الشاعر الداعية الأسير زهير أحمد المزوّق

هو شاعر إسلامي معاصر، يعدّ من شعراء الدعوة في ريف إدلب، غيبه الطغاة في غياهب السجون وأغلب الظن أنه قد قضى نحبه، ...

حياته:

ولد زهير بن احمد المزوق عام 1956م في قرية مرعند التابعة لمدينة جسر الشغور في سورية.

دراسته، ومراحل تعليمه:

وبعد أن أنهى مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي حصل على شهادة الدراسة الثانوية عام 1978م..

ونشأ في أسرة مسلمة وعاش في منطقة نعمت بالأدب والأدباء والشعر والشعراء..منطقة توارثت الأدب منذ مئات السنين وما زالت تحافظ عليه وتبدع فيه وتقدم للأمة نماذج من الأدباء والشعراء قل أن يجود الزمان بمثلهم في هذا الجو الأدبي عاش شاعرنا وتتلمذ على أستاذه الأديب الإسلامي القاص إبراهيم عاصي...ونال منه رعاية خاصة وتشجيعاً كبيراً وبدأ الكتابة في النواحي الأدبية، وهو ما زال طالباً في المرحلة الإعدادية وازدادت رغبته في متابعة الكتابة ونظم الشعر عندما تعرف على نخبة من أدباء سورية وشعرائها منهم الأديب الإسلامي عبد الله طنطاوي، والشاعران الإسلاميان محمد الحسناوي، ومحمد منلا غزيل.

وبدأ عام 1975م بنشر المقالات الأدبية التي يكتبها والقصائد التي ينظمها في مجلتي حضارة الإسلام، والثقافة الأسبوعية الدمشقيتين، ومجلة الضاد الحلبية.

وشارك في المعارك النقدية دفاعاً عن الشعراء والكتاب الإسلاميين.

شعره:

زهير شاعر من الشعراء الذين آمنوا والتزموا الإسلام عقيدة ومنهاجاً لحياتهم..تربى ونشأ في بيئة إسلامية ..وكتب ونظم بوحي من تعاليم الإسلام..فجاء شعره تعبيراً عن الفطرة النظيفة ووصفاً للحياة كما ينبغي أن تكون.

وإذا كان الشعر تعبيراً عن أفكار يؤمن بها الشاعر وإفصاحاً عن عواطف في لحظة انفعال صادقة فإن شاعرنا قد عبر عن عواطفه وأفكاره أصدق تعبير، وأفصح عن عواطفه كل الإفصاح فالشعر عنده مشكاة تنير النفوس والدروب قال في فاتحة مجموعته الشعرية ( هذي الألحان إليك):

لا أقبل الأشعار : نبع غواية               وإثارة لغرائز الإنسان

فالشعر صوت الثائرين على الخنا   وعلى الهوى وتسلط الطغيان

والشعر مشكاة تنير نفوسنا             ودروبنا بوميضها الفتّانِ

فالقارئ لشعره يجد الفكرة النيرة والبيان الواضح والأسلوب العذب في رقة وإيجاز .

لقد عاش زهير المزوق مشكلات أمته ومجتمعه واحس بخطورة هذه المشكلات وما تجره على الأمة الإسلامية من مصائب وويلات عانت منها شعوب أمتنا الكثير..واستجابة لهذه المعاناة وذلك الإحساس نظم قصيدة بعنوان (لون من الحزن) انتقد بها بعض الأوضاع السياسية والاجتماعية الفاسدة، وحملها سيطرة الحزن على النفوس والشقاء الذي يملأ الحياة المعاصرة قال فيها:

أكابد في المساء وفي الصباح       هموماً عاصفاتٍ كالرياحِ

تقاذفت الفؤاد وأرهقته               بوخزٍ دونه طعن الرماح

فإن مرّ السرور علي يوماً       تجهم ثم أعرض في جماحِ

كأني خصمه العاتي وأني       سأشهر حينما يدنو سلاحي

وسر الحزن عندي أن أرضي       تباح ويالمأساة المباح

وأن العدل والإيمان فينا         وأن الحب مكسور الجناح

وأن البوم يسعد وهو بومٌ         ويشقى من تغرد بالصداحِ

وفي هذا الزمان يتعرض المؤمنون المجاهدون إلى ألوان كثيرة من التنكيل والمؤامرات والتصفيات في عدد من ديار المسلمين وتحارب كلمة الحق في تلك الديار ويستمع شاعرنا إلى صوت الشاعر الإسلامي الكبير محمد إقبال وهو يخاطب المسلم في كل بقعة من بقاع الأرض قائلاً:

قم وانشر التوحيد في الدنيا ووحّد الأمم

فأنت خير من دعا وأنت خير من حكمْ

فينظم قصيدة رمزية بعنوان (البلبل الجريح) يوجهها إلى كل مسلم للثورة على الجاهلية يقول فيها:

أسعد الله صباحك         ومــــــــــــــــــن الغدر أراحك

أيها المجروح : قل لي     هل شفى المولى جراحك

لم نزل مُذ رحت نبكي         أيها الشادي رواحك

كيف لا نبكي وإنا         لم نعد نلقى صداحك ؟

ويبكي على فقد البلبل الجريح ويعتبره سمير الروح وأن الأصوات بعده أضحت عواء ويعجب من صداح البلبل الجريح فيقول:

ياسمير الروح ملت       هذه الدنيا العُواءَ

وغدت تهفو للحنٍ       ساحرٍ أنى تراءى !

فاترك الصمت وحيداً     واعتل هذا الفضاءَ

واملأ الدنيا صداحاً     آه ما أندى صداحك

لاتخف من بطش ريح     روع الكون أذاها !

لحنك العُلوي سحرٌ       رائعٌ ليس يضاهى

فاجعل الصبر مجنّاً     وانتظر تفنى قواها

واملأ الدنيا صداحاً       إننا نهوى صداحك

يرى الشاعر دعاة الحق يثبتون كالطود أمام الطغيان ويحدثون في أبناء الأمة تغييراً ملحوظاً في الفكر وفي السلوك وتلوح تباشير النصر في عدد من البلدان فينظم قصيدة بعنوان الركب والطغيان يقول فيها:

يا أيها الطغيان لن تقوى على ركب التقاة

فالركب ُ ماض في سبيل الله   رغم النائبات

قد هبَّ من بعد السبات ولن يعود إلى السبات

هيهات يوهن عزمه صفع الخطوب الكالحات

هيهات يهدأ قبل تطهير الدنا من كل عاتِ

فالزم جحورك إن رأيت الركب كالإعصار آتِ

ويعجب الشاعر المسلم من الحياة السعيدة في ظل الهداية، فيقول:

وتسامقتْ قمم الهداية والتقى     قممُ الأباةِ

فإذا بشرع الظلم والإلحاد آذن بالشتاتِ

وعلى شفاه الكون همس ساحرٌ كالزقزقات

ما أروع الأيام في ظل الهداية والهداة

عيشٌ تكلله السعادة في ظلال المكرماتِ

أحببْ به وبنفحه الأسمى وطوبى للتقاة

ويرى زهير أن على الشاعر المسلم أن يجسد بشعره التصور الإسلامي المتكامل عن الكون والحياة والإنسان ومن هذه الرؤيا ينطلق ليبين لنا منهجه في الحياة، قصيدة تحمل عاطفة الحب إلى الإنسان ..كل إنسان يتحدث فيها عن العواطف الإنسانية النظيفة التي تشعر الإنسان بجمال الحياة في ظل مبادئ الحق وتبين أن طبع المسلم دائماً حب الخير والهداية لكل بني الإنسان يقول فيها:

إن يرشقوا بالغلّ أغمرهم     بمحبة ٍجلت عن التّهم ِ

أو يقذفوا بالشرّ أنعشهم       بسماحتي وأريهم كرمي

ثم يوجه نصيحته النابعة من تصور الإسلام وتعاليمه فيقول:

فالبغض والأحقاد إن جُمعا       شبَّ الشقاءُ بهامة الأمم ِ

وتقوضت أركانُ عزّتها         بعد الشموخ الفذّ كالقمم ِ

بامن تمشّى الغلُّ في دمه       واستعذب الإبحار في النَّقم ِ

وغذا عن الأخلاق مبتعداً     من غير ما سلف ولا ندم ِ

دع عنك هذا إنه سفه         وارجع لرشدك في حمى القيم ِ

ولشاعرنا ألوان أخرى من الشعر ومن هذه الألوان قصيدته في الغزل العذري التي بعنوان (الحبُّ المطلق) هذه القصيدة نظمها عندما رأى تقصير الشعر الإسلامي في هذا اللون من الشعر فقال فيها:

ياواحةً ظليلةً    تحنو على قلبي الشقي

روحان نحن دائماً  نحيا بإخلاص نقيّ

فحبُّنا منزهٌ         سام ٍ كطهر الشفق

وشوقنا إن نفترق     إلى اللقاء المشرق

عذبٌ كأنفاس الضحى   ثرٌّ كنبع مغدق ِ

فلنبقَ روحين معاً       رمزاً لحبٍّ مطلقِ

انتاجه:

  • أعدَّ كتاباً بعنوان ( فصول في اللغة والأدب) ومعظمه قضايا أدبية للنقاش
  • مجموعة شعرية بعنوان ( هذي الألحان إليك ) وتدور قصائد هذه المجموعة حول المرأة من خلال التصور الإسلامي لها وقدم لهذه المجموعة الأديب الناقد الأستاذ عبد الله الطنطاوي وقارن فيها بين تصور شاعرنا لمهمة المرأة في الحياة وموقفها من المجتمع الذي يكون الأمة وبين موقف نزار قباني الذي يهبط بالمرأة إلى حضيض الشهوة الحيوانية .
  • ضد التيار: مجموعة شعرية .
  • سقوط كسرى: قصيدة سياسية نظمها الشاعر عام 1979م على أثر انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني تلك الثورة التي أظهرت عظمة الإسلام وروعته من جديد، وغيرت موازين القوى في العالم وبينت للناس أن الإسلام سيبقى الشعلة المتقدة التي تنير للناس طريق حياتهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها .يقول الشاعر في قصيدته سقوط كسرى:

هبت تحطم حكم الشاه إيرانُ       وراح يفتك بالأصنام إيمانُ

فيا فؤادي حلق فوق أجنحةٍ     من السرور فكم هدتك أحزانُ

ورتل الشعر ألحاناً مهفهفةً         وكم تطيب مع الأفراح ألحانُ

فيا حدائق همدان ارقصي طرباً     وشاركيني ابتهاجي يا عبدان

وصب خمرك يا( كارون) في غدق

واسق العطاش فإن الروح ظمآن

قد عاد وجهك ياطهران مؤتلقاً عروسة النجم بعد النصر طهران

ما العيد إلا انتصار الحق نطلبه والحق يعلو ويروي الزيفَ نكرانُ

وبين في قصيدته كيف أن الشاه قد حكم دولته بالزيف والبهتان لكي تستقر أركان حكمه وكان ديتاتوراً يقمع حرية الفكر والتعبير فحطم الأقلام الحرة وسعى في إطفاء نور الله:

قد كان يحكم شاه الزيف دولته           ليستقر له جاه وسلطانُ

فالدكتتورية الرعناء شامخةٌ           والشعب يرهقه قيدٌ وسجان

فلا صرير لأقلام منزهة                ولا لرأي نزيه مسلم شانُ

يسعى ليطفئ نور الله في عنت       والمارقون بشرع الله عميان

لكنما الله يأبى ما يدبره             فخاب قسراً كأسلاف له كانوا

وانفجر البركان وعلا صوت الحق منادياً لاتسود الدول والشعوب في ظل القهر والتنكيل الذي يمارسه الشاه:

إذ هز إيران صوت الحق في غضب

ليست تسود مع التنكيل أوطان

فكيف يرضى بذل العيش ذو أنف    وكيف تعبد دون الله أوثانُ

انتصار الحق:

وحصحص الحق وانداحت فيالقه والمؤمنون بيوم الروع شجعانُ

لقد أطاح بكسرى الفرس وانطلقوا     ينير دربهم في التيه فرقان

دارت عليه رحى الثوار طاحنة       لم ينجه منهم بغي وعدوانُ

فجاء أسوان يستجدي حمايتها ياليت شعري أترضى ذاك أسوان؟

ويمضي الشاعر في بيان ظلم الشاه واستبداده، وكيف جرت عليه سنن الله في الطغاة، فيقول:

كم ذا تأله مغتر بسطوته           فكان ديدنه قهر وطغيان

تعنو الرقاب له في كل ناحية     كأنها وهي في الإذلال خرفان

حتى طوته بإذن الله سنته         وفي الحوادث والأيام برهانُ

ويقع الشاعر الداعية في شباك الإغراء والتضليل الذي صور الخميني منقذاً وله عذر أن القصيدة جاءت في بداية الثورة حيث لقيت الثورة الإيرانية التأييد من جميع المسلمين حتى استبان الأمر فظهرت كثورة شيعية مجوسية حاقد، ولكن هاهو الشاعر يمجد كف الخميني فيقول:

ياثورة في ربى إيران أشعلها كفّ الخميني وفي الأضلاع بركانُ

والشعب من خلفه عنوان ملحمةٍ     بها الكرامة والتاريخ يزدانُ

أحييتِ في النفس آمالاً مضيعة     فراح يعبق بالآمال وجدانُ

لكِ المحبة والتأييد نرفعه             وإن تنكّر حاخامٌ ومطرانُ

يا آية الله يا نبراس ثورتها             يامن أقيم به للحق ميزانُ

إليك أرفع أبياتي وفي كبدي   عطرُ الودادِ، وما في الودّ بهتانُ

  • النساء: نظمها الشاعر عام 1977م، وهي نموذج لرؤية الشاعر في الغزل بالمرأة، ....يقول فيها:

سكن الفؤاد بقربهنه       والعيش مرٌّ بعدهنّه

ولظى الحياة إذا يواسين المصاب ، نسيم جنة

سبحان من منح النساء لطافة في طبعهنّة

فإذا لها الشعراء ترسل لحنها في مدحهنة

وتنم عن ظمأ النفوس إلى غدير سموهنه

ويخص المرأة المحجبة بالحب فيقول:

أكرم بهن وقد حجبن عن العيون جسومهنه

ومكثن في ظل الفضيلة في النهار وفي الدجنة

ومنحن للزوج الوداد وللصغار حنانهنه

ما أظلم الدنيا إذا نشر النساء فجورهنه

وتركن تربية الصغار زيادة في طيشهنه

ودعا الآباء إلى رعاية البنات وتربيتهن لأن المرأة نصف المجتمع إذا صلحن صلح المجتمع كله:

فارعَ البنات وصغ من الخلق القويم خصالهنه

وابذل لهن من الوداد ولا تدع تعليمهنه

فغداً سيصبحن النساء البانيات بجهدهنه

يافضل من في محكم القرآن قد أوصى بهنّة

وأنالهنّ جنان عدن         فوقها أقدامهنه

  • يعربية: نظمها عام 1978م

وهاتان القصيدتان نموذج من شعر الشاعر في المرأة، وهو الموضوع الذي أولاه اهتماماً خاصاً وأفرد له مجموعة شعرية بعنوان (هذي الألحان إليك ).

يقول تحت عنوان (يعربية) :

كانت الحسناء تمشي بروية     باعتدادٍ ..طافح بالأريحية

ترمق الكون بطرف مشرئبٍ    للمعالي مستخفٍّ بالمنيةْ

في صباها عفةٌ موفورة          وعلى الوجه قداساتٌ تقية

وصفاء النفس يبدو بوضوحٍ       في محياها كأزهار ندية

إنها فتاة يعربية حقاً مشيتها باعتداد وثقة بالنفس، تنظر إلى الكون بنظرة استعلاء، وكلها عفة وتقى، ونفسها صافية، وعلى وجهها تفتحت أزهار الربيع، ويصور إعجابه بها، فيسألها من أين الصبية، فتجيبه بفخر إنها عربية:

فجرى الإعجاب في نفسي نقياً     وبصدري لهفةٌ مُثلى نقيةْ

وتقدمتُ وفي الثغر سؤالٌ       ثم ألقيتُ على الظبي التحية

قلت من أنتِ ؟ ومن أي القرى؟   ياملاكاً آسراً في مقلتيه ؟

فرنت شامخة أحسبها           تتعالى فوق أنساب البرية

وأجابت باعتداد عنتري         يبعث الفخر: فتاة يعربية!

وذكرت من سماتها أن لها آمال عريضة واسعة ملأ الكون، وهي فخورة بعبادتها لله، ومناجاته وتعيب على بنات جنسها بأنهم رمز للانحطاط الأخلاقي وتتمنى لو أن قومها عاشوا أعزة يسجد المجد لهم والعبقرية وصفوفهم متحدة كالبنيان المرصوص كما أراد لهم المولى ذلك:

لي سمات وأمانيُّ عذابٌ       تملأ الكون بأنفاس شذية

أعبد الله بصدقٍ وخشوع ٍ           وأناجيه صباحاً وعشية

فتحللن من الأخلاق طيشاً       وهي رمزٌ لسموّ الآدمية

وبودي لو أرى قومي أسوداً     يسجد المجدُ لهم والعبقرية

تحتويهم وحدة مرصوصة       تجمع الشمل على الدرب السوية

وأرى أرضي كما كانت قديماً       حرة، مرفوعةَ الرأس أبية

وهكذا نرى الفارق الكبير بين محبوبة نزار قباني وهي تعاني من التحلل الأخلاقي وبين محبوبة زهير المزوق العابدة الساجدة والحسناء الحيية.

مصادر الترجمة:

1-شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: ج7/ ص 119، 136.

2-مجموعته الشعرية هذي الألحان إليك : تقديم عبد الله الطنطاوي، ص19، 25

وسوم: العدد 893