لنا هذه الفرصة، وعلى أن وفق الأستاذ عبد المقصود هذا التوفيق الجميل، بأن يجمعنا بهذا العلم الفكري الإِسلامي الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، وأن نلتقي به، وأن نستمع إليه.

- وإن كان لا بد لي من إشارة عن ذكرياتي مع هذا الصديق الحبيب، فقد بدأت عندما صعدنا معاً إلى جبل حراء عندما كان سفيراً لسوريا في جدة، والذكرى الأخرى عندما دعينا إلى مؤتمر الندوة الإِسلامية والتي دعت إلى عقده في باكستان، دعت إليها جامعة البنجاب في بشاور. وكان المشرف على هذه الندوة الأستاذ محمد أسد المستشرق النمساوي صاحب كتاب "الطريق إلى مكة".

- دعينا إلى هذه الندوة الإِسلامية، وسعدت برفقته في هذه الندوة مع كثير من علماء مصر وسوريا، وكانت صحبة جميلة ورائعة أمتعنا فيها بشعره وبأدبه وبنكاته أيضاً.

- الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري يمتاز بنكاته، ولعلكم استمتعتم في بعض أشعاره الآن إلى شيء منها، فأرجو الله أن يمدّ في عمره، وأن يمتع العالم الإِسلامي كله لا بشعره إنما بمحاضراته وأدبياته ولقاءاته.

أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمد في عمره، وأن يسبغ عليه ثوب العافية، وأن يبقى شباباً كما ترونه، شباب الروح، وشباب الفكر، وشباب الجسد..).

وفاته:

نقل عمر بهاء الدين الأميري من المغرب إلى الرياض للعلاج على نفقة الملك فهد، فتوفي بها يوم السبت 25 / 4 / عام 1413 هـ / 1992 م، ونقل إلى المدينة المنورة، فدفن بالبقيع.

وكان الأميري -رحمه الله تعالى- قد ناهز السابعة والسبعين من عمره المبارك، الذي قضاه في جهاد الكلمة، والبيان، والعطاء الفنيّ.

رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

أصداء الرحيل:

عمر بهاء الدين الأميري:

clip_image010_20cc3.jpg

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي

clip_image012_c85ff.jpg

عمر بهاء الدين الأميري

كتب الشيخ الإمام د. يوسف القرضاوي في كتابه ( في وداع الأعلام) يقول: (تعرفت على الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، وأنا طالب في المرحلة الثانوية عن طريق مجلة "الشهاب" التي كان يصدرها الإمام حسن البَنَّا، ويديرها الداعية المحبوب سعيد رمضان، وذلك سنة 1948م، والتي لم يقدر أن يصدر منها غير خمسة أعداد، ثم اختار الله صاحب امتيازها ورئيس تحريرها شهيدًا إلى جواره سبحانه. وقد سنّت المجلة سنّة حسنة: أن تختم كل عدد بما أسمته "سجل التعارف الإسلامي".

كان سجل التعارف يحوي في كل عدد صور مجموعة من العلماء والمفكرين والدعاة من مصر، ومن سائر أقطار العالم الإسلامي، وفي مقابل كل صورة: تعريف موجز مركَّز بشخصية صاحب الصورة وإشارات إلى مجمل سيرته.

وهدف المجلة: أن توجد رباطًا عاطفيًّا بين القراء وهؤلاء الأعلام حين يطلعون على صورهم وسيرهم.

وقد عُني سجل التعارف الإسلامي بالتعريف بعدد من الشخصيات الإسلامية السورية المرموقة، مثل الداعية الفقيه الدكتور مصطفى السباعي، والفقيه العلامة الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والكاتب والمفكر الأستاذ محمد المبارك، والسياسي الفقيه الدكتور معروف الدواليبي، والكاتب الداعية الأستاذ أحمد مظهر العظمة أمين التمدن الإسلامي، والعلامة الشيخ محمد بهجت البيطار.

وكان من الصور التي نشرت في العدد الثالث: صورة عمر بهاء الدين الأميري، وهو شاب في مقتبل العمر، وكتبت المجلة تحته: المحامي بحلب، ووكيل الدعوة الإسلامية.

ثم ذكرت نبذة عنه في الصفحة المقابلة فقالت: سوري من صفوة أبناء حلب، وُلِد سنة 1329هـ، وقضى بعض عمره المبارك في الدراسة بفرنسا، وتخرّج في "الحقوق السورية" سنة 1940م، وكان نجاحه منقطع النظير. واشتغل بالمحاماة مشترطًا على موكليه أن يتخلى عن دعاواهم إذا ظهر وجه الحق في غير جانبها! واشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسس مركزًا للدعوة الإسلامية في باريس، وهو شاعر مطبوع، ومجاهد مؤمن.

هذه السطور الموجزة المضيئة فتحت قلبي الفتيّ البكر في ذلك الوقت للأميري صاحب المثل والمبادئ، الذي يتخلى عن قضية موكله إذا تبين له أن الحق مع خصمه، ولا يبالي بما سيخسر من مال في مقابل تنازله عن القضية.

كما أن وصف المجلة له بـ "الشاعر المطبوع" فتح قلبي له أكثر، فقد كنت معنيًّا بالشعر مشغولاً به في تلك المرحلة من عمري.

أول ما قرأت للأميري:

وأذكر أني في ذلك العدد نفسه من مجلة "الشهاب" وفي باب "روضة الأدب" قرأت له -أول ما قرأت- شعرًا ربانيًّا عذبًا رقراقًا لم يكن لنا به عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان "خماسيات الأميري" وفيها مناجاة لله تعالى كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة، وكأنما هي ترتيلة أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن أو إيمان شاعر، يقول الأميري:

كلما أمعن الدجى وتحالك

شممت في غوره الرهيب جلالك!

وتراءت لعين قلبي برايا

من جمال آنست فيها جمالك!

وتراءى لمسمع العقل همس

من شفاه النجوم يتلو الثنا لك

واعتراني تولُّه وخشوع

واحتواني الشعور: أني حيالك

ما تمالكت أن يخر كياني

ساجدًا عابدًا، ومن يتمالك؟

هكذا بدأت معرفتي بالأميري شاعرًا، وهو لا شك في المقام الأول شاعر: شاعر بموهبته، وشاعر بممارسته، ولكنه ليس شاعرًا سائبًا، إنه شاعر ذو رسالة. فليس الشعر عنده آلة لمديح الأمراء أو الكبراء، ولا لهجاء الخصوم والأعداء، ولا أداة للتعبير عن الغرائز الهابطة، إنه "شاعر الإنسانية المؤمنة" كما يحلو له أن يعبِّر عن نفسه، أو يعبر عنه عارفوه ومن يكتب عنه.

قصيدة (أب):

ومن قصائده الجميلة والرائعة التي قرأتها له قبل أن ألقاه: قصيدة "أب" التي نشرتها له مجلة "المسلمون" الشهرية التي كان يصدرها الأستاذ سعيد رمضان، وتصدر من خارج مصر، وهي في الحق من روائع الشعر العربي الحديث، كتبها وهو في مصيف "قرنابل" بلبنان، وقد سعد بأسرته وأولاده خلال الصيف، ثم انتهت العطلة ورحل الأولاد عنه وعادوا إلى حلب، وبقي الشاعر وحده في البيت الذي أصبح اليوم موحشًا كالقبر بعد أن كان بالأمس جنة وارفة الظلال، بما فيه من حياة وحركة وبركة وسعادة.

يقول الأميري في قصيدته:

أيـن  الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟

أيـن  الـطـفـولة في توقُّدها؟

أيـن  الـتَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟

أيـن  الـتَّباكي والتَّضاحُكُ، في

أيـن  الـتـسابق في مجاورتي

يـتـزاحـمـون على مُجالَستي

فـنـشـيـدهم  "بابا" إذا فرحوا

وهـتـافـهـمْ  "بابا" إذا ابتعدوا

بـالأمـس كـانـوا ملءَ منزلنا

ذهـبـوا، أجل ذهبوا، ومسكنهمْ

إنـي أراهـم أيـنـمـا التفتت

وأُحِـسُّ فـي خَـلَـدي تلاعُبَهُمْ

وبـريـق أعـيـنهمْ إذا ظفروا

فـي  كـلِّ ركـنٍ مـنـهمُ أثرٌ

فـي الـنَّافذاتِ، زُجاجها حَطَموا

فـي الـباب، قد كسروا مزالجه

فـي الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا

فـي  الـشَّطر من تفّاحةٍ قضموا

إنِّـي  أراهـم حـيـثما اتَّجهتْ

بـالأمـس  فـي "قرنابلٍ" نزلوا

دمـعـي  الـذي كـتَّـمتُهُ جَلَدًا

حـتـى  إذا سـاروا وقد نزعوا

ألـفـيـتُـنـي  كالطفل عاطفةً

قـد  يَـعـجبُ العُذَّال من رَجُلٍ

هـيـهـات  مـا كلُّ البُكا خَوَرٌ

أيـن  الـتَّـدارسُ شابَهُ اللعبُ؟

أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟

أيـن الـتـشـاكي ما له سبب؟

وقـتٍ مـعًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟

شـغـفًا،  إذا أكلوا وإن شربوا؟

والـقـرب  مـنِّي حيثما انقلبوا

ووعـيـدهـم  "بابا" إذا غضبوا

ونـجـيُّـهـمْ  "بابا" إذا اقتربوا

والـيـومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا

فـي  القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا

نـفـسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا

فـي  الـدار، ليس ينالهم نصب

ودمـوع حـرقـتـهمْ إذا غُلبوا

وبـكـل  زاويـةٍ لـهم صَخَبُ

فـي الـحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا

وعـلـيـه قد رسموا وقد كتبوا

فـي  عـلبة الحلوى التي نهبوا

فـي فـضـلة الماء التي سكبوا

عـيني،  كأسرابِ القَطا، سربوا

والـيـومَ  قـدْ ضـمتهمُ "حلبُ"

لـمَّـا تـبـاكَـوْا عندما ركبوا

مـنْ أضـلـعـي قلبًا بهمْ يَجِبُ

فـإذا بـه كـالـغـيث ينسكبُ

يـبـكـي،  ولو لم أبكِ فالعَجَبُ

إنّـي -وبـي عزم الرِّجال- أبُ

لقد هزتني هذه القصيدة الفريدة لما احتوته من قوة التصوير وروعة التعبير، عن مشاعر الأبوة الحانية وعواطف الطفولة اللاهية ودقائق الخلجات النفسية التي قد تراها متناقضة الظاهر، منسجمة الباطن، وما فيها من صور حية رسمها الحرف الناطق والحس الصادق والشعر الرائق، المعبر -بسلاسة منقطعة النظير- عن أعمق أعماق المشاعر، وأحنى حنايا العواطف، في لغة جزلة وجمل عذبة وعبارات رشيقة وأسلوب أخاذ متدفق كالعذب الزلال والسحر الحلال.

وعرفت بعد ذلك أن الشاعر والأديب الكبير الأستاذ عباس العقاد كان من أشد المعجبين بهذه القصيدة، حتى قال عنها في ندوة من ندواته المعروفة، التي كان يعقدها في منزله بمصر الجديدة، في صباح كل جمعة، وكان ذلك في رمضان 1381هـ، قال: لو كان للأدب العالمي ديوان من جزء واحد، لكانت هذه القصيدة في طليعته!.

كما عرفت أنها ترجمت إلى الفرنسية، وقورنت بقصائد الشاعر الفرنسي الكبير "فيكتور هوجو" في الأطفال.

وقد نشرها الشاعر بعد ذلك في ديوانه "ألوان طيف" كما نشرها كذلك في ديوان "أب" مع تسع قصائد أخرى حول الأبوة والبنوة، وقد كتبه بخط يده، ونشر مصورًا كما هو بخطه الجميل، وقال في تقديمها: عشر قصائد من وحي الأبوة.. لوحات فيها مكابدة ومعاناة.. صور وجدانية.. متعددة متحولة، يعيش ألوانها وأكوانها: كل إنسان أب، وكل أب إنسان!.

ديوان "مع الله":

وقرأت للأستاذ الأميري ديوانه الرائع "مع الله" في طبعته الثانية، وقد تفضل بإهدائه إليّ في عبارات ثناء لا أستحقها: "هدية إخاء صادق في الله إلى الأستاذ الكبير المؤمن الشيخ يوسف القرضاوي، مع المودة والتقدير والدعاء إلى الله أن يجعلنا دائمًا معه، ويجمعنا على إعلاء كلمته". بيروت في غرة شعبان سنة 1399هـ.

ومن حسناته: أنه كان يُصِرّ على استخدام التاريخ الهجري وحده، فكلّ دواوينه، وكل كتبه، وكل رسائله إلى أصدقائه وكل إصداراته: مدون بالتاريخ الهجري، ولا شيء غيره. إنه ينطلق من الاعتزاز بالإسلام، ومن التمس العزة بغيره أذله الله.

وقد رغب إليّ أن أكتب كلمة عن هذا الديوان، فهو يعتد ويعتز بها. ليضمها إلى كلمات الأدباء والكتاب في الطبعة اللاحقة، ووعدته بتحقيق ذلك، وكنت أرغب بالفعل أن أكتب كلمة إضافية عن ديوان "مع الله"، وعن شعر الأميري عامة، ولكن لم يسعفني القدر بتحقيق ما وعدت به، ورغبت فيه، فعسى أن يسامحني الأستاذ، وقد لقي ربه، عليه رحمة الله ورضوانه، وعسى أن يكون في هذه الكلمة بعض الوفاء له.

كان ديوان "مع الله" صلوات وابتهالات، وترنيمات إلهية كأنها من مزامير داود، إنه شعر يحلق في آفاق السماء، ويغوص في أعماق النفس، ويسيح في جنبات الوجود، ويستحضر معية الله عزّ وجل في كل مكان، وفي كل حي، وفي كل حال: في ابتسام السَّحر.. في التماع القمر.. في تموُّج الغيوم.. في احتباك النجوم.. في الربيع الطلق.. في الخريف الحزين.. هو "مع الله" في سجود.. في شرود.. في وضوح.. في غموض.. في نزوة.. في نشوة.. في حزن شديد.. في جو سعيد.. في الأفق المديد.. في الغور البعيد.. "مع الله".

وقد قدم الشاعر لديوانه بكلمات هي شعر منثور، أو نثر "مشعور" أو قبسات من نور تخاطب العقل والوجدان، وكل الكيان في الإنسان.

وبدأ الديوان برائعته "مع الله".

مـع  الله فـي سبحات الفكر

مـع الله فـي مضمن الكرى

مـع  الله والـقلب في نشوة

مـع  الله في أمسي المنقضي

مـع الله فـي عنفوان الصبا

مـع الله قـبل حياتي، وفيها

مـع الله فـي الجد من أمرنا

مـع  الله في حب أهل التقى

مـع الله فـيـما بدا وانتشر

مـع الله فـي لمحات البصر

مـع  الله عـند امتداد السهر

مع الله والنفس تشكو الضجر

مـع الله فـي غدي المنتظر

مع الله في الضعف عند الكبر

ومـا بعدها عند سكنى الحفر

مـع الله فـي جلسات السمر

مع  الله في ذكره من قد فجر

مـع الله فيما انطوى واستتر

   إلى آخر ما ذكره من ألوان ومجالات معيته في الله، وهي معية ملأت المكان والزمان والحس والفكر والضمير والوجدان.

وقد استقبل الأدباء والشعراء والدعاة والمفكرون ديوان "مع الله" بما يليق به من ترحيب وتنويه وثناء، حرص الشاعر وحرص الناشر على أن يسجله أو يسجل لبابه في ملحق كبير مع الديوان نفسه.

وحسبنا من هؤلاء ما كتبه الأستاذ العقّاد إلى شاعرنا من رسالة يقول له فيها: ديوانكم "مع الله" آيات من الترتيل والصلاة، يطالعها القارئ فيسعد بسحر البيان كما يسعد بصدق الإيمان.. وقد قرأت طائفة صالحة من قصائده، وسأقرأ بقيتها، وأعيد قراءة ما قرأته؛ لأنه دعاء يتكرر ويتجدد ولا يتغير، وثوابكم من الله عليه يغنيكم عن ثناء الناس، وإنه -على هذا- لثناء موفور وعمل مشكور، فتقبلوا مني شكره واغتنموا من الله أجره، وعليكم سلام الله ورضوان الله. دارج في 4-2-1960م.

لا أستطيع أن أتخير من هذا الديوان بعض قصائده فكلها خيار من خيار، ولكني أنتقي خماسيتين: إحداهما كنت قد قرأتها في مجلة "المسلمون" التي كانت تنشر بين الحين والحين بعضًا مما تنتقيه من قصائد الشاعر أو مما يرسل به إليها، فكان منه هذه القصيدة عن "الكعبة" يقول:

الـكعبة الشمّاء في مذهبي

والقرب من خالقها ليس في

قـدسـية الكعبة في جمعها

وأنـهـا  مـحور أمجادها

وكـعـبة  المؤمن في قلبه

قـيـمتها ليست بأحجارها

تـشـبث  المرء بأستارها

أمـتـنـا من كل أقطارها

وأنـهـا مـصدر أنوارها

يطوف  أنى كان في دارها

  وهي في الديوان، وقد كتب تحتها: مكة المكرمة 1 رمضان 1373هـ. يعني: أنه كتبها بجوار الكعبة البيت الحرام، وفي ظلال شهر رمضان، فاجتمع عليه بركات المكان والزمان ونفحات الإيمان والقرآن.

والأخرى: خماسية "سبحان ربي الأعلى"، وفيها يقول:

أيٌّ  سـر يـودي بدنيا حدودي

كـلما  همت في تجلّي سجودي

كيف تذرو (سبحان ربي) قيودي

كـيـف تجتاز بي وراء السدود

كـيف  تسمو بفطرتي ووجودي

عـن  مـفـاهيم كوني المعهود

كـيف  ترقى بطينتي وجمودي

فـي  سـماوات عالم من خلود

أتـراهـا روحًـا مـن المعبود

قـد جـلت ذاتها لعين شهودي!

     وهي في الديوان. وكتب تحتها: كراتشي 24 من رمضان سنة 1371هـ.

وهكذا نجد النماذج الأخرى من شعر الأميري، وكلها تمضي في هذا الاتجاه الإيماني الرقراق، تعلو بالإنسان درجات بدل أن تهبط به دركات.

الشعر الإنساني:

وله -بجوار الشعر الرباني- سبحات ونفحات في الشعر الإنساني، الذي تتجلى فيه عواطف الإنسان من حيث هو إنسان، ومن حيث هو أب كما في ديوان "أب"، ومن حيث هو ابن كما ديوان "أمي"، ومن حيث هو إنسان ذو قلب كما في ديوان "ألوان طيف".

ومن جميل شعره في ديوان "أب":

مالك يا قلبي.. على الدروب..!!

تبحث.. عن كل حشا منكوب!!

تصنع من أناته وجيبي...!

هل أنت يا قلبي.. أبو القلوب؟!

ومن أبياته المؤثرة في ديوان "أب":

ويذود عن عبي الكرى                هـمّ.. وهـم.. ذو رنين!

هـمّ الثمانية الـصغا                 ر، وبعد.. تاسعهم جنين!

ومن المشاعر الإنسانية التي تحسها وتلمسها في شعر الأميري: الشعور بالغربة عن بلده وأهله وولده سنين طالت، فهو في الغرب وهم في الشرق.

يقول في إحدى قصائده:

أنا في امتدادات الأذان كان فـي نسبي رباح

أنا في الرباط وفي الرياض وليس عن حلبي براح!

واقرأ معي هذه الأبيات، وقد هلَّ عيد الفطر عليه، وهو في غربته عن بلده وولده، وهو في جهاده.. بعث إلى أولاده بهذه الأبيات؛ لتنوب عن تحية العيد:

يـا فـرع القلب وراء البحار

ذكرتكم  في العيد، في غربتي

فـأظـلم القلب، وضج الهوى

ثـم ذكـرت الله فـي حـبنا

تهش  روحي، واطمأن الرضا

في القلب نور من هواكم ونار

والعبء مضن، وهمومي كبار

فـي  كـل ذرات كياني وثار

افـتراقنا،  وهو لنا خير جار

في غور إيماني، وقلبي استنار

وبجوار الشعر الإيماني، والشعر الإنساني للأميري، نجد الشعر الجهادي، وكله أو جله يصبّ في قضية الأمة المركزية والمحورية، وهي قضية الأقصى قضية أرض الإسراء والمعراج قضية فلسطين، وقد أصدر عدة دواوين في ذلك مثل: ملحمة الجهاد، وملحمة النصر "شعر من وحي معركة العاشر من رمضان 1393هـ"، ومن وحي فلسطين "شعر وفكر"، وحجارة من سجيل.. وقد صدر بعد انتفاضة أطفال الحجارة، الانتفاضة الأولى التي انطلقت أول ما انطلقت من مساجد غزة، وأطلق عليها في أول الأمر اسم "ثورة المساجد"!.

وقفة مع شعر الأميري:

وإذا كان بعض الشعراء يخلد إلى الأرض، وينزع إلى الطين والحمأ المسنون، فإن الأميري يحلق بشعره على أجنحة ملائكية إلى آفاق علوية.

وإذا كان منهم من استغرقه الحس، وسجنه الجسد في قفصه، فإن الأميري قد سما بشعره إلى فردوس الروح وسماء الربانية، وتحرر من قبضة الجسد الحديدية، بفضل ما منحه الله تعالى من رحيق الإيمان وفيض الروح المشرق بنور اليقين.

لقد جعل الأميري للعرب "إقبالاً" كما للهنود "إقبالهم"، وأحيا شعر "الحب الإلهي" في لغة جزلة عذبة معاصرة، تخاطب الكينونة الإنسانية كلها: عقلاً وروحًا وعاطفة وضميرًا، ولا تخاطب "الإنسان الجسد" وحده، كما يفعل بعض الشعراء المعاصرين، الذين اختصروا الإنسان في المرأة واختصروا المرأة في الجسد، واختصروا الحياة في اقتناص اللذات واتباع الشهوات.

لهذا كان أحب الأوصاف والألقاب إلى شاعرنا: لقب "شاعر الإنسانية المؤمنة". فهو شاعر الإيمان وشاعر الإنسان.

لقد قارن بعض النقّاد بين الأميري وابن الفارض.. لكن لابن الفارض نهجًا آخر غير نهج الأميري، وهو أنه يستخدم لغة الغزل الصريح وقاموس العشاق، وينزلها على الذات الإلهية، وهذا قد يجيزه مَن يجيزه ويرفضه من يرفضه، كما أن شعره يطفح بإشارات إلى "وحدة الوجود" كما نراه في "تائيته" الشهيرة.. أما الأميري فهو يسلك إلى الله طريق التأمل في النفس وفي الآفاق والتجاوب مع الوجود المسبّح بحمد الله سبحانه.

على أن شعر الأميري -كغيره من الشعراء- ليس كله في مستوى واحد، فهو أحيانًا يحلق ويعلو فيسبق سبقًا بعيدًا ولا يلحق بغباره أحد.. وأحيانًا ينزل عن هذا الأفق الرفيع.

وهذا طبيعي عند كل الشعراء، فمن الشعراء من يبدع ويتفوق في قصيدة واحدة ثم لا تجد له شعرًا في مستواها، ومنهم من يكون أكثر شعره عاليًا، ومنهم الأميري. وحتى القصيدة الواحدة تكون بعض أبياتها أميز من بعض، حتى إن العرب تعوّدوا أن يقولوا عن بيت معين من قصيدة تألق وعلا: إنه بيت القصيد!.

بدايات لقائي بالأميري:

أما أول ما عرفت الأميري وجهًا لوجه كان سنة 1960م حين دعاه الأستاذ محمد البهي المدير العام لإدارة الثقافة الإسلامية بالأزهر لإلقاء محاضرة بالموسم الثقافي للأزهر، في قاعة الشيخ محمد عبده، وكان الدكتور البهيّ قد سنّ هذه السنة الحسنة، وعمَّر قاعة الشيخ محمد عبده، التي كانت شبه مهجورة، وحفلت المواسم بعدد من رجال العلم والفكر والأدب والدعوة من مصر ومن غيرها من أقطار العروبة والإسلام.

ووكل إليَّ الدكتور البهي أن أقوم بتقديم الأستاذ الأميري، فقد كان مسافرًا في مهمة لا أتذكرها. وكان موضوع المحاضرة عن "العروبة والإسلام"، وقد قدمته بما يليق به، كما علقت على محاضرته بما يناسب المقام، ولم يكن الأستاذ الأميري يعرفني ولكنه فوجئ بتقديمي وتعقيبي على محاضرته فشد انتباهه، وصافحني بحرارة ومودة.

وأذكر مما قلته في التعقيب: إننا وجدنا في هذه المحاضرة مزيجًا من تحليق الشاعر، ودقة القانوني، وحصافة الدبلوماسي، وعمق الباحث، وحرارة الداعية، تتلاحم جنبًا إلى جنب. فأعجبته هذه العبارات التي لخصت كل فضائل المحاضر وصفاته؛ فهو قانوني وسفير وشاعر وباحث وداعية حقًّا.

ومنذ ذلك اليوم انعقدت بيني وبين الأميري مودة صافية وأخوة عميقة لم تزدها الأيام إلا قوة، وإن كنت لا ألقاه إلا في مناسبات معينة.

لقاءات في بيروت:

وحين أُعرت من مصر إلى قطر سنة 1961م، وطُلب هو بعد ذلك إلى المغرب؛ ليعمل أستاذًا لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في دار الحديث الحسنية بالرباط، وقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة القرويين، كما درس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في فاس، ولكن كثيرًا ما كنا نجتمع في بيروت، وبخاصة عندما ساءت الأحوال في مصر وجر الإخوان إلى محنة قاسية رغم أنوفهم سنة 1965م، فانقطعت عن مصر تسع (9) سنوات كاملة، وكنت أذهب في الإجازات السنوية غالبًا إلى لبنان، نستمتع بجبالها ومصايفها الجميلة وحرية الحركة فيها، وكانت هذه فرصة لألتقي بالشاعر الكبير، فهو أيضًا لم يكن يستطيع الذهاب إلى سوريا ومدينته حلب الشهباء، وكنا نلتقي بكثير من الإخوة السوريين الذين يعانون مثل ما يعاني الأميري، مثل الأستاذ عصام العطار حفظه الله، والشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله، والأستاذ محمد المبارك رحمه الله.

الأميري في قطر:

وحين أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات -نواة لجامعة قطر- سنة 1973م وكلفت برئاسة قسم الدراسات الإسلامية، وكان عميد الكلية أو الكليتين: الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم كاظم الذي كان صديقًا للأستاذ الأميري، كما كان صديقًا لي، اقترحت عليه أن ندعو الأميري أستاذًا زائرًا؛ ليحاضر طلابنا وطالباتنا في مقرر نطرحه عليهم، وهو: "المجتمع الإسلامي" وكانت مدة الزيارة عادة شهرين، فكانت هذه فرصة للتلاقي وتوثيق الأواصر بيننا.

وقد كان الرجل محببًا لطلابه وطالباته، لما يحمله بين جنبيه من رقة طبع، ودماثة خلق، وسعة أفق، وتجربة واسعة في الحياة. وما يحمله في جعبته من طرائف أدبية ونوادر اجتماعية وسياسية.

وفي هذه المحاضرات شرع يدعو إلى فكرته حول "الفقه الحضاري" الذي يفتقر إليه المسلمون في هذا العصر، بجوار الفقه التقليدي الذي يعنى بمعرفة الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وهو الذي تعنى به كليات الشريعة والحقوق، وتقوم عليه مجامع الفقه الإسلامي المعروفة.

ومن اللطائف التي تذكر هنا: أنه اتصل مرة بهاتفي في المنزل، وكان رقمه سهلاً حفظه الناس، حتى إنهم كانوا يتصلون بي في النهار والليل، والصباح والمساء، وهو (22522)، وقد ردت عليه ابنتي الصغرى، وسأل عني فلم يجدني، فأملى عليها هذه الشطرات:

يا خمسة تحفها المثاني

ويا خليلاً ما له من ثان

يبعد عني وهو مني دان

وكلما واصلته جفانـي!

فلما عدت إلى البيت ذكرت لي ابنتي ما أملاه عليها، فطلبته، وقلت له: وهل أستطيع أن أجفوك؟ وهل يجفو الخليل خليله؟.

لقاءات في مؤتمرات وندوات:

وبعد ذلك التقينا مرارًا وتكرارًا في مؤتمرات وندوات عامة، ولقاءات خاصة في الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، وعمّان، والإمارات، والكويت والمغرب والجزائر، وغيرها. وإن كان هو قد اختار المغرب مقامًا له، وأنس بأهله وأنسوا به، حتى إننا كثيرًا ما رأيناه بالزي المغربي التقليدي، وربما ظن من لم يعرفه أنه مغربي قحّ.. وإن كان لا يزال يحن إلى حلب مرتع صباه وشبابه، ومجمع أُلَفائه وأحبائه، ويذكرها في شعره كلما جاءت مناسبة.

وقد التقينا على مائدة غداء في عمَّان دعانا إليها بلديُّه وصديقه الأستاذ ناظم القدسي رئيس جمهورية سورية الأسبق، وكان معنا الأستاذ مصطفى الزرقا، والشيخ محمد الغزالي، رحم الله الجميع.

وكثيرًا ما كان يحدثنا الأميري عن ذكرياته الغزيرة والحافلة بالمواقف في البلاد التي زارها، والبلاد التي عمل فيها سفيرًا لسوريا، مثل الباكستان، والمملكة العربية السعودية.

والذين يعرفون الأميري يعلمون أنه لم يكن مجرد سفير لسوريا، بل كان سفير الأمة الإسلامية، أو قل: كان سفير الإسلام، الذي يحمل هموم دعوته، وآلام أمته، وآمال صحوته.

معًا في الجزائر:

وقد التقينا معًا في الجزائر سنة 1989م - 1990 حينما أعرت من قطر إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وإلى وزارة الشؤون الدينية بالعاصمة، وكان هو في زيارة خاصة للجزائر في ذلك الوقت.

وكم حاولنا معًا التقريب بين جبهة الإنقاذ، والجماعات الإسلامية الأخرى، من أجل المصلحة الإسلامية الكبرى، مثل جماعة "حماس": وجماعة "النهضة"، ولكننا لم نفلح للأسف الشديد، وغلب الحمق على الحكمة، والمراهقة على الرشد.

واعتقد أن المسؤول الأول عن هذا الإخفاق هو "تصلُّب" إخوتنا في جبهة الإنقاذ، الذين لم "يلينوا" بأيدي إخوانهم؛ ليستوي الصف، ويتلاحم، ويقف جميع الإسلاميين كالبنيان المرصوص يشدّ بعضهم بعضًا.

مذكرات الأميري:

وطالما طالبت الأستاذ الأميري أن يهيئ مذكراته للنشر، فقد كان له مواقف عدّة، وتجارب شتى، ولقاءات جمة بكثير من الشخصيات المهمة، من لقاءات بالملوك، والرؤساء، والأمراء، والوزراء، وكبار الدعاة، والمجاهدين من الخليج إلى المحيط، بل من المحيط إلى المحيط، أعتقد أن فيها دروسًا وعبرًا، فقد كان "رجل علاقات" من الطراز الأول، كأنما خلق ليكون سفيرًا.

وكان يحسن الحديث مع الزعماء والكبراء، كما يحسنه مع عامة الناس، وكان في بعض الأحيان يتحمس لذلك، وفي أحيان أخرى تخمد الجذوة، وتفتر الهمة، ثم اشتد عليه المرض، فناء به الجسد، ووافاه الأجل المحتوم في الرياض، ولقي ربه راضيًا مرضيًّا، إن شاء الله تعالى.

الكتابات النثرية للأميري:

وللأستاذ الأميري كتابات نثرية غطت عليها دواوينه الشعرية، فله عدد من المحاضرات، والرسائل، والكتب الصغيرة في الحجم، التي كتبها في مناسبات شتى، وأودعها رؤيته وأفكاره في إصلاح أمة العرب والإسلام، والرقي بها.

وكان يركِّز في سنواته الأخيرة على ما سماه "الفقه الحضاري"، وهو من الفقه الغائب عن الأمة، وقد أنصف الأميري، وأحسن في الدعوة إليه، والتركيز عليه، وإن لم يبين لنا معالمه وملامحه. وقد حاولت في كتابي "السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة" إلقاء شعاع على هذه المعالم لهذا الفقه المنشود، مع ألوان الفقه الأخرى: فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه الاختلاف، وفقه الواقع.

وترك وراءه ذكرًا طيبًا، وعلمًا نافعًا، وذرية صالحة تدعو له، وتلاميذ في أقطار شتى في المغرب والمشرق، تترحم عليه، وشعرًا عذبًا يتحدث عنه، تمثل في عدة دواوين، منها الكبير ومنها الصغير، أعظمها: ديوانه "مع الله".

وقد ترك من الآثار النثرية:

- الإسلام في المعترك الحضاري.

- المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة.

- في رحاب القرآن (الحلقة الأولى: في غار حراء).

- في رحاب القرآن (الحلقة الثانية: عروبة وإسلام).

كما ذكر في بعض كتبه أن لديه آثارًا مخطوطة، منها دواوين شعرية، ومنها بحوث ومذكرات:

- في الفقه الحضاري.

- الخصائص الحضارية في الإسلام.

- صفحات للتاريخ ـ من الذاكرة والمذكرات.

- أحاديث في المغرب.

- حوار عن فلسطين.

نرجو من الابن الأكبر للأميري: البراء وإخوته أن يعدوها للنشر، عسى أن يجد فيها القراء -وسيجدون إن شاء الله- ما ينفعهم.

رحم الله الأميري، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى، وجزاه عن دينه وأمته خير ما يجزي العاملين الصادقين.

الأميري كما عرفته:

- وكتب د. عبد القدوس أبو صالح يقول:

وكانت شخصيته محببة إلى من عرفه أو جالسه، وكان المرح سمة أساسية في طبعه، فإذا ضاق بجدية جلسائه وطول مجلسهم فإنه ما يلبث أن ينقل الجلسة إلى شيء من المرح والمزاح أو مناشدة الشعر، وكأنه يأخذ بقول بشار بن برد لجلسائه: «لا تجعلوا مجلسنا جداً كله ولا هزلاً كله».

وكان كما يقول الجاحظ حفيّاً في كل شيء، متأنقاً في ملبسه ومطعمه، فإذا زاره أحد من أصحابه فإنه ما يزال يطرفه بأنواع الحلوى والنُّقل طوال جلسته. ولقد شهدت دعوته في الرياض للشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي البلاد السعودية - رحمه الله - عندما دعاه للعمل في جريدة الدعوة التي أصبحت فيما بعد مجلة متميزة، فقد دعاه إلى حفل شاي أقامه في فندق اليمامة حيث كان ينزل فيه، ولكنه لم يكتف بما يعده أصحاب الفندق لمثل هذه الدعوة، بل اصطحبني معه إلى شارع الوزير، وكان أكبر شوارع الرياض آنذاك، فلم يترك بقالية إلا دخلها لينتقي ما يراه من أطايب الفاكهة وأندرها، ومن أجود أنواع المكسرات وألذ الحلوى.

وقد زرته مع بعض الإخوة في مصيفه في جبل الأربعين القريب من مدينة حلب، ومع إكرامه البالغ لنا فقد أبى إلاّ أن يزود كلّ واحد منا بسلّة من فاكهة الرمان التي لم نر من قبل مثيلا لها في حجمها، ذلك أنه كان يوصي باعة الفاكهة في مدينة أريحا التي تقع في سفح الجبل بأن يختاروا له هذا الرمان الكبير الحجم في كل ما يجلبه إليهم الفلاحون من بساتينهم.

وكان كريماً مع أنه لم يكن من الأثرياء، فهو على ما ورثه من والده ومن أوقاف آل الأميري، وعلى ما كان يأخذ من راتب العمل الدبلوماسي لم يترك ما كان يظنه الناس من سليل أسرة كبيرة، بل لعل من العجيب أنه أوصى ببيته الكبير في حلب أن يوهب لرابطة الأدب الإسلامي العالمية ليكون مقر مكتب لها، وكتب ذلك في وصيته، ولكن سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي ردّ البيت إلى ورثته دون تردد لمعرفته بأحوالهم.

وكان -رحمه الله- مضرب المثل في العفة وصون النفس عن الاستجابة لدواعي الفتنة التي تعرض إليها عندما دخل باريس للدراسة وهو في ميعة الشباب، ولقد حدثني عن الإغراء الذي تعرض له في أحد فنادق باريس، ثم عن تكرار هذا الإغراء في أحد الفنادق الفخمة في مدينة كراتشي عندما كان سفيرا في باكستان، ولكنه استعصم شاباً، واستعصم كهلاً فعصمه الله عز وجل.

وقد عبر عن الفتنة التي تعرض لها في مدينة كراتشي بقصيدة سماها «ضراعة ثائر» وكتب في مقدمتها: «وكان في كراتشي.. واستيقظ بعد منتصف ليلة عرفة هائج النفس، ثائر الشباب وكان قد تعرض في تلك الليلة إلى إغراء كثير.

وذكر إقامته على التقوى في باريس وهو طالب.

وذكر مواقفه في الحج، في مثل هذه الليلة منذ عام مضى.

وذكر ما تعرض له قبل ساعات.

وفي غمرة الحيرة وسوار النفس وأوار الظمأ أنشأ القصيدة التالية التي كان من قوله فيها:

كيف أنجو يا خالقي من شباب

عارم عاصف التوثب ضاري

مستبد بكل ذرات جسمي

مستفز كوامن الأوطار

كلما رمت كبته، ثار جهلا

وتخطّى عقلي وأعيا وقاري

فأنا منه، ما كبحت هواه

في جموح وحدة واستعار

كيف أنجو، وإنه مستقر

في كياني، وفي صميم نجاري(1)

وكان الأميري مضرب المثل في مروءته وإنجاده، فهو يبذل ما في يده لإخوانه، ويبذل كل ما في وسعه، بل ويريق ماء وجهه دون تردد عندما يندبه أحدهم لحاجة يقضيها له، أو شفاعة يبذلها، أو مسعى يقوم به(2).

وكان اعتزازه بنفسه وبنسبه الشريف يكاد يصل إلى حد المبالغة ولكنه لم يوقعه في التكبر، ولم يفقده صفة التواضع، وإن كان ذلك يدفعه إلى مواقف لا يحسد عليها في ميزان الربح والخسارة، وفي ميدان السياسة بالذات. وكان ذلك في رأيي سبباً في خسارته معركتين انتخابيتين خاضهما في مدينة حلب.

فأما المعركة الأولى التي خاضها منافسا لأقطاب حزب الشعب فقد فسر خسارته فيها بأن أكابر المرشحين في القائمة المنافسة كانوا من الأسر ذات المكانة في حلب، فتألبوا ضده، واتفقوا على إسقاطه، وهذا ما شهدت طرفاً منه في الحي الشعبي الذي كنت أبذل فيه جهدي مع بعض الأصحاب لإنجاح الأستاذ الأميري، وكان بعض أقطاب حزب الشعب يمرون بالمركز الانتخابي في حينا، ويوصون مندوبيهم بأن يسقطوا اسم الأميري في القوائم المشتركة التي كان الاتفاق عليها يتم عادة في بعض المراكز.

ومما أذكره على سبيل الطرافة أن الأستاذ الأميري نال في حينا أكبر نسبة بين المرشحين جميعاً، ولما هرعت إلى منزله لأبشره بذلك قال على الفور:

« عبد القدوس أبو صالح _ زين شباب حارتنا»

وما كنت زين الشباب، ولا أعد من الشباب، بل كنت طالباً في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية.

وأما المعركة الانتخابية الثانية التي كانت بعد الانفصال ما بين مصر وسورية فقد تبوأ فيها الأستاذ الأميري رأس القائمة التي وقفت ندّاً لقائمة جمعت بين حزبين تقليديين هما حزب الشعب، والحزب الوطني، وكانت هذه القائمة تضم عدداً من أقطاب هذين الحزبين مع ما يملكه الحزبان من إمكانات مالية وإعلامية كثيرة، وكانت القائمة التي يرأسها الأستاذ الأميري تضم عدداً من كبار الشخصيات الإسلامية منهم: الأستاذ مصطفى الزرقا، والأستاذ عبد الفتاح أبو غدة – رحمهما الله.

وكانت الدعاية الانتخابية تقتضي زيارة الأحياء، وإقامة احتفالات فيها، يتعرف فيها الجمهور على المرشحين وعلى برامجهم الانتخابية، وكان الناخبون ولا سيما أجيال الشباب لا يعرفون الأستاذ الأميري، والأستاذ الزرقا لكثرة غيابهم عن حلب، وكان من الطبيعي أن يحضرا الحفلات الانتخابية التي أقمناها في أحياء المدينة، وهذا ما كان يفعله الأستاذ الزرقا، وأبو غدة وسائر المرشحين معهم في قائمة واحدة، ولكن الأستاذ الأميري لم يحضر أياً من هذه الدعوات اعتزازاً بنفسه واعتزازاً بأنه رئيس القائمة، وكانت نتيجة ذلك أن نجح الأستاذ الزرقا، والأستاذ أبو غدة، ولم ينجح الأستاذ الأميري مع فارق بينه وبين آخر الناجحين من القائمة الثانية لا يتجاوز/200 / مئتي صوت فقط.

أما شاعرية الأستاذ الأميري، فهي أكبر ملمح في شخصيته المتميزة، فقد كان شاعراً مطبوعاً بكل ما في هذه الكلمة من معان ودلالات، والشاعر المطبوع عندي وكما كنت أعرفه لطلابي: «هو الشاعر الذي يفيض عنه الشعر كما يفيض الماء عن الينبوع».

والأستاذ الأميري في طبعه الشعري أشبه ما يكون بجرير الذي قارن الأخطل بينه وبين الفرزدق، فقال: «جرير يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر».

ولعله كما قيل عن أبي العتاهية: «يخرج الشعر من كمه متى شاء..»، وكثيراً ما كنت أهاتفه، فيقاطعني بقوله: اسمع هذه الأبيات التي خطرت على بالي الآن...

وأذكر أنني زرته في منزله في حلب منذ أكثر من نصف قرن، فأشار إلى أحد الرفوف التي صُفَّ فيها نحو /15/ خمسة عشر دفتراً قائلاً: «هذه كلها دواويني التي نظمتها حتى الآن، وسوف أبدأ بطبع أول ديوان منها « وأظنه ديوان «مع الله».

ويبدو أن من سمات الشاعر المطبوع أنه يشغل بكثرة النظم عن تنقيح شعره ومن هنا لا بد أن يأتي شعره على مستويين: شعر جيد لا يكاد يلحق، وشعر معتاد يتخلف أو يُسبق.

وهنا استشهد بقول الأخ الحبيب الدكتور براء الذي ورث الشاعرية عن أبيه، فهو يقول في شعر والده كلمة عادلة منصفة: « يمكن أن نختار من شعر والدي نحوا من /100/ مئة قصيدة، وهذه القصائد المئة تجعله في مصاف كبار شعراء العربية المعاصرين مثل شوقي، وحافظ، وغيرهما...».

ولعل في مقدمة هذه القصائد الجياد التي لا تلحق، ولا تسبق قصيدة «أب» التي قال فيها الأستاذ عباس العقاد: « إنها من غرر الشعر العالمي»، وكفى بشهادة العقاد شهادة.

وأخيراً فإني مدين للأستاذ الأميري بعودتي إلى الشعر بعد أن تركته نحواً من ربع قرن لم أقل في خلاله بيتاً واحداً، ذلك أني أعتقد أن كل من له صلة بالأدب لا بد أن تحدثه نفسه بنظم الشعر في مطلع شبابه، وقد سميت هذه المرحلة بمرحلة «المراهقة الشعرية».

فالشاب المتأدب يحاول نظم الشعر. فإذا وفق فيه مضى في طريقه، وظل يهذي حتى يقول الشعر كما قالوا عن جرير، وإذا وجد أنه دون ذلك أو وجد زميلاً له يجيد نظم الشعر فإنه يؤثر السكوت والانسحاب من حلبة الشعر.

وهذا ما وقع لي، إذ كنت أنظم بعض الأبيات التي أفتتح بها خطبي في المظاهرات الوطنية، ثم مضيت في السنة الأولى من الدراسة الجامعية أنظم قصائد غزلية، وكان أن سمع أستاذي الدكتور أمجد الطرابلسي قصيدة لي في ركن الطلاب في الإذاعة السورية، فاستدعاني إلى مكتبه في الجامعة، وشجعني على الاستمرار، ولكني بعد نظم عدد من القصائد رأيتني لا أقع من الشعر موقعاً أرتضيه كما قال الشاعر ذو الرمة عندما حاول منافسة كبار الرجاز في عصره.

ومضى نحو من ربع قرن، وجاءتني قصيدة من الأستاذ الأميري كتبها، وهو في غرفة العناية المركزة في أحد مشافي مدينة الرباط المغربية، وكانت القصيدة بعنوان « روح مباح »، وقد جعل لها مقدمة تدل على أنه يملك من موهبة النثر وعفويته ما لا يقل عن موهبته وطبعه في الشعر، فهو يقول:

« في جناح طب القلب، من مستشفى ابن سيناء، والشاعر موصول الصدر إلى جهاز المراقبة الإلكتروني بأسلاك تغل حركته.. كان رغم علّته، يحمل هم الإسلام، ويعيش مع فلسطين،.. وكان وهو في الرباط موزع النفس والفكر، بين أسرته المبعثرة، وأمته المتعثرة.. وهو لا ينسى خلال ذلك كله، جماليته وشاعريته لأنها من سجيته ومزيته!.. أما تعلقه بربه، فهو حبة قلبه، ومناط حبه، لا يذكر معه داءه..، ويلتمس به شفاءه.. إنه جوهر أشواقه.. وأذواقه.. وإشراقه».

ثم يقول من قصيدته:

أطلق عِنانا يا زمان فقد كفى كبحُ الجماح

هذا الذي يتجاوز الأفلاك يلتمس المراح

هو في الجناح-جناح طب القلب- مقصوص الجناح

قالوا : عليل، فابتسمت ورحت أُمعن في المزاح

والعزم فوق ذرى النجوم ترودهُ همم صِحاح

والهمُّ يا للهمِّ في قلبي له وَخْزُ الرماح

قالوا: عليل، قلت: بل والله تُثْخِنني جراح

أنا في الجهاد أخوض للإيمان معترك الكفاح

أنا في فلسطين الطهور مع «الفداء» بكل ساح

لله، للأمر الأجل، له مطامحه الفساح

أنا للصغير وللكبير إرادة الخير الصُّراح

الصبر دَيْدَنُ مذهبي والصبر مفتاح الفلاح

أنا في «الرباط» مُرابِطْ، ورؤاي تُغْرب في النَّواح

أنا في «الرياض»، وفي «دمشق» وليس عن «حلبي» براح

أدعو إلى الجلّى وأُصْعِدُ في سحائبها السِّداح

بين المشارق والمغارب خافق خفق الرياح

ورأيتني وأنا وحيد في منزلي بالرياض أقرأ القصيدة في جنح الليل، وأعيد قراءتها أكثر من مرة، وأشعر بالألم والرثاء نحو هذا الرجل العظيم الذي يملك من المؤهلات ما يجعله جديراً بأكبر المناصب في بلده بما في ذلك النيابة والوزارة، ولكن الله قدر أن يعيش في غربة دائمة بعيداً عن أهله وأولاده الموزعين في عدة بلدان.

وهكذا ما لبثت أن أخذت القلم، وعارضت قصيدته بأخرى جعلت عنوانها «النسر والوطن المباح»، وفيها أقول:

لَهَفي على النسر المُضَمَّد باللَّهيب وبالجراحْ

تَرنْو إلى قمم الجبال وأنت مقصوصُ الجناحْ

ويلفُّك الليلُ البهيم.. تظنه أَلَقَ الصباحْ

ويهزُّك الشوقُ المبرح في الغدوِّ وفي الرواحْ

والقلب نهبٌ للهموم.. يَؤودُهُ وطنٌ مُباحْ

عصفت به من نازلات الدهر ألسنةُ الرماحْ

ما أنت أولُ فارس.. غَدَرَتْ به في الحرب ساحْ

لا.. لن تموتَ على السفوح.. فكلُّنا ريشُ الجناحْ

لو يستعار القلب.. كان لك الفداء.. ولا جُناحْ

أأبو فراس أنت في الشهباء مكبوحَ الجماحْ

«زينُ الشباب» ومُلْهَمُ الشعر المردّدِ في البطاحْ

وَثَباتُه في المجد تَزْهو في أمانيك الطّماحْ

هو في بلاد الروم منفيٌ.. وأنت بكل ساحْ

ما جدَّ جِدُّ القوم حتى يذكروا البدر الوَضاحْ

الهازلونَ السادرونَ.. يقودهم عَبَثٌ وَقاحْ

سَكروا بكأس الذلّ مترعةً.. كأنَّ الذلَّ راحْ

إن رُفِّهوا هتفوا.. وإن جاعوا سمعتَ لهم نُواحْ

لا يسألون عن البلاد.. أَهُوِّدَتْ باسم الكفاحْ

تركوا الأمور لأهلها.. وكأنَّ قائدهم «صلاحْ»

كُفَّ النداء فلن يهزّ القومَ «حَيَّ على الفلاحْ»

وقد أُعجب الشاعر الكبير بهذه المعارضة، ومضى يوزّع نسخاً منها على بعض إخوانه، ولكنه أنكر ما فيها من مشاعر اليأس، فما كان منه إلاّ أن ردّ على قصيدتي بمعارضة ثانية يقول في مقدمتها:

«أخذت كتابك الوفي منذ أيام، وسعدت بقراءة قصيدتك وحزنت!.. سعدت لتألق شاعريتك، وسمو سجيتك، ونبل عاطفتك.. وحزنت لما فيها من شميم اليأس، أعيذك بالله من اليأس، فانفض عنك يا أخي غباراً وقع عليك من رياح عابرة، لا تلبث بقوة الله أن تدور عليها الدائرة ( ولينصرن الله من ينصره ):

ثم يقول في معارضته لقصيدتي:

أأبا يمانٍ والهمومُ هي السُّموم.. هي الجراحْ

وأنا الغريبُ، فإن وُصلتُ فذاك لي رَوْح وراحْ

لا.. لن أموتَ على السفوح يؤودُني العبْءُ الرَّزاحْ

ما دمتَ والصيدَ الأباةَ مجاهدين بكل ساحْ

أحيا بكم أبداً بآمالي، وأمعنُ في النجاحْ

فإذا غفوتُ منيَّةً فأنا بكم في الخلد صاحْ

صقرٌ سيُنبت ريشُه من رمْسه شجر الرِّماحْ

أرنو إلى شمس ستشرق في النجود وفي البطاحْ

فالغربُ في إعصاره.. عَصَرَ الدنا وغدا وراحْ

ما بينَ زمجرةِ الشقاء وبين أنّات النُّواحْ

ليلٌ بهيمٌ مدلهمٌ.. بيدَ أن الديك صاحْ

«الصبحُ موعدُهُمْ» بكم ستعود تزدهرُ النَّواحْ

ويهزُّكم، ويهُزُّ كلّ الكون «حيَّ على الفلاحْ»

وبعد:

فإن معرفتي بالشاعر العظيم قديمة، وكانت صلتي به وثيقة، وذكرياتي معه طويلة، ولكن آن للقلم أن يُقْصر بعد أن يخط دعوة صادقة، أدعو الله أن تتجاوز الوجدان واللسان لتُفتح لها أبواب السماء:

« اللهم ارحم تلك النفس الزكية.. اغفر لها زلاّتها، وضاعف لها حسناتها !.. فقد طالما سبحت باسمك العظيم، ونافحت عن دينك القويم، وتفانت في حب رسولك الكريم ) clip_image013.png  

مصادر الترجمة:

1– الفيصل: ع 8 / ص 124، 129، وكذلك مجلة الفيصل ع 197 س 17 ذو القعدة 1413/1993 مقال: نظرات في فكر الأميري وشعره، لمصطفى تاج الدين.                                                       

2– المسلمون: ع 383 .

3- مجلة المسلمون الدولية ع 14 س1402/1982. حوار صريح حول واقعنا المعاصر مع المفكر عمر بهاء الدين الأميري، لعبد القادر الإدريسي.

وكذلك المسلمون الدولية ع243 ص5 مقال المشهداني.       

4– غلاف ديوانه: حجارة من سجيل.

5 – مئة أوائل من حلب – أعلام ومعالم، مبيض: ص 1287، 1288، 1289، 1290.

6 – في وداع الأعلام، يوسف القرضاوي، دار الفكر – دمشق – ط2 – 2005 م: ص 37، 52 .

7 – أعلام الشعر العربي في حلب، عبد الحميد ديوان، قدم له محمود فاخوري، دار النهج، ط1 عام 2007م: ص 216، 221.

8-القيم الروحية في شعر عمر بهاء الدين الأميري – وائل مصباح محمود العريني – رسالة ماجستير في قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في غزة عام 2007م.

9-عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة – د. خالد بن سعود الحليبي- ط1، 2004م .

10- البناء الفني في شعر عمر بهاء الدين الأميري – د. خالد بن سعود الحليبي – ط1، 2009م.

11- عمر بهاء الدين الأميري – شاعر الأبوة الحانية، والبنوة البارة، والفن الأصيل- محمد علي الهاشمي –ط1 عام 1406ه/ 1986م.

12- معجم البابطين .

13- معجم الأدباء الإسلاميين – أحمد الجدع.

14- شعراء الدعوة الإسلامية -جدع وجرار- ج2 ص223.

15-مجلة الفيصل:  ع18 لقاء مع الأميري.

16- المجلة العربية: ع12 مقال الشيتي.

17- الحاج أمين الحسيني رائد جهاد وبطل قضية ص19 حسني أدهم جرار.

18- تطور الصحافة السورية في مائة عام ج2 ص70 و181 جوزيف الياس.

19- دواوين الشعر الإسلامي المعاصر ص176 أحمد الجدع.

20- مجلة الأدب الإسلامي م1 ع 4 ربيع ثاني 1415 مقال: فصل من عالم الأميري  لسعيد ساجد الكرواني.

21- المجلة العربية ع 129 س 12 شوال 1408/ حزيران 1988 ، الشاعر عمر بهاء الأميري في حوار مع المجلة العربية، حاوره: سمير خوجة بكة.

22-من أعلام الحركة والدعوة الإسلاميّة المعاصرة -عبد الله العقيل- ص 171.

23-أعلام الصحوة- الشخصيّة 34 ، محمد علي شاهين (مخطوط).

24- موقع مجلة الغرباء – محمد علي شاهين.

25- رابطة أدباء الشام – يشرف عليه الأديب عبد الله محمود الطنطاوي.

26- حفلة تكريم الاثنينية للأستاذ عمر بهاء الدين الأميري- عبد المقصود خوجة.

27- مجلة الأدب الإسلامي (عدد خاص): ع 60، مواقع متفرقة منه.

28-دمعة أميرية – شعر د. محمد حكمت وليد، تراتيل للغد الآتي - ص 225.

[1] - النجار: الأصل. انظر في موضوع نسبه كتاب عمر بهاء الدين الأميري شاعر الإنسانية المؤمنة- د . خالد الحليبي، ص37.

وسوم: العدد 850