وقفة مع مقدمة كتاب : " رأسمالية الكوارث " لمؤلفه أنتوني لوبنشتاين
أولا لا بد من الإشارة إلى أن هدف هذه الوقفة مع مقدمة هذا الكتاب هو التنبيه إلى ما يحدث اليوم في كل أصقاع العالم من جرائم فظيعة ترتكبها الرأسمالية المتوحشة . ومن خلالها سيعرف المواطنون العرب في الوطن العربي أنهم كما قال طارق بن زياد رحمه الله :" كالأيتام في مأدبة اللئام "
Disaster Capitalism making a kiling out of Catastrophe
هذا هو عنوان الكتاب ، وقد ترجمه المترجم المصري أحمد عبد المجيد أحمد كالآتي :
(رأسمالية الكوارث : كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية )
مؤلف الكتاب صحفي أسترالي من الصحفيين الجوالين ، وهو منتج أفلام وثائقية له عمود خاص في صحيفة " الغادريان " البريطانية ، وهو مؤلف كتب أيضا .
والمترجم صحفي أيضا يعمل مع وكالة أنباء الشرق الأوسط ، ووكالة أنباء " رويترز " .
الجهة المترجمة للكتاب هي : مجلة عالم المعرفة الكويتية عدد 478 نوفمبر 2019 .
مقدمة الكتاب ككل مقدمات الكتب في غاية الأهمية وقد سمها صاحبها " اقتصاد ماد ماكس "
وتتضمن ما يلي :
حديث مؤلف الكتاب عن " يوغن راندرز " وهو أستاذ استراتيجية المناخ بكلية التجارة بالنرويج صاحب كتاب " حدود النمو" 1972 والذي حذر فيه من عالم محدود المصادر مقابل نمو سكاني مدمر . وفي سنة 2004 كتب مقالا يؤكد ما تنبأ به في كتابه منتقدا خطأ تجاهل زعماء العالم الحاجة الملحة إلى التصدي لمشكلة التنمية غير المستدامة . وفي سنة 2015 أبان عن تشاؤمه من قدرة النظام المالي الحالي على الحد من الآثار المدمرة لظاهرة التغير المناخي وتجاهله لها مدينا ترك العالم يسير نحو الجحيم في مواجهة مشاكل طويلة الأمد . واقترح حلا لمواجهة انبعاث الغازات المسبب للاحتباس الحراري من خلال فرض دفع كل مواطن مبلغا من المال إلا أن الرأسمالية الجشعة لا تهمها سوى المشاريع التي تدر أكبر قدر من الأرباح ، علما بأن العالم في حاجة إلى الاستثمار في مجالات الطاقة الشمسية والريحية الأكثر تكلفة من طاقة الفحم والغاز الرخيصة .
ويؤيد مؤلف كتاب" رأسمالية الكوارث " الدكتور " راندرز " حيث يرى أنه أصاب كبد الحقيقة بتفسيره سبب تركز الثروة في أيدي حفنة من الأشخاص في عالم اليوم . ويذكر أن مشكلة العالم الاقتصادية بدأت تظهر حتى عند أفراد يستفيدون أكبر استفادة من عدم المساواة بين الشعوب ، ذلك أنه في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في " دافوس " بسويسرا سنة 2015 ، وهو مؤتمر يجتمع فيه الساسة وأقطاب المال والأعمال لتبادل التهاني فيما بينهم ،خلصت بعض جلساته إلى نتيجة مفادها أن انعدام المساواة مشكلة خطيرة تواجه العالم بأسره ، وأبدى المؤتمرون تشاؤمهم من ذلك إلا أنهم استقبلوا بترحاب كبير زعيما ديكتاتوريا لإحدى دول الشرق الأوسط وهو أشد استبدادا بشعبه ، وسمحوا له بطرح وجهة نظره بخصوص تحقيق تنمية مستدامة .
وذكر مؤلف الكتاب أن الأرقام ناطقة بحجم مشكل عدم المساواة الذي يعاني منه العالم حيث تضاعفت أربع مرات حصة ثروة من نسبتهم 01،0 في المائة وهم الأكثر ثراء في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهم يملكون 46 في المائة من مجموع أصول العالم في الوقت الذي تحتاج فيه نسبة 5،16 في المائة من سكان مدينة نيويورك إلى مساعدة طارئة من الطعام الكافي واللازم لحياة صحية لكافة أفراد الأسرة الواحدة .
ويذكر أن الطبقة المتوسطة التي كانت تعتبر أكثر نجاحا في العالم باتت هي الأخرى تعاني من عدم المساواة في مداخيلها على نحو متزايد ، وثمة عامل حاسم في هذا التراجع يتمثل في الفشل في تحصيل التعليم بما يحقق التقدم .
ويتحدث مؤلف الكتاب عن قرار الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوبما " أثناء الأزمة المالية العالمية بمنح بنك أمريكا الذي واجه الانهيار تقريبا 45 مليار جنيه استرليني للحيلولة دون انهياره . وبخصوص هذا الأمر ذكر المؤلف أن " مات تايبي " الكاتب على موقع " وولينغ ستون " قال : " لقد تغاضت إدارة أوبما عن مسألة ارتكاب بنك أمريكا مجموعة من الجرائم العجيبة منها التحايل والتلاعب بمنتهى السرية ، وخداع المستثمرين ، وشركات التأمين ، وأصحاب الودائع ، وملاك المنازل ، وأصحاب الأسهم ، والمتقاعدين ، ودافعي الضرائب . وكان البنك الأمريكي وراء وقوف عشرات الآلاف من الأمريكيين أمام المحاكم المختصة بالحجز على الرهونات العقارية باستخدام أدلة مزورة لسندات موقعة دون قراءة أو فهم أو مراجعة ما تتضمنه من معلومات . وقد باع البنك رهونات عقارية لا قيمة لها للعشرات من صناديق معاشات التقاعد ، والنقابات العمالية بمئات الملايين من الدولارات، وكان ذلك هو سبب استنزاف قيمتها .
ويرى مؤلف الكتاب أن هذا هو التعريف الحديث للرأسمالية . وذكر أن " تايبي " حين شارك في المظاهرة التي نظمتها حركة " احتلوا وول ستريت " المناهضة للرأسمالية عام 2012 قال في كلمته للمتظاهرين : " هذه المؤسسة المالية العملاقة تعدّ الرمز المطلق لنوع جديد من الفساد على أعلى مستوى في المجتمع الأمريكي . ويعلق المولف على ذلك قائلا : إن هذا الفساد يميل إلى خلق مصاهرة بين سلطة بلا حدود للحكومة الفيدرالية وبين المصالح المالية الخاصة التي يتنامى تركّزها ،وباتت ذات سلطة أو تحكم على نحو متزايد . ويذكر أن المصرفيين العاملين في " وول ستريت " سعدوا لأن علاواتهم سنة 2014 والتي بلغ متوسطها 173 ألف دولار لكل واحد منهم، قفزت نحو ضعف مكاسب جميع الأمريكيين العاملين بدوام كامل على أساس الأجر الأدنى .
ويعلق بالقول : إنها إيديولوجيا تزدهر ،وذلك بزيادة نفوذ القطاع الخاص وبقدر كبير من الجشع والضراوة .
وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن الكليات الجامعية التي تتلقى دعما من الحكومة الأمريكية، ولكن همها هو البحث عن الربح المادي ، وهي تثقل كاهل الطلاب بديون ضخمة وثقيلة مقابل أوراق اعتماد عديمة القيمة .
وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن بنك " غولدمان ساكس " وهو أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويحمله قدرا كبيرا من المسؤولية عن الأزمة المالية لسنة2008 ، وهو الآن يستثمر في سندات التكامل الاجتماعي ، وهو نظام من شأنه إثراء الشركة في حال بقاء السجناء السابقين خارج السجن ، وهو يقلل من المساءلة أو المحاسبة القانونية للحكومات ، ويحدد أولويات الربح الخاص .، وفضلا عن ذلك يحقق أرباحا من الاستثمار في التعليم العالي ، وهو يكره الطلاب الفقراء على الاستدانة ، وفي المقابل لا يولي سوى قدرا ضئيلا من الاهتمام بمستوى التعليم ومعاييره .
ويذكر أيضا أن نواب الكونغرس من الجمهوريين في ولاية ميشيغان في اتجاه خوصصة معلمي المدارس الحكومية باستخدام منطق ملتو يدافع عن تقليص وجود المدارس الحكومية ، وبيع منشآتها بكاملها بأدنى الأسعار .
ويذكر أيضا أنه يوجد الكثير من رسوم المرور التي تفرض على عبور الطرق العادية والسريعة في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما يذكر أيضا أن مكتبات عامة أسندت إلى شركات خارجية ،الشيء الذي خفض رواتب العاملين بها أو ألغى وظائفهم.
ويشير بعد ذلك إلى أنه في أوروبا تلجأ كثير من الشركات ومن المحامين ودون خجل إلى استغلال صفقات الاستثمار الدولية بغية تحقيق أرباح من وراء رفع دعاوى قضائية ضد دول تعصف بها أزمات ، كما هو الشأن بالنسبة لليونان حيث يمارس مضاربو أسواق المال ضغوطا عليها ، الشيء الذي يتسبب في معاناة مواطنيها .
ويضرب مثالا بما يحدث في بريطانيا حيث يواجه مواطنوها الذين يعيشون على الهامش الطرد من منازلهم أو الزيادة التصاعدية في قيم الإيجار، لأن المنازل يشتريها صندوق " ويستبروك " بوصفها أصولا من أجل الاستفادة منها لتحقيق الأرباح .
وينتقل إلى الحديث عن صندوق النقد الدولي الذي يجوب كل بقاع العالم بمؤازرة الدول العظمى والنخب الغربية سعيا وراء خوصصة مواردها ، وحثها على فتح أسواقها أمام الشركات متعددة الجنسيات ،والخوصصة الجماعية الناشئة عن ذلك وهو ما يعد حجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية التي تجعل الفساد متفشيا في أنظمة الحكم الأوتوقراطية، ويمثل لذلك بما تسرب من موقع " ويكيليكس " عن مصر إبان حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ، وهذا مثال من أمثلة كثيرة لا حصر لها ، والبنك الدولي متورط في ذلك ، وهو فوق المحاسبة . ويذكر أنه سنة 2015 اعترف هذا البنك أنه لم تكن لديه أية فكرة عن أعداد الأشخاص الذين أجبروا على ترك أوطانهم بسبب سياساته بإعادة التوطين ، وهذا الأمر لم يهتم به الإعلام الغربي .
ويستشهد المؤلف بما وقع في مدينة " مايوود " إحدى مدن ولاية كاليفورنيا التي طبقت الخوصصة حرفيا بالتعاقد الخارجي سنة 2011 مستغنية عن خدمات العاملين المحليين بمن فيهم عناصر الشرطة ، وذلك بسبب ضغط الميزانية ، وقد قالت المديرة المؤقتة لمجلس بلدية المدينة " أنجيلا سباسيا " : سنصبح مدينة متعاقدة خارجيا بنسبة مائة في المائة .
ويرى المؤلف أنه من الصعب بقاء الحملة المستدامة ضد الرأسمالية المفترسة ، وإمكان استمرارها خصوصا وأنها لا تحظى بأي دعم لأن 90 في المائة من الأمريكيين يعتمدون في الحصول على المعلومات من ست شركات إعلامية متعددة الجنسيات فقط منها " نيوز كوربوريشن " و " كوماكست " و " وفياكوم" . ويرى أن الحركات من قبيل " احتلوا وول ستريت " التي تولد وتزدهر ولو لفترات وجيزة تعد إنجازا رائعا . ويستشهد المؤلف على ذلك بإشادة الكاتبة الهندية " أروندهاتي روي " عام 2011 مشيدة بحركة " احتلوا وول ستريت " ، وهي حركة رفضها العاملون في تلك البورصة لكونها تمثل خطرا مهددا لهم .
ويذكر المؤلف أن دراسة الرأسمالية زادت في الجامعات الأمريكية بوتيرة سريعة ، وهو ما يشير إلى رغبة خريجيها في فهم الرابط الهش بين الديمقراطية والاقتصاد الرأسمالي .
ويذكر المؤلف أن الاقتصادي الفرنسي " توماس بيكيتي " صاحب كتاب : " رأس المال في القرن الواحد والعشرين " رد سبب عدم المساواة المالية إلى الخلاف الاجتماعي ، وقد تصدى للدفاع عن نظام ضريبي عالمي بشأن الممتلكات الخاصة . ويذكر المؤلف أيضا أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، وهي إحدى مؤسسات البحث الاقتصادي البارزة في العالم ومقرها في باريس قد حثت على فرض ضرائب أعلى على الأثرياء من أجل مساعدة ما نسبته 40 في المائة من السكان الفقراء . ويشير أيضا إلى أن الأمريكية " جيليان تيت "، وهي مديرة صحيفة " فايننشال تايمز عبرت في مقال لها عن الرغبة في مناقشة صادقة حول إعادة توزيع الثروة .
ويصرح المؤلف أن الكاتبة الصحفية الكندية " نعومي كلاين " هي أول من صاغ مصطلح "رأسمالية الكوارث " ، وذلك في كتابها الأكثر رواجا سنة 2007 بعنوان : " عقيدة الصدمة صعود رأسمالية الكوارث " الذي ترى فيه أن الخوصصة مع تخفيف الرقابة الحكومية أو إلغاءها والاقتطاعات العميقة في الانفاق الاجتماعي غالبا ما تفرض بعد وقوع كوارث ضخمة سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان . وترى أن هدف خوصصة الحكومة الأمريكية ظل قائما لعقود طويلة إلا أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2011 أدت إلى تسارع وتيرة هذه العملية لأن إدارة الرئيس بوش كانت تعتبر" حربها على الإرهاب " هبة للقطاع الخاص . وترى أيضا أن الحروب والاستجابات للكوارث صارت مخوصصة ، وأنها أصبحت السوق الجديدة ، ولم تعد هناك حاجة إلى الانتظار لما بعد الحرب من أجل ازدهارهذه السوق وانتعاشها .
ويعقب المؤلف بالقول إن مثل هذه التغيرات الإيديولوجية تنفذ بالقوة بالرغم من المعارضة الروتينية التي تلقاها من قبل سكان كل انحاء العالم إذا ما كانوا أصلا على دراية بشؤون السياسات ومع ذلك قوة الشركات هي التي تنتصر. ويصرح أن هذه التكاليف الاجتماعية والبيئية لظاهرة الخوصصة هي ما يسعى إلى توثيقه في مؤلفه .
ويذهب المؤلف إلى أن الرأسمالية المفترسة تتجاوز نطاق استغلال الكارثة، ذلك أن العديد من الأزمات المستمرة حاليا يبدو أن الشركات هي التي أبقتها وأطالت أمدها بهدف دعم وتشغيل صناعات لديها حصة مالية فيها . وشبه هذه الشركات بالطيور الجارحة التي تتغذى على جثة حكومة ضعيفة والتي تعتمد هي الأخرى على القطاع الخاص لتوفير الخدمات العامة . ويذهب المؤلف إلى أن الشركة باتت الآن أكثر قوة من " الدولة والأمة" ، وصارت تملي إرادتها وتفرض شروطها عليها ، وهذا يعني حصول تحول عميق في السلطة خلال النصف الثاني من القرن الماضي . ويذكر أن الدولة والشركات متعددة الجنسيات تعتمد كل واحدة على الأخرى بشكل متساو، الشيء الذي يسمح للشركات بالنمو لتصير كبيرة بتكرم من الساسة الانتهازيين . ويضيف أن رقابة الدولة صارت ضعيفة للغاية الآن أو غير موجودة في أغلب الأحيان في الدول الغربية والدول النامية ، ويمكن القول أن سلطة الشركات هي التي فازت بالفعل .
ويصرح المؤلف بأنه دأب على قراءة مؤلفات " كلاين " منذ أن صدر لها عام 1999 كتابها الذائع الصيت بعنوان : " لا شعار " ، وفيه تحد لفكرة الرأسمالية العالمية المحررة من القيود ، كما أنه وثق للمقاومة المتنامية لها . ويشير إلى أن " كلاين " فضحت المظالم العالمية ، وذهبت إلى أبعد من ذلك بانتقاد المنظومة الاقتصادية ذاتها عوض مجرد الهجوم على الأفراد والجماعات الضالعين فيها.
ويرى المؤلف أنه حين ضرب إعصار ساندي ولاية نيويورك عام 2012 مخلفا الدمار والفوضى كتبت " كلاين " عن كيفية حماية الأغنياء أنفسهم من الآثاء الأقل لذة للنموذج الاقتصادي الذي جعلهم في مثل تلك الحالة من الثراء الفاحش ، وأنحت باللوم على من سمتهم " أطباء العلاج بالصدمة " الذين يعدون العدة لاستغلال أزمة المناخ . وأضافت بعد أن شق الإعصار طريقه صوب الساحل الشرقي لأمريكا أشارت صحيفة نيويوك تايمز إلى اقتصاد " ماد ماكس " الذي يقصد به حصيلة مقدارها عدة مليارات من الدولارات في السنة جمعتها الصناعات التي ازدهرت عندما ساءت الأمور بالفعل .
ويذكر مؤلف الكتاب أن الكاتبة " كلاين " في كتابها المنشور عام 2014 تحت عنوان : " هذا يغير كل شيء الرأسمالية مقابل المناخ " صرحت فيه أنه ما لم يوضع حد للانبعاثات الغازية العالمية، فلن يعود هناك وجود للعالم الذي نعرفه ونحبه . وذكرت أن هناك قوى هائلة تدفع في اتجاه الحفاظ على الوضع الراهن وهي القوى التي تجني المال من ضخ الاستثمارات في الطاقة بالرغم من الإضرار بالأرض والمياه والهواء . وترى أن هذه الأزمة ولدت من رحم الاستهلاك المفرط لدى الأثرياء .
و يقول المؤلف بالنسبة للشركات التي تسبب الأضرار البيئية العالمية لعله من الضروري الكشف عنها كما نبه إلى ذلك " بيل مكبين " عالم البيئة الأمريكي البارز الذي صرح بأن صناعة الوقود الأحفوري أصبحت مارقة ومتهورة .
ويصرح المؤلف أنه توسع في فرضية " كلاين " وأنه لم يركز فقط على الكارثة البيئية والحرب والتكاليف الخفية للمعونة الأجنبية بل أيضا على ما يحدث من خوصصة قطاع الموارد ومراكز الاعتقال ، فهاتان الصناعتان تنتعشان في القرن الواحد والعشرين مع تجاهل تام ومفزع لحقوق الإنسان . والمطلوب هو تعبئة ديمقراطية ضد حكومة الأثرياء على حد قول " جورج مونبيوت " وهو كاتب عمود في صحيفة " الغارديان " .
ويضيف أنه هناك مال يجنى من التخريب المتعمد للبيئة ، واستشهد بما جاء في كتاب الصحفي " مكنزي فانك " تحت عنوان : " الربح المفاجىء " الصادر عام 2014 الذي ذهب إلى أن شركات التأمين ، ورجال الأعمال ، وشركات التنقيب عن النفط في القطب الشمالي والشركات الخاصة لإطفاء الحرائق ، وأصحاب المشاريع الحرة والريادية كل هؤلاء يجدون أعمالا في الوقت الراهن .
ويرى المؤلف أن تعريفه لكلمة كارثة قد اتسع لكي يتضمن شركات ترسخ أزمة ما وتحصنها ثم تسعى إلى ترويج نفسها الوحيدة التي لديها الحل لتلك الأزمة .ويرى أن العالم سيظل محكوما بأسواق لا تخضع للمساءلة . ولا يستبعد أن يخوصص العالم الطبيعي نفسه .
ويصرح المؤلف بأنه خلال السنوات العشر الماضية وجد نفسه في أكثر الأماكن تحديا على كوكب الأرض، وأنه اقتنع بالأدلة التي عاينها بأن يضطلع بهذا المشروع ويزور مجموعة من الدول التي كانت مواقع الخوصصة الجامحة والتمييز الصارخ . ويصرح أيضا أنه في هذا الكتاب يعكف على تفحص وتقصي نظام اقتصادي ينتعش ويزدهر على فوضى منظمة وأوتوقراطية .
وينتقد المؤلف الصحافة التي دفعت بها الحكومات والمؤسسات العسكرية بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر إلى ترويج إعلام ينظر إلى زعماء الأعمال والسياسة على أنهم الأكثر أهمية بكثير من الأفراد والمجتمعات المتأثرة بهم .
ويعتبر المؤلف أن كتابه هذا هو مساهمة منه في معركة مستمرة ضد الصمت والتواطؤ في عالمنا لما بعد الحادي عشر من شتنبر ، ويرى أنه وراء القصص الصادمة حول ممارسات التعذيب ، وتسليم المتهمين ، والحروب ، وهجمات الطائرات بدون طيار، وعمليات الاختفاء التي تشغل وسائل الإعلام العامة بين الفينة والأخرى قبل أن تختفي، يوجد ما يعمد إلى تجاهله بشكل روتيني .
ويصرح المؤلف أن السياسات التي تصاغ في العواصم الغربية لها تداعيات واضحة بالنسبة للمواطنين في جميع أنحاء العالم ، ويرى أن كتابه هذا يتناول الناس الذين تتجاهلهم نشرات الأخبار اليومية كأنهم لا وجود لهم .
ويذكر المؤلف أن " جون بلغر " في مقدمة كتابه " أبطال " يقول أن المواطنين في العالم النامي يعتبرون في الغرب إما شياطين أو ضحايا .
ويذكر أيضا أن " جيمس ريزن " الصحفي في جريدة نيويورك تايمز والحائز على جائزة بوليتزر ذكر في كتابه : " ادفع أي ثمن : الجشع ، القوة ،و الحرب الأبدية " أن أربعة تريليونات من الدولارات هو التقدير للتكلفة الاجمالية للحرب على الإرهاب بما فيها الحرب في العراق وأفغانستان ، وأن الجزء الأكبر من هذه التكلفة كان من نصيب شركات مقاولات وهمية ، ومع ذلك لم يفطن أحد إلى هذا الأمر على الإطلاق . ويقول المؤلف تعقيبا على هذا إن كتابه يهدف إلى تصحيح هذا التجاهل .
ويرى المؤلف أن نكبات الرأسمالية المفترسة لا تصيب العالم النامي وحده ، وأنه في كثير من الأحيان تطبق السياسات الفاشلة التي جربت في الدول النامية في بلدان ثرية في حالات الكوارث كما حصل في اليابان عندما ضربه زلزال وإعصار تسونامي عام 2011 حيث كانت الدعوة إلى خوصصة جماعية من شأنها أن تطلق يد قطاع الأعمال الكبيرة لإعادة تنمية المناطق المدمرة وإعمارها بتخفيضات ضريبية سخية . ويذكرالمؤلف أن هذا شبيه بما ذكرته " كلاين " بخصوص إعصار التسونامي الذي ضرب سريلانكا عام 2004 حيث حصلت شراكات بين القطاعين العام والخاص مع انفتاح على الخوصصة .
وذكر المؤلف أنه من أجل تأليف هذا الكتاب زار أماكن بحثا عن ضالته، وهي العالم المتخم بالمال والذي يهيمن عليه الانتهازيون الذين يجنون الأرباح الفاحشة من خلال استغلال الكوارث .
ويذكر أن كتابه هذا يشتمل على جزأين : الأول يعرض أمثلة تفضح الاستغلال في باكستان وأفغانستان واليونان وهايتي وبابوا غينيا التي عرفت صعوبات جمة وفرضت فيها سياسات هدفها إثراء نخب محلية وكيانات أجنبية .
أما الجزء الثاني فيركز على الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ،وهي الدول الثلاث الغنية التي تملي شروطها الاقتصادية التي خلقتها بنفسها على العالم ، وهي تعاقب الذين هم الأكثر ضعفا وغير المحصنين ممن يتجرأون على السعي إلى الحصول على قطع من الكعكة ، أوالذين يعارضون أنظمتها الاقتصادية .
ويذكر المؤلف أن هذا الكتاب هو نتاج بيئة ما بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر ، ويراه يوما مصيريا ومشؤوما، لأن قبله كان التوسع الشامل لدولة المراقبة المخوصصة محصورا في مجال الخيال العلمي ، خلاف ما صار عليه الوضع اليوم ، ويستشهد على ذلك بما صرح به " روبرت غراينر " الذي كان رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية " سي آي إي" بأن ما لا يقل عن نصف طاقم العاملين في مكافحة الإرهاب التابع لوكالته كانوا من مقاولي القطاع الخاص.
ويذكر المؤلف أن الحرب على الإرهاب جلبت ثروات طائلة لا يمكن حصرها لشركات سعت إلى الاستفادة من فكرة الخوف من الإرهاب ، ويضرب أمثلة على ذلك ، فشركة " سي أي سي آي " الأمريكية تخصصت في توفير المحققين في سجن أبي غريب في العراق ، وشركة بوينغ لصناعة الطيران تورطت في تسيير رحلات نقل أشخاص مشتبه فيهم من أجل تعذيبهم . ويذكر المؤلف أنه في عام 2011 أخبر وزير الدفاع البريطاني " فيليب هامولد " الشركات أن تحزم حقائبها استعدادا لحيازة عقود إثر الحملة على القذافي في ليبيا التي تشهد اليوم حربا أهلية.
وينهي المؤلف مقدمته بالقول أنه مع احتمال استمرار الحرب على الإرهاب عقودا ، فلن يكون هناك نقص في الأعمال التي يمكن تأمينها . ويذكر أن الأمم المتحدة نفسها تعتمد بشكل متزايد على شركات مرتزقة غير خاضعة للمساءلة مثل شركة " دين كوب " ، وشركة " جي فور إس " وهما شركتان لهما سجلات مريبة . ويذكر المؤلف أن وزارة الدفاع الأمريكية توظف ما يقرب من أربعين ألف مقاول في أفغانستان التي يبدو أن الحرب فيها لا يلوح لها أفق نهاية .
ويختم المؤلف مقدمته بأن كتابه يهدف إلى إحداث صدمة واستفزاز وإماطة اللثام عن عالم قد تطور خلسة ، ولكنه يهدف أيضا إلى الإصرارعلى أن البدائل ممكنة.
وسوم: العدد 857