( النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم )

مما رفع به الله عز وجل من قدر سيد المرسلين وخاتمهم عليه  أفضل الصلاة وأزكى السلام أن جعله أولى بكل مؤمن من نفسه مصداقا لقوله عز من قائل : (( النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم )) . و معنى الآية أنه عليه الصلاة والسلام أشد قربا لكل مؤمن من قرب نفسه ، وهو ما يجعل حبه فوق حب  هذه النفس ،  وهذا حق من حقوقه عليه الصلاة والسلام  على كافة المؤمنين إلى قيام الساعة لحرمته ومكانته عند الله عز وجل.

وهذا المعنى الذي تضمنته الآية الكريمة ،يؤكده الحديث النبوي الشريف الذي نقل لنا ما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال  له هذا الأخير : " لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبيّ ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه " فقال عمر رضي الله عنه : " والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إليّ من نفسي " .

ولا يقتصر مضمون الآية الكريمة والحديث الشريف على مجرد التعبير عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم باللسان فقط بل لا بد من البرهنة على محبته بطاعته كما أمر بذلك  الله عز وجل في محكم التنزيل ، ذلك أن طاعته عليه الصلاة والسلام هي الدليل أو البرهان على محبته ، وعلى قدر طاعته تكون المحبة الواجبة له  .

 ولمّا كانت محبة الإنسان لنفسه فوق محبة كل شيء سواها ، فإنه يحرص على التعبير عن محبتها بأفعال لا بمجرد أقوال ، وبناء على ذلك ، فإن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي يجب أن تكون فوق محبة النفس لأن ذلك شرط من شروط الإيمان ،ولا بد من البرهنة عليها بطاعته عليه الصلاة والسلام، ولا يكفى مجرد ادعاء محبته .

ومعلوم أنه لا يوجد مؤمن لا يدعي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك يلزمه ببينة تتمثل في طاعته عليه الصلاة والسلام، واتخاذه إسوة كما أمر بذلك الله عز وجل في محكم التنزيل .

حديث هذه الجمعة هو استمرار لما مر من أحاديث سابقة بمناسبة حلول ذكرى ميلاده العطرة ، وفيه تذكير بدلالة محبته عليه الصلاة والسلام ، والتي  يجب أن تكون فوق حب المؤمن نفسه  ، وهي شرط تحقق إيمانه كما جاء في حديثه عليه الصلاة والسلام  مع الفاروق رضي الله عنه الذي ارتقى إلى أعلى  درجة الإيمان  بانتقاله  من تفضيل حب النفس إلى  تفضيل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن انتقاله هذا مجرد تعبير باللسان بل كان مصحوبا بأفعال يتأسى  فيها به عليه الصلاة والسلام ، ونفسه راضية بذلك .

والمطلوب من كل مؤمن أن يقدم الدليل الملموس على تفضيل حب الرسول صلى الله عليه وسلم على حب نفسه  بطاعته عليه الصلاة السلام في كل ما يعرض له من أحوال في حياته  بحيث يكون إسوته وقدوته في المنشط والمكره ، وفي الشدة والرخاء ، ذلك أن  مدعي تفضيل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب  نفسه إنما يصدّق  في ادعائه  بالاقتداء به عمليا  . وهل يكون مدعي تفضيل محبته  صلى الله عليه وسلم على محبة نفسه  كذلك وهو لا يطيعه فيما أمر ونهى  ولا يقتدي به ؟  

ولهذا يتعين على كل مؤمن أن يعرف  ويقدر ثمن تفضيل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب النفس .

اللهم اجعل حبنا لرسولك الكريم فوق حب أنفسنا ، واجعله حبا يصدقه اقتداؤنا به عليه الصلاة والسلام .

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 

وسوم: العدد 956