هند بنت النعمان ( راهبة الأحزان )

1

هِند بنت النُّعمان بن المُنذِر. امرأة عربية شريفة النَّسَب ، وشاعرة فصيحة ، ذات جمال باهر. وُلِدَت ونشأت في بَيت المُلْك والحُكْم بالحِيرة ( مدينة تاريخية قديمة تقع في جنوب وسط العراق) . والدها المَلِك النُّعمان بن المُنذِر ، وكان نصرانيًّا ، تسلَّمَ مقاليدَ الحُكم بعد أبيه ، وهو مِن أشهر مُلوك المناذرة قبل الإسلام .

     غضب كِسرى على أبيها النُّعمان ، وحبسه ، ومات في حَبْسه . وبعد ضياع عَرْشه ، وخسارة مُلْكه ، ترهبَّت ابنته هند ، ولبست المُسوح ( الثياب السميكة الخشنة التي ترتديها الراهبات ) ، وأقامت في دَير بَنته بين الحِيرة والكوفة .

2

     لم تكن هند بنت النُّعمان امرأةً عادية ، فهي ابنة مَلِك ، ومعروفة بالجمال ، والفصاحة ، والبلاغة ، وقوة الشخصية ، وتتمتَّع بشُهرة واسعة . وعندما دَخل خالد بن الوليد _ رضي اللَّهُ عنه_ الحِيرة ، زارها في الدَّيْر ، وعرضَ عليها الإسلامَ ، فاعتذرت بِكِبَر سِنِّها عن تغيير دِينها . وقد أمرَ لها بمعونة وكِسوة ، لكنها اعتذرت عن قَبولهما ، ودعت له . ولَمَّا خَرج جاءها النصارى ، فسألوها عمَّا صَنَعَ بها ، فقال :

صانَ لي ذِمَّتي وأكرمَ وَجْهي           إنما  يُكْرِم  الكريمَ  الكريمُ

     وهذا يدل على حُسن تعامل خالد بن الوليد مع هذه المرأة المكسورة ، التي كانت ذات سَطوة وسُلطة ومجد، والجميعُ يسعى لِخَطْب وُدِّها . وقد ضاعَ كُل شيء عندما ضاعَ مُلْك أبيها . وهي الآن راهبة معزولة في دَير بعيد، وامرأة زاهدة في الدنيا . وكما قِيل : ارحموا عزيزَ قَوم ذَلَّ . وقد أحسنَ إليها خالد بن الوليد ، وهو القائد صاحب السُّلطة والنُّفوذ ، ولم يتطاول عليها أو يستغل ضعفها وانكسارها . كما أنه لم يُجبِرها على اعتناق الإسلام . وقد تركها وشأنها .

3

     ذَكَرَ الباقلاني في إعجاز القرآن ( ص 88 ) أن هند بنت النُّعمان قالت للمُغيرة بن شُعبة ، وقد أحسنَ إليها:(( بَرَّتْكَ يد نالتها خَصَاصة بعد ثَرْوة ، وأغناكَ اللَّهُ عن يَد نالت ثَرْوة بعد فَاقة )) .

     هذا دعاء في غاية الفصاحة والبلاغة والبيان . وهو يَحمل فكرة اجتماعية عميقة ومُجرَّبة . والمعنى : أحسنَ إليك شخص أصابه فقر بعد ثروة ، لأنه في تلك الحال ، يكون مَكسورًا وحزينًا ومتواضعًا ، إذ إنه انتقل مِن العِز إلى الذل ، ومِن الغنى إلى الفقر ، ومِن الاستغناء إلى الحاجة ، ومِن السُّلطة إلى الهامش . وأغناكَ اللَّهُ عن شخص صار غنيًّا بعد الفقر ، لأنه في تلك الحالة ، تَظهر عليه آثار الغرور والتكبر والاستعلاء ، إذ إنه يُريد الانتقامَ مِن الظروف ، والتخلص مِن عُقدة النقص التي لازمته وهو فقير . لذلك ، يَعمل جاهدًا على تحويل ماله إلى سُلطة ، ومُجاراة الأغنياء وعِلْية القوم . ومِن أجل هذا الهدف ، يَنسى ماضيه ، ويُدير ظَهْرَه للفقراء ، ويَدخل إلى نادي الأغنياء ، كي يَكتسب المجدَ والشرفَ والرِّفعة والسُّلطة والنُّفوذ . ولا شَك أن المال سُلطة ، وهو يُغيِّر النفوس للأسوأ ، في أغلب الأحيان .

4

     روى ابن أبي الدُّنيا في الاعتبار ( 1/ 35 ) أن هند بنت النُّعمان قالت : (( أصبحنا ذا صباح وما في العرب أحد إلا يَرْجُونا ، ثُم أَمْسَيْنا وما في العرب أحد إلا يَرْحمنا )) .

     كانَ الناسُ يَحلمون بمُقابَلة المَلِك النُّعمان بن المُنذِر ، ويَطمحون إلى إقامة علاقات مع عائلته ، فهي عائلة ملكية حاكمة ذات شَرَف ومكانة ، ولا يستطيع أيُّ شخص الوصولَ إليها . والجميعُ يَلهث وراء عطاياها وأموالها ، ويتمنى أن يحصل على جُزء من امتيازاتها ونعيمها ومجدها وشُهرتها. وبعد خسارة المَلِك النُّعمان بن المُنذِر لعرشه ، وضياع مُلْكه ، وتمزُّق عائلته ، صارَ الناسُ يَحْزنون عليهم ، ويُشفِقون على حالهم ، ويتألمون مِن أجلهم . وصاروا يَعتبرونهم أشخاصًا بُسَطاء ومنبوذين مِن قاع المجتمع ، حيث إنهم انتقلوا مِن اللمعان إلى الانطفاء ، ومِن الغِنى إلى الفقر ، ومِن العِز إلى الذل . وهذا يدل على تقُّلب الأحوال ، وتغيُّر الظروف . والدُّنيا دوَّارة ، لا تستقر على حال ، ودُوام الحال مِن المُحال .

5

     روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 21/ 139 ) أن سعيد بن العاص لمَّا وَلِيَ الكُوفة أتَتْهُ هند بنت النُّعمان مُترهِّبة معها جَوَارٍ قد تَرَهَّبْنَ ، ولَبِسْنَ المُسوح، فاستأذنت، فأذن لها ، فدخلت ، فأجلسها على فرشه ، وكلَّمته في حاجات لها فقضاها ، فلمَّا قامت قالت : (( أصلحَ اللَّهُ الأميرَ ، ألا أُحَيِّيكَ بكلمات كانت المُلوك تُحَيَّى بهنَّ قَبْلك )). قال سعيد : (( بلى )). قالت : (( لا جَعَلَ اللَّهُ لك إلى لئيم حاجة ، ولا زالت المِنَّة لك في أعناق الكِرام ، وإذا أزالَ عن كريم نعمةً ، فجعلك اللَّهُ سببًا في رَدِّها إليه )) .

     إن الحاجة إلى اللئيم ذُل وخِزي وعار ، لأن اللئيم لا يَعْرِفَ قَدْرَ الناسَ ، ولا يحترمهم ، بَل يحتقرهم ، ويستغل حاجتهم لإذلاهم وإهانتهم ، والسُّخرية منهم ، والاستهزاء بهم .

     وبقاءُ المِنَّة ( النِّعمة والعَطِيَّة ) في أعناق الكِرام يدل على الشرف والرِّفعة ، لأن الكِرام يَحترمون الناسَ ويُقدِّرونهم ، ويَعْرِفون قيمةَ النِّعمة والإحسان. والإنسانُ إذا أكرمَ الكريمَ سيطرَ عليه بالقُوَّة الناعمة، لأن أخلاق الكريم تمنعه مِن نُكران المعروف ، وجَحْد الإحسان .

     وإذا جَعل اللَّهُ الإنسانَ سببًا في رَد النِّعمة إلى شخص كريم ، فهذا يدل على شرف الإنسان ومكانته العظيمة ، ومنزلته الرفيعة ، وأخلاقه الحميدة ، ومُساعدته للآخرين ، والإحسان إليهم ، ومَد يَد العَون لهم .

6

     قال ابن القيم في زاد المَعاد ( 4/ 173 ) : (( قالت هِند بنت النُّعمان : لقد رَأيْتُنَا ونحن مِن أعز الناس ، وأشدهم مُلْكًا ، ثُم لم تَغِب الشمسُ حتى رَأيْتُنَا ونحن أقل الناس ، وأنه حق على اللَّه ألا يَملأ دارًا خِيرة إلا مَلأها عِبْرَة… . وبكت أختها حُرَقَةُ بنت النُّعمان يَوْمًا وهي في عِزِّها ، فَقِيل لها: ما يُبكيكِ لعلَّ أحدًا آذاكِ ؟ ، قالت : لا ، ولكن رأيت غضارة ( رَغَد العَيش ) في أهلي ، وقَلَّمَا امتلأت دار سرورًا إلا امتلأت حزنًا . قال إسحاق بن طلحة : دَخَلْتُ عليها يومًا ، فقلتُ لها: كيفَ رَأيتِ عِبرات الملوك ؟ ، فقالت : ما نحن فيه اليوم خير مِمَّا كُنَّا فيه الأمس، إنَّا نجد في الكُتب أنه ليس من أهل بيت يعيشون في خِيرة، إلا سَيُعْقَبُون بعدها عِبرة ، وأن الدهر لم يَظْهَر لقوم بيوم يُحبونه ، إلا بَطَنَ لهم بيوم يَكرهونه ، ثُمَّ قالت  :

فَبَيْنَا نَسُوسُ الناسَ والأمرُ أمرُنا           إذا  نحن  فيهم سُوقة  نتنصَّفُ

   فأُفٍّ   لدنيا  لا  يَدوم   نعيمُها             تَقَلَّبُ   تَاراتٍ    بنا   وتَصَرَّفُ )) .

     كانت عائلة هند بنت النُّعمان مِن أكرم العرب وأشرفهم ، وأعز الناس وأعظمهم ، وأشدهم مُلْكًا . وهذه العائلة الملكية كانت في سُدَّة الحُكم ، وقِمَّة السُّلطة ، تتمتَّع بالشرف والمجد والثروة والسُّلطة والمكانة ، وهي محط الأنظار ، ومهوى القلوب ، والجميع يَنظر إليها باعتبارها القُدوة العُليا ، والمَثَل الأسمى ، ثُمَّ ضاعَ كُل شيء ، وانتهى بسرعة ، وصارت هذه العائلة أقل الناس ، تحت نظرات الشفقة والرحمة . ودوامُ الحال مِن المُحال ، وعِند صَفْو الليالي يَحْدُث الكَدَرُ ، وما طارَ طيرٌ وارتفع ، إلا كما طارَ وَقَع ، والدنيا مُتقلِّبة ومُتغيِّرة ومُتحوِّلة . وكُل بَيت سيصبح خاليًا ، وأطلالًا تُثير العِبرة ، وتَدعو إلى الاتِّعاظ . وكُل مجد دُنيوي فانٍ ، وكُل نعيم في الدنيا زائل ، والدنيا لا تدوم لأحد . وكَم مَن مَلِك خُلِع ، وكَم مِن عَزيز ذَلَّ ، وكَم مِن غنيٍّ افتقرَ . والعاقلُ مَن اتَّعظ بغيره ، والجاهل مَن اتَّعظ بنفْسه. وكُل فرح في الدنيا سيعقبه حُزن، وكُل لذة فيها سيلحقها ألم ، وكُل بَيت مليء بالسعادة والسرور ، سيمتلئ بالحزن والألم . وهذه هي حال الدنيا.

     كانت هذه العائلة الملكية، تَحكم الناسَ، وتَسُوسهم، وتُسيطر عليهم ، والأمرُ أمرُها ، لا أحد يُنازعها فيه ، وجميع الناس خاضعون لها، ثُمَّ انقلبت الأمور، وتغيَّرت الأحوال ، وصارت هذه العائلة مِن الرَّعِيَّة تَخدم الناسَ ، بلا مُلْك ولا حُكْم. وأفرادها صاروا أشخاصًا عاديين تحت الشفقة والإحسان . والدنيا مُتقلِّبة ، لا يدوم نعيمُها.

7

     قال الأصفهاني في الأغاني ( 16/ 94 ) : (( رَكِبَ المُغيرة بن شُعبة إلى هِند بنت النُّعمان بن المُنذِر ، وهي بِدَيْر هِند مُتَنَصِّرَة عَمْياء بنت تسعين سنة ، فقالت له : مَن أنت ؟ ، قال : أنا المُغيرة بن شُعبة . قالت : أنتَ عامل هذه المَدَرَة ( تعني الكوفة ) ، قال : نعم ، قالت : فما حاجتك ؟ ، قال : جِئتكِ خاطبًا إليك نَفْسَكِ . قالت : أمَا واللَّهِ لَوْ كُنتَ جِئتَ تبغي جَمَالًا أو دِينًا أو حَسَبًا لزوَّجناك ، ولكنك أردتَ أن تجلس في مَوسم من مواسم العرب ، فتقول : تزوَّجتُ بنت النُّعمان بن المُنذِر )) .

     إن المُغيرة بن شُعبة كان رَجُلًا عجوزًا طاعنًا في السِّن ، وقد ذَهَبَ إلى الدَّيْر الذي تتعبَّد فيه هِند بنت النُّعمان كي يَخطبها ، وكانت عجوزًا عَمياء ، في التِّسعين مِن العُمر . والمُغيرةُ بن شُعبة، لم يكن يبحث عن الجَمَال أو الدِّين ، وإنما كان يَبحث عن الشُّهرة والمجد وانتشار صِيته بين العرب ، باعتباره الرَّجل الذي تزوَّج هند بنت النُّعمان. وبذلك، تطير شُهرته في أنحاء الأرض، ويُخلِّد التاريخُ اسمَه ، ويَربطه بِهِند بنت النُّعمان( ابنة مَلِك العرب ) . وهذا هو زواج المصلحة القائم على الصِّيت والشُّهرة والتفاخر بين قبائل العرب .

8

     قال الأبشيهي في المُسْتَطْرَف ( 2/ 482 ) : (( وحُكِيَ أن المُغيرة بن شُعبة لمَّا وَلِيَ الكوفة سار إلى دَيْر هِند بنت النُّعمان، وهي فيه عمياء مُترهِّبة ، فاستأذن عليها ، فقالت : مَن أنت ؟، قال المُغيرة بن شُعبة الثَّقفي . قالت : ما حاجتك ؟، قال: جِئْتُ خاطبًا . قالت : إنكَ لم تكن جِئتني لجَمَال ولا مال ، ولكنك أردتَ أن تتشرَّف في محافل العرب،فتقول: تزوَّجتُ بنت النعمان بن المُنذِر،وإلا فأيُّ خَير في اجتماع عمياء وأعور ؟!)).

     إن المنطق الاجتماعي السائد يقول إن الرَّجل يَبحث عن الشَّابة صاحبة الدِّين أو الجَمَال . فلماذا أرادَ المُغيرة بن شُعبة ( وقد كان أعور أُصِيبت عَينه يوم اليرموك ) أن يتزوَّج عجوزًا عَمياء ؟. لقد كان حريصًا على الشرف والمجد والفخر . أرادَ الافتخار في محافل العرب بأنه تزوَّج ابنةَ المَلِك النُّعمان بن المُنذِر . والعربُ أُمَّة حريصة أشد الحِرص على الشرف والمجد والافتخار بين القبائل . وهذا الأمرُ كان مكشوفًا أمام هند بنت النُّعمان ، وكانت صريحة في كلامها بلا مُجامَلة .

9

     قال الأبشيهي في المُسْتَطْرَف ( 1/ 123 ) : (( حُكِيَ أن هِند بنت النُّعمان كانت أحسن أهل زمانها ، فوُصِفَ للحَجَّاج حُسْنها ، فأنفذَ إليها يَخطِبها ، وبذل لها مالًا جزيلًا ، وتزوَّجَ بها ، وشَرَطَ لها عليه بعد الصَّداق مائتي ألف دِرهم ، ودَخل بها ، ثم إنها انحدرت معه إلى بلد أبيها المَعَرَّة ، وكانت هند فصيحة أديبة ، فأقام بها الحَجَّاج بالمَعَرَّة مُدَّة طويلة ، ثم إن الحَجَّاج رحل بها إلى العراق، فأقامت معه ما شاء اللَّهُ ، ثم دخل عليها في بعض الأيام وهي تنظر في المِرْآة وتقول :

وما   هِندُ   إلا   مُهْرَةٌ   عربية            سليلةُ   أفراسٍ   تَحَلَّلَهَا   بَغْلُ

فإن  وَلَدَتْ  فَحْلًا  فللهِ  دَرُّهَا           وإن وَلَدَتْ بَغْلًا فجاء بِهِ البَغْلُ

فانصرف الحَجَّاجُ راجعًا ، ولم يدخل عليها ، ولم تكن علمت به ، فأراد الحَجَّاجُ طَلاقَها ، فأنفذَ إليها عبد اللَّه بن طاهر ، وأنفذَ لها معه مائتي الف دِرهم ، وهي التي كانت لها عليه . وقال : يا ابن طاهر ، طَلِّقْهَا بكلمتين ولا تَزِدْ عليهما ، فدخل عبد اللَّه بن طاهر عليها ، فقال لها : يقول لك أبو محمد الحُجَّاج : كُنْتِ فَبِنْتِ . وهذه المائتا ألف دِرهم التي كانت لك قِبَله ، فقالت : اعلم يا ابن طاهر أنَّا واللَّهِ كُنَّا فما حَمِدْنا ، وبِنَّا فما نَدِمْنا . وهذه المائتا ألف دِرهم التي جِئتَ بها بِشارة لك بخلاصي )) .

     أُعْجِب الحَجَّاج بِجَمَال هِند بنت النُّعمان قبل أن يراها ، وانبهرَ بحُسنها ، فقرَّر خِطبتها ، ودفع لها مالًا عظيمًا مِن أجل إغرائها بالموافقة على القَبول به زَوْجًا . والحَجَّاجُ قائد مَشهور ، وصاحب سُلطة واسعة وأموال كثيرة . ومِن الواضح أن هند بنت النُّعمان كانت تَكْرهه ولا تُطيقه ، والبَيْتان مِن الشِّعر يُشيران إلى ذلك ، وقد قالت هِند بنت النُّعمان هذين البَيْتَيْن ، وهي تنظر في المِرآة ، وهي لا تَعْلَم أن الحَجَّاج موجود ويَستمع إليها . وقد قرَّر طلاقها بعد هذه الإهانة البالغة، والرَّجلُ العاقلُ لا يُمكن أن يَعيش مع زوجة تَكْرهه ولا تُطيقه . وقد أرسلَ الحَجَّاجُ رسولًا لتطليقها ، معَ مُؤخَّر الصَّداق . والطلاقُ بهذا الشكل يَحمل إهانة مقصودة لهند بنت النُّعمان. ويَبدو أن الحَجَّاج أراد الانتقام لرجولته، والثأر من هِند بسبب كلامها الجارح بحقِّه . وهِند ابنة مَلِك ، لا تَقبل الإهانة ، ولا ترتضي لنفْسها الذُّل ، وأرادت الرد على الحَجَّاج ، فأخبرتْ رَسولَه أنها كانت زوجة غير سعيدة ، وأن زواجها كان سيئًا ، وأنها تَطَلَّقَتْ فما نَدِمَتْ على ذلك ، بل على العكس . إنها سعيدة ومسرورة بطلاقها ، ومَنحت مُؤخَّر الصَّداق لرسول الحَجَّاج بِشارةً له بخلاصها من الحَجَّاج ، وانتهاء زواجها . ولا شَكَّ أن رفض هند بنت النُّعمان لهذه المبلغ المالي الكبير ، يدل على عِزَّة نفْسها ، وحِرصها على كرامتها ، ورفضها للإهانة والإذلال . والمالُ يأتي ويَذهب ، ولكنَّ الكرامة إذا ذَهبت لا تَعود .

وسوم: العدد 953