رثاء المجد

هو السلّم بتشديد اللام. ..سلّم الوهم...كان اسمه سلّم المستقبل ؛ يصعد عليه من

عقد الهمة لصعوده ، درجة وراء درجة ، وتتربع في نهايته درجة عظيمة الصفات, سخية

المزايا ، لقبها مهيب, تخشع له كل الألقاب ، تخضع لها كل الهامات...لا يبلغها ولا يصل

إليها من نسي أو تناسى أثناء اجتيازه لدرجات السلم قبل صعوده ، أي واحدة منها .. تبذل

لهذه الدرجة ، كل ما ورثه الصاعد الجازم ، من نفس ومال وبنين ..

إنها درجة المجد...

اليوم . . تبدّل اسم ذاك المجد ..!

أصبح المجد وهماً ، وبالتالي أصبح اسم سلّمه سلّم الوهم ...!!!

كيف.....؟

قالوا من جدّ وجد... ومن سار على الدرب وصل .

هل لهذا القول علاقة بسلّم المجد .. سلّم الوهم ؟

هل لنوبل وجوائزه السخية علاقة بسلّم المجد ..سلّم الوهم ؟

هل نضع الموازين لنرى أيها آمن دربًا للوصول للمجد . . ؟ دروب (الفراسخ ) والدواب

التي تبلغ أهلها مرادهم من دون شق الأنفس .... أم دروب الشبكات العنكبوتية .. ؟

ولنا وكما علينا أن لا نخلط الوهم بالواقع ، وكذلك لا نخلط المصطلح الذي لا تأير له

بمجريات مادة الواقع ،الذي هو ترجمة لدرجات سلّم المجد.. سلم الوهم...! ولا نستنكر علم

الشبكات ،وما أحدثت من تغير لا حدود له في نمط حياة الإنسان ، وذلك من أجل أن نعيد

أمجاد الدواب ، وما قدمته للإنسان في العصور الماضية من توفير هائل للمشقة ، فهذا قول

مُستَنكر ..في زمن غياب الموازين .

... تطفّلت على مجلس شيخنا العلامة أبي القاسم ابن عساكر ، وهو يأخذ استراحة في ظل

شجرة درّاق ، بجانب بوابة أحد الحوائط على ضفة ( نهر يزيد )،وكان في نيتي اختبار دقة

معلوماته, التي اعتمد عليها في رسم خريطته التاريخية لعين الفيجة في الشام وأنهارها

السبعة ، وأن ألفت انتباهه إليّ ؛ عسى أن يذكّرني بشيء ما ،ولو بين فاصلتين ، توقف

لحظة ولم يغتض ولم يغضب ،وأشار إلى كاتبه فتوقف ، لم تكن عمامته على رأسه عدّل

من جلسته وصفف خصلات شعر رأسه المتدلية على وحهه بكلتا يديه إلى الوراء ، قابلني

وجهاً لوجه ،وبعد أن شخّص فيّ قليلً وأخذ تنهيدة أحسست أنه منذ وقت طويل لم يأخذ

مثلها ، سألني من دون أن يجعل لسؤاله أي مقدمة ، (كما فعلت أنا) عن أبي ذؤيب الهذلي ..!

قلت له محرجاً: لا أعرفه ،ولكي لا أظهر له علامة حرجي عقبت قائلاً :

هل وجهتك القادمة إليه يا أخا العرب ؟ أعرف شيخاً كبيراً نسّاباً ، هل آخذك إليه ؟

ابتسم قليلاً ورد عليَّ ببرود : لا... بل كنت أعيش معه قبل ولادتي ، وبعد أن ولدت بحثت وما زلت أبحث عن أحد أحفاده !!

قلت له : حسناً يا أبا القاسم ، في رعاية الله وتوفيقه ..!

قلت: سبحان الله! لقد وصف الشيخ ابن عساكر الشام وأهلها وأرضها وصفاً من أول الزمان ،

ووصفاً لآخر الزمان، كما جاء ذكرها لتكون فسطاط المسلمين ،نحن لم نرهما بقدر أعمارنا

! ولكننا نؤمن بفخر مجدها في أول الزمان ، وسيرجع مجدها في آخر الزمان ، وما كان

بينهما فها هو حاضر أمام أعيننا ...!

...........

ركب ( ياقوت الحموي) دابته ، وحمّل عليها مكتبته وكسوته وطعامه وشرابه، وجال

الأرض يطوي (الفراسخ )، ويطوي كل مشقة ، يتتبع قمره الاصطناعي ،ويتصل ويكلّم ،

يصور ويكتب ، يحاور ويناقش ، يستقبل ويودّع ، لم يكلفه درهماً واحداً ، ليشتري (بطاقة

مسبقة الدفع) ، أويمر على (صراف بنك الفيزا كارت للرحلات والسياحة )، ليسحب من

رصيده بضع دراهم ، حين انطلق من حماة إلى سلمية ، قال عنها إنها تصل إلى خمسة

فراسخ ، لم تتعب دابته ولم تجع ولم تظمأ ...!

قال :لم يمر بأرض خالية أبداً ، بساتين وزراعة وقنوات ري ..!

قلت : إن العالم ياقوت الحموي جاء بالجيوغرافيا في أول الزمان ، بالطاقة التي كان

يستمدها من التمر واللبن وكانت دابته تمشي بوقود القضب والتبن الجاف ، ولم يعتمد على

الصواريخ الباليستية ، ووقودها المدمر !!

..........

وقفت مع مقالة أبي القاسم ابن عساكرقليلاً وتساءلت :كيف كان يعيش مع أبي ذؤيب قبل أن

يولد ؟ ولما ولد أخذ يبحث عن أحد أحفاده !...

هي المجاز في لغتنا ، والآن هي حالتي وحالة أبي القاسم ، تتشابه في مصطلح الموقف ،

ولكنها تختلف في ماهيتها ، بفارق ما كان يبتغيه ابن عساكر ، وما انتهى وما وصل إليه

الحموي .

ولو سألني أحدهم ؛ أو سألت نفسي : من هو السيد جوجل مثلاً ؟ وهل له ما كان لابن

عساكر أو للحموي؟ وإذا كان ذلك فما علاقة الثلاثة بالمجد ؟ وما علاقة الثلاثة بنوبل ...؟

إذا جهل معرفة السيد جوجل ، فسألجأ إلى أحد النسّابين لمعرفته . والنسّابون في عالمنا

كثيرون جداً ،لا يُحصَى عددهم ، ملايين الملايين ، وفي المجاز في لغتنا ، هو كإطلاق

مصطلح الدواب على كل من يدب على الأرض بالملايين ، ومن أراد أن يصل إليه..

والحصول على شرف الإذن...عليه أن يتمتع بعدة خصال ..كلها لا تمت للرجولة أو

الفراسة أو الفروسية بشيء...لا تُبذَل لها نفس ولا مال ولابنون...بل كلها ..أدوات ووسائل

لذلك السيد جوجل....لا نعدّها ولا نحصيها...بل لذكر بعضها.. وأولها البداية (..إصبع..)!!

إن لم تمتلك إصبعًا.( إصبع أو أصابع يد الإنسان).لا يسمح للراغب بالصعود ..عفوًا. للبدء

....وبهذا الإصبع تبدأ ..الرحلة الشاقة المرعبة.

في اجتياز الدرجات إلى درجة الوهم...عفوًا أقصد....المجد.....وإحدى الدرجات المهمة في

قاموس الكفاح للصعود في عالمنا جوجل...هي....(جوجل إرث...! ) وأول الخطوات

...للتقدم على( الإرث ) طبعًا وهي الأرض التي ورثها الإنسان من خالقها وهي الإرث

العظيم, وهو ذاته السلم الذي نتحدث عنه.. كان عظيمًا...وهو الآن وهما...!

كان الفارس يمتطي جواده ويبدأ بسنابكه يجتاز درجات جوجل إرث...

وا أسفاه ..أصبح الفارس ..عفوًا لم يعد اسمه فارسًا ..أصبح اسمه أو لقبه (الاسم السري)

أو ( رمزه)..(الشريك)أو(التغريدة.)أو(اللاهي.)أو (المتمتع) أو أي لقب ولا ضير...وأصبح

اسما لجواد....إصبع....!

ولا أحد شعر أو يشعر أو تعجَّب أو دُهِش. . كيف تغيَّر من اسم لجواد إلى إصبع !وليس

ذلك فحسب : بل أيضاً كيف اختصر بالوصف ؟ وصف المغني ، والموطئ ،والأم ،

والأغاني ، والبداية والنهاية ،وجلجامش, والإلياذة ، وعصر الجليد , وعصر الزلازل

والمحن...إلى عصر النت ..!. أو بالأحرى. . المادة الإفتراضية أو الوهمية ..التي تعطي

الإصبع حياة التحرك والبدء في اجتياز الدرجة الأولى للصعود ...إلى درجة الوهم ..الذي

هو المجد .. وبالإصبع .. تأخذ المعارك واقعيتها الوهمية...على خرائط ومواقع السيد

جوجل...ولا تزال الإصبع الجواد .. في مكانها .؟ في ذات المقعد في ذات الثياب. في ذات

الركن...لم يحرك ساكنًا .. !

كان صاحبه قبل زمن من عقد هو عزمه على الكفاح لبدء الصعود: وزنه 75 فأصبح 85

.. وهو في ازدياد ، كان دمه صافيا نقياً ، فظهر فيه سم الكولسترول . . كان قلبه قويا فتيا

..نابضا ..أصبح يعمل باضطراب.. تارة يسارع فيه النبض ..وتارة يستريح ويأخذ غفوة.

كانت مفاصل ركبه تحمله إلى 60 درجة سلّم من بناء بيته بسهولة ، لكنها اليوم اعتذرت ..!

...ولا.. أتحدث عن ..كنزه الثمين....عينيه....فقد سُرق منها ..بعض جواهرها النفيسة...

وأخذ لمعان الباقية منها بالخفوت.....والذي أغرقه بالوهم أكثر ..بعد كل هذه الديباجة .. أن

الطبيب ..قدَّم له مواساته في فقده لبريق نفائس كنزه ...(عينيه)...قال الطبيب : ..لا عليك..

سأرجع لها لمعانها وبريقها..عدسات خارجية...وعدسات لاصقة....كل هذا ..حصل ..وما

يزال ..في أ ول درجة من صعوده في السلم ..!   تفاءل وتهلل قليلًا ..ثم حزن كثيرًا...ولم

يأتِ بعد الحديث عن السيد نوبل...وبرنامجه لصعود سلّم المجد سلّم الوهم..

ودّع السيد نوبل الحياة بوصية زعم فيها أن المال الذي جناه من اكتشافه العلمي ويطلق

عليه اصطلاحاً (T.N.T )أو الديناميت المدمر، يودع في البنك ومن الفائدة التي يجنيها منه ،

توزع سنوياً لأصحاب البحوث والأعمال والنشاطات والاكتشافات العلمية ذات الصبغة

السلمية الإنسانية ، المتفردة والجديدة ، كمكافأة بشكل قطعة ذهبية ومبلغ من المال ، تسمى

جائزة نوبل ..!

وكان للسيد نوبل ما أوصى، وحفلت الميادين بهذه الجائزة منذ أكثر من مئة عام ، وكان

للذين حصلوا عليها نصيب وافر من درجات السلم الذي نتحدث عنه ، سلم المجد...سلم

الوهم.. ولكن....ومع تنامي التركيز الإعلامي ذي الصبغة المنهجية ، وقوة الجائزة المالية

النقدية المبهرة، في الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتدني ، لأغلب الذين يحوزون عليها

، جعل منها وكأنها هي الدرجة العلوية المثلى ، في سلم المجد ..سلم الوهم

ونسأل هنا : وبناء على ما عُرِف عن جائزة نوبل ، في عالمنا الراهن ، هل حيازتها هي

حيازة المجد ؟..أو هل الوصول إليها هو الوصول للمجد ؟ بكل ما تعنيه وما تحتويه الكلمتان أو يحتويه المصطلحان من تفاصيل ..!

تقول الميثولوجيا: إن المجد ليس عنصرياً ، ولا استبدادياً ، ولا طائفياً ، وليس استعمارياً,

ولا محتلاً, ولا مهجّراً ....وآخر صبغة له أنه ليس سياسيًا إذن...ما تكون صبغة المجد ..؟

تقول الميثولوجيا : إن المجد حالة محسوسة فريدة ونادرة مكونة من نشوء ارتباط حميمي

صادق بين فرد ما أو مجموعة أفراد والأمة التي ينتمي أو ينتمون إليها، هذا اتجاه . أو بين

أمة ما وفرد أو مجموعة أفراد ينتمون إلى تلك الأمة...في اتجاهها الآخر ..وهي ذات

محصلة واحدة من حيث وقوع الغاية ...ولكن في أيهما يكون المجد قائماً دائماً لا يسقط أبداً

(أزلياً) ، وفي أيهما يكون مؤقتاً عابراً...يذكره التاريخ في صفحاته ، ولكنه لا يعود أبداً...!

أذكر شيئاً مهماً جداً هنا ...إنني أستنتج تعريفي السابق للمجد ، من صيغة وصية نوبل

وجائزته ، ومن ترجمتها لواقع منحها ..!! وكذلك من السيد جوجل الذي كان له سهم مهم

في دعم التعريف وتثبيته ،وصولاً إلى ذينك العالمين اللذين ذكرتهما في البداية كمثال وليس

للحصر.

فكيف كان ذلك ..؟

وسوم: العدد 939