في ربوع فاس المغربية

clip_image00262521.jpg 

بتاريخ 24 ماي 2015، جهزنا الحقائب لنتجه إلى مدينة فاس، وفي القلب والعقل صورة نقية جلية عن فاس وعلماءها وكتبها ومساجدها وآثاره. فهل وجد المسافر ماكان بخلده عن فاس وهو صغير يحلم؟.

مابين وجدة وفاس عبر الحافلة السابعة والطريق السيار.. حافلة CTM التي أقلتنا من وجدة إلى فاس، لها نفس نظام الطائرة، فالامتعة الثقيلة يدفع ثمنها حسب الكيلوغرام مثلا 40 كلغ بـ 4 درهم، فيركب الراكب الحافلة بحرية وسهولة ويسر ويتمتع بالمناظر والطبيعة الخلابة.

أضواء وأشجار.. يوجد عبر مفترقات الطرق، أضواء حركة المرور حتى في الاحياء الصغيرة، وأشجار ونخيل جميلة باسقة خضراء تبعث على الراحة والجمال مايزيد الطريق والحي روعة وجمالا يسرّ الناظرين.

والمساجد والساحات العمومية والطرقات كلها زيّنت بالزهور والاشجار، بل الاشجار هيئت بطريقة بديعة جميلة.

أئمة المغرب الشباب.. أئمة المغرب شباب، يحسنون القراءة، معتدلين في الجسم، طوبى لمن صلى وراءهم صلاة التراويح.

مساحات للفلاحة.. على طول المسافة الرابطة بين دار البيضاء ووجدة المقدرة بـ 750 كلم، مساحات كلها غرست بالقمح والزيتون ومنتجات فلاحية عديدة، ما يبيّن إهتمام المغرب بالفلاحة، وخير دليل على ذلك إنخفاض أسعار الخضر والفواكه، وطريقة عرضها، وعصير البرتقال وغيره بأسعار منخفضة مقبولة، وفي أيّ وقت ومكان.

طريق السيار المغربي.. من الملاحظات التي سجلناها ونحن نجوب طريق السيار بين وجدة وفاس..

صغير جدا لكنه نظيف ومعبد بشكل جيد، ولا تجد فيه مايقلق الراكب ولا السائق ولا ما يضر المركبة، فالسير فيه بأمان وراحة وسلام.

المسافة الفاصلة بين الجدار والخط الخاص بالاستعجالات، صغيرة جدا لاتسمح بوقوف سيارة بأمان لو تعرضت لعطب أو أصيب الراكب او السائق بما يمنعه من السير بسلامة.

الجدار الفاصل بين الطريق اليمنى واليسرى الخاصة بالطريق السيار، صغير من حيث الطول والعرض.

القناطر التي تعلو الوديان قصيرة من حيث الطول.

القناطر العابرة للطريق السيار، صغيرة من حيث الحجم والطول.

الجغرافية المغربية سهلة بسيطة، لاتتطلب قناطر ولا مشاريع ضخمة لإعداد الطريق السيار، لذلك كانت سهلة ويكفيها أدنى الاشغال.

أماكن الاستراحة عبر الطريق السيار، صغيرة جدا من حيث المساحة والخدمات المقدمة.

أشجار الزيتون المترامية عبر الدار البيضاء وجدة، قصيرة من حيث الطول حتى يسهل جني الزيتون، والوصول اليها بسهولة ويسر، يقول مرافقي وهذا من إبداعات الفلاح المغربي.

العابر للطريق السيار، يدفع ثمن إستغلال الطريق، وقد وضعت في سبيل ذلك أماكن خاصة للمراقبة والدفع.

محطة الاستراحة الرابطة من وجدة إلى فاس قدرت بـ100 كلم، حيث يتناول فيها المسافر القهوة والشاي والاكل وشرب الماء، واللحم الطازج الخاص بالكبش والبقر المعلق، يقدم للمسافر بالطريقة التي يريدها وترضيه وتناسبه.

تازة قبل غزة.. يقول لي صاحب الفندق، قال الملك السادس، تازة قبل غزة، بمعنى التنمية الداخلية مقدمة على الشؤون الخارجية، ولو كانت القضية الفلسطينية.

داخل فاس.. هناك فاس الجديدة وفاس القديمة. فاس جديدة هي المدينة التي لم أجد ماأكتبه عنها، سوى أنها مدينة عادية كغيرها من المدن. أما فيما يتعلق بزيارتي لفاس القديمة، فقد تم تسجيل الملاحظات العابرة في حينها..

مسجد القرويين.. الفترة التي زرت فيها المغرب، خاصة الاسبوع الثاني من الزيارة الخاص بيومي 24 و 25 ماي 2015، كانت فترة انتهاء الامتحانات وانتظار النتائج، حيث كان المسجد مغلوقا لايفتح الا وقت المغرب. وتزامنت الزيارة مع انتهاء الاختبارات وانتظار نتائج الامتحانات، لذلك كان المسجد خاليا من الرواد. لكن القائم على المسجد أذن لي بالدخول حين علم اني لست من المغرب، فأذن لي بأخذ صور وزيارة أرجاء المسجد.

مسجد القرويين، ضارب في القدم، أقواس بسيطة جميلة تزين أرجاء المسجد، ساحة واسعة نظيفة نقية، محراب صيفي خصص للصلاة أيام الصيف بالساحة، منظفون كلفتهم المملكة بالقيام بما يجب من حرص ونظافة. يقول لي القائم على المسجد..

عندنا 25 كرسي يتربع عليها العلماء في مختلف التخصصات لإلقاء الدروس للطلبة، الذين سيتخرجون على أيديهم، ويكونون علماء الغد.

ضريح مولاي الإدريس.. الدخول لضريح مولاي الإدريس سهل جدا، يقابلك الضريح لمن أراد زيارة القبر، ويضم المسجد وثيقة البيعة، ودعاء ختم القرآن، ونافورة ماء تتوسط فناء المسجد، حيث زادت المسجد رونقا وجمالا.

المدرسة التيجانية.. زرت جامع وجامعة القرويين بفاس القديمة، وضريح مولاي إدريس مؤسس المغرب،  وكذلك المدرسة التيجانية، فكانت هذه الملاحظة العابرة..

رأيت بأم العين، ثلاثة من رواد الطريقة التيجانية ، حين هموا بمغادرة المسجد، زاروا قبر صاحب الطريقة وألقوا التحية وودعوه، ثم قبّلوا يدي الشيخ المتصدر للمجلس العادي، وودعوه منصرفين.

هذه الصورة المباشرة والصادقة، تبين بوضوح آداب المريد مع شيخه، وتعلّقه واحترامه أتباع الطريقة التيجانية يملؤون المسجد، بذكر الأوراد.

أصالة القصيدة.. أكتب الان على نغمات قصيدة.. "ربي إحينا سعادا وأمتنا شهادا ولا تخالف بنا عن طريقة الهدى .. إغفر لنا مامضى واصلح لنا مايأتي .." ..

كنا نرددها ونحن صبية بعد صلاة التراويح، ونقلد الشيوخ والكبار، إلى أن جاء من يستورد منعها بالقوة والتهديد، فألغي كل أصيل من مساجد الجزائر.. وفتّحت الأبواب لكل دخيل..

وهاهي نفس القصيدة الخالدة الرائعة تعاد بأصوات مغربية شابة أصيلة عذبة، تريح النفس والسمع وتباع للمقيم والزائر.

كتاب عبد الفتاح.. أقول للطالب والجار والفتى، محمد عبد الفتاح مقدود..

أنا الآن في فاس منذ يومين، وقد بحثت  لأجلك في كافة مكتبات فاس عن كتاب "ممارسة علم الاجتماع"، ولم أعثر على الكتاب وقد عرض علي أصحاب المكاتب كتبا مشابهة، فأعلمتهم أني رسول مكلف بالنقل وحفظ الأمانة، وغدا بإذنه تعالى، سأتوجه للدار البيضاء وسأسعى ثانية لأجلك.

أين كتب التراث.. أقول لصاحب المكتبة بفاس القديمة، أين أجد مكتبة خاصة ببيع كتب التراث؟. يصف لي مجموعة من المكتبات، ويسميها ..

أجيبه قائلا.. لقد زرت هذه المكتبات كلها، ولم أجد فيها مايستحق الذكر، ثم أزيد.. أبحث عن فاس التي قرأت عنها، وتأثرت بها في صغري، وجئت لأجلها.

كتب الصين.. صراحة فوجئت بنوعية الكتب التي وجدتها عبر مكتبة فاس القديمة، فهي كتب عادية، إطّلعت على معظمها وأعرف الباقي، لكني لم أجد كتب التراث النادرة التي قرأت عنها وحدّثونا عنها. سألت شاب صاحب المكتبة وآخر فأجابوا بلسان واحد رغم بعد المسافة، فقالوا..

هذا الرواق كان كلّه يحتوي على دكاكين لبيع الكتب النادرة والقيّمة، لكن مع غزو السلع الصينية، استبدلت الكتب بالسلع الصينية، ولم يبقى إلا القليل النادر الذي يبيع هذه الكتب التي لم تعجبك.

مع السائح الأوربي.. حين يزور المرء فاس القديمة، يرى  بأم العين عددا كبيرا من السواح الأجانب الغربيين من دول ولغات شتى، يمكن للمتتبع أن يقف على الملاحظات التالية..

يتمتع السائح الأجنبي في المغرب بحرية كبيرة جدا وحماية له ولممتلكاته، مايجعله يجد الراحة ويعود للمغرب من جديد.

يزورون الأماكن ذات البعد التراثي، ويقتنون اللباس والأشياء التقليدية.

يتجهون للمطاعم الشعبية العادية، حيث الأكل التقليدي عادة والسعر المنخفض والكرم العربي.

يأكلون كمية قليلة وزهيدة في السعر، وربما تناوب على الصحن الواحد الاثنان والثلاثة.

لايتركون بعد الأكل شيء يرمى، بل يلتهمون كل شيء فلا مجال إطلاقا للتبذير.

لايستعملون الطاكسي كوسيلة نقل ويفضلون المشي على الأقدام ولو لمسافات بعيدة.

يحمل السائح الغربي كل مايحتاجه من ماء ومتاع عبر الحقيبة التي يحملها، فهو يأكل مما يحمل ويشرب مما يحمل، ونادرا مايضطر للأكل والشرب خارج حقيبته.

لباس المرأة والرجل السائح الغربي عادي جدا وسهل الاستعمال ويساعدهم كثيرا في الحركة والتنقل وإقتحام الصعاب والمفاجآت، ولباسهم هذا يجعلهم لايتحرجون للجلوس في أي مكان، والصعود والنوم والمشي بسهولة ويسر ودون خسارة ولا تكلفة.

عادة مايسيرون جماعات، فيلتزمون الصف والنظام في السير، فلا يغلقون الطريق، ولا يثيرون ضجيجا، ويسألون عن الصغيرة والكبيرة، ويتقيّدون بتعليمات المرشد تقيدا تاما، فلا يتقدمون عنه ولا يتأخرون، ويخيل إليك أنهم في مدرسة إبتدائية يستمعون للمعلم وهو يشرح ويوجه.

السائحة الغربية، لاتكلّف زوجها ما لا يطيق، ولا تتظاهر بما لا تملك، ولا يعنيها كلام النّاس، فهي تلبس العادي وتأكل العادي.

الافتخار بعادة تقبيل اليد.. في المغرب يفتخرون بتقبيل يد الملك، ويأخذون صور لهم وهم يقبّلون يديه، ويعلقونها في الحانوت وربما في البيت، ويسمحون للزائر وغيره بأخذ صورة للصورة التي تظهر صاحبها وهو يقبل يد الملك.

هذه عادات المجتمع المغربي يجب إحترامها، ومن رأى غير ذلك فليصمت وليهتم كل واحد بعاداته وليحافظ عليها بطريقته. ومن أراد أن تحترم عاداته، فليحترم عادات الناس والجار والأخ أولى بالاحترام والتقدير.

وجدة الأفضل.. وجدة أحسن بكثير من فاس، من حيث الجودة، والكمية، والسعر، والخدمة، والنظافة. وحين طرحت السؤال على مغاربة وجدة وفاس، أجابوا بلسان واحد، لأن وجدة قرب الحدود الجزائرية، وتستفيد من السلع الجزائرية.

غنى وزارة الأوقاف.. يقولون لك في المغرب، أن وزارة الأوقاف هي أغنى الوزارات، وحين يسافر المرء لفاس القديمة، يدرك جيدا سبب غنى الوزارة، لأن الكم الهائل من الحوانيت تتبع وزارة الأوقاف من حيث دفع مستحقات الكراء.

حفر للغنى والمتعة.. الحوانيت الموجودة بفاس القديمة صغيرة جدا وقديمة تمتد عبر الزمن، ولا يمكن للمرء أن يبقى واقفا فيها، ناهيك عن أن يستلقي من فرط ضيق المساحة، ورغم ذلك تجدها عامرة بالسلع والخدمات المقدمة، ويزورها السائح والمقيم، ويشترون منها مايحتاجهم من سلع ومأكولات ومشروبات وخدمات.

الإبداع يكفيه متر واحد، لينتشر عبر الكون، ليمكن بعدها تحويل القليل إلى الكثير.

إبداع اليد المغربية.. على طول مساحة المغرب خاصة فاس القديمة، أيادي أبدعت في تحويل المجهول إلى مشهور، والمعاف إلى جميل، والمتروك إلى مرغوب..

إبرة تتسلل برفق فتبدع جلابية وقفطانا وعباءة الملوك، وحداد يبهر الجالس والماشي في تحويل الحديد إلى تحف نادرة تنطق بحسن الجمال، وشاب يحول بيديه الرخام الجامد إلى قطعة ناطقة تتحدث عن نفسها، ورجالا ونساء جعلوا من العجائن تحفا تسعى إليها العين قبل البطن.

وسوم: العدد 625