يوسف القرضاوي كما رأيته أوّل مرّة

شهدت، وأنا طالب في الجامعة بالجزائر العاصمة 1986-1990، وبالضّبط سنة 1989 -فيما أتذكر-، خطبة الجمعة ليوسف القرضاوي، رحمة الله عليه، بجامع الخلفاء الراشدين بوسط الأبيار، بالعاصمة.

تزامن مجيئه للجزائر يومها، مع صدور كتاب "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، وقرار الخميني بإهدار دمه.

ممّا قاله  يوسف القرضاوي، وأتذكره جيّدا، وأكاد أحفظه عن ظهر قلب، وأنقله الآن بالمعنى ومن ذاكرتي، وليس حرفيا:

سألني الكثير: لماذا لم ترد على سلمان رشدي بالبيّنة، وبكتاب كما فعل هو؟

قال: نردّ بالبيّنة لو كان الكتاب يحمل بيّنات وأدلّة، أمّا "آيات شيطانية"، فكلّها كذب وزور وبهتان وشتائم. ثمّ أضاف: هذا رجل يشتم ويسب أمّك، كيف تردّ بالبيّنة على من يشتم أمّك، وأمّهات المؤمنين؟.

لاأتذكر جيّدا أنّه تحدّث عن قرار الخميني بهدر دم سلمان رشدي، لكن فهمت -يومها- وأنا شاب في 23 سنة من عمري، أنّه يوافق الخميني في هدر دم صاحب "آيات شيطانية".

مازل صاحب الأسطر، وهو في 56 سنة من عمره ونصف، يرى أنّ يوسف القرضاوي وقف -يومها- إلى جنب الخميني في هدر دم صاحب "الآيات الشيطانية". وما زالت الأيّام تؤكّد صدق فراسته، وما ذهب إليه الشاب يومها، وذو الشيب حاليا. ويبقى هذا الرأي استنتاج شخصي، نابع عن تجربة، وقد يصيب فيه صاحبه وقد يخطىء.   

رأيت يوسف القرضاوي مرّتين رأي العين، وأنا -يومها- طالب بالجامعة:

الأولى: حين ألقى محاضرة بقاعة ابن خلدون بقلب العاصمة. وبعد الانتهاء، طلبت من المكلّف بتسجيل المحاضرة، أن يمنحني نسخة من المحاضرة، ووضعت تحت تصرّفه شريطا جديدا، باعتبار الشريط السّمعي يومها كان موضة العصر. ووعدني بالتسجيل، ومن يومها لم أره.

والثّانية: خطبة الجمعة بجامع الأبيار .وتابعت الخطبة من خارج المسجد، وبقيت طيلة الخطبة واقفا، لأتمكّن من تسجيل الخطبة، لأنّي في هذه المرّة حملت معي المذياع الذي يضم شريط التسجيل، وقمت بتسجيل المحاضرة. ويبدو أنّ شريط التسجيل قد ضاع، أو أهمل.

الملاحظة الأولى التي لفتت انتباهي، حين رأيت القرضاوي لأوّل مرّة رأي العين، هو: البنية الجسدية الهائلة، والكاملة، والقويّة، والمتناسقة. والتي تعبّر بحقّ عن بنية المصريين الجسدية، وجذورها الفرعونية، -إذا صحّت نظرتي-.

والملاحظة الثّانية، هي: الجودة العالية، والعالية جدّا لقماش عباءته. فهي من النوع الغالي جدّا والرّفيع جدّا. وحدّثني سنة 2006، إخواننا المصريين حفظهم الله ورعاهم، حين زرت مصر، أنّ القماش -ومن النوع الذي يلبسه يوسف القرضاوي-، هو للأغنياء جدّا، ولا يحلم به الفقير أبدا. وقال لي بائع القماش يومها: لا داعي أن تسأل عنه، فإنّه فوق أحلامك وقدراتك، فلا ترهق نفسك في البحث عنه.

والملاحظة الثّالثة، هي الصوت الجهوري ليوسف القرضاوي، بحيث يستطيع أن يخطب في جمع غفير، ودون الاستعانة بمكبّر الصّوت. وتحكّمه في أدوات الخطابة، فهو خطيب أوتي مجامع علم الخطابة، وفنونها، وبغضّ النظر عن مضمونها.

من تأثّر بيوسف القرضاوي لصوته، وخطبه فمعذور في تأثّره، وإعجابه وبغضّ النظر عن نتائج التأثّر التي قد يقبلها هذا، أو يرفضها ذاك.

وسوم: العدد 1000