11 عاما على استشهاد قائد المجاهدين الشيخ أحمد ياسين

11 عاما على استشهاد قائد المجاهدين

الشيخ أحمد ياسين

بدر محمد بدر

[email protected]

في الثاني والعشرين من مارس الجاري تمر الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد شيخ المجاهدين الشيخ أحمد ياسين, الذي اغتالته يد الغدر الصهيوني، بعد أن أدى صلاة الفجر في المسجد جماعة, لتكون وقفته أمام الله هي آخر عهده بالدنيا, وتبقى الذكرى زادا لكل المجاهدين والمقاومين والصامدين، حتى يتحقق النصر بإذن الله.

ولد أحمد إسماعيل ياسين عام 1936 في قرية الجورة ـ قضاء المجدل ـ جنوبي قطاع غزة, وهو العام الذي شهد أول ثورة مسلحة ضد النفوذ الصهيوني المتزايد داخل الأراضي الفلسطينية, وسبب التسمية أن والدته رأت رؤيا في منامها أن الله رازقها بولد خير, وطلب منها "الهاتف" في المنام أن تسميه "أحمد" ولم تتردد في تسميته بهذا الاسم، على الرغم من أن الوالد أراد أن يسميه اسماً آخر, لخلاف شخصي مع رجل اسمه أحمد.

عندما وُلد الشيخ أحمد ياسين كانت صحته ممتازة ونموه طبيعياً, وكان نشيطاً وذكياً ومرحاً وخفيف الحركة, مات والده وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، فتغير نمط حياة الأسرة تغيراً كبيراً, التي كانت حالتها الاقتصادية ممتازة, وكانت من أغنى أهل الجورة تقريبا, فاضطرهم هذا الموت المبكر للوالد أن يتعاون الإخوة فيما بينهم لتحصيل رزقهم.

ثم التحق أحمد بمدرسة الجورة الإبتدائية, وواصل الدراسة بها حتى الصف الخامس, وهنا حدثت نكبة فلسطين عام 48 فانقسمت عائلته شطرين, ذهب هو مع الجزء الذي توجه إلى منطقة آمنة في غزة وفي عام 49 ـ 1950 ترك مقاعد الدراسة للإنفاق على إخوته السبعة عن طريق العمل في أحد المطاعم, ثم عاد إلى الدراسة مرة أخرى.

أنهى الشيخ ياسين تعليمه الإبتدائي عام 52 والإعدادي عام 55, وكانت حركة الإخوان المسلمين من أنشط الحركات في قطاع غزة, وكانت تضم قطاعاً كبيراً من الطلاب لدرجة أن معظم الطلاب العرفاء في الفصول ـ الذين ينتخبهم زملاؤهم ـ كانوا من المنتمين للإخوان المسلمين.. وعاش الشيخ سني حياته الأولى في هذا الخضم الفكري والسياسي, وكان يتردد على مسجد "أبو خضرة", لحضور المحاضرات التي كانت تأتي إلى غزة, وكان الشيخ الأباصيري والشيخ محمد الغزالي لهما حضور ملحوظ في هذه المرحلة الزمنية.

ولفتت نشاطات الحركة الإسلامية نظر الشيخ فقرر عام 1955 إعطاء البيعة (وكان عمره 19 عاما) بعد أن مر بالمرحلة الإعدادية المطلوبة للتأكد من صلاحه وتقواه وصدق نواياه في خدمة الإسلام والمسلمين, ودخل في أسرة واحدة مع الشاعر المعروف د. عبد الرحمن بارود، الذي حصل على الدكتوراه في اللغة العربية من مصر.

وكان انتماء الشهيد للحركة مبنياً على إيمان عميق بهذا الدين, وحماس منقطع النظير، ورغبة في تفعيل أبناء مجتمعه وتقريبهم نحو الإسلام, خاصة وهو يرى أن الكثيرين منهم قد ابتعدوا عن الطريق التي أرادها الله لعباده.

حادث أصابه بالشلل

وفي السادسة عشرة من عمره ـ وقبل أن ينضم للإخوان ـ عام 1953, تعرض الشهيد أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها منذ ذلك الوقت, فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه, وبعد 45 يوما من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه سيعيش بقية عمره رهين الشلل الذي أصيب به في تلك الفترة.. وفي يوم الحادث أخذ الشيخ أحمد ياسين كتابه ليقرأ كالعادة فوجد أصدقاءه في انتظاره فاتجهوا إلى شاطئ البحر وبدأت التمارين الرياضية وأخذ الجميع يتنافسون, وكان التمرين الذي يتنافسون في تنفيذه هو الوقوف على الرأس مع رفع الرجلين لأعلى مستقيمة, وكانت القدرة تقاس بمن يستطيع أن يصمد زمنياً أكثر من غيره.

ونفذ الشيخ التمرين ومكث فترة وهو على الوضع سالف الذكر إلى أن وقع على الأرض فجأة، فحاول أصحابه أن يوقفوه, ولكنهم وجدوا أن جسمه قد تصلب تماما ولا يستطيع القيام أو القعود, فقام إخوته بعمل تدليك موضعي له, إلا أن ذلك لم يفد, فأخذوه إلى عيادة وكالة غوث اللاجئين, وتبين أن النخاع الشوكي قد أصيب, وأن هناك تلفاً في فقرات الرقبة, إذ تداخلت مع بعضها البعض, وبقى الشيخ على ذلك فترة شهرين كاملين لم يستطع أثناءهما الحراك.

أنهى الشيخ دراسته الثانوية عام 1958 وعمل بمهنة التدريس, وكان معظم دخله يذهب لمساعدة أسرته, وفي عام 56 شارك في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر, وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة, حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض فكرة الإشراف الدولي على غزة, مؤكداً ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

وبعد أن أنهى دراسته الثانوية كان يحلم بإكمال دراسته الأكاديمية في مصر, ولكن إعاقته وظروفه المالية حالت بينه وبين ذلك.

وبعد أن استقل الشيخ مادياً, وأًصبح قادراً على أن يكفل زوجة تحدث إلى أهله برغبته في الزواج, وتزوج في أوائل الستينيات من السيدة حليمة ابنة السيد حسن ياسين ورزقه الله منها بسبع من البنات وثلاثة من الأبناء.

وفي أثناء عمله بالتدريس بدأت موهبته الخطابية في الظهور بقوة, غير أن الوضع الدعوي في القطاع تأثر سلباً بعد اصطدام عبد الناصر بالإخوان في مصر, وتم اعتقال الشيخ من قبل المخابرات المصرية عام 1965, حيث كانت تدير شئون قطاع غزة آنذاك, وعن هذه الفترة يقول "إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم, وأكدت أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل, وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية".

وفي عام 67 كان من أشد الخطباء حماساً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة حيث ألهب مشاعر المصلين من فوق المنابر وبخاصة منبر مسجد العباس الذي كان يخطب فيه وقام بجمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين وأسس المجمع الإسلامي بغزة.

اختياره قائداً للإخوان

وفي عام 68 أدرك الإخوان في غزة أنه لابد من وجود قيادة لضبط العمل وتوجيهه, لذلك اجتمعت مجموعة من قيادات الحركة في منطقة المعسكرات الوسطى لاختيار الشيخ أحمد ياسين قائداً جديدا بما له من قدرات ونشاطات وتأثير, وعمد الشيخ ياسين هو ورفاقه إلى إعادة ترتيب الأوراق بعد قراءة المرحلة بروية وتأن, وكان الخيار مشروعا عملاقا للإحياء والمقاومة.. مشروعا يبدأ بترسيخ الأسس والقاعدة البشرية الصلبة. وبهذا كان نهج جماعة الإخوان في فلسطين يقوم على تدعيم الأرضية التي بوسعها أن تتحمل بناءً عملاقاً, لمواجهة الاحتلال, واستغرق الأمر عقدين من الزمن حتى نضجت الثمار وظهرت قوية في الانتفاضة الأولى 1987 التي ظهرت فيها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" واضحة الأسس والمعالم قوية البناء, صلبة المواقف..

ونشأت "حماس" كحركة فلسطينية جهادية بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد مؤمنة بأن النهضة هي المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.. وكانت مهمة الشيخ أحمد ياسين أن يكون الناطق الرسمي باسم حماس, وقامت الحركة بالعديد من الأعمال الجهادية في ظل الانتفاضة, مما عرضها إلى ضربات قوية من الاحتلال الصهيوني في عام 1988, فتوجه الشيخ إلى المهندس إسماعيل أبو شنب, طالباًَ منه المساعدة في إعادة بناء الجهاز السياسي والأمني للحركة.. وإضافة إلى الجانب التربوي الذي بدأه الشيخ أحمد ياسين منذ أواخر الستينيات كان لحماس برامج أخرى اجتماعية وسياسية وجهادية استطاعت من خلالها أن تكون أكبر قوة مؤثرة في المجتمع الفلسطيني.

ومع تصاعد أعمال الانتفاضة داهمت السلطات الصهيونية في أغسطس 88 منزل الشيخ ياسين وهددته بالنفي إلى لبنان, وفي مايو 89 تم اعتقاله مع المئات من حماس, وفي أكتوبر 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكماً بسجنه مدى الحياة, وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم: بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والسياسي.

وفي ديسمبر 92 حاولت مجموعة فدائية تنتمي لكتائب عز الدين القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس ـ الإفراج عن الشيخ ياسين وبعض المعتقلين المسنين الآخرين فقامت بخطف جندي إسرائيلي قرب القدس, وعرضت مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين, لكن السلطات الصهيونية رفضت العرض, وشنت هجوماً على مكان احتجاز الجندي, مما أدى إلى مصرعه, ومصرع قائد الوحدة الصهيونية المهاجمة واستشهاد قائد مجموعة الفدائيين.

الشهادة

وتم الإفراج عن الشيخ ياسين في أول أكتوبر عام 1997 في عملية تبادل مع الأردن عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في العاصمة الأردنية عمان, حيث تم القبض على اثنين من عملاء الموساد.. وبعد عملية الإفراج قام الشيخ ياسين بجولة واسعة في العواصم العربية, لإيصال القضية الفلسطينية إلى العالم وليكشف حقيقة جرائم الاحتلال, وليحشد الدعم المادي والمعنوي من أجل القضية الفلسطينية, نجح خلالها في جمع مساعدات عينية ومادية قدرت بنحو 50 مليون دولار.

عاد الشيخ إلى غزة ليواصل جهاده وفي سبتمبر 2003 تعرض لمحاولة اغتيال جبانة حيث قصفت مروحيات صهيونية شقة في غزة كان يوجد بها الشيخ ويرافقه إسماعيل هنية, فأصيب بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن.

وعقب فجر الإثنين 22 من مارس من عام 2004م وقعت جريمة الاغتيال البشعة بعد أن أدى الشيخ المجاهد أحمد ياسين صلاة الفجر في المسجد, ليحوز الشهادة التي طالما تمناها.