الفنان السوري خالد تاجا

الفنان السوري خالد تاج (مواقع التواصل الاجتماعي)

"أنطوني كوين العرب"

توفي الفنان السوري خالد تاجا في دمشق، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع مرض سرطان الرئة.

وكان تاجا دخل مستشفى الشامي بدمشق في 23 مارس/آذار 2012، إثر تعرضه لنقص حاد في الأكسجين.

ويعد تاجا، الملقب بـ "أنطوني كوين العرب"، وهو من أصل كردي، من أشهر الممثلين السوريين المخضرمين.
ولد تاجا في حي ركن الدين الدمشقي العام 1939، وبدأ حياته كممثل في فيلم "سائق الشاحنة"، الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في دمشق العام 1966، وقدم العديد من الأفلام، وله رصيد كبير من المسلسلات والأعمال التلفزيونية.

ومن أهم أعماله الفنية مسلسلات، التغريبة الفلسطينية، وأخوة التراب، وأيام شامية، والزير سالم، والفصول الأربعة، وبقعة ضوء، وزمن العار، ويوميات مدير عام، وغيرها من الأعمال المسرحية والسينمائية.

رغم أنه لم ينل دور البطولة المطلقة في أعماله؛ إلا أن الفنان السوري الراحل خالد تاجا كان يسرق الأضواء في الأعمال الدرامية، التي شارك بها في الشاشة الصغيرة، حيث امتلك كاريزما خاصة وحضورا طاغيا في الفن السوري، وكان النجاح حليف العمل الذي يحمل اسمه في شارة المقدمة.

براعة تاجا في الفن جعلته ضمن أفضل 50 ممثلا في العالم، وفق مجلة "تايم" (TIME) الأميركية، كما لقبه الشاعر الراحل محمود درويش بـ"أنطوني كوين العرب".

شخصيات متناقضة

لم يتخذ ابن حي ركن الدين الدمشقي نمطا معينا في أدواره خلال مسيرته الفنية؛ بل برع في شخصيات الشر والقسوة، في الوقت الذي أثار التعاطف والحزن في أدوار الطيبة والضعف، وحتى في الكوميديا أسعد المشاهدين بشخصياته الهزلية التي قدمها.

ففي مسلسل "الفصول الأربعة" الشهير عن تماسك الأسرة الدمشقية والألفة والمحبة بين أفرادها استطاع الراحل أن يقدم شخصية كبير الأسرة "كريم"، التي تجمع الطيبة والكوميديا، فهو الأب الحنون الذي يجمع في منزله بناته وأصهاره في سهرات عائلية لا تخلو من المرح والدعابة.

ويقدم تاجا عبر كريم النبل الإنساني في سبيل سعادة بناته، حيث يعمل جاهداً لحل الخلافات الأسرية التي تواجه الأسرة.

وعلى النقيض نشاهد وجها آخر لتاجا في شخصية "أبو منذر" الذي لا يتورع عن قتل زوجته المريضة بالامتناع عن تقديم جهاز التنفس الاصطناعي لها؛ كي يتخلص من نفقات علاجها، ويتفرغ لنزواته الشخصية الأنانية بالزواج من امرأة ثانية، مبررا لذاته من خلال الشخصية أنه أضاع عمره في خدمتها وهي طريحة الفراش.

وفي الأدوار التاريخية لا يمكن نسيان شخصية "أبو أحمد" في مسلسل التغريبة الفلسطينية، مقدما رب الأسرة الفلاح المكافح في وجه الإقطاعية والاستغلال مقابل أن ينال أولاده التعليم والثقافة، ليواجهوا لاحقا الاستعمار البريطاني والصهيونية بالثورات الشعبية عبر الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.

مسيرة حافلة

بدأ الراحل تاجا من فرقة "المسرح الحر" في خمسينيات القرن الماضي بالاشتراك مع كبار الممثلين أمثال أنور البابا، حكمت محسن، وصبري عياد، ومن أبرز العروض التي شارك بها: مرتي قمر صناعي، آه من حماتي، الطلقة الأخيرة، والناس يلي تحت، قبل أن يتجه للكتابة والإخراج المسرحي من خلال أعمال: بالناقص زلمة، وخدام الأكابر.

وفي عام 1965 جسد تاجا دور البطولة في الفيلم السوري سائق الشاحنة، الذي حمل توقيع المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتونوفيتش.

جراء مرض عضال في رئتيه، ابتعد تاجا عن الفن لمدة 12 عاما، ولم تمنعه هذه السنوات من العودة بقوة وحضور مميز في الدراما السورية مكملا مسيرة فنية حافلة امتدت قرابة نصف قرن من الزمان، انتهت بعودة المرض إليه بشراسة أكبر من الأولى ووفاته في أبريل/نيسان عام 2012.

نبوءة وغموض

في لقاء تلفزيوني عام 2009 تحدث خالد تاجا عن تردي الأوضاع في الوطن العربي وسورية، وأشار إلى أن الشعب لن يصبر كثيرا على هذه الحال، وسوف ينتفض يوما ما، وهو ما وصف بأنها نبوءة عن الثورة، التي اندلعت في سورية ربيع 2011.

وما يزال الشك والغموض يحومان حول وفاة تاجا في دمشق جراء المرض، حيث يعتقد الصحفي السوري علي عيد بأنه تم تصفية تاجا في المستشفى على يد موالين للنظام السوري؛ بسبب تصريحاته العلنية بموقفه المعارض مبكرا، إلى جانب مشاركته بحراك مثقفي دمشق في يوليو/تموز 2011، حسب الصحفي السوري.

وتعددت الروايات حول وفاة خالد تاجا، لكن لم يختلف الرواة في أنه أحد الذين كسروا حاجز الصمت مبكراً، وهو ممن دعوا إلى ثورة يتوحد فيها السوريون جميعهم بعيدا عن الحزبية والمذهبية لإنقاذ سورية، إذ ظهر تسجيل فيديو لمقابلة مع تاجا تعود لعام 2009 يصف فيها النظام السوري بأنه عدو السوريين الأول والأخطر، وهو ما لم يجرؤ أحد من قبل على قوله بهذه الحدّة وهذا الوضوح، ومن داخل دمشق.

ذلك الفيديو المعروف كفيل بتفسير موقف النظام ومخاوفه من فنان وصفه الشاعر "محمود درويش" بأنه "أنطوني كوين العرب"، في دلالة على الأثر الذي تركه عن دوره في دراما الزير سالم، فالأثر الشعبي الذي تركه الراحل فنيّا وسياسياً جعله خصماً ثقيلا يصعب إزاحته بصورة اعتيادية.

يقول أحد الإعلاميين:

أحاول هنا رواية ما تصادف في حياتي كصحفي حول المناضل خالد تاجا، فبين عامي 1997 و1999 وخلال خدمتي الإلزامية في فرع الإعلام بمقر الإدارة السياسية في دمشق، وهو المقر المحاذي لفرع فلسطين سابقا والمنطقة لاحقا والتابع للأمن العسكري، كنت أشاهد بين فترة وأخرى خلال توجهي للدوام خالد تاجا وهو يركن سيارته "دوتش" القديمة أمام الفرع ويقف عند الباب، ودفعني فضولي ذات مرة لسؤال أحد المحققين الذي يترددون لمكاتب الإدارة السياسية فأجابني بأنه ـ خالد تاجا ـ يراجع للتحقيق، ويعرف السوريون معنى التحقيق في هذا المكان.

كان خالد تاجا واحدا من الذين انضموا إلى مظاهرة المثقفين في الميدان في 13 تموز ـ يوليو عام 2011، وجرى توقيفه مع بعض الفنانين ومنهم الراحلة مي سكاف وفارس الحلو وقتها لبعض الوقت، إلا أن تاجا لم يعتقل بعدها ولم يتعرض للتعذيب كما ورد من روايات، ومن الشهادات على هذا الأمر رواية ابن اخته مناع حجازي.

في أيلول عام 2013 دخلت إلى سورية لتوثيق الأحداث في المنطقة الجنوبية، وخلال زيارتي للقرى الغربية في حوران استضافني أحد الناشطين في منزله الذي يبعد مئات الأمتار عن الحدود الأردنية، وعرفت منه خلال حوار حول ما حصل في السنة الأولى للثورة أن دراجته النارية التي يركنها كانت وسيلة لنقل عدد من الشخصيات الفنية والأدبية والناشطين السوريين الذين يلاحقهم نظام الأسد، ومنهم ريما فليحان، ومع مزيد من روايات هذا الشاب ومن حوله حيث كنت أبيت في منزله وأنام على فرشة من الصوف في طرف المضافة، قال لي إن كثيرا غيرك ناموا على ذات الفرشة، ومنهم المرحوم خالد تاجا الذي حاولت إخراجه لكنني لم أوفق في تأمين خروجه، حيث ضاق نفسه وطلب تأمين طريق عودته إلى دمشق في اليوم الثالث لوصوله.

يقول الناشط إن تاجا كان يتعرض لحالات اختناق وساء وضعه مع عدم وجود أدوات طبية للمساعدة، حيث كان يتناول بعض العقاقير التي جلبها في حقيبة كتف صغيرة بنيّة اللون، ويشير إلى أن الواقعة حصلت قبل وفاته ببضعة أسابيع، أي في شباط عام 2012، وأن تاجا لم يكن يرغب بأن يعرف أحد بوجوده، حيث كان يتواصل مع شخص لا نعرفه لتأمين الخروج، وفجأة طلب العودة إلى دمشق فتمّ تأمينه حتى آخر حاجز للجيش الحر على تخوم مدينة "إبطع" على مسافة 80 كيلومترا جنوب دمشق.

قمت بمطابقة الأمر مع بعض الأصدقاء وبينهم الكاتب والشاعر "عدنان العودة" الذي كان قريبا من الراحل حسب قوله، مشيرا إلى أنه زاره قبل ليلة أو ليلتين من وفاته، لكن الرواية الأقرب في وفاة خالد تاجا هي لابن شقيقته إياد حجازي الذي لازمه طوال فترة مرضه في مستشفى الشامي، إذ ترد معلومة مفاجئة حول طبيعة الوفاة.

لم يعلم كل من تمت مراجعتهم كأشخاص قريبين من محيط تاجا بأمر خروجه إلى درعا في شهر شباط، إلا أن إياد يقول إن خاله كان يعدّ لمعركة مصيرية مع النظام لدرجة أنه قبل دخوله الأخير إلى المشفى قام بتجهيز مزرعته في ريف دمشق للانتقال إليها من شقته في حيّ دمر الدمشقي، إذا كان يخطط لسكن طويل الأمد مع مؤنة كافية في تلك المزرعة، وقام بشراء كل ما يلزم له ولعائلة شقيقته أو من تبقى منهم في دمشق.

يقول إياد إن خالد تاجا بقي في مستشفى الشامي قرابة الشهر، وأن وزير الإعلام السابق في نظام الأسد عدنان محمود كان يزورهم بشكل مستمر للاطمئنان عن صحة تاجا، إلى أن جاء عرض من الملك الأردني عبدالله بن الحسين لنقل خالد تاجا بطائرة إلى الأردن ثم التكفل بعلاجه على نفقة الملك، وعند الحديث عن العرض بين إياد وعدنان محمود استشاط الأخير غضباً مبديا رفضاً قاطعاً، ويشير إياد إلى أن العائلة كانت حجزت غرفتين في مشفى الشامي في طابقين متتاليين واحدة في الطابق السفلي لإقامة اخته والعائلة والأخرى في طابق علوي لخالد، وفي الليلة الأخيرة أفاد الأطباء بأن حالة تاجا استقرت ويمكن نقله وإخراجه من العناية الفائقة، وكان وقتها عدنان محمود في غرفة العائلة وطلب المغادرة دون الإشارة إلى أنه سيمر بغرفة تاجا، ليفاجأ إياد حجازي وأفراد الأسرة بأن محمود توجه فور مغادرته غرفتهم إلى الطوابق العليا فدخل غرفة خالد تاجا دون أن يستأذنهم، ثم خرج منها إلى غرفة الطبيب المسؤول في قسم العناية الفائقة ليفاجأ الجميع بعدها بوفاة خالد تاجا صباح الرابع من نيسان ـ ابريل 2012 دون تفسير، وبشكل يتعارض مع توصية الأطباء الذين أكدوا استقرار حالته الصحية.

وسوم: العدد 917