الداعية المهندس

د. حسين كمال الدين

 (1332 - 1407هـ / 1913 - 1987م)

مولده ونشأته

هو العالم المجاهد الداعية الفلكي الطبوغرافي المسَّاح المهندس الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين أحمد الحسيني، ولد في مدينة القاهرة عام 1332هـ/ 1913م، وتنحدر أسرته من نسل الحسين بن علي (5)، وكانت في الأصل في الحجاز، ثم نزحت إلى مصر، وصارت إلى مدينة بلبيس، وهاجر جده إلى القاهرة، وسكن في جوار الأزهر الشريف.

عاش حسين كمال الدين في كنف والده العلامة الشيخ أحمد إبراهيم، وتلقى على يديه مبادئ الإسلام، ثم درس في المدارس الابتدائية والثانوية، ثم التحق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، وتخرج فيها سنة 1938م بدرجة البكالوريوس، ثم تابع دراسته العليا، فحصـل على الماجستير في المساحة التصويرية سنة 1943م.

ذهابه إلى العراق

ثم ذهب إلى العراق أوائل الأربعينيات، حيث شارك في إنشاء كلية الهندسة ببغداد، وكان ذهابه إلى العراق ومن قبله إخوانه محمد عبد الحميد أحمد، ومحمود يوسف بتكليف من الإمام الشهيد حسن البنا لنشر الدعوة في العراق، وإيجاد اللبنات لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وقد كان ذلك حيث وفقهم الله لتربية مجموعة من شباب الكليات الجامعية كانوا نواة العمل الإخواني الذي استمر في النماء والزيادة وبخاصة بعد تخرج الأستاذ محمد محمود الصواف من الأزهر، وعودته إلى العراق 1946م، حيث تعاون مع تلامذة الأساتذة المصريين من الإخوان المسلمين، فانتشرت الدعوة في معظم أنحاء العراق وبخاصة بغداد والبصرة وكركوك وأربيل والموصل وغيرها، حيث تكونت نواة الإخوان المسلمين في تلك المدن من الطلاب الجامعيين وغيرهم من الشباب الذين كانوا طلائع الحركة الإسلامية، وقد عرفت منهم الكثيرين، فقد كان الإخوان صالح مهدي الدباغ، وكمال القيسي، وعبد الحكيم المختار، وإبراهيم منير المدرس، ونعمان عبدالرزاق السامرائي، ووليد الأعظمي، وغيرهم ببغـداد، وكان الأخوان نور الدين الواعظ وسليمان محمد القابلي وإخوانهما في كركوك، وعبد الوهاب الحاج حسن وإخوانـه في أربيل، وكـان عبد الرحمن السيد محمود وإخوانه في الموصل، وكان عبدالهادي وأخوه يعقوب الباحسين، وتوفيق الصانع، وعبد الواحد أمان، وخليل العقرب، وعبد القادر الأبرشي، وعبد الرزاق المال الله، وعبد الرحمن الخزيم، وعمر الدايل في البصرة وغيرهم من الإخوان في سائر القطر العراقي الذين فتحوا مكتبات الإخوان وأصدروا الكتيبات الدعوية، وأقاموا المهرجانات الإسلامية والأندية الرياضية والرحلات الكشفية بإشراف أساتذتهم المصريين وتوجيهات الأستاذ محمد محمود الصواف.

وفي سنة 1950م، نال الأستاذ المهندس حسين كمال الدين شهادة الدكتوراه في المساحة التصويرية، وقام برحلات علمية أمدته بكثير من المعلومات والمعرفة في عدد من البلاد العربية والأوروبية والأمريكية.

انتظم الأستاذ حسين كمال الدين في صفوف حركة الإخوان المسلمين في وقت مبكر وعمل بنشاط وحيوية في نشر الفكرة الإسلامية، وأدخل العديد من الجماهير في التنظيم الإخواني، وقد أدرك الأستاذ الإمام حسن البنا مؤسس الحركة مواهب الأستاذ حسين كمال الدين فأدناه منه وعهد إليه بالكثير من المهمات والمسؤوليات داخل الحركة، فكان عضوًا بمكتب الإرشاد العام، وهو المجلس القيادي الأعلى لجماعة الإخوان المسلمين، حيث يقود الألوف منهم في الاستعراضات الكشفية الإسلامية حيث كانوا يسيرون في صفوف متراصة منتظمة تردد الهتافات الإسلامية والأناشيد والتكبيرات التي تثير حماس الجماهير وتشدهم إلى هذه المظاهر الرائعة للشباب الذين يمثلون الرجولة الإسلامية بأبهى صورها. كما كان أحد مستشاري النظام الخاص الذي أُنشئ لمحاربة الإنكليز بمصر والصهاينة في فلسطين.

وقد عمل مدرسًا في جامعة القاهرة ومازال يترقى في الدرجات العلمية حتى بلغ مرتبة الأستاذ، وكان من أنصار تدريس العلوم التجريبية والتطبيقية باللغة العربية، وقد نادى بضرورة التعريب في كل مناسبة، وألف عددًا من الكتب العلمية الرصينة في موضوع تخصصه باللغة العربية.

ذهب إلى العراق وأسهم في إنشاء كلية الهندسة ودرس هناك، وعمل في جامعة أسيوط أستاذًا لمادة المساحة، ورئيسًا لقسم المساحة، وكان في الوقت نفسه وكيلاً لكلية الهندسة في أسيوط وعمل أستاذًا منتدبًا في المعهد العالي للمساحة بالقاهرة وفي جامعة الأزهر، ثم تعاقدت معه جامعة الرباط، فكان رئيسًا لقسم المساحة في كلية الهندسة، ثم انتقل إلى كلية الهندسة، في جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حاليًا)، وكان عضوًا في هيئة مشروع جامعة الإمام محمد الإسلامية بالرياض، وعُين عضوًا في هيئة مشروع المدينة الجامعية، ثم عُيِّن أستاذًا مشرفًا على مراكز البحوث الفلكية، وظل يعمل في جامعة الإمام إلى ما قبل وفاته بسنتين.

يقول زميله الدكتور حامد:

"أتمّ - في كلية الهندسة جامعة الملك سعود، وفي مركز الحاسب وبمساعدة الأخ الأستاذ الدكتور أحمد شرف الدين، خبير الحاسب والبرمجة - إثبات أن مكة أم القرى، هي مركز اليابسة، فإذا ركزت في مكة بالفرجار، كانت اليابسة تحيط بمكة المكرمة.

كذلك أتم استنتاج وتحديد المعادلات التي يمكن بها تحديد اتجاه القبلة، ومواعيد الصلاة في أي مكان في العالم، بمجرد تحديد قيمة خط الطول وخط العرض.

بعد إتمام ذلك السياق الرياضي، والتأكد من المعادلات اقترح اختراع ساعة تستوعب تلك المعادلات، وبالتالي تحدد مواعيد الصلاة وتنبه لدخول وقتها، وكذلك اتجاه القبلة.

حاول تصنيع هذا الاختراع، ولكن من أعانه في ذلك، استولى على الفكرة وصنع الساعة تحت اسم "space tronik" ولما علمت ذلك طلبت منه، عليه رحمة الله الواسعة، أن يقاضي الرجل، ولكنه قال: يا حامد، المهم أن الفكرة وصلت للمسلمين، وتمكن المؤمنون من الاستفادة منها، والأجر عند الله جزيل ولا يضيع!!

أما اللجان والهيئات العلمية التي شارك بها فكثيرة، فقد كان عضوًا في لجنة المساحة التصويرية، وفي لجنة إنشاء كلية الهندسة بالجامعة الأزهرية ووضع المناهج الخاصة بها، وفي لجنة إنشاء المعهد العالي للمساحة في مصر، وفي لجنة الترقيات العلمية لدرجة الأستاذية بالجامعات المصرية، وفي لجنة دراسة المساحة الجوية بمصلحة المساحة المصرية، وفي لجنة التحضير والمتابعة لمؤتمر الفقه الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1976م.

وحصل على جائزة الدولة التشجيعية 1398هـ، وقد وضع الخطوط الأساسية لإنشاء أطلس جديد يسمى الأطلس المكي، ويمتاز بإظهار موقع مكة المكرمة بالنسبة إلى القارات الأرضية واستعمال الإسقاط المكي للعالم في إنشاء خرائط هذا الأطلس وبيان خطوط اتجاهات الصلاة على هذه الخرائط. وأثبت أن مكة المكرمة تتوسط الكرة الأرضية، واستطاع أن يتوصل إلى معادلات وبرامج تمت الاستفادة منها في تصنيع ساعة تضبط مواقيت الصلاة وتعطي إشارة صوتية عند حلول وقت الصلاة حسب البلد الذي يُحدد في الساعة، وهي في الوقت ذاته تحدد اتجاه القبلة في أي مكان من الأرض، وقد صنعت وأصبحت في متناول أيدي الناس، كما أسهم بدور كبير في بناء السد العالي، وكان مضرب المثل في خلقه وتواضعه ومعاملته الطيبة التي كانت سببًا في حب طلابه له بدرجة كبيرة، وقد سجن عدة مرات في أيام فاروق وجمال عبد الناصر، ولكن أشد ما لاقاه كان في عهد عبد الناصر.

مؤلفاته

أما البحوث التي نشرها في المجلات العلمية فكثيرة جدًا، وكذلك الكتب التي ألفها ونشرها وكان أكثرها باللغة العربية وبعضها باللغة الإنجليزية، وكل ما في هذه الكتب والبحوث أصيل مفيد وجديد عميق، ويقع بعض هذه المؤلفات في مجلدات، منها:

- المساحة المستوية.

- المساحة الطبوغرافية.

- المساحة الجيودبسية.

- جداول مواقيت الصلاة.

- جداول اتجاه القبلة.

- تعيين أوائل الشهور العربية.

- بحث في مواقيت الصلاة والصوم.

- بحث في وقت العشاء بالنسبة لوقت المغرب.

- بحث في بيان فرق الارتفاع بين مكان المصلى ومكان شروق الشمس أو مغربها.

وفاته

أصيب الدكتور المهندس حسين كمال الدين بمرض الربو أواخر حياته، وكان صابرًا محتسبًا حتى توفاه الله يوم الخميس 12/12/1407هـ بمصر، ودفن بالقاهرة بعد تشييع مهيب من إخوانه وتلامذته.

رحم الله أستاذنا رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

وسوم: العدد 848