الإسلام يرفض العنف

العلامة محمود مشّوح

الإسلام يرفض العنف

شواهد من القرآن والأنبياء

الحلقة (22) الجمعة 3 ربيع الثاني 1396هـ – 2 نيسان 1976م.

العلامة محمود مشّوح

 (أبو طريف)

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون.

قد يكون الحديث عن الذات بغيضاً في كثير من الأحيان ولكنه في أحيان خاصة ضروري من أجل إزالة التباس أو كشف شبهة أو القضاء على تشويش مقصود، وقبل أن نأخذ في الحديث، أحب أن أؤكد لكم أنني منذ وهبت لله نفسي ما جعلت لها حظاً فيما آخذ وفيما أدع وإنما كنت أبذل جهد الطاقة -والعصمة لله وحده- أن أتحرى الحق، فإذا استبان لي وجه الحق لزمته غير متردد وغير آبه بآراء الناس وغير ملقٍ بالاً إلى كلام الناس، والمسلم كذلك ينبغي أن يكون إذا أرضى الله فلا عليه بأس إن شاء الله تعالى أن يغضب منه الناس جميعاً، وإذا أسخط الله تعالى فما الذي يجنيه من رضا الناس كلهم.

وكلكم تعرفون من سلوكي الصغيرة والكبيرة فأنا رجل مكشوف يعرفني الصديق معرفة العدو بلا زيادة ولا نقص ما عندي لف ولا دوران، ما عندي لجلجة، ولا جمجمة ما عندي همس وهمز ولمز بين الجدران، خلقني الله حراً أنفر من كل طباع العبيد، وأحتقر كل أخلاق العبيد، وكم من مرة قررت رأياً وقلته لكم ثم استبان بعد زمن أن فيه خطأ فلم تأخذني بحمد الله العزة بالإثم فأصر على الخطأ بل كنت أقف في نفس المكان لأعلن أنه سبق لي أن قلت في التاريخ الفلاني كذا وهو خطأ وأستغفر الله لذلك وأرجو أن يصحح على الوجه التالي ذلك سلوك أظن كل الناس يعرفون عني، وأنا مدفوع إلى ذلك بشعور يشكل بالنسبة إليَّ مرضاً أو شيئاً من ذلك، حينما أفكر وأقرر لكم نتائج ما أفكر به أتمنى لو أن غيري كفاني مؤونة هذا كله ورضي الله عن عمر فلقد كان يقول: مَنْ علمَ أنَّ كلامَه من عمله قلَّ كلامه، فالإنسان مأخوذٌ بما يقول ومحاسب على ما يقول، ولذلك وجب عليه أن يتحرى الصواب دائماً قد يخطئ لكن شفيعه في هذه المواقف النية الصالحة وإرادة الخير والصواب، ونحن كما تعلمون نعيش في عصر عجيب والمسلمون فيه يعانون غربة ويرزحون تحت مشكلات ويقاسون من متاعب وأوجاع وهذا يجعل الإنسان الذي ابتلاه الله بمهمة التوجيه أكثر شعوراً بالمسئولية أو ذلك هو الذي ينبغي أن يكون ومهما يبلغ بي الغرور فلن يصل بي بحمد الله تعالى إلى الحد الذي يجعلني أمنح آرائي أكثر مما تستحق باستمرار كنت أقول لكم:

إن هذا الكلام الذي ألقيه عليكم رأي، وهو رأي يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب، وأنا أرجو من كل أخ يسمع كلامي فيكشف فيه خطأ أن ينبهني عليه وأنا أرجو من كل أخ يستشكل شيئاً من كلامي أن يسألني عنه وكنت أقول باستمرار إنني بحكم السن والتجربة أنتمي إلى جيل غير هذا الجيل وذلك يعني أن هذا الجيل، له مشكلات وله اهتمامات قد لا أشعر بها أو قد لا تشكل عندي أية مشكلة، فكنت أطلب إلى الإخوة باستمرار أن يلغوا فيما بيني وبينهم فارق السن وفارق العلم والثقافة، وأن يعتبروني واحداً منهم. ومن كان منهم لا يجرؤ أو يستحي أن يواجهني فليكتب لي بهذا الذي يشعر به وأنا كفيل إن شاء الله تعالى بإيضاح كل شيء وأظن أنه لا يطلب من إنسان أكثر من هذا. أنا أصرح باستمرار وأصر على أن مشكلات العالم الإسلامي اليوم على صعيد الفكر وعلى صعيد العمل جميعاً أكبر من طاقة الأفراد والفرد مهما يبلغ من التحصيل ومن العلم ومن الممارسة ومن التجربة ومن الإخلاص يبقى عاجزاً عن تقديم الحلول النهائية يجب أن تشترك الأمة أو يشترك النابهون من الأمة جميعاً في التفكير ومحاولة البحث الجاد المؤسس على أصدق النوايا وأخلص الاتجاهات في سبيل الحق وطلب الصواب لكي يمكن أن نهتدي إلى حلول لمشاكلنا. وبصورة خاصة فمنذ أوائل الصيف الماضي ذكرت على المنبر حينما كنا نخطب في الجامع الوسط أن الموضوعات التي نثيرها اليوم تشكل أرضاً بكراً لم يسبق لها أن طرقت على المنابر ولا طرحت على الجماهير وهي من أجل ذلك بحاجة إلى المراجعات المستمرة. ورجوت الإخوة جميعاً أن يراجعوني وأن يناقشوني وقلت لهم لا يتصور أحد منكم أنني أتأثر حينما يرد علي رأياً من آرائي لا أريد أن تعتقدوا أن الإنسان منكم حين يناقشني الرأي أغضب فهو صاحب الفضل علي، ولستُ أنا صاحب الفضل هو صاحب الفضل علي لأنه بالحوار وبالمناقشة سوف يفرز ما في آرائي من سلبيات وسوف نجد الإيجابيات الضرورية فتعالوا ناقشوا وتعالوا نشترك في التفكير وكنت أحسب أنني وضعت الأمور في أنصبائها الحقة، وأنني قطعت الطريق على كل محاولة للتشويش والإبهام. مرة أخرى اسمحوا لي أن أقول لكم إنني أرفض أن أضع شخصي حائلاً بيني وبين الدعوة، لقد طرقت موضوعات منذ أوائل الصيف كانت تتعلق بأوليات الوحي وانتبهوا علي فأنا لا أشكو ولا أعتب ولا أغضب ولكني أرسم صورة، لابد أن يقابلها الدعاة في الطريق مرصودة لهم، كي يستعدوا لها وكي يوطّنوا أنفسهم على احتمال تكاليفها في تلك الأيام كنت أتحدث عن ظاهرة الوحي وأتحدث عنها في الحدود التي يسمح بها الجو، والتي تسمح بها النصوص الموجودة بين أيدينا، وكنت أتحدث عن الشدائد والأثقال التي يقابلها الأنبياء بصورة خاصة، ويلقاها الداعون إلى الله بصورة عامة، وتطرق الحديث كما ذكرت لكم في الجمعة الماضية في ظروف مزعجة إلى أن أطرق باب العنف في الدعوة وعدم العنف لسوء الحظ في ذلك الوقت، وسأكشف لكم الموضوع تماماً كي لا يكون أحد منكم في إبهام ولا لبس.

وعدت أن أتحدث في الجمعة القادمة عن الموضوع، يشاء الله أن تقوم في البلاد محاولة، وأن يكون القائم بها أخ من إخواني عزيز عليّ حبيب إلى نفسي أعرفه على البعد رأيته مرة وهو صبي، فعرفت فيه الإخلاص ولكني عرفت فيه الاندفاع الأعمى غير المستبصر وشب الرجل ونشأ جندياً في دعوة الله تبارك وتعالى، ولكنه كتلة من نار تشتعل ذلك هو أخي على البعد وصديقي على البعد وحبيبي في الله الأخ مروان حديد فرّج الله عنه.

في الواقع وقفت أمام نفسي في حرج شديد بين الوفاء لما أعتقد أنه الصواب وبين الوفاء لمقتضيات زمالة الطريق ولم يطل بي التردد على العادة أنا مع آرائي ومع قناعاتي ولو كانت تحطمني أنا نفسي بالذات، وبدأت الحديث وهاجمت العنف في وقت أعرف أن فيه ناساً من الناس ربما يفسرون هذا أنه مهاجمة للأخ مروان فرج الله عنه، وأنه مناصرة للسلطة.

كان ذلك كله في بالي ويومها قفزت إلى ذهني قضية يعرفها دارسو الأدبيات الماركسية، فحين قامت ثورة فرنسا العظمى وتشكلت كومونة باريس، كان كارل ماركس يرى في هذه الكومونة التجربة الرائدة العظمى لحكم العمال والكادحين ولكنه رأى أن المجازر التي ارتكبت شيء رهيب وأنه وقعت أخطاء لا يمكن تحملها، مع ذلك فقد وقف كارل ماركس مع الكومونة على ما فيها من مصائب وما فيها من أخطاء وكتب من أجلها كتاباً مشهوراً في الأدبيات الماركسية هو كومونة باريس، قفزت هذه الحادثة إلى ذهني، وتبادر كيف تتماثل الحوادث، فوجدت نفسي أتقزز إن ماركس يخون اعتقاده ويخون رأيه ويقف مع الجانب الذي يعتقد أنه ارتكب خطأ كبيراً لا يمكن الدفاع عنه ما هذا؟ انتهازية.. أما أنا فقد قررت أن أقف مع الصواب بغير إطالة للتردد وتكلمت على العنف، وقلت إن العنف لا يثمر شيئاً، وقلت إن الإسلام منهج قوامه الحب وقوامه الطيبة وقوامه الإنسانية الرفيعة المهذبة، ولكم أن تعجبوا أن شهوراً طويلة مرت منذ ذلك الوقت. من أوائل الصيف وإلى الآن دون أن يعقب الأبطال الأشاوس على هذا الكلام.

 في الجمعة الماضية سمعتم كلكم ماذا قلت والحمد لله الكلام على المنبر ليس شيئاً يسهل التنصل منه وكما كان يقول زياد بن أبيه كذبة المنبر بلقاء مشهورة وكلامي يسجل وتتداوله الأيدي في هذا البلد، وخارج هذا البلد وخارج هذا القطر، فالكلام الذي سمعتموه كان ينصب على قضية واحدة قلت بالنص إنني سأقتطع منظوراً تاريخياً محدداً يبدأ بالثورة الفرنسية وينتهي بأيامنا هذه لأدرس معكم على ضوء الوقائع؛ التربة التي نشأ فيها العنف لماذا لأنني سبق أن قلت لكم إن العالم اليوم يعيش تحت عبء هستيريا خطيرة -هستيريا العنف- وما يتولد عن العنف من مجازر ومذابح وأخطار تتعرض لها البشرية وأن هذه العدوى مع الأسف تسربت إلى بلادنا وسكنت عقول كثير من المسلمين، وأصبح كثير منهم يعتقد أن قضية الإسلام لا يمكن أن تنتصر إلا على أساس القيام بعنف ثوري يحطم الطغيان والطغاة تحطيماً، مع قطع النظر عن وجود الشروط الضرورية لتقبل الإسلام أو عدم وجود هذه الشروط، ومع قطع النظر عن سلامة التكوين الذي يجب أن يتوفر في الدعاة إلى الإسلام أو لا يتوفر وقلت إنني أريد أن أحمي الشباب المسلم من هذه التيارات الضارة وكان يخطر في بالي كلام النبي صلى الله عليه وسلم:

(إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت هذه الحشرات والهوام تتهافت على النار، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تتهافتون فيها) أعرف أن كثيراً من شباب المسلمين يرون هذا الرأي ولكن عذرهم أنهم ما كلفوا أنفسهم مؤونة دراسة التجربة الإسلامية وما كلفوا أنفسهم مؤونة تصور قضية العنف على النحو الذي هي موجودة عليه، في هذه الأيام فاقتطعت من التاريخ منظوراً وصورت لكم تطور العنف وكشفت لكم عن التجربة التي نشأ فيها هذا العنف وقلت اعتباراً من الجمعة القادمة سنتكلم داخل رحاب الإسلام إذاً أنا لم أعط رأياً في المسألة بل عرضت المشكلة وصورتها وما قدمت الحل ولا أدري كيف يهيء الله في بعض الأحيان إرهاصات...

يوم الجمعة الماضية بعد الصلاة عندنا في البيت كنت أقف مع بعض الإخوة ولا أعرف ملابسات الكلام، لكني ذكرت أن الإنسان يُشَوَّهُ كلامُه بعدم الفهم ويشوَّه كلامه للغرض المقصود، وأستشهد بكلمة كان يقولها الفنان والفيلسوف والعالم "مايكل آنكل" فقد كان يقول: "إن معرفتي ستخلق عدداً كبيراً من الجهلة" فتفكير الإنسان في الواقع حينما يتنطح إنسان من الناس ليكون قاضياً يحكم على تفكير إنسان يجب عليه أن يأخذ تفكير الإنسان في كليته لكي يهتدي إلى الحقيقة؛ أما البتر والتجزئة فلا ينتج شيئاً، قيل لأبي نواس: لماذا لا تصلي؟ قال: إن الله قال: (فويل للمصلين) لكنه لم يقل بعد ذلك الذين هم عن صلاتهم ساهون، بتر جزءاً من الآية احتج به على ترك الصلاة.

قيل لأبي نواس ذات يوم: علامَ تشرب الخمر؟ ألا تعلم أن الله حرمها؟ قال: لا. قيل: وكيف؟ قال: إن الله تعالى قال: (فهل أنتم منتهون) قلنا: لا، فسكت وسكتنا، سألنا الله تعالى فقلنا له لا ننتهي ولم ينزل علينا بعد ذلك وحياً، ترون أن الإنسان المغرض يستطيع أن يأخذ من القرآن من كلام الله تعالى ما يؤدي غير الحقيقة بل ما يؤدي ضد الحقيقة، والناس حينما يتغرضون فهم أشد شراسة من الوحوش من هنا فقد استغربت ما ثار في الأسبوع الماضي وهمس به بعض الإخوة.. سلفاً أقول لهم سامحهم الله ولكنكم يا إخوتي مغرر بكم تغريراً شنيعاً إذا كنت أطلب منكم وأرجو وأقول أنتم أصحاب الفضل علي تعالوا ناقشوني فلماذا الهمس بين الجدران؟ ولماذا التناجي بإلأثم والعدوان؟ ولماذا الانتشار في المجالس؟ ولماذا التدسس تحت الآباط؟ ولماذا؟ إن لم يكن من وراء ذلك غرض مبيت فهو التشويش والصد عن سبيل الله.

يا إخوة يا مسلمون إنكم تأكلون لحوماً حرمها الله عليكم وإنكم لتركبون مركباً خشناً وما أنا بغاضب، كلا ولا أنا بعاتب وإنما أقول مرة أخرى عفا الله عنكم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ولكن افهموني أنا لا أسمح أبداً بشيء من هذا التشويش لا أسمح أبداً أن يتخذ الكلام عن قضايا الإسلام ذريعة يشوش بها بعض الناس على مبادئ حقة وهم أجبن الناس وهم أذلّ الناس أنا أعرف المعارك وأنا أعرف الساحات ولقد كنت باستمرار أفقد في ساحات النضال وأفقد في مواقف الكفاح هؤلاء الأبطال الأشاوس.. لا أراهم.. هذا سلوك عشائري، طريقة سوقية وما أشبه ذلك لا يا إخوتي الطريق ليس من هنا أبداً الطريق هو أن نقف رجالاً في وجه رجال. عقولاً في مواجهة عقول ونتناقش وقلت إنني لم أصدر آراء نهائية وطلبت أن لا أناقش الآراء ومنذ مدة عمدت عن سبق تصور وتصميم إلى رفع سوية الكلام لماذا لأنني أردت أن تتفتح عقول شباب المسلمين على مهماتهم، فمهماتهم ليست مهمات بلد ولا مهمات قطر ولا مهمات عَالَمٍ عربي ولا مهمات عَالَمٍ إسلامي، مهماتهم عالمية كونية. وإذا جاز لنا أن نستعير من علم الأحياء قاعدة شهيرة نقول إن الوظيفة تخلق العضو فأنا أردت هذا أردت أن أحدد المهمة الكبيرة لأفسح المجال للهمم العظيمة كي تنطلق باتجاه الإسلام مرة أخرى، وبلا ملل أقول لست عاتباً والسبب بسيط منذ سنوات -وهذا مثل- وحين كانت الخلائق مستحكمة بين مصر والاتحاد السوفياتي ذهب وفد يرأسه المرحوم المشير عبد الحكيم عامر في زيارة إلى الاتحاد السوفياتي وكان رئيس الاتحاد السوفياتي في ذلك الحين خروتشيف وخروتشيف رجل جلف غير مؤدب يمثل جلافة الإنسان السوقي الروسي فعلاً وحذاؤه على منبر الأمم المتحدة مشهور وأثناء المحادثات وفي ساعة من ساعات التجلي العجيب لخروتشيف مد خروتشيف يده وعرك أذن عبد الحكيم عامر وقال له يا جناب المشير إنكم تتحدثون على الاشتراكية وتتحدثون عن إذابة الفوارق بين الطبقات وأحب لك أن تتأكد أنكم لابد أن تكونوا شيوعيين في يوم من الأيام طبعاً الذي أتصوره أن المشير رحمه الله فتح فمه دهشة واستغراباً لكن خروتشيف كان يعني كل حرف يقوله -في هذه الكلمة- كل نظام من الأنظمة له منطق، حين تضع نفسك ضمن منطق النظام فأنت سائر في الواقع إلى نتائجه التي لابد من مواجهتها على الإطلاق أو أن ترجع فالطريق الاشتراكي يؤدي إلى الشيوعية إذا أردنا أن نخلص للمنطق الاشتراكي بالذات والشيوعيون لا يحتقرون شيئاً كما يحتقرون الاشتراكيين لأنهم يعتبرون الاشتراكيين جماعة تزيف الماركسية والشيوعية وتخلق أمام الطبقة العاملة وهماً لا ظل له في الحقيقة، وتلقي حجاباً بينه وبين ألاعيب الاستعمار والإمبريالية العالمية.

طبعاً نسمح لأنفسنا أن نقول إن المشير رحمه الله ذهب وأن عبد الناصر رحمه الله ذهب وأن أخانا السادات الآن يعود ليتراجع عن جملة الخط الماركسي كله، وعن الاشتراكية كلها لأنه إما أن يمشي كما قال خروتشيف فيصل إلى الشيوعية وإما أن يعود إلى قواعده. أنا لا أفرك آذانكم يا إخوة إنما أربت على صدوركم وعلى ظهوركم وألقاكم بمنتهى الحب والود والعطف وأقول لكم لا بأس عليكم إن شاء الله فطريق الإسلام معروف الأول معروف الغاية وأنتم طالما في طريق الإسلام فمصيركم إلى القواعد التي أقف فيها الآن، لا أخشى عليكم هل ترتدون يوماً عن دين الإسلام لا ذلك لا يخطر في بالي فاجهدوا جهدكم وقولوا ما شئتم ولكني أنصح لكم أن تكونوا أمناء على الحقيقة أمناء على الفكر أمناء على قضية الإسلام. ماذا؟ وأذهب أبعد لا لن يفرح بها أحد لقد قيل كلام وسخ قذر ولكنه لا يهم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟ قالوا: وما أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: رجل من المسلمين كان إذا خرج من بيته في الصباح يقول اللهم إني أتصدق بعرضي على المسلمين. كل إنسان يتكلم فذلك صدقة عليه وأنا أعفو عنه، ونحن نرجو أن يكون القانون الذي نتعامل به فيما بيننا قانون العفو والتسامح والطيبة ما دامت الأمور أثيرت بهذا الشكل فسأسمح لنفسي أن أبسط القضية بعض البسط سأعود إلى أين. إلى أوائل الصيف حينما كنت أتحدث عن أوليات الوحي وحينما رويت لكم نصاً من سيرة ابن إسحق وافتحوا عقولكم وقلوبكم يا إخوتي كان ابن إسحق يتحدث عن فترة الوحي ثم قال هذه الفترة انتهت وقال ثم تتامَّ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تتابع وهو أي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن بالله مصدق بما جاءه من عنده قد قبله بقبوله، وتحمل منه ما حمّله على رضا العباد وسخطهم والنبوة أثقال ومؤونة لا يحملها ولا يستطيع لها حملاً إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه.

قال ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله على ما يلقى من قومه من الأذى والخلاف. هذا نص ابن إسحق في السيرة التي هي أوثق نص للسيرة بين أيدينا ويقول السهيلي شارح السيرة في تعقيبه على أثقال النبوة قال: وقع في هذا الموضع يعني في الحديث عن أثقال النبوة من رواية يونس عن ابن إسحق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت وهب بن منبه يقول وهو في مسجد منى وذكر له يونس النبي صلى الله عليه وسلم فقال، يعني وهب كان عبداً لله صالحاً، وكان في خلقه ضِيْقٌ؛ فلما حُمِّلَ أو حُمِّلتْ عليه أثقال النبوة ولها أثقال تفسخ تحتها تفسخ الرضع تحت الحمل الثقيل فألقاها عنه وفر هارباً.

أشرح لكم الكلام لأنه من كلام العرب القدماء الرُضَعْ: هو الفصيل من الناقة الذي ينتج ويولد في الربيع.. صغير.. حينما تلقي عليه حملاً يحمله البعير البازل في العادة لا يستطيع أن يستقل به، فهو يتفسخ تحت الحمل فكذلك يونس النبي صلوات الله عليه حينما حملت عليه أثقال النبوة ولها أثقال تفسخ تحت هذه الأثقال كتفسخ الفصيل الصغير الذي لا يستطيع أن يتحمل الحمل فألقى أثقال النبوة عن ظهره وفر هارباً. قال السهيلي ووقع في رواية ابن إسحق أن أولي العزم من الرسل منهم نوح وهود وإبراهيم صلوات الله عليهم –انتبهوا- أما نوح فلقوله طبعاً -كما قص القرآن يا قومِ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله) وأما هود فلقوله: (إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون) وأما إبراهيم فلقوله هو والذين معه: (إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله) إذاً فالمسألة لها أصل يمكن أن نرجع إليه جميعاً. النبوة قدوة ومثل والرسول صلى الله عليه وسلم حمل الرسالة فتحملها بفضل الله وتوفيقه ولكنه أُمر بأن يقتدي بالمرسلين من قبله من أولي العزم فقال تعالى من سورة الأحقاف:

(فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) فالرسول عليه الصلاة والسلام مأمور بأن يصبر صبر أولي العزم من الرسل الذين سبقوه يصبر على ماذا على تكاليف النبوة وعلى أثقالها، وكذلك مأمور بالاقتداء فبسورة الأنعام يقول الله جل اسمه (أولئك –يعني الأنبياء الذين قص الله نبأهم في السورة- الذين هدى الله فبهداهم اقتده) يعني اقتدِ يا محمد بهدي الأنبياء من أولي العزم الذين اقتصصنا عليك نبأهم، ونحن المسلمين مأمورون بماذا هل نحن مأمورون بأن نضع شخص النبي صلى الله عليه وسلم في إطار من الزينة والزخرف لنتغزل بها ونمتدح أم نحن مأمورون بأن نقتدي ونتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم تقرأون قول الله تبارك وتعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) فالرسول عليه الصلاة والسلام مأمور بأن يقتدي بالأنبياء من قبله ومأمور بأن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ونحن الأمة الإسلامية مأمورون بأن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نصبر كما صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا من سورة البقرة: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فالأمة المسلمة شهيدة بمعتقداتها وبسلوكها وبأخلاقياتها وبحركتها على الناس والشهادة لا تكون إلا من موقع امتياز إذا لم يكن ثمة امتياز فلا شهادة لأن الأمة مطلوبة أن تشهد على سلامة الدعوة فحين تكون غير قادرة على أداء هذه الشهادة فهي إذاً شهادة سوء وشهادة باطل لا شهادة حق وشهادة صواب.

هذه الأمة أيضاً مطالبة بهذا فالله جل وعلا يقول في سورة الأنعام فيما يقص علينا: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء –من أهل مكة- فقد وكلنا بها قوماً –يعني بالدعوة- ليسوا بها بكافرين) من هم الأنصار والمهاجرون الذين نحن خلفاؤهم عرفتم الآن إذاً واجباتنا مساوية تماماً لواجبات النبوة أفراداً وجماعات كأمة يجب أن نتحمل المسئولية حمل الرجال الأقوياء والله جل وعلا يقول (وخذ ما آتيتك بقوة) وكأفراد يجب أن نصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ومن الدعاة إلى الله تبارك وتعالى فتعالوا بنا ننظر ما هو مواقف هؤلاء الرجال؛ علماً بأنني أتحدث أيضاً ضمن منظور تاريخي أتحدث عن فترة بدأت في بداية الوحي وانتهت بفترة الإنذار ثلاث سنوات هي السنوات الأولى من عمر الدعوة، ومع ذلك أقول طويلة وأن يخضع لصبر لا نهاية له حتى إذا استقل على قدميه إنساناً يعرف الله ويضعه دائماَ نصب عينيه ويتحرك لله ويسكن لله ويأخذ لله ويدع لله فحينئذ يمكن أن نطرح هذه النماذج في الساحة لتكون دعاة ونحن واثقون عندئذ بأن هؤلاء الدعاة سيعكسون عن الإسلام أنصع الصفحات وسيعطون عنه أروع صورة.

سأقرب إليكم المسألة، في كل مجتمع عندنا وعند غيرنا ناس يتزينون بزي الدين مشايخ علماء كذا وكذا بعض هذه النماذج في الحقيقة لا يتلاءم سلوكها مع ما يطلبه الدين ولا أخلاقها مع ما يطلبه الدين ولا تعاملها مع ما يطلبه الدين ليست المسألة هنا المسألة أريد أن ألفت نظركم إلى أولاد هؤلاء الناس.. إلى أولادهم فسوف ترونهم شيوعيين بعثيين قوميين سوريين سكيرين خميرين زناة لوطيين لماذا لأن هذا المخلوق ما رأى من الإسلام إلا الصورة البشعة المتمثلة في الوالد الكريم هذا ما أريد أن أقوله..

يتقرر إن الداعية المزيف يضر ولا ينفع ويصد عن دين الله ولهذا فنحن نرفض هذا الاتجاه المدمر الذي يرى أننا نستطيع أن ندفع الشباب للقيام بثورات باسم الإسلام ونحن نقول لهم إن الذي يأتي بالعنف يذهب بالعنف، وإن الذي يزرع الشر يحصد الشر، وإن الذي يوغر القلوب تحرقه القلوب، لا يمكن لا يمكن لا يمكن.. بعد أن تتلظوا وبعد أن تحترقوا بنار التجربة وبعد أن تكونوا فعلاً أدوات يحركها الله ولا تحركها النزوات ولا تحركها الشهوات ولا تحركها الرغبات فانطلقوا لن أخاف عليكم أما اليوم فلا.. ذلك كذب وتزييف، ذلك تدجيل لا أوافق عليه ولا أرضاه سأظل أنفق ما تبقى من حياتي لمطاردة هذه النوازع الضارة لأن القضية قضية مستقبل الإسلام برمته فهمتم. تعالوا الآن إلى الساحة سأطيل عليكم لا بأس وإن كنت والله أشعر أن كل خلية من جسدي مريضة مع ذلك لا بأس.

ما هي تربة الإسلام، ما هي التربة التي أمر محمد سيد الدعاة أمر المسلمين جميعاً أن يقفوا عندها قلنا إن أولي العزم منهم نوح ومنهم هود وإبراهيم، فما موقف نوح تعالوا نقرأ لا داعي للثرثرة ولا للكلام.. تعالوا إلى رحاب القرآن بالذات. يقول الله تعالى في سورة يونس (واتلُ عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم أفضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم عليه من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجاه الله ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين).

أين في هذا الموقف حمل السلاح أين في هذا الموقف المعاركة والمصارعة والطعان، أين لا شيء عناصر الموقف تنحل إلى ما يلي نبني أمر فهو واقف مع الأمر ينفذه على الكره وعلى الحب وهو يصبر على كل المتاعب التي تترتب على وقوفه عند أمر الله تعالى، وهو يعلن هذا الموقف ويدعو إليه الناس ويتحمل تبعات هذا الإعلان ويتحمل تكاليف هذه الدعوة ثم لا يستجيب الناس فلا يحمل نوح عليه السلام سلاحه ولا يذهب مقاتلاً لكي يفتح عملية جراحية في أدمغة الناس ليصب الإيمان فيها صباً لأن هذا مستحيل وإنما يفوض الأمر إلى الله ويأتي الإنقاذ من قبل الله تبارك وتعالى فيدمر الظالمين المكذبين وينجي الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون.

هذا نوح وهو من أولي العزم فمن أين يأتي بعض الإخوة بموقف العنف في سياق الدعوة إذا أردنا موقف نوح دعونا من نوح صفّوه على جنب تعالوا إلى هود، يقول الله تعالى في سورة هود (وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله -إعلان الوحدانية- مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون -أي أنتم تكذبون على الله بادعائكم له الشركاء- يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجري إلا على الله الذي فطرني أفلا تعقلون، ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين).

إلى هنا انتهت الدعوة ما الموقف؟:

(قالوا يا هود ما جئتَنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين –موقف إعراض وتكذيب هل انتهى الأمر لا انتظروا السخرية الأكبر يقولون –إن نراك إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء- يعني بعض الأصنام أصابك بالخبل كما يروج الجهلة من المسلمين أن الولي الفلاني ضرب فلاناً فأفقده العقل أو شلّه أو ما أشبه ذلك- إن نراك إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال –مَنْ هود- (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء محيط).

ثم وقعت الواقعة فهذه عناصر موقف هود؛ رجل كلف الدعوة فجهر بها لم يجلس تحت الأقبية، ولم يحبس نفسه بين أربعة جدران، ولم يسلك أساليب الحزبيات ولم يتورط في التلاعبات لا. موقف واضح وبسيط يدفع إلى الاعتقاد والإعلان والاستعداد لتحمل التبعة.

من كان يظن أن الدعوة إلى الله تمر بلا ثمن وبلا مصاعب وبلا متاعب وبلا أعباء وبلا أثقال فهو مخطئ. أنت إن أردت أن تكون مسلماً تدعو إلى دينك فعليك أن تعلم يا أخي أن أهون شيء تقدمه لربك دمك وروحك التي بين جنبيك. ماذا تملك لا شيء فهذا هو موقف هود.

ماذا أيضاً تعالوا ننظر إلى موقف نبي آخر من الأنبياء من أولي العزم من الذين اقتص الله علينا نبأهم في القرآن الكريم تعالوا ننظر إلى شعيب صلوات الله عليه يقول الله تعالى أيضاً من سورة هود:

(وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنها كم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول إنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك –يعني عشيرتك- لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهرياً إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم –انتبهوا- ويا قوم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا برحمة منا ونّجيناهم من عذاب غليظ وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود).

هذا شعيب ما موقفه؟ سلاح؟ دماء؟ لا.. بل دعوة وإعلان واستعداد لتحمل النتائج.. ماذا؟ إبراهيم أبو الأنبياء جد نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ما موقفه اقرؤوا إن شئتم ما يقول الله جل اسمه من سورة الأنعام يقول الله تعالى:

(وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي، فلما أفل، قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين).

انتهت قضية الأصنام والأرباب الكاذبة ووقف إبراهيم جد نبينا عليه السلام مع حقيقة الوحدانية المطلقة وحاجَّه قومه ناقشوه في أمر الوحدانية وكيف يتهجم على الأصنام قال؛ (أتحاجُّونِ في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون، وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعقلون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم).

فهذا موقف إبراهيم نفس الموقف الذي اتخذه نوح نفس الموقف الذي اتخذه هود نفس الموقف الذي اتخذه شعيب ثم ماذا حبيبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم. من الذي يجرؤ فيقول إنه خلال الدعوة كان يقابل الناس بالعنف ويسيء إلى الناس ويكسر الخواطر والقلوب؟ هو الذي كان يقول: "يا عائشة لو كان العنف رجلاً لكان رجل سوء" من منكم ينسى مواقف الصبر، مواقف العزيمة القعساء التي لا تتزلزل ولا تتزعزع لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا ما يقول الله تعالى وهو يهذب ويؤدب خاتم الأنبياء والمرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم يقول من سورة يونس (أم يقولون افتراه -يعني هذا القرآن قال فأتوا بسورة من مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه- وهذه المصيبة الناس يسمعون منك الكلام لا يعرفونه ولا ينزلونه منازله ولا يوقعونه مواقعه. ثم يتهجمون على التكذيب يا ليت أن الذي يكذب وأن الذي يعترض وأن الذي يرد يتمتع بالعقل القادر على الحركة والقادر على العطاءَ يا ليت كنا وضعناه على الرؤوس -والله بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين. فإن كذبوك- ماذا؟ أحمل السلاح. اذبح الناس. شتتهم ألقهم في السجون لا- وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون- موقف واضح الرسول داعية ومبلغ عن الله ليس جباراً ولا مستكبراً ولا مسيطراً ولا وكيلاً عن الله على قلوب الناس وإنما هو مبلغ فقط -إن عليك إلا البلاغ وعلينا الحساب).

وأيضاً في أخريات سورة يونس ماذا يخاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم يقول له بادئ الناس سافلهم وعاليهم قل – يا محمد- (يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين) موقف مفروض؛ موقف الصلابة والثبات على المبدأ وعدم إنكار أي حرف من حقائق الدعوة (وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين.. قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) أفي هذا الموقف لبس أفيه غموض أم أن الرجال دخلهم الجبن ودخلهم العجز ودخلهم الخور وأصبحوا يريدون أن ينفسوا عن أنفسهم يا ليت أنهم ينفسون بالفعال ولكنه ادعاء وأقول: هؤلاء الأبطال هؤلاء الأشاوس أين هم عن حقائق الإسلام هل بلغت بنا الخطوب أن نتلقى تعليمنا عن أناس لم يبلغوا بعد أن يكونوا تلاميذ تلاميذنا ومع ذلك نحن نقول لهم قفوا معنا وجهاً لوجه كتفاً لكتف قيمة لقيمة وتعالوا نناقش القضايا لماذا، لماذا الهمس واللمز لماذا الدوران على المجالس لماذا التناجي بالإثم والعدوان لماذا هل هذه خلائق المؤمنين. لا نحن نقول بصراحة من شاء أن يغضب فليغضب ومن شاء أن يرضى فليرضى نحن لا نوافق على العنف في مجال الدعوة ذلك موقف مبدئي، كي أعطي هؤلاء ما يسوءهم وينوءهم ذلك موقف مبدئي نحن لا يمكن أن نسمح بأن نطرح في الساحة العامة أناساً لم يكتمل تكوينهم بعد عليهم أن يعلنوا مواقفهم تماماً مسلمين مكشفين عن رؤوسنا لا نختبئ ولا نهرب ولا نجامل ولا نداري ولكنا في ذات الوقت نستعد لتحمل التضحيات نستعد لدفع الثمن مهما بلغ ولماذا نذهب إلى العنف؟ مرة أخرى سوف أستعير سأستعير لكم شيئاً من علم نفس الشواذ من علم النفس المرضي قاعدة العلاج النفسي الأول ما هي قاعدة العلاج النفسي تنحل في كلمتين (فهم مشكلة الطرف الآخر) فالإنسان تجده معقداً تعقيداً نفسياً غريباً حينما تريد أن تعالجه نفسياً تضعه أمامك وبالملاطفة والملاينة بالكلام الطيب تشرح له المشكلة؛ إن اللاشعور يختزن كثيراً من الأشياء؛ حياتنا الظاهرة لا نريدها نقذف بها في حياتنا الباطنة، تتراكم فوق بعضها البعض حتى تشكل العقدة فحينما نستجر ونستدعي هذه الأشياء المقذوفة إلى الوراء في ساحة اللاشعور نضعها في ساحة الشعور تعرض المشاكل أمامنا وتنحل العقدة تماماً حينما نرى المشكلة تنحل فعلم المرضي يقول لنا: إن العلاج يتوقف على فهم المشكلة ونحن في مجال الدعوة قبل أن نحمل الأحقاد على الناس وقبل أن نفكر بالعدوان على الناس اعلموا علماً لا ريبة فيه أن مكاننا الآن ليس خلف المتاريس ولا على الجبهة إن ميداننا الحق في المرحلة التي نحن فيها في داخل النفوس وبعض الإخوة يستنتج من هذا أنني أدعو إلى تعطيل الجهاد ويا سبحان الله لا أدري هل أتكلم بين عرب أم بين أعاجم ما معنى الجهاد العرب حين نطقت بالجهاد ماذا أرادت؟ أرادت بذل الوسع والمجهود تارة يكون باللسان وتارة يكون بالنظرة الحانية وتارة يكون بالموقف السلبي وتارة يكون باليد فالقتال جانب من جوانب الجهاد و إلا فما معنى أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (وجاهدهم به جهاداً كبيراً) يجاهدهم بماذا بالقرآن هل يضرب بالقرآن وجوههم وأدبارهم لا وإنما يجاهدهم بالحجة وبالمنطق فالقتال الذي يخاف عليه الإخوة لا خوف عليه إن شاء الله ولا بأس؛ ولكن الجهاد شيء واسع وأظن أنني أتكلم بكلام عربي وأعرف ماذا أتكلم فأنا لا أدعو إلى تعطيل الجهاد ولكني أدعو إلى إلغاء العنف والقتال عندنا نحن المسلمين شأنه شأن ما يفعل الطبيب الماهر. أنت تذهب إلى طبيب ليجري لك جراحة ويعرف الطبيب الناجح من الطبيب الفاشل بحجم الجراحة إن كان الحجم الذي اشترطه من الجسم أكثر مما تقتضيه الحاجة فهو طبيب فاشل وإن كان قد شرط من جسمك ما يسمح للآلة أن تدخل وتعمل عملها فقط دون زيادة ولا نقصان؛ فهو طبيب ناجح. فنحن في القتال أيضاً نرفض العنف ونرفض التنكيل وتعرفون جميعاً أن القتال في الإسلام شرع لغاية واحدة هي إبطال مقاومة الخصم حتى يكون الناس الذين يتزعمهم هذا الخصم وجهاً لوجه أمام الحقيقة الإسلامية لا أكثر ولا أقل ولو تصورنا جدلاً أننا وصلنا إلى اتفاق عالمي تنفتح فيه الحدود الفكرية بين أمم الأرض جميعاً وتأخذ كل دعوة حقها من الدعاوة والإعلان دون مصادرة ودون مطاردة ودون حجر ودون تضييق فلا يبقى أي معنى للقتال لأن هذا هو الشيء الذي يريده الإسلام هل الإسلام يريد أن يقتل الناس غلطانون أنتم يا إخوة الإسلام يريد أن يحيي الناس ألم تسمعوا الله يقول (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً) ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً هذا إعزاز وإغلاء وإعلاء للإنسان لأن الإنسان في الإسلام عندنا قيمة وقيمة عالية وقلت قبل اليوم إننا حين نفكر ونركز أنظارنا نركز عداءنا على ظواهر اجتماعية كي لا يتركز عداؤنا على الناس الإسلام بهذا الشكل وإلا فتعالوا قولوا لي ما معنى أن تترادف وصايا الله ووصايا رسوله صلى الله عليه وسلم ووصايا الخلفاء الراشدين حينما كانوا يسيرون الجيوش كانوا يوصون قوادهم: "لا تتبعوا منهزماً ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا راهباً ومن كف عنكم فكفوا عنه ولا تقطعوا شجرة ولا تحرقوا نخلاً ولا تذبحوا شاة أو بعيراً إلا لمأكلة" هذه أخلاق قتال أم أخلاق رجال هذه أخلاق أناس يرون أن القتال ضرورة وهو ضرورة كريهة حينما لا يوجد غيرها نستعملها أما طالما أننا نجد القلوب مفتحة لنا فيجب أن لا نتأخر عن طرق أبواب القلوب؛ وأخيراً أذكركم يا إخوة أن عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه كان يقول: "إنني ليذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم نبياً من الأنبياء ضربه قومه حتى أدموه وهو يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". دعوة الإسلام سلام ودعوة الإسلام حب ودعوة الإسلام تجميع ودعوة الإسلام دعوة قلوب ودعوة الإسلام دعوة عقول والإنسان الذي يدخل الإسلام بالكره والعنف لا يقبل إيمانه فافهموا هذه الحقائق، ولقد شغلتني هذه العجاجة البسيطة عن متابعة حديثي الذي كنت قررت أن أتحدث به ولكن لا بأس كما شرحت أرضية العنف في الجمعة الماضية شرحت لكم اليوم بنصوص القرآن أرضيه السلام والمحبة والود ولكن مع مواقف الرجال وأرجو أن أعود بعد هذا الأسبوع إلى معالجة الموضوع الأساسي على نهجنا المعروف والذي حداني كما أريد أن أؤكد أن يعرف كل الإخوة الذين يرشحون أنفسهم للدعوة إلى الله أن هذا الغبار شيء لا بد منه وأن الذين لا يريدون أن يواجهوه عليهم أن يكفوا عن ميدان الدعوة وأن هذا في الواقع سنة الأنبياء وسنة المرسلين وسنة المصلحين من قبل.. كان أبو إبراهيم يقول لإبراهيم عليه السلام: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لأرجمنك لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) من الذي وقف في وجهه أبوه. قبلُ محمد صلى الله عليه وسلم كان يطوف على الناس حين الموسم يحدثهم عن الإسلام ويقرأ لهم القرآن ومن خلفه كان يمشي رجل أحول يقول لهم لا تصدقوه فإنه كذاب من هذا عمه أبو لهب كذلك هي السنة يقول الله تعالى من سورة الفرقان: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) ويقول الله تعالى من سورة الأنعام (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه). إذاً فالله يريد أن يمتحن الدعاة بهذا الغبار المتطاير (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) اتركهم امض في طريقك ودعهم ولأكاذيبهم ولدعايتهم الفاسدة (فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) كذلك فإن الله تبارك وتعالى نبه كما قال لنا: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) فطريق الدعوة صديقنا فيها ليس الأخ ابن الأم والأب، وليس الذي نزلنا من صلبه، وإنما صديقنا فيها رفيق الطريق. قد يكون الأب هو العدو وقد يكون الأخ هو العدو وقد يكون العم هو العدو -وليس هذا مهماً- المهم أن يعلم الدعاة أن الطريق إلى الله لا بد فيه من مصادفة عقبات من هذا النوع فأرجو من الله أن لا تكون هذه الظواهر شيئاً يفت في أعضاء الإخوة واعلموا أيها الإخوة أننا أمام أمر عظيم هو مستقبل الجنس البشري بكامله ارفعوا من هممكم وارفعوا من اهتماماتكم ووسعوا مشاعركم ونموا عواطفكم والتصقوا بربكم ينصركم الله إن شاء الله وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.