الشهيد القائد الدكتور عبد الستار الزعيم

(1947- 1979م)

clip_image001_573f7.jpg

 

محطات في ملحمة حماه

أسفرت نتائج ثورة جامع السلطان في حماة عن مقتل حوالي سبعمئة قتيل من الجيش، وكان عدد القتلى من الشعب، أقل من عشر هذا العدد. نحسبهم شهداء عند الله تعالى.

أما من الناحية المعنوية؛ فقد عبأت هذه الحرب الروح الجهادية، لا في المدينة وحدها، بل شملت الجيل الإسلامي في سورية كلها.

محاكمة مروان:

الإعلام السوري ينال جائزة غنيس بالكذب، في زمان حزب البعث، فقد جلبوا أسلحة لم نسمع بها، وصوروها أمام مروان وصحبه على أنها أسلحة (الدمار الشامل) ومن غباء هذا النظام أنه صور مخالفات شرعية مع هذه الصور، ليشينوا سمعة الثورة ورجالاتها وشبابها.

كان هذا مقدمة لمحاكمات (بعثية) ولك أن تتصور من كذب السلطة ما تشاء.

• لماذا قمتم بالثورة؟

♦ لأنكم أعداء الله والوطن.

• أعداء الله، نعم فالدين كبت وعقد نفسية، أما الوطن؛ فنحن حكامه فكيف نكون أعداءه؟

♦ أنتم أعداء الله، ومن كان عدواً لله، فهو عدو الحياة، والناس والوطن...

• كيف تقول هذا الكلام وأنت مقيد بالحديد يا مروان حديد؟

♦ إذا كان أجلي بيدك خذه، أنا لا أريده.

• اخرس يا...كيف تشربون الخمر وأنتم تقاتلون؟

♦ نحن لا نشرب الخمر.

• وهذه الصور التي التقطت لكم؟

♦ هذه من أكاذيبكم.

• اخرس حكمت عليكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.

الوساطة:

حكمت المحكمة على مروان وسبعة عشر من إخوانه كانوا معه بالإعدام، فاستبشروا بالفوز بالشهادة، وصار يهنئ بعضهم بعضاً، ولبس مروان الكفن الأبيض، وساد في المدينة جو مكهرب، على أثر ذلك توسط شيخ حماة محمد الحامد سقاه الله شآبيب رحمته ورضوانه، ولما ذهب الشيخ إلى دمشق، ورأى أمين الحافظ وعلى جنبيه مسدسان، صرخ فيه ملوحاً بعكازته، وتلبس خاتماً من الذهب يا عدو الله، ولحق به ليضربه بالعكازة، فعرف أمين حافظ من هذا الذي يقابله، ووقعت هيبته في قلبه، فما كان منه إلا أن لاطف الشيخ، وأمر بإلغاء الحكم فوراً.

ولما نقل إلى مروان وصحبه إلغاء الحكم تأثروا، وصار بعضهم يبكي، ويقول: حرمنا الشهادة في سبيل الله.

اقتيد مروان إلى سجن تدمر، فألف كتيباً سماه (صفات المؤمنين في القرآن الكريم) ولم أقف على هذا الكتاب، وربما كان عنوان الكتاب فكرة لم تنفذ، وبعد مدة أفرج عنه فعاد إلى بلده ليتابع مسيرته الجهادية.

مروان والعمل الفدائي:

علا نجم العمل الفدائي بعد معركة الكرامة 21 /3 /1969، وقد أبلى الجناح العسكري الإسلامي في فتح بلاء مجيداً في هذه المعركة، وعلى رأس الجناح الإسلامي عبد العزيز العلي قتل فيها من العدو الإسرائيلي أكثر مما قتل في حرب إسرائيل مع العرب منذ عام 1948 على مدار عشرين عاماً المنصرمة.

بعد تلك المعركة، قرر مروان تدريب إخوانه لمتابعة الطريق.

نواة العمل القتالي:

كان الرصيد العسكري للجماعة الإسلامية في الجيش السوري يزداد سوءاً بتصفيات متلاحقة، فرأى مروان أن يربي القوة القتالية، وأن ينميها، انطلاقاً من القاعدة، حتى تصل إلى الرأس، وسار في هذا الطريق.

أيلول الأسود في الأردن 1970:

بعد معركة الكرامة، فتح ياسر عرفات باب الدخول في منظمة فتح على مصراعيه، فدخلت مع الناس أوشاب خليط مزيج مشبوهون نراهم الآن في السلطة، صاروا ذراع إسرائيل باعوا القضية في أوسلو فيما بعد...

لقد كانت فتح نظيفة، ثم تحولت بين عشية وضحاها من.... إلى من هذه الممارسات أن العنصر الفدائي أصبح جابياً في عمان، جابياً بالقوة، يدخل على المتجر ويقول لصاحبه: ادفع.

ضاق الأردنيون ذرعاً (بالنشامى) مدعي تحرير فلسطين والقدس في عمان، وشكَوا إلى الملك حسين، وطبعاً كان يسمع، ويرى، ولكنه كان داهية، حتى إذا بلغ السيل الزبى جاء أيلول، وكانت الواقعة.

انقسمت القوة الأردنية الفلسطينية إلى لعبة الفرارية والعسكر، التي كنا نلعبها في طفولتنا، إلى فريقين متحاربين، كل دبابة أردنية، كان يقابلها آر بي جي فلسطينية، ولكن المليشيات، غير الجيوش النظامية.

قرعت الأجراس ودارت الدوائر والرابح في هذه الحرب خاسر. عرفات يقول:

خمسة وعشرون ألفاً. والمدققون يقولون: عرفات يميل إلى المبالغة الرقم الواقعي هو بين خمسة إلى ستة آلاف من الطرفين.

بعد أيلول، أبطل العمل الفدائي في الأردن، وتوقف التدريب.

طلب السلطة مروان عام 1971:

استمر مروان في سورية يدرب إخوانه إلى أن طلبته السلطة، فتوارى عن الأنظار واستقر في دمشق، واستمر قرابة ثلاث سنوات يتنقل في من بيت لآخر، ومن منطقة لأخرى حتى استقر في حي العدوي.

تكليف د. الزعيم بالإشراف على التدريب:

وكل مروان إلى الدكتور عبد الستار الزعيم مهمة الإشراف على تدريب إخوانه في مناطق يتم الاتفاق على تحديدها، وقد كان التدريب في جبال لبنان في فصل الشتاء في الثلج، تنبَّهت السلطة لهذا الموضوع، فركزت قبضتها على لبنان، حتى لا يكون معسكراً للجماعة الإسلامية.

إلقاء القبض على مروان عام 1975:

كانت أسراب الشباب تذهب، وتجيء إلى بيت مروان، وكان بعضهم بثيابه الملفتة للنظر، مما استرعى انتباه المخابرات، فأحاطوا بالمكان، واحتدمت المعركة من الصباح إلى المساء، واستطاعت السلطة أن تقبض على مروان حياً، ثم رأت أن تتخلص منه، فأعطي حقنة السم البطيء، وحقنة ثانية تشل حركة المعدة. وكان وزنه حوالي مئة وعشرين كغ، فأصبح ما يقارب ثلاثين.

وحينما استشهد وجد تحت وسادته قطعة من الصابون حفر عليها بظفره:

(أرجو من إخواني أن يكونوا عند أمر الله ونهيه في معاملة أعدائه).

فمن هو عبد الستار الزعيم ؟؟

هو القائد الثاني للطليعة المقاتلة في سورية .

خلف الشهيد مروان حديد، وانتقم من قاتليه، وهو من فجر الثورة المسلحة في سورية .

المولد والنشأة :

ولد أبو حفص في مدينة حماة في وسط سورية عام 1947م .ونشأ في أسرة محافظة تحب العلم وتحترم العلماء .

دراسته :

تلقى العلم في حماة حيث أنهى الابتدائية والإعدادية والثانوية ، ثم درس في كلية الطب، وتخرج طبيباً للأسنان .

ورفض أبو حفص عبد الستار الزعيم عند عودته من مصر أن يفتح عيادة للطب؛ لأنه كان يخشى أن تقيد دعوته، وتقلل من حركته، وكان شعاره : أطلقني في سبيل الله.

جهاده في فلسطين :

انضم البطل إلى قاعدة الشيوخ التي أقيمت في الأردن عام 1969 ...واشترك مع المجاهدين والفدائيين من فتح في عمليات جهادية لعدة سنوات أقضت مضاجع اليهود، ثم توقفت تلك المعارك بعد مذابح أيلول الأسود .

جهاده في سورية :

كان عبد الستار الزعيم تلميذاً باراً بأستاذه مروان حديد ..حيث قام هو، وغالب حداد، وموفق عياش بتدريب المجاهدين في غابات الفرلق فكانوا الذراع الضاربة للشهيد مروان حديد .

عهد إليه بتدريب الشباب على السلاح وبعد اعتقال الشيخ مروان واستشهاده أعلنها الزعيم حرباً على زمرة الفساد والاجرام .

د. الزعيم قائد الجهاد في سورية:

كان الدكتور عبد الستار الزعيم قد تسلم قيادة الخط الجهادي في سورية، في أثناء سجن مروان، ولما عرف أن الرجل حقن بالسم وضع مخططه موضع التنفيذ، فبدأ بقتل الحاكم الطائفي في مدينة حماة محمد غرة في شباط عام 1976 الساعة التاسعة صباحاً، ومروان ما يزال حياً.

ضجت السلطة لمقتل غرة، وذهلت للأسلوب الذي نفذت فيه العملية، كانت الخطة أن يرصد المجرم تحت المراقبة الدقيقة، وهناك من ينفذ وله حماية، وقد وجدت مسامير ثلاثية الرؤوس يظل رأس المسمار المدبب منتصباً في كل حال من أحوال وضعية المسمار، وجدت بعض هذه المسامير، في المسار الذي سلكه المنفذون حتى إذا لاحقتهم سيارات السلطة ثقبت العجل فتقف السيارة، وتكف عن مطاردتهم وعبد الستار الزعيم معروف في صفوف العمل الفدائي الفلسطيني، وقد قال ياسر عرفات (أتمنى أن يكون في قيادة عملنا العسكري أمثال عبد الستار الزعيم).

كان مروان رجل الفكرة، وعبد الستار المنفذ لها، وقد اعتمد في مسيرته الجهادية على خطين: الاستراتيجية، والتكتيك.

الاستراتيجية:

كان الجهاز السري للجماعة القتالية يختار الشخصية المناسبة؛ فقد يكون من أساطين الحكم كالدكتور محمد الفاضل، أو يكون عسكرياً كالعميد عبد الكريم الرزوق، وربما كان من مرتزقة المخابرات ولو برتبة تافهة، ولكنه عرف بتنكيله بالسجناء الإسلاميين....

التكتيك:

بدأ عبد الستار جهاده بعدد قليل من إخوانه، وإمكانيات محدودة متواضعة جداً، إذا قيست بمهمة هذا العمل وخطورته وإنجازاته، كان يتنقل من مدينة إلى أخرى بسيارات الأجرة؛ الباص، مع الركاب، وينفذ فيها المهمة بأدق خطة وأسرع وقت، لما كان يتمتع به من جرأة، ينفذ هدفاً في دمشق، وفي اليوم التالي تتركز هناك جهود المخابرات، فإذا بنبأ يعلن عن تنفيذ هدف جديد في حلب، وبشخصيات من الطائفة نفسها، وفي يوم بعده، تعلن السلطة عن فجيعتها بأحد رؤوسها في اللاذقية، ثم بعده في دير الزور أو الحسكة أو القامشلي، وكانت تلقى تبعة جميع هذه الأعمال على منظمات شتى، وكان طيف الجماعة الإسلامية يستبعد من الاحتمال، حتى كانت حادثة المدفعية.

لقد ابتدأ القائد الفذ ببناء تنظيمه المقاتل باختيار العناصر الواعية المدربة المخلصة ووضع الخطط الواقعية الشديدة الدقة في الخطوات والأهداف .

وابتدأ هذا المزيج الفريد من القادة والعناصر في تنفيذ الخطة محققاً أروع النتائج لكن النواقص فرضت نفسها على القائد الفذ والتنظيم العبقري والخطة الدقيقة والتي كانت خارج السيطرة تماماً، فاربكت التنظيم، وأظهرته فاقد السيطرة على الأحداث.

ولم يأخذ بالحسبان هذا التوسع الانفجاري، ولم يستطع كبحه، فظهرت عملية مدرسة المدفعية، وظهرت تنظيمات تدعي الوصل بالزعيم، وهي لا تحمل المواصفات التي يريدها القائد .

فالشهيد لم يكن موافقاً على مجزرة المدفعية، وكان يضرب رأسه بالحائط عندما سمع بتنفيذ العملية والأخبار تواردت بأن الشهيد عبد الستار حاول جاهداً إقناع المهندس عدنان عقلة بعدم تنفيذ العملية، ولكن دون جدوى، فلم ينفع النصح مع عدنان عقلة .

كان قائداً عبقرياً بكل معنى الكلمة عاش القيادة منهجاً وتكتيكاً وإدارة فكان في عقله خطط وفي دمه بركان، فكان طاقة تشحن همم الشباب من حوله .

منهج القائد عبد الستار الزعيم :

1/ إن العناصر النصيرية التي يقوم عليها النظام يجب أن تدخل في دائرة الخطر لتتخلى الطائفة عن دعم نظام حافظ أسد بل لتفكر في تغييره لأنه أدخلها في دائرة الخطر .

2/ إن عمليات الاغتيال يجب أن توجه إلى رموز الطائفة دون أن يعرف أحد من وراء عمليات الاغتيال .

3/ أن يكون بين العملية والعملية فترة من الزمن تهدأ فيها حركة السلطة على إثر العملية السابقة .

4/ يجب أن نبتعد عن فكرة الاغتيال الجماعي لأن هذا يعطي للسلطة فرصة الانتقام من الشعب .

5/ لا يصح أن تصل المواجهة المكشوفة مع السلطة لأن هذا يؤدي إلى قتل الأبرياء ثم إنه لا قبل لنا بذلك .

6/ لا يصح أن نجند أحداً للعمليات من خارج الدائرة الضيقة، وبذلك تضمن التربية الإسلامية كما يضمن الأمن فلا يخترق صفه .

7/ لا ينبغي أن يتوسع بالتجنيد لأن القدر يحتاجه من المجموعات قليل فخطته تقوم على مبدأ وخز الدبوس وهذه الخطة لا تحتاج إلى مجموعات كثيرة ولكنها كافية لأن تفقد السلطة توازنها في النهاية .

8/ كان يدخل عناصره في مجموعات، ويكلفها بشكل تدريجي في المهام من مراقبة فحماية فقتال ....

وكان يشرف على العمل بنفسه فإن قصر أحد العناصر تولى مهمته بنفسه فأحبه الجميع لأنه كان أمامهم في الصفوف ( إن أردت أن تكون إمامي فكن إمامي ) .

حادثة مدرسة المدفعية عام 1979:

كان النقيب إبراهيم اليوسف قد ميز طلاب مدرسة المدفعية في حلب، فجعل الطلاب النصيريين في المهجع، وأبعد السنيين عن المكان، ثم أمطر المهجع بوابل من الرصاص والقنابل، وكان في المهجع الكثير من صناديق الكازوز، الأمر الذي جعل الشظايا تقتل أكبر عدد منهم. هذه الحادثة، هي التي كشفت هوية العمل الجهادي الذي كان يستهدف رؤوس السلطة، وكان تصرف إبراهيم فردياً دون أمر من القيادة. أدى هذا العمل إلى استنفار كل جهود السلطة لرصد هذه الجماعة، ومعروفة لدى السلطة أسماؤهم وأشخاصهم، وقد اكتشفت أمر معسكراتهم وتدريبهم في الأردن ولبنان...

استشهاد القائد:

كان الشهيد يعمل متخفياً بشكل سري، وكان يتنقل بين الأماكن بسيارات الأجرة وفي مقربة من جسر القطيفة قرب دمشق، أمرت مفرزة المخابرات والشرطة العسكرية بإيقاف الباص الذي كان يستقله عبد الستار الزعيم، وقيل: إن عيون السلطة هي التي رصدت حركة عبد الستار، فقد كان مختبئاً في حماة في خربة، ثم توجه إلى الباص...

وجد القائد نفسه محاطاً بالموت، فلا مناص، فهل يسلم نفسه؟ هل يلقي بيديه إلى من سمم قائده؟ فقال لسان حاله:

وإذا لم يكن من الموت بدٌّ     فمن العجز أن تموت جبانا

دارت معركة رددت صداها أرجاء سورية، ثم استشهد، يرحمه الله تعالى.

وكان ذلك في أيلول 1979.

استشهد، وعمره المبارك ثلاثون سنة .

انتقلت قيادة العمل إلى إخوانه، منهم الشهيد القائد بسام أرنؤوط، كان في حماة يقود سيارة فتجاوز الإشارة الضوئية، وكانت الأجواء في البلد مكهربة، فما كان من الشرطي إلا أن أطلق عليه النار فقتله، ولما عرف من قتل بكى، بمثل هذه البساطة صارت تقتل القيادات المتوالية، منهم فيصل غنامة، كان في حماة، وأمامه عربة يبيع فيها الكعك، ويرصد الضحية، وكان هذه المرة محافظ حماة السني من آل الدباغ، فاكتشفته المخابرات، وقتل يرحمه الله. ثم توقف العمل.

من المسؤول عن نكبة العمل الجهادي؟

رأي يقول: إن السلطة هي السبب، فجهازها كان يرصد كل حركة من حركات مروان وجماعته، وقد تتبعت الخطوط كلها وجمعتها، ثم بدأت برأس القائد مروان، ثم جماعته. ويسود هذا الرأي في الأوساط الدينية غير القيادية.

إن هذا الرأي، ينطبق على مسيرة حركة مروان النظرية، على مسيرة العمل القتالي، فلقد قام هذا العمل بعد مروان، ولم يكن له أي صلة به.

الرأي الثاني، ويمثله الخط الرسمي لقيادة الإخوان يقول: إن مروان لم يعط ولاءه لقيادته في الجماعة، وهذا شق للصف، وإضعاف للقوة.

وفي تصريح لرياض الشقفة مرشد جماعة الإخوان المسلمين في سورية يحفظه الله، في إحدى القنوات الفضائية هذا العام 1432هـ أن مروان فصل من الجماعة بقرار من قيادته، في أثناء حركته القتالية.

أما رأي فكر قادة الطليعة، فقد كان يعد نفسه عصب الدعوة الإسلامية، ورأس الحربة المضحي في سبيلها، والقائم بالجهاد ذروة سنام الإسلام، فيعد دعوى مطالبة الجماعة القتالية بالولاء لها، لا تقوم على أساس، وكان الأولى - حسب رأي القيادة القتالية - أن تعطيها هي ولاءها في ما يتعلق بالعمل القتالي؛ القيادة الأم للعمل التنظيمي والسياسي، وهم للعمل القتالي.

ولما حقق هذا العمل نجاحه الكاسح على يد عبد الستار، جاءت سيول الأموال باسم الإخوان تمد هذا العمل القتالي، فكان أبو عامر عدنان سعد الدين يرحمه الله، يقدمها للمجاهدين وأسر الشهداء والعاملين، وقد التقى بالشهيد عبد الستار - رحمه الله.

أعقب هذه الفترة مضايقات للعمل القتالي من قبل القيادة الأم، وذلك بمنع مستحقاتهم من الأموال التي تتدفق على الجماعة باسم العمل الجهادي، وهم في أمس الحاجة إليه، وكانت القيادة لا تسمح لعناصرها أن تنضم للعمل القتالي، مما دفع بعضهم أن يلتحقوا بهذا العمل ضاربين رأي قيادتهم بعُرض الحائط.

ولما استشهد عبد الستار يرحمه الله، ضعف العمل، واستطاعت القيادة الأم أن تحتوي العمل، لم يكن هذا الاحتواء للمتابعة والاستمرار، بل كان لترشيده.

إذاً؛ فقد كان سبب إخفاق العمل الجهادي مجموعة هذه الاعتبارات، ويمكن حصرها فيما يلي:

1- حادثة مدرسة المدفعية في حلب.

2- قيادة مروان الفردية وعدم دعم قيادته له.

3- محاربة السلطة لهذا العمل.

4- سؤال لابد منه: والسؤال الذي طرح على ساحة التنظير للفكر الجهادي:

لماذا لم يبدأ العمل الجهادي بضرب رأس الهرم لا قاعدته؟

يجيب عن هذا السؤال مروان بقوله (صحيح أننا الآن قلة في عددنا، ولا نملك قوة كبيرة، ولكننا بإذن الله تعالى سنربي جيلاً مقاتلاً يسلب من عدونا السلاح ويحقق أهدافه التي يقاتل من أجلها).

كان مروان يدرس الحركات الثورية في العالم مثل تشي جيفارا وغيره، حيث قامت بعض هذه الحركات التحررية بقلة من الناشطين، وهاجمت بعض المخافر واستولت على أسلحتها واستخدمتها، وهكذا نمت وترعرعت: (سلاحي من عدوي مستفاد).

كان هذا واقع مروان، قلة في الرجال والسلاح وقيادته فصلته، بل أصبحت ضده، لتوجسها من أن يجر على الجماعة ما لا تحتمله من نتائج. ويسوغ مروان بدء عمله في قاعدة الهرم بدل الرأس، ما حصل بمصر، حيث قتل السادات بعد كمب ديفد، فاستبدل شخص بشخص، ولم يسقط النظام.

قبل إلقاء القلم:

على الرغم من فداحة الخسارة في المعسكر الإسلامي، بعد ضرب مدينة حماة، وقتل مروان وعبد الستار وزهرة الشباب الإسلامي في حماة وغيرها من مدن سورية، وما إلى ذلك من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية...

فهناك ما هو أدهى وأمر إذا ما قيس بأمرين اثنين أصيبت بهما الجماعة الإسلامية كلها وهما:

أولاً: نزع الثقة بين الجماعة الإسلامية وقيادتها.

ثانياً: تشتيت رأي القيادة.

 فإذا استطاع العدو تحقيق هذين الهدفين في أي جماعة، استطاع أن يربح القضية كلها، وإن لم يستطع ذلك، فإن هذه القوة تكون قد خسرت جولة، ولم تخسر القضية، ويمكن تصحيح الخطأ، لمتابعة المسيرة، والتصميم على الوصول إلى الهدف، وذلك بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

قالوا عن القائد الشهيد :

قال عنه الأستاذ عدنان سعد الدين : ( أنا أعرف العالم الإسلامي كله من جاكرتا إلى طنجة، ولم تقع عيني على رجل مثل هذا كان رجل تنظيم من مستوى رفيع جداً، وكان يلتقي مع مروان حديد في الشجاعة وحب الاستشهاد .

وقال عنه الشيخ سعيد حوى : ( كان يمتلك تصميماً ندر أن يمتلكه واحد من الناس، وكان ذا شخصية آسرة فهو يمتلك لياقة جسمية عالية كما يمتلك جمالاً أخاذاً ورشاقة وطولاً نسبياً بحيث لا يمكن أن يظنه لناظر إليه أن يقود عملاً جهادياً يضارع فيه نظاماً من أعتى الأنظمة على طريقة حرب العصابات .

وكان الجميع في أول الأمر يحاولون أن يجمدوا حركة عبد الستار الزعيم، ولكن تصميمه كان أكبر من أن يسيطر عليه، فلقد كان عنده استعداد أن ينفذ عملياته بالخنجر والسكين ..

وقال عنه الشهيد أيمن شربجي أمير الطليعة في دمشق:(( ‏‎ لقد كان الأخ عبد الستار قائداً اتصف بوضوح الرؤية كما أنه كان واعياً للأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة مدركاً لكل مخططات السلطة ومراحل تنفيذها لذلك لم يكن ليضيع فرصة دون الاستفادة منها لصالح التنظيم إنه أيقن بعبقريته  الرائعة أن مواجهة النظام الطائفي في سورية المدعوم من قوى الشر والطغيان في العالم لا يتم إلا من خلال التنظيمات السرية المسلحة التي تستعصي على الطغاة ..) .

مواكب الشهداء:

شهيد الأسبوع الرابع من شوال 1399 هـ

شاب في الثلاثين، فيه الذكاء والبطولة والشهامة والفداء والتضحية، والعمل المتواصل، والآفاق البعيدة، والنظر الثاقب، والعقلية الاستراتيجية، والقدرة الفائقة على (التكتيك)، والجرأة الهائلة في العمليات الجهادية، والمهارة التي لا تبارى في التخطيط والتنظيم، والعبقرية الفذة في التنظير السياسي والعسكري، مع قلب أسد، وعيني نسر، وجمال يوسف، وعفة ماء الغمام، وزهد الزهاد، وتقوى الورعين، ونضارة أهل الجنان.

ذلك هو عبد الستار الزعيم شهيد هذا الأسبوع الذي سيعرفه الناس كثيراً، والذي ستكتب فيه آلاف الصفحات، وتعجز عن أن تعطيه حقه، وهو الذي كان أسطورة في بدايته وأسطورة في نهايته.

استشهد صاحب الحياة التي ليس فيها محل إلا لعلم، أو لتدريب، أو لجهاد، حين أتيحت له فرص جهاد. الرجل الذي لأرض فلسطين معه ذكريات، ولسوريا معه حديث لن ينتهي.. الرجل ستعرفه الأمة الإسلامية يوم تقيم أبطالها على أنه جوهرة عقد شهدائها في القرن الرابع عشر الهجري.

لقد استطاع هذا الشاب الناشئ في طاعة الله أن يهتك عقدة الخوف يوم خاف الناس، وأن يقدح شرارة الثأر يوم ماتت المروءات. وأن يحيي روح الاستشهاد بعد أن خَبَتْ عند الكثيرين، وأن يجعل أفظع أنظمة العالم خيانة وإرهاباً يترنح تحت ضرباته الربانية الصاعقة التي أوقفت الطغيان أمام جبل الثبات والتحدي.

إذا كان دم الشهادة وحده أنشودة الحياة

وإذا كان الشهداء هم حُداةُ ركب الجنة

فإن "عبد الستار الزعيم" من سادة الشهداء، لا لأنه استشهد على أروع ما يكون الاستشهاد بل لأنه أطلق آفاق الاستشهاد للملايين في هذا العالم البائس. وسيرى الذين قتلوه، أو فرحوا بقتله، أن هذا الشهيد لم يذهب إلا بعد أن سطر في تاريخ هذا العالم سجلاً طويلاً، سجلاً لملايين الشهداء الميامين الذين سيحطمون كل القيود والأطواق الحديدية، وسيفجرون كل العراقيل، وسيخمدون نار الكفر والطاغوت، وسيجعلون هذا العالم محكوماً بكلمة الإسلام من جديد.

"وإن غداً لناظره قريب"

رحمة الله عليك "أبا حسين" في عِلِّيين، وهنيئاً لك جوار ربك الكريم.

ويا إخوانه الذين ساروا معه لا تجزعوا لفقده.

ويا أعداءه ترقبوا عطاءه، فلقد أنجب (أبو حسين) من بعده ما يغيظكم. وسترون.

إذا مــــات مــنــا ســيــد قـــام ســيـد    ...    قَــؤولٌ كـمـا قــــــــــــــــــــال الـكـرام، فـعول

تَـسـيلُ عـلـى حَـدِّ الـظُّباةِ نـفوسنا    ...    وليست على غير السيوف تسيلُ

وسوم: العدد 674