صفحات من تاريخ غير مكتوب (١) وأي الناس مثل أبي سعد !!؟

ومنذ أيام رابتني ريبة على إحدى الصفحات : رجل يذكر فيلمز من جانب الشيخ أبي سعد من طرف خفي ..

وأنا أدعى إلى كثير من هذه المجموعات التي تسمى في هذا العصر مجموعات الواتس . وكثيرا ، بعد مراقبة مستوى التعاطي بين أفراد المجموعة الواحدة ، يكون قراري الحضور مع وقف المشاركة .

والحضور يعني المتابعة ووقف المشاركة يعني ان تحتفظ لكلمتك ببهائها .

المتابعة على هذه الصفحات يفيدني في الاطلاع على سياق الأفكار السائدة ، وما فيها من صواب وغيره ، ومن تعميمات وتجاوزات وأحيانا أشكال من الإفراط والتفريط ..

وها أنا هنا أحاول هنا أن أصحح وأدافع وأوضح ..

وحين ابتليت سورية بالانقلاب الطائفي منذ ١٩٦٣ ، وشنت الحرب على الإسلام وأهله تحت شتى العناوين ، وكان في تحميدة الشيخ حسن حبنكة الميداني رحمه الله تعالى ... دلالة وكفاية وغنى ، على أن الحرب لم تكن على جماعة أو حزب أو فئة كما يدعي المدعون ...بل كانت على الإسلام العقيدة والشريعة ومنهج الحياة ، وأنماط السلوك.

وتصادف مع انقلاب الثامن من آذار ١٩٦٣

أن البلاد التي بدأت تتحلب بالنفط ، قد أصبحت قريبة واعدة سهلة المزار فأصبحت بذلك ملاذا آمنا لفئات من الناس من سوريين وغيرهم ، ومنهم فقير لا يجد في وطنه كفاية يحلم أولا بقِوام ثم بغنى ثم بثراء .. ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا.. وخائف مهدد يخرجه من وطنه حقه في أمن وأمان ..فتقول في حقه خرج أو أكره على الخروج ، ويظل مثل هؤلاء على صير أمر ، وفِي كفاية الأخيار من فقه الشافعية " ومن خرج من وطنه خوف الظلمة ، وما أكثرهم ، وفِي نيته متى انفرج أمره أن يرجع ، فهو مسافر حتى يرجع . أروي من حفظ ، وأخبرني بعض علماء المذهب ، أن الفتوى ليست على هذا في مذهبهم .

وفريق ثالث من الناس أحبوا أن يخلطوا هذا بذاك فتكون لهم صلاة خلف علي ، وعشاء على مائدة معاوية ، وحج وتجارة مسابح ، ويتأولون أن ليس عليهم جناح أن يبتغوا فضلا من ربهم .. ويظلون يهذون ..

وفِي وسط هذه الأجواء وبين ١٩٦٣ - ١٩٧٩ أقام رجال من أبناء سورية بأرضهم حفاظا ودفاعا وإباء ورابطا .. لم يلجئهم إلى الهجرة ، مع أمن الطريق وتيسر السبيل ، لا فقر مدقع ، ولا خوف ملجئ ، فثبتوا وحُملوا فتحملوا ، وقالوا ربنا الله ٠٠٠٠ ثم عندما أصبحت الهجرة قدرا مقدورا ؛ ظل فريق من هؤلاء ممسكين بالراية ، لم يستخفهم حَلَب النفط ، ولا ظل النخل ، ولا ثراء مأمول ، ولا بلهنية عيش لم يكن غيرهم أقدر عليها منها ، ثم يعير أحدهم انه إذا رام سفرا يقترض ثمن بطاقة طائرته، لا يا صاحبي هؤلاء لا يسافرون ولا يقترضون .

وأعود إلى الشيخ أبي سعد رحمه الله تعالى..

إلى الشيخ عبد الله ناصح علوان

ابن الشيخ سعيد علوان

وكان قد خرج من وطنه في أول من خرج عاما أو بعض عام ثم عاد إلينا ونحن فتيان أو شباب نأنس بالمشي في ظله كما يأنس الفتى بالمشي ظل أبيه ..

عاد الشيخ ابو سعد إلى مدينته حلب بل إلى محافظته حلب ؛ وقال لنا يوم عاد : والعبارة لن تجدوها في كتاب " نظرت في أمري فقلت بلدي أحق بي "

وعاش أبو سعد في وطنه عالما ومعلما وأستاذ جيل يشاركهم خوفهم وأزماتهم وضائقتهم كما يشاركهم تصوراتهم وحواراتهم وأفكارهم .

عايشت أبا سعد عقدين من الزمان تقريبا ، عقدا كنت فيه التلميذ الأثير ، وعقدا كنت فيه الأخ المقرب ..

كان أبو سعد إذا اعتلى المنبر كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم ..

وأجمل ما يكون أبو سعد عندما يقول : لا تكبشوني ، ويتخفف من العمامة ، ويكتفي بالطاقية ، ليكون كآحاد الناس ، فيخوض الغمار ..

مع أبي سعد عشنا معا قرأنا معا كتبنا معا وخفنا معا .

وليلة من الخوف في بيت الشيخ أبي سعد ربما تكون سانحة أخرى أرويها في صفحات هذا التاريخ

رحم الله الشيخ عبد الله علوان وتقبله في الصالحين وخلفه في ذريته بخير.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 872