ابن كثير... حياته وعصره.. وآثاره

أبو الحسن الجمّال

أبو الحسن الجمّال

أفلت الثقافة والمعرفة في المشرق الإسلامي في بغداد، ومدن فارس: نيسابور، وطوس، والرى، ومرو، وغيرها، بعد اجتياح التتار لهذه البلاد في القرنين السادس والسابع الهجريين، إلى أن تم الاستيلاء على بغداد وتدميرها عام 656هـ ، وبذلك انتهت الحضارة الزاهرة التي عمرت فيها أكثر من خمسة قرون، وتزامن هذا ظهور دولة المماليك البحرية بمصر، ثم ضمت إليها سوريا والجزيرة العربية بعد هزيمتهم للتتار في موقعة عين جالوت عام 658هـ، عندئذ ولى الجميع شطرهم  إلى عواصم المماليك الثقافية كالقاهرة ودمشق التي نشأ فيها علامتنا ابن كثير – صاحب هذه الدراسة – وفى هذه المدن ازدهرت الثقافة في كافة التخصصات في: الأدب، والتاريخ، والعلوم الإسلامية ، ثم هجرة العلماء إلى دمشق هرباً من طغيان التتار، ومن المغرب العربي والأندلس نتيجة تساقط الأصقاع الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، وهذا أدى دوراً كبيراً في إثراء المكتبات بالشام بالكتب التي يجلبٌونها معهم، مما أغنى الباحثين عن الرحلة إلى مناطق بعيدة خارج المملكة، كل هذه العوامل والمؤثرات ساعدت في موسوعية ابن كثير وجعلته يتبوأ مكاناً مرموقاً بين المصنفين في أكثر من مجال في تاريخ الثقافة الإسلامية.

حياته وتعلمه:

    هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الخطيب أبى حفص شهاب الدين عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي الدمشقي الشافعي، ولد عام 700هـ أو بعده بيسير، في مجيدل من أعمال بصري من حوران، من عائلة علمية عريقة  ، كان أبوه من العلماء الفقهاء، فقد رحل وهو في الثالثة عام 703هـ ، فقدم الشام مع أخيه كمال الدين عبد الوهاب سنه 706هـ الذي اعتنى به وكفله وكان بمثابة الأب له  وقد توفى أخاه عام 750هـ، تعلم بدمشق  وسمع من كبار علمائها في ذلك الوقت أمثال: برهان الدين الفزارى ت 729هـ، وعيسي بن المطعم والكمال بن قاضى شهبه، و ابن الشحنة، والقاسم بن عساكر، واسحق والآمدي، وأكثر السماع من الحافظ أبى الحجاج المزي ت 742هـ لازمه وصاهره وقرأ عليه كتابه الضخم "تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، والحافظ شمس الدين الذهبي ت 748هـ، وشيخ الإسلام ابن تيمية 728هـ الذي افتتن بحبه وكانت له خصوصية به ومناضلة عنه وإتباع  له في كثير من آرائه وكان يفتى برأيه في مسألة الطلاق وامتحن بسببه، قرأ الأصول على الأصفهاني وأجاز له من مصر: الدبوسى، والواني، والختنى، وغيرهم، كما أخذ عنه حفاظ مشاهير مثل أحمد بن حجي الذي قال فيه: "أحفظ من أدركتاه لمتون الأحاديث, اعرفهم بجرحها وتعديلها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك، وما اعرف أنى اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه " ومنهم برهان الدين الزركشي، والحافظ زين العراقي وسراج الدين البلقينى وغيرهم ....

مؤلفاته:

  أثرى ابن كثير المكتبة العربية بالعديد من المصنفات التي تدل على تضلعه ورفعة  منهجه النقدي الذي اتسع لمجالات عدة في التفسير وعلوم القرآن والتاريخ والحديث كل هذه العلوم برع فيها وصار العمدة الذي يهرع إليه الدارسين من كمل صوب، بعدما أجيز للتصنيف والتدريس ومن مصنفاته:

1-              "تفسير القرآن العظيم" في أربعة مجلدات طبعت أكثر من مرة .

2-              "البداية والنهاية" في التاريخ في ستة عشر جزء طبع أكثر من مرة .  

3-     "التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل "  طبع أخيراً .

4-     الهدى والسنن في أحاديث المسانيد والسنن" وهو المعروف بـ "جامع المسانيد" مخطوط .

5-     "طبقات الشافعية" في مجلد وسط ومعه مناقب الشافعي وهو مخطوط

6-     "شرح صحيح البخاري" لم يتمه وهو مخطوط .

7-     "اختصار علوم الحديث" لابن الصلاح طبع كثيراً بتحقيق وشرح أحمد شاكر.

8-     "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم".

وفاته:

   بعد رحلة امتدت حوالي خمسة وسبعون عاماً من الجهد المتواصل في خدمة العلم ، رحل ابن كثير في شعبان 774هـ ، وكان قد أضر في أواخر حياته ، وقد رثاه بعض طلبته بقوله :-

     لفقدك طلاب العلوم تأســـفوا            وجاءوا بدمع لا يبيد غزير

     وقد مزجوا ماء المدامع بالدما               لكان قليلا فيك يا بن كثير                                   

              

                 ابن كثير مفسراً

   يعرّف أبو حيان النحوي ت754هـ  التفسير في كتابه "البحر المحيط "  بأنه: "علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي عليها حالة التركيب" وقد بدء تفسير القرآن منذ عهد الصحابة وتطور الأمر وتنوع، فظهر التفسير الفقهي، والأدبي والتفسير العقلي، والتفسير بالمأثور أو التفسير النقلى وهو تفسير القرآن بما جاء في القرآن نفسه من تبيان لبعض آياته، وبما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين، وقد كان هذا النوع من التفاسير أولها ظهوراً، كما تدرج خلال تطور هذا العلم من الرواية في عصر الصحابة والتابعين إلى التدوين في القرن الثاني، لأن الحديث أول ما أهتم العلماء بتدوينه، ثم  لمّا انفصل التفسير عن الحديث وأفرد بتأليف خاص، كان أول ما ظهر فيه صحيفة على بن أبى طلحة عن ابن عباس، ثم ظهرت أجزاء في التفسير كجزء أبى روق، وأجزاء محمد بن ثور عن ابن جريج، ثم ظهر التأليف الموسوعي في التفسير الذي جمع فيه أصحابه كل ما روى من التفسير المأثور  ومن أشهر هم ابن جرير الطبري وتوسع أصحاب هذه التفاسير في النقل وأكثروا منه بالأسانيد المتصلة حتى استفاض، ثم وجدوا بعد ذلك أقوام دونوا التفسير بالمأثور دون ذكر الأسانيد، وأكثروا من نقل الأقوال بدون التفرقة بين الصحيح وغيره، مما أفقد الثقة فيها، وبخاصة المنسوبة لابن عباس وعلى بن أبى طالب، حتى نقل عن الشافعي بقوله: "لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث"، وهو عدد لا يكاد يذكر أمام ما يروى عن ابن عباس في التفسير ، وهذا يدل على مبلغ ما دخل في التفسير بالمأثور من الروايات الموضوعة والإسرائيليات ، ولقد كانت كثرة المرويات أكبر عامل في صرف همة العلماء إلى البحث والتمحيص  والنقد والتعديل والتجريح ، وترجع أسباب الضعف في رواية التفسير بالمأثور إلى كثرة الوضع ودخول الإسرائيليات، أما الوضع فقد كان مصدره أهل البدع والأهواء والفرق والأقوام الذين دخلوا الإسلام ظاهراُ، وهم يبطنون الكفر بقصد الكيد له وتضليل أهله ، فوضعوا الروايات الباطلة في تفسير القرآن  ليصلوا إلى أغراضهم، فكثرت الروايات ، وضمنوا مؤلفو التفاسير هذه الروايات دون تحر  منهم لصحة أسانيدها، لأن منهجهم في التأليف كان إيراد كل ما ورد من الروايات في الآية الواحدة تاركين أمر تمحيصها لثقافة القارئ، ولقد بذل المحدثون في هذه الفترة جهوداً جبارة في مقاومة الوضع ، وتمييز الصحيح من الروايات عن غيره.

    برع ابن كثير في التفسير بالمأثور، فهو قد أمتلك أدوات المفسر فهو الحافظ للحديث بعاليه ونازله، عالماً بالرجال وخبيراً بعلم الجرح والتعديل، عالماً بعلوم العربية وتفوقه في الفقه والتاريخ ، فهو كان موسوعي الثقافة ، فقد دخل المجال بالتدريس والتصنيف ، وكتابه "تفسير القرآن العظيم" شاهد عظيم على تفوقه وبلوغه مكانة في هذا المجال، وهو أشهر ما دوّن في التفسير بالمأثور، ويعتبر من هذه الناحية الكتاب الثاني بعد كتاب ابن جرير الطبري ت 310هـ اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسري السلف ، ففسر كتاب الله بالأحاديث والآثار مسنداً إلى أصحابها مع الكلام عما يحتاج إليه جرحاً وتعديلاً ومنهجه في التفسير يجمل كالآتي:

1-              تفسير الآية بعبارة سهلة موجزة.

2-              توضيح الآية بآية أخرى ذكرها وقارن بين الاثنين حتى يتبين المعني ويظهر المراد.

وهذا النوع يسمى تفسير القرآن بالقرآن وهذا الكتاب أكثر ما عرف من كتب التفسير سرداً للآيات المتناسبة في المعنى الواحد .

3-سرد الأحاديث المتعلقة بالآية سنداً ومتناً وتخريجاً ومدى ضعفها وصحتها.

4- ذكر أقوال الصحابة والتابعين وآثار السلف.

5- ترجيح بعض الأقوال على بعض ، ويضعف بعض الروايات ويصحح البعض الآخر بصفته حافظاً حجة للأحاديث النبوية وعارفاً بتاريخ الرجال.

طريقة ابن كثير في ترتيب الكتاب وعرض موضوعاته:

لم يسلك ابن كثير منهجا منظما مرتباً يلزمه عند كل سورة، بل نهج نهجاً متشابكاً فيما يتصل بتفسير الآيات لغة ومضموناً ونظماً واستدلالاً بالآثار ، وعلى العموم فإنه يبدأ في كل سورة ببيان فضلها ومكان نزولها ثم بيان عدد آياتها وربما كلماتها وحروفها ونحو ذلك من الإحصائيات الطريفة التي يمتاز بها هذا السفر الجليل حتى نقل مثلاً أن سورة البقرة تشتمل على ألف خبر وألف أمر وألف نهي لا شك أن هذا النوع من الإحصائيات يدل على جهد خارق لخدمة القرآن الكريم وإن لم يكن من صميم التفسير.

 (1) علوم التفسير عبد الله شحاتة ص 187

   وبعد المقدمات يبدأ في تفسير السورة كل مجموع من الآيات على حدة أو كل آيتين حسب السياق وهو كما سبق يميل إلى تفسير القرآن بالقرآن ويميل إلى عرض الأحاديث والآثار في طول زائد ، وكثيراً ما يعرض لأراء المفسرين المعروفين مبيناً وجهة نظرهم في الموضوع مناقشاً لهم كلما  وجد حاجة للمناقشة وكان لابن جرير الطبري النصيب الأوفى من ذلك ، حيث نجد ابن كثير قد اعتمد على تفسير الطبري اعتماداً ولكنه اعتماد رجل ألمعي يستفيد ويعترض ويناقش ولم يعن ابن كثير ببيان إعجاز القرآن أو أسرار الترتيب والنظم بل يتميز الكشاف عليه في هذه الظاهرة .

(2) عبدا لله شحاتة مرجع سابق 188 .

   وقد اعتنى ابن كثير بأخبار الأنبياء والمرسلين وما يتصل بهم فأورد كثيراً من قصصهم على نحو ما نجد في قصة آدم  ونوح وإبراهيم وموسى ويوسف ومريم وقصص عاد وثمود ومدين ولوط وقصص أصحاب الجنتين والكهف وذي القرنين وغيرهم.

 (3) مرجع سابق 188  

 موقفه من الأحاديث :

ابن كثير مفسر محدث، وتمكنه من صناعة الحديث جعله يقبل الأحاديث الصحيحة وينبه على غير الصحيح، وهذه ظاهرة مميزة لهذا التفسير السلفي الضخم، فالبرغم من اعتماد ابن كثير اعتماداً كلياً على النصوص والآثار في تفسيره، لكنه لا يوردها على علاتها بل يبين ما فيها من صحة أو حسن أو ضعف أو غرابة أو نحو ذلك ، وهذه الظاهرة مما تميز هذا التفسير وتشهد لصاحبه بكثرة معلوماته وتنوع معارفه وتمكنه من النقد العلمي المنهجي ومن نماذج ذلك ما تجده في تفسيره لسورة الإسراء فقد أورد أحاديث الإسراء ونبه على ما في بعضها من غرابة ونكارة واضطراب.

(4) عبد الله شحاتة مرجع سابق 188، وتفسير ابن كثير ج 3 ص 3،7،19، 2 

موقفه من المباحث الكلامية:

السمة البارزة لتفسير ابن كثير أنه تفسير بالمأثور، ولم يتعرض تعرضاً ظاهراً للمباحث الكلامية التي شغل بها الزمخشري المعتزلى، والفخر الرازي السني، بل تجنب ابن كثير الخوض في مسائل العقيدة مثل مسائل القضاء والقدر، والخير والشر، والمنزلة بين المنزلتين، والتحسين والتقبيح العقليين، ومسألة العدل الألهى، ومسالة إعطاء الثواب وهل يلزم إعطاؤه بالعمل كما هو رأى المعتزلة، أم يجوز إعطاؤه ولو دون عمل أو حجبه عن العبد ولو مع العمل كما هو رأى الأشاعرة من المتكلمين وغير ذلك من المباحث الكلامية التي حفلت بها كتب التفسير والتي وردت عند تفسير العديد من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: "من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً".

(5) سابق 189.

أسباب النزول:  

يعنى ابن كثير بأسباب النزول، لن تفسيره سلفي مهتم بالمأثور، وأسباب النزول توضح القصة أو الحادثة التي نزلت الآية بِشأنها. ويقول الواحدى النيسابورى : " لا يمكن فهم الآية دون الوقوف على قصتها " ، فأسباب النزول تبين الجو الإجتماعى وتذكر الأحداث التي سبقت نزول القرآن وبذلك تعين علي فهم الآية ومعرفة تفسيرها ..

(6) مرجع سابق ص 191

الأحكام الفقهية:

يتعرض ابن كثير في أثناء تفسيره لأراء الفقهاء في المسائل الفرعية كلما سنحت الفرصة لذلك وقد يعقب ببيان رأيه في الموضوع ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره في مسألة جواز أكل الصيد إذا قتله الكلب بثقلة ومسألة حد المحارب وحد السارق والقصاص في الجراح ووقت النحر بمني ومسألة غسل القدمين في الوضوء .

(7) مرجع سابق ص191

موقفه من الإسرائيليات:

اتسم منهج ابن كثير بحاسة نقدية رفيعة سواء في تفسيره أم تاريخه، وكانت كتب التفسير السالفة له مملوءة بالإسرائيليات والمنكرات حتى يظن الرجل العادي أنها من أصول الدين وقد قسم الإسرائيليات إلى ثلاثة أنواع:

1-              ما علمت صحته مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.

2-              مما علم كذبه مما عندنا في الإسلام فهو مرفوض.

3-              مما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته على سبيل الطرافة، لا سبيل العلم.

هذا وقد وقف ابن كثير من التفسير بالرأي موقفاً مخالفاً جرياً على آراء سابقيه أمثال ابن جرير إلى الحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعداً من النار"، واستند أيضاً إلى مقولة الصديق أبى بكر – رضي الله عنه – حينما قال: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب ما لا أعلم".

ومصادر هذا التفسير من القرآن، والسنة، والتفاسير السابقة له، وغيرهم ممن تقدموه.

 وفى النهاية نقول أن هذا التفسير قد استفاد منه الخاصة والعامة على السواء ولفرط إعجاب الباحثين به حقق واختصر أكثر من مرة  ومن أشهر من اختصروه:

1-              الشيخ أحمد محمد شاكر: في "عمدة التفاسير في اختصار تفسير ابن كثير".

2-              الشيخ محمد على الصابوني: في "مختصر تفسير ابن كثير".

3-              الشيخ محمد نسيب الرفاعى: في "تيسير العلى القدير لاختصار تفسير ابن كثير".

     

                               ابن كثير مؤرخاً

 برع ابن كثير أيضاً في مجال التاريخ وشارك فيه بكتابه البداية والنهاية وفيه يؤرخ منذ بدء الخلق وحتى المنتهى حيث الحساب والجزاء ، ويمكن تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام:

1-     القسم الأول: يتناول ما قبل الإسلام منذ بدء الخليقة من خلق السموات والأرض والعرش والكرسي والجان وقصص الأنبياء من أدم وحتى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.

2-     القسم الثاني: تناول فيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخباره وغزواته، ثم ذكر تاريخ الخلفاء الراشدين وفتوحاتهم، وجعل يتتبع تاريخ المسلمين بعد ذلك في الدولة الأموية والدولة العباسية في بغداد وحتى سقوطها عام 656هـ ثم يؤرخ للمماليك البحرية ونقلهم الخلافة بالقاهرة في عهد السلطان بيبرس البندقدارى سنة 660هـ وجعل يدون أخبارهم  حتى وفاته سنة 774هـ ، هذا ما قاله السخاوى ت 902هـ في كتابه "الذيل التام على دول الإسلام"، بيد أن جميع النسخ التي بأيدينا فتنتهي إلى عام 767هـ.

3-     أما في القسم الثالث: فيتناول علامات الساعة وذكر الموقف والحشر وصفات، وهذا ما تحدث عنه في الجزأين الأخيرين من كتابه وهما تحت عنوان "الفتن والملاحم " يذكر فيهما إشارات الساعة الصغرى وهى ما تنبأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها ما تحقق حدوثه، وما لم يتحقق، أما العلامات الكبرى كالمسيخ الدجال، ونزول المسيح، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من المغرب أيضاً ، فيذكر البعث والنشور وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين وصفة النار وصفة الجنة.

مصادره:

تتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية وخصوصاً في قصص الأنبياء وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما يأخذ عن: الطبري، وابن الأثير، وابن الجوزى، والبزالى، وابن الساعي، وابن خلكان، والكازرونى، واليونينى، والجزري، وأبى الفداء، وابن يونس المصري، وهو في ذلك جمّاعة حسن الانتقاء والتنظيم والعرض وقد وصفه السخاوى بصدق اللهجة والكمال، واعتمد فيما بين القرنين السابع والثامن علي ما انتقاه من تاريخ البرزالى ونص على ذلك سنة 738هـ

منهجه: المنهج عند ابن كثير تقليدي يعتمد على الآتي:

1-     التعويل على الروايات: عول ابن كثير على الروايات ذاكراً إياها في مواضع كثيرة من أجزاء كتابه، سارداً لها وفى النهاية يوضح ويرجح رأياً على آخر، ويكثر من هذه الروايات في تأريخه لمبدأ الخلق وسير الأنبياء، حيث يعتمد اعتماداً كلياً على القرآن الكريم فبالتالي يسرد جميع الآيات التي تتعلق بالحدث، ثم كل الأحاديث مع توضيح درجة صحتها ثم جميع الآراء والآثار التي قيلت في هذا الحدث، حتى الآراء المتناقضة وفى النهاية يرجح أحسنها وأفضلها، وتميز ابن كثير في هذا الموضوع عن سابقيه من مؤرخي التاريخ الإسلامي العام كالطبري الذي الأخبار على عهدة رواتها وعرضها عرضاً موضوعياً محايداً، وعزا كل رواية إلى صاحبها ولم يقتصر على ما يوافق فكره أو رأيه ولم يعلق بترجيح أو تفنيد أو إبطال وكان صاحبنا على النقيض من ذلك يفند الآراء بما حباه الله من قوة نقدية دقيقة، وأيضاً الاستقرار وضبط المنهج التاريخي في عهد ابن كثير، وكان الطبري يسند الخبر بنفسه، أما ابن كثير فكان يعتمد على مؤرخي من سبقوه لبعد الفترة التاريخية بينه وبين الأحداث.

2-     الحرس على السند: كان ابن كثير يحرص على السند لأنه محدث، كان يذكر في كل حادثة ما قيل فيها من روايات، ويذكر سند كل رواية موصولاً إلى صاحبه على طريقة علماء الحديث، فإذا نقل من كتاب ذكر اسم مؤلفه مثل: قال الكلبي، قال ابن جرير، قال الواقدي ... ألخ، وهذه الطريقة نجدها في الأجزاء الأولى من كتابه كقصص الأنبياء وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين، ولكن تقل في الأجزاء، فمرة يذكر الخبر مع عزوه إلى صاحبه فقط، أو الكتاب فقط أو ذكره مجرداً.

3-     نظام السنين: في القسم الأول من الكتاب الخاص بما قبل الإسلام عرض الحوادث غير مرتبة على حسب السنين، إذ كان ذلك غير مستطاع ، فبدأ بالخليقة ثم بالأنبياء وما في عهدهم من أحداث ثم بالملوك الذين عاصروهم ، وتاريخ بني إسرائيل وبعض الأمم الأخرى حتى ظهور الإسلام.

 وفى القسم الخاص بالإسلام وما بعده راعي ترتيب الحوادث ترتيباً زمنياً عاماً بعد عام منذ الهجرة وحتى عام 774هـ ، فيذكر في كل سنة ما وقع من حوادث تستحق الذكر، ذاكراً في كل نهاية سنة وفيات الأعيان والمشاهير الأعلام من الخلفاء والوزراء والفقهاء والأدباء والمحدثين والمتصوفة وبعض العامة، وهذه الطريقة هي طريقة الحوليات المعتمدة على توقيت الأحداث بالسنين والأيام ، وهذا ضابط انفرد به مؤرخو المسلمين عن نظرائهم من اليونان والرومان وأوربا والعصور الوسطى، قال المؤرخ الإنجليز (بسكال): "إن التوقيت على هذا النحو لم يعرف في أرويا قبل عام 1597م".

 وهذه الطريقة لها عيوب لأنها لا تتسم بالتحليل والعمق للحدث التاريخي مبيناً مقدماته ونتائجه مثلما نرى الآن في العصر الحديث.

  وثمة عيوب نأخذها على هذا التأريخ ومعظم تواريخ العصور الوسطي في أنها اهتمت اهتماماً كبيراً بالتاريخ السياسي للخلفاء والوزراء والعلماء ونسيت الشعب والتاريخ الإجتماعى له فلو هم ّ باحث الآن لدراسة التاريخ الإجتماعى والإقتصادى لحقبة زمنية في التاريخ الإسلامي المبكر لعاني الجهد والمشقة ولقرأ مراجع جمة في سبيل بحث صغير وعذرهم في عنايتهم بتاريخ الملوك أنهم المسيطرون على الشعوب ولم تكن للشعوب ولا الرأي العام صوت الثامن عشر، وبعض الكتب سجلت بعض عادات الشعوب وعقائدها وأديانها ونظمها الاجتماعية كالمسعودي، وكتب الرحالة كابن بطوطة، وابن جبير، ومؤرخي العصر المملوكي كالقلقشندى، وابن خلدون، والمقريزي، وغيرهم .......                   

  المراجـــع :

مؤلفات ابن كثير:

البداية والنهاية ، تحقيق محمد عبدالعزيز النجار، دار الغد العربي 1414هـ

تفسير القرآن العظيم ، دار إحياء الكتب العربية د .ت

الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، تحقيق محمد على الحلبي ، دار الفتح بالشارقة  1419/1999م .

الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث،  شرح وتحقيق احمد محمد شاكر ، دار التراث د.ت.

 الاجتهاد في طلب الجهاد، تحقيق محمد زينهم ،دار الرشاد 1413/1993

مراجع أخرى:

ابن تغرى بردى،

النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، طبعة مصورة عن دار الكتب، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2008.

المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ج 2 رقم الترجمة 444، تحقيق محمد أمين، سعيد عبد الفتاح عاشور، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984.

ابن حجر العسقلاني

الدرر الكامنة في أعلام المائة الثامنة، حيدر آباد الدكن بالهند

إنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق حسن حبشي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1973م.   

بروكلمان ، كارل

تاريخ الأدب العربي ، ترجمة محمود فهمي حجازي ، وآخرون .ج 6 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

شاكر مصطفى

التاريخ العربي والمؤرخون  ، مجلد 4 دار العلم للملايين

حاجى خليفة :

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون  ، المجلد الأول ، طبعة استانبول .

أحمد محمد شاكر ، عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير ، دار المعارف 1956م

عبدالله شحاتة ، علوم التفسير ، مكتبة نهضة الشرق 1986م

الذهبي ، محمد حسين ، التفسير والمفسرون 

الحوفى، احمد محمد ، الطبري ، سلسلة أعلام العرب 13 المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر 1382/1963

 محمد عبدا لغنى حسن ، علم التاريخ عند المسلمين ، مؤسسة المطبوعات الحديثة 1961م

محمد يوسف موسى ، ابن تيمية ، سلسلة أعلام العرب 5 ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والطباعة والنشر 1281/1962.

السيوطي ، جلال الدين عبدالرحمن بن أبى بكر ت 911هـ:

الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الطباعة المحمدية  

طبقات المفسرين  ، تحقيق على محمد عمر ، مكتبة وهبه

ذيل طبقات الحفاظ

الداودى ، محمد بن على بن أحمد ت 945هـ

طبقات المفسرين ، تحقيق على محمد عمر ، مكتبة وهبه