رواية القسام وأفكار الطنطاوي الخاصة

حيدر قفه

رواية القسام وأفكار الطنطاوي الخاصة

بقلم: حيدر قفه

الرواية ليست مجرد أحداث ينسج خيوطها الروائي، ليخرج لنا حكاية طويلة ممتعة، يتحرك أبطالها ويتفاعلون بقدرة الروائي على مدهم بطاقة عالية من الإقناع. وجذب القارئ إلى عالمهم الذي أبدعه، لكنها –أي الرواية- تبقى ميداناً رحباً يعرض فيه الروائي أفكاره الخاصة في الحياة والكون والناس المحيطين به، أو الأحداث والقضايا المهمة، سواء أكانت تاريخية أم معاصرة.

وهذه الأفكار الخاصة هي الفائدة التي يجنيها القارئ -سواء أكان معها أو ضدها- من خلال الكم الهائل من المتعة التي تمنحه إياها عملية السرد وتحريك شخوص العمل الروائي.

وإذا كان العقاد قد ذكر من قبل، أن القصة كالخرنوب "حلاوة في قناطر من الخشب" وهو يعني بذلك مقدار الفائدة الفكرية التي يجنيها القارئ من الرواية، فإن درهم عبد الله الطنطاوي هنا يُصبح دراهم، لكثرة الأفكار التي عرضها من خلال روايته" القسّام" التي صدرت عن مجلة فلسطين المسلمة آب "أغسطس" سنة 1993م. ونحاول في هذه المقالة عرض بعض أفكار الطنطاوي التي أوردها في روايته هذه، محاولين إبرازها وكشف الملابسات التي أحاطت بها.

أولى هذه الأفكار: الدفاع عن الخلافة العثمانية:

الإسلام هو الإسلام، لا فرق عنده بين أبيض وأسود.. عربي وعجمي {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات/13، وكم من عجمي خدم الإسلام أكثر من كثيرين من العرب، وكم للأعاجم من أياد بيضاء على المسلمين، وقد كان منهم العلماء، والقواد والحكام، الذين أناروا صفحات تاريخ المسلمين والخلافة العثمانية لها أياد أيضاً لا تعد ولا تحصى، ويكفي أنها نشرت الإسلام في أوروبا حتى كادت أن تفتح به روما، لولا أن البشارة لم يحن وقتها بعد.

وفي آخر عهد الدولة العثمانية -بعد عبد الحميد- أصابها الضعف، وسيطر عليها يهود الدونمة والماسونيون، فساقوا البلاد نحو الهاوية، وساموا العباد العسف والظلم، لكن هذا الوجه البغيض لحكومة الاتحاد والترقي الماسونية يجب -عند المنصفين- ألا ينسحب على تاريخ الدولة العثمانية كله، ولا يكون مبرراً للوقوف مع الشيطان -الدول الاستعمارية- ضد الخلافة الإسلامية والطنطاوي هنا يقف ضد العلمانيين والقوميين الذين ألحوا على فكرة الاستعمار التركي حتى كادوا يزرعونها في عقول الأجيال الناشئة، وبذلك تنسف فكرة الوحدة الإسلامية والأخوة في الله التي استفاد من نسفها الاستعمار نفسه عندما مكن لمصطفى كمال أتاتورك من الحكم، ومن ثم أطلق يده في محاربة الإسلام واللغة العربية، والتنكيل بالدعاة ص 38 – 39.

الفكرة الثانية:

لوم حكام بني عثمان لعدم اهتمامهم باللغة العربية واعتمادها لغة رسمية، وهي لغة القرآن دون فرض أو إكراه، فأدى هذا إلى جهل الأتراك بلغة القرآن. بله انتشار بعض الألفاظ التركية عند أهل الأقاليم العربية بفعل سلطان الدولة، وهذه السلبية أضعفت العلم والعلماء إبان الحكم العثماني.

وأنا أقول إن ما ذكره الأستاذ الطنطاوي امتد لما بعد الحكم الأتاتوركي، فإن المسلم الذي يزور تركيا الآن يحزن أشد الحزن، فإن الأتراك لا يحسنون إلا التركية، وقد زرت استانبول صيف 1993ن فأحزنني أن التركي العادي -رجل الشارع- لا يحسن العربية ولا يحسن غير التركية، حتى الإنجليزية أو الفرنسية –على اعتبار أنهما لغتان عالميتان- لا يحسنون منهما شيئاً، فيكون السائح في لجة من الحيرة، وهو لا يجد إلا الإشارة يتفاهم بها مع إخوانه، فلا العثمانيون أحسنوا –في هذه المسألة- ولا أتاتورك في زعمه- بل زاد الطين بلّة.

الفكرة الثالثة:

عدم معرفة الكثيرين بالسلاح،ـ فإن الحكومات المستعمرة كانت تحارب بجنودها، وتحرم أهل البلاد من اقتناء السلاح وطلقة فارغة تضبط في بيت أحد المواطنين كفيلة بالحكم عليه بالإعدام –هكذا كان الإنجليز يفعلون في فلسطين- فشبّ كثير من الناس، ومضت سنوات عمره وهو يكاد يجزم أنه لم يمس سلاحاً بيده ص51، فضلاً عن أن يمسكه أو يستعمله، وهذا الجهل المطبق باستخدام السلاح في مقابل أعداء الأمة الذين يمرنون أطفالهم على السلاح منذ نعومة أظفارهم، ممّا قلب موازين المعركة لصالح اليهود فيما بعد.

والطامة الكبرى أن الدول العربية ادعت الاستقلال عن الاستعمار، وبقيت الأمور كما هي ولم يمسك السلاح إلا من كان جندياً رسمياً وغير ذلك يعتبر مخالفاً للقانون يستحق الحبس والتنكيل، فعاشت أجيال أعجز من أن تفكر في التصدي للعدو لأنها لا تملك التدريب على السلاح، فلكأني بها وقد فقدت ألف الأبجدية العسكرية عجزت عن إتمامها أو المضي فيها إلى نهايتها.

 وهذه نقطة ضعف في التفكير العسكري العربي لدى أصحاب القرار، فإن الخوف من الشعوب جعل هؤلاء يحرمونهم من حق الدفاع عن النفس، ونظرة سريعة للماضي. هل يتصور عقل ما أن أحداً بلغ السادسة عشرة من عمره – زمن النبي صلى الله عليه وسلم – وهو لا يحسن فناً من فنون القتال، أو استخدام سلاح من أسلحة العصر ويتقنه، بل ما قرأناه من سيرهم ومعاركهم يشهد لهم أن الواحد منهم كان يحسن استخدام أكثر من سلاح، وإن كان متفوقاً في واحد منها عُرف به، رغم أن السيف كان قاسماً مشتركاً يعرفه الجميع، وتباينوا في السهام والحراب وغيرها.

الفكرة الرابعة:

إحياء فكرة الاعتماد على الذات في التسلح، وعدم ترك الأمر برمته على الحكومات، صحيح أن السلاح تطور تطوراً جعل الفرد عاجزاً وحده عن اقتناء دبابة مثلاً أو طائرة، أو راجمة صواريخ.. لكن السلاح الفردي البسيط، المكون من بندقية أو مسدس أو رشاش آلي محمول باليدين في مكنة الأفراد، وهذه الأسلحة البسيطة لها دورها في بعض الحالات فهي أنفع وأشد فتكاً من الطائرات والصواريخ والمدافع، وذلك في حالة الاقتراب أو التلاحم الذي لا يُميز فيه السلاح بين الأعداء والزملاء، عندها لا ينفع – بعد الله – إلا السلاح الصغير البسيط، كالمسدس والبندقية والرشاش، وحتى السكين والخنجر.

وهذا يقود إلى بعث الحمية في نفوس الناس للمشاركة في القتال بأي سلاح – كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند تجهيزه لجيش العسرة -، ولا تدفعنا المقارنة بين الزمانين وأسلحة كل زمان إلى الإحباط، لأن العنصر الفاعل في كل سلاح بقي كما هو، وهو الإنسان نفسه، فما فائدة سلاح متطور في يد جبان رعديد، سرعان ما يقذف به أو يغادره متخلياً عنه، ليولي هارباً عند أدنى بارقة الموت.

الفكرة الخامسة:

هجرة الدعاة من قُطر إلى قُطر، إما طلبا للجهاد، وإما هروباً من الاضطهاد، وقد انتقل عز الدين القسام من سوريا إلى فلسطين للسببين معاً طلباً للجهاد، وهروباً من طغيان الفرنسيين في سوريا بعد أن حكموا عليه بالإعدام غيابياً.

الطنطاوي نفسه جرب الهجرة وخبرها، لذا كان تناوله لهذا الموضوع نابعاً من معايشته الشخصية، أو تجربته الذاتية، حاول إسقاطها على أحداث الرواية، ليبث الناس ما في صدره. ومن خبرته وجد أن المهاجرين والأنصار – في كل قطر وفي كل زمان – يجب أن يتحلوا بالبساطة، فالتبسط في الأمور هو ما يجب أن يكون عليه الدعاة ومن ارتبط بهم فلا تكلّف، ولا تصنّع، ولا تباهي، ولا افتخار. أما المغالاة في الطعام والشراب واللباس والأثاث والرياش فهو نهج الفارغين، الذين أخلدوا إلى الأرض، واستناموا للنعيم، وإن كان نعيماً مزيفاً لا يلبث أن يزول، أو نعيماً مشوهاً مغموساً في ذل السكوت، وطأطأة الرؤوس للظالمين والطغاة. وقد تناول المؤلف هذه الأمور في أكثر من موضع، فيقول ص 83: "فقال الرجل الوقور: على سنة أبينا إبراهيم عليه السلام-: وما أنا من المتكلفين.. وقد قلتها أنت يا شيخ".

ويعرض أيضاً للتلاحم بين الأنصار والمهاجرين، وترك الرسميات والشكليات في التعامل ص83 – 84، كما يعرض صورة مناقضة لذلك، من تخلي من هو في الأنصار، عن دوره في الترحيب بكل من هاجر إليه أو بعضهم، متشككاً فيه أو في نيته ص 86. وهذه كلها تجارب مرت بالمؤلف، أو مر بها، أو أحد إخوانه ممن اضطرتهم صروف الحياة للفرار بدينهم إلى أرض الله الواسعة.

الفكرة السادسة:

سلبيات بعض المشايخ وأدعياء العلم، ذلك أن نفراً من هؤلاء نسوا أو تغافلوا عن طبيعة حياتهم، ونظر الناس إليهم، فهم في نظر الناس قدوة صالحة للورع والتقى والمروءة والتعفف، ولذلك لا بد لهم من تصديق هذه النظرة، وعدم إصابة الناس بالفجيعة عندما يقبلون على الدنيا بسلوكهم وأقوالهم وأفعالهم، فالشيخ الإمام في الصلاة يجب أن يكون في مقدمة المقاتلين، معرضاً نفسه قبلهم لكل الأخطار المحتملة، لا أن يحضهم على القتال والاستبسال وهو قابع في بيته أو زاويته.. إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي. ص58.

كما أن الشيخ أو العالم يجب عليه ألا يتكسب بعلمه أو بإمامته للناس في الصلاة أو بتدريسهم، فهذه أعمال يجب أن تكون حسبة خالصة لوجه الله تعالى إلا ما كان من أمر الالتزام والانقطاع كلياً، فعندها تجري عليه أرزاق الدولة ويكون هذا الرزق مقابل الالتزام لا مقابل الأذان أو الصلاة أو الوعظ أو التدريس. أما من يؤم الناس في الصلاة أو يدرّسهم أو يعظهم ثم ينتظر منهم الصدقات، أو كما كنا نسمع تعبير "بيضة ورغيف" يأتي بها التلميذ كل يوم لشيخه فهذا يحط من قدره عند الناس ويحول بينهم وبين احترام العلم والعلماء.

والأصل أن يكسب العالم رزقه بحرفة يحترفها، ويكون تعليم العلم وإرشاد الناس حسبة لوجه الله ومن هنا رفض الشيخ عز الدين القسام –الرجل الرباني المجاهد الواعي- أن يقبل أن يجري عليه الناس معاشاً ويكتفي بالوعظ والإرشاد ص89 – 90.

ومن السلبيات التي ذكرها المؤلف تهافت العلماء على حضور المؤتمرات والتطلع للمناصب الدنيوية ص106، والتي كان القسام زاهداً فيها والمؤلف هنا ذو خبرة بالتحضير للمؤتمرات علانية ومباشرة، أو من وراء ستار كونه مستشاراً فشاهد بعينيه كثيراً من سلبيات أدعياء العلم وتساقط بعضهم على نعال المطامع الدنيوية، مما جعله يكتب هذا ضمن روايته، فهذا منه إسقاط سلبيات حياتنا المعاصرة على ما لم يكن واضحاً أو مستشرياً في ذلك الوقت، فأيام القسام كانت هذه المؤتمرات قليلة أو في حكم النادرة أو المعدومة، وما علمنا المؤتمرات وكثرتها إلا في هذا الزمن الرديء أهله، حتى قيل إن المؤتمرات وسيلة ماكرة لإشغال العلماء العاملين، وجعلهم يدورون في فلك المؤتمرات البراقة الأسماء والعناوين والشعارات التي لا فائدة منها ولا أثر لها، إلا مجرد توصيات غير ملزمة لأصحاب القرار، وبالتالي تكفن بمجرد ولادتها لتقبر في أدراج المسؤولين، وقد نوهت بذلك في مقالة لي تحت عنوان: "الكاتب الإسلامي بين الإهمال والتنازل" نشرتها جريدة "المسلمون" الدولية الصادرة من جدة بتاريخ 21 – 27 فبراير 1987م.

الفكرة السابعة:

تصحيح مفهوم العالم في الإسلام ودور المسجد في حياة الناس، وهذه الفكرة مؤسسة على الفكرة السابقة، وكأنه بعد أن ذكر السلبيات كونها هدماً للقبيح، أراد أن ينشئ البناء الصحيح في الفهم، فتناول هذه القضية في أكثر من موضع ومن عدة زوايا.

فمفهوم "رجل الدين" الذي نشأ في ظل الكهنوتية الكنسية والذي يستمد سلطته من الله!! مرفوض في الإسلام، ومن عندنا فهم علماء بالدين، يخطئون ويصيبون، لهم احترامهم وتبجيلهم إذا أحسنوا وتعمقوا في فهم دينهم، وغير ذلك إذا قصروا أو أساءوا، وهم ليسوا منفرغين للمساجد، بل قد يكون الواحد منهم طبيباً أو مهندساً أو صانعاً أو فلاحاً مزارعاً أو نجاراً يكسب رزقه من هذا الباب، وأما نشر العلم فحسبه لوجه الله تعالى ص 142.

كما يرفض المؤلف الفكرة الغربية عن مفهوم دور العالم حيث يحصرونه في زوايا المساجد كما عندهم حصر القساوسة في الكنائس والأديرة ولا علاقة لهم بالدنيا وسياستها ص142. أما العلماء في الإسلام فليس دورهم مقتصراً على تغسيل الموتى وتعليم الناس فقه الطهارة ص138، بل هم سيف، وحكم، وسياسة، واقتصاد وصناعة لا انفصال عندهم بين التعمق في الدين والتعمق في شؤون الحياة وإعمار الأرض.

وما يفعله بعض المشايخ من العكوف على المساجد وتزهيد الناس في الحياة وترك أمور الحياة لأربابها، والبعد عن السياسة كما هي مقولة بعض الصوفية، السياسة تياسة، فهذا كله مرفوض ولا يمثل الفهم الصحيح للإسلام ص 91 – 94.

وينبني على هذا الفهم الصحيح للإسلام إبراز دور المسجد الحقيقي ص 95 – 100 المتمثل في كونه نقطة الانطلاق لإعمار الكون، فمنه تنطلق كتائب المجاهدين لإعلاء كلمة الله، وتأديب الواقفين في طريق انتشار دعوة الإسلام، وفيه يلتقي الكبار والصغار –لتعلم كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وفيه تستقبل الوفود وتعقد العقود وتولد الزيجات المؤمنة لإنشاء أسر إسلامية تهتدي بقبس من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفيه تقام الاحتفالات المليئة بالبهجة والسرور وإن كان لعباً لا يخرج عن الاعتدال ومراعاة آداب الإسلام.

وهذا الدور للمسجد لأن العبادة في الإسلام ليست مقتصرة على ركيعات يؤديها المسلم، بل كلُّ عمل صالح يقصد به وجه الله تعالى فهو عبادة، حتى ما كان منه متعة أو مزاحاً يدخل السرور على قلب المسلم، ما فوق ذلك وما دونه.

الفكرة الثامنة:

إشارة المؤلف إلى رغبة الناس في كثرة الكلام والمماحكة في أمر تكفي فيه الكلمة والكلمتان ص 76 – 77، وهي إشارة تحذر أو تنبه لكثرة الجدل بين المجاهدين. والتي تضيع كثيراً من الأوقات، أو تجر عظيماً من الويلات. أدناها تنافر القلوب بين الإخوة في الله وزملاء الطريق.

الفكرة التاسعة:

رفض المؤلف لدعوى من يدعي أن فلسطين قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين وحدهم، وعليهم الدفاع عنها وحدهم أيضاً، وإليهم يعود حق البت في أمورها، وإبعاد العرب عنها ص88، وهذه منهم فكرة خبيثة، لا يقول بها إلا عدو لفلسطين، أو ساذج مغرر به، وإلا ففلسطين وقف إسلامي، وما فيها شبر إلا وقد ضُمخ بدم شهيد قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، منذ الصحابة "رضوان الله عليهم" إلى يومنا الحاضر، وفيها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وهو مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه، فكيف يُقصَرُ الأمر في تقدير مصيرها على الفلسطينيين وحدهم!!؟ مؤامرة مبكرة آتت أكلها في زمن متأخر، نحن شهود عليه!!

الفكرة العاشرة:

المقدرة على التنظيم ورص الصفوف، وتهيئتها للجهاد والصمود. ليست متوفرة لكل أحد زعم هذا ص106، والشيخ عزالدين القسام ممن حباهم الله بهذه المقدرة. وأحسب أن المؤلف متأثر في هذه الفكرة بالكلمة الخالدة التي قالها الشيخ محمد الحامد "رحمه الله" -عالم حماة وشيخها- في وصفه للشيخ حسن البنا، مجدد القرن العشرين-دون منازع- عندما قال: "إني أقولها كلمة حرة، ولا بأس بروايتها عني، أقول: إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين، في مجموع الصفات التي تحلى بها، وخفقت أعلامها على رأسه الشريف، لا أنكر إرشاد المرشدين، وعلم العالمين، ومعرفة العارفين، وبلاغة الخطباء والكاتبين، وقيادة القائدين، وتدبير المدبرين، وحنكة السائسين، لا أنكر هذا كله عليهم، من سابقين ولا حقين، لكن هذا التجمع لهذه المتفرقات من الكمالات، قلما ظفر بها أحد كالإمام الشهيد -رحمه الله"-.

وإذا كانت هذه الأفكار العشرة هي التي استطعنا إبرازها، فليس معنى ذلك أنها الوحيدة في الرواية، بل إن الرواية مليئة بأفكار أخرى تستحق الإبراز والتنويه، لكننا اقتصرنا على ما يفي بغرض المقالة، من الحديث عن جانب من جوانب الرواية التي خصصها الطنطاوي للقسام -رحمه الله- وأهداها لتلميذه أحمد ياسين، شيخ المجاهدين في هذا العصر.