حمروش
رواية للفتيات والفتيان
ملاحظة: الأسماء الواردة في هذه الرّواية خياليّة، وإذا وجد أحدها على أرض الواقع فهو مجرّد صدفة.
في سهرةِ عُرسِ شقيقِه جلس سعيدٌ في زاويةِ الخيمةِ القريبةِ إلى بابِها، يستمعُ لأحاديثِ الكبارِ، ويستعدُّ في الوقتِ ذاتِه لِتَرْكِ مكانِه إذا ما طلبَ أحدُهُم منه ذلك، فهو لا يزال في العاشرةِ من عمره، ولا يحقُّ له مجالسةُ الكبارِ، خصوصًا وأنّ أباه وأعمامَهُ موجودون في تلكَ السّهرةِ، أمّا العريسُ وأبناءُ العمِّ فهم واقفون وكأنّهم جنودٌ في حالةِ طوارئ؛ لِيَخدموا الضّيوفَ والأقاربَ الّذين جاؤوا للمشاركة في سهرة زفافِ شقيقِه محمود.
التفت إليه أبوه وسأله:
لماذا تجلس هنا يا سعيد؟
أجاب سعيدٌ بلباقة:
أنا هنا لخدمةِ الضّيوف.
ابتسم والدُه وقال:
الله يرضى عليك.
تطرّق كبارُ السّنِّ من الرّجالِ إلى أحاديثَ كثيرةٍ، وبما أنّهم يقضون غالبَ وقتِهم في بيوتهِم، وقليلٌ منهم من يرتادُ المسجدَ، فإنّهُ لا جديدَ لديهم، وأحاديثُهم تدورُ حولَ أحداثٍ أو حكاياتٍ" أكلَ عليها الدّهرُ وشرب". عندما تطرّقَ أبو زيدٍ" لمغارةِ الصّالحين"، الّتي رافقتْها أقاويلُ وحكاياتٌ دبّتِ الرُّعبَ في قلوبِ أبناءِ البلدةِ كافّة، حتّى إنّ الغالبيّةَ العظمى منهم يتجنّبون المرورَ ليلًا في الطّرقاتِ القريبةِ منها، وإذا ما مرّوا منها نهارًا، فإنّهم لا يلتفتون إلى المغارة، ومع ذلك فإنّ نبضاتِ قلبِ من يمرُّ منها تزداد، ويقفُ شعرُ رأسِه من الخوفِ، يشعرُ بِحكّةٍ في أجزاءَ مختلفةٍ من جسمِه، فقالَ أبو زيدٍ - الّذي يعتبرُه أهلُ البلدةِ مثالًا للشّجاعة والمروءة- وبحّةٌ تطغى على صوتِهِ:
هذه المغارةُ - والعلمُ عندّالله- تسكنُها أرواحٌ صالحةٌ، لا تقبلُ الأخطاءَ والخطايا، الّتي يرتكبُها البشرُ، لذا فهي تخرجُ من عالمِها الآخرَ؛ لِتردَعَ من يرتكبُ خطأً فيه كفرٌ – والعياذُ باللّه-.
اشرأبّتْ أعناقُ الرّجالِ، فخيّم الصّمتُ عليهم، وتوّجّهت أنظارُهم صوبَ أبي زيدٍ، يُصغونَ لحديثِه بقلوبٍ خاشعةٍ.
أشعلَ أبو زيدٍ غليونَهُ بعدَ أن نظّفَهُ بمسمارٍ وعبّأهُ بتبغِ " الهيشي" وأضاف:
يعلمُ اللهُ أنّ أباءَنا قد شاهدوا في ذلك الكهفِ أشياءً" يشيبُ من هولِها الولدان"، فجدّي أبو مسعودٍ- رحمه الله- وهو من الرّجالِ المعدودين، ويشهدُ له بذلك كلُّ من عاصروه، وبالتّأكيد أنّكم سمعتُم عنه من آبائكم ومن أجدادكم، فقاطعوا حديثَهُ قائلين:
رحمه الله، فقد حظيَ بمهابةٍ أورثها لأبنائِهِ وأحفادِه من بعدِه.
عاد أبو زيدٍ يشعلُ غليونَه من جديد ويقول:
وقد روى لنا جدّي أنّه مرّ ذاتَ ظهيرةِ يومٍ- وهو في عزِّ شبابِه- من أمام المغارة، فرأى فيها امرأةً جميلةً ضخمةً يزيدُ طولُها عن ثلاثة أمتار، فولّى هاربًا من المكان، وتحاشى أن يَمُرَّ ثانيةً من أمام تلك المغارة.
فتدخّلَ أبو فارسٍ وقال:
تصديقًا لكلامِكَ فإنّ أبي -رحمه اللهُ- قال لنا بأنّه رأى امرأةً طويلةَ القامةِ تجلسُ وشعرُها يُخيّمُ عليها، فيغطّي جسدَها بحيثُ لا يظهرُ منه شيئًا، ولم ينتبه لها إلّا بعد أنِ رفعت يدَها اليُمنى وأزاحتْ شعرَها عن وجهِها، فبانت كالحور العين، فتجمّدَ أبي مكانَهُ، وارتبطَ لسانُهُ، وقالَ بأنّ عينيها حوراوان، واسعتان كما فنجان القهوةِ، وجهُها أبيض مستديرٌ كما الشّمس، ابتسمتْ لوالدي؛ لِيطمئِنَّ لها، لكنّه ولّى هاربًا منها وهي تضحكُ خلفَهُ وتقولُ:
تعال ولن تندمَ، لا تكنْ جبانًا. وقد أُصيبَ أبي بعد هذه الحادثة بحمّى أقعدتْهُ في الفراش أكثرَ من أسبوعٍ، وشهدتْ له أمّي بذلك، وأضافت بأنّه لم يشْفَ من مرضِه إلّا بعد أنْ أسقتْهُ جدّتي من " طاسةِ الرّجفَة".
فقال الحاجُّ خنيفس:
الله يرحمهم كانوا صالحين، وربُّنا -سبحانه وتعالى- يكشفُ لهم المستورَ، وأضاف:
والله أنا العبدُ الفقيرُ للهِ تعالى رأيتُ بعينيّ هاتين -وهو يرفعُ إصبعيه السّبّابةِ والوسطى أمام عينيه- الّلتين سيأكُلهما الدّودُ بعد موتي، في مغارةِ الصّالحين امرأةً ما شاهدتُ أخرى تُشبُهها، فهي كاملةُ الأوصاف، غرّاءُ فرعاءُ، رأيتُها والدّماء تسيلُ من شدقيها وبجانبِها موقدٌ، وأمامها رجلٌ ممدودٌ عارٍ تماما، وبيدها سيفٌ، تقطعُ أجزاءً من الرّجلِ، وتلقي بها فوق الموقد، فانسحبتُ بخفّةٍ قبل أن تنتبهَ لي، وعدتُ إلى بيتي وقد بلّلتُ ملابسي، فلمّا رأتْني زوجتي وقد اصفرّ وجهي من هول ما رأيتُ، وأصبحتُ في حالة إعياءٍ شديدةٍ، قفزتْ باتّجاهي مذعورةًـ وسألتْني عمّا حصل لي، فأجبتُها:
لا شيءَ لم يحصلْ لي شيءٌ، وبيني وبينكم كتمتُ عنها السّرَّ خوفًا عليها، فكما تعلمون قلوبُ النّساءِ ضعيفةٌ.
استمع له الحضورُ وبعضُهم يلهثُ من الخوفِ، ولمّا أتمّ حديثَه عن تجربَتِه مع" مغارة الصّالحين"، أثنى بعضُهم على شجاعتِه وقوّةِ بأسِه، حتّى إنّ الحجّارَ عبدَ المُعطي قال:
والله إنّك رجلٌ شجاع شديدُ البأس، ولو كنت مكانكَ لتجمّد الدّم في عروقي، وَلَمُتُّ رُعْبًا.
فانفرطَ الحضور ضاحكين.
أمّا أبو الوليد فقد قال:
هذه المغارةُ عجيبةٌ غريبةٌ، وتجربتي فيها مريرةٌ كتمتُها في نفسي، ولمْ أقُصّها على أحد.
فسأله أبو زيد: لا يليقُ بكَ أن تكتُمَها ما دامتْ سيرةُ المغارة قد فُتِحَتْ.
أبو الوليد: يا رجلُ ما رأيتُه حصل معي قبل أكثر من ثلاثين عامًا، ولمْ أقصّه على أحد، كيلا أخيفَ الآخرين.
اعتدل أبو زيد في جِلستِه وقال:
يا أبا الوليدُ هذه ليستْ أسرارًا؛ كي تكتُمَها، فنشرُها هو الصّحيح؛ كي يأخذَ النّاسُ حذرَهم؛ لِيَبْتَعِدوا عن هذه المغارة.
وبعد جُهدٍ جهيد قال أبو الوليد بعدَ أن برمَ شاربيه:
صلّوا على النّبيّ، صمت قليلًا وأضاف:
كنتُ عائدًا من البيادر وأنا أمتطي البغلَ -أجلّكمُ اللهُ-، ولمّا مررتُ من بابِ المغارة سمعتُ صوتًا غريبًا، فالتفتُّ دون قصدٍ منّي، وإذا بأفعى حجمُها أكبر من حَجْمِ الحصان، ورأيتُها وهي تبتلعُ خروفا، كانت تفتحُ فمَها وهي تبتلعُ قدميه الخلفيّتين، فأرخيْتُ رسنَ الحصانِ وضربتُه بعصًا على رقبتِه، فانطلق يسابقُ الرّيحَ، والعلمُ عندَ اللهِ أنّ البغلَ عدا بأقصى سُرعتِه، لأنّه رأى الأفعى فخافَ منها هو الآخر.
فقالَ الحاجُّ خنيفس:
"الهروب في هيك حالات ثِلْثين المراجل".
أمّا أبو زيد فقد قال:
هذا هو ما يخيف بهذهِ المغارة، فبلادُنا لا يوجدُ فيها ثعابينُ بالحجم الّذي رآه أبو الوليد.
وهنا غضب أبو الوليد وسأل:
هل تُكّذّبُني يا أبا زيد؟
أبو زيد: معاذَ الله يا أبا الوليد أنْ أكَذِّبكَ، لكنّي قصدتُ القولَ أنّ هكذا أفعى لا بُدَّ أن تكون من العجائبِ الّلامعقولة الّتي نراها في تلك المغارة.
استمع سعيدٌ الطّفلُ لأحاديث الكبارِ بانتباهٍ شديدٍ، ولمّا سمع قصّةَ أبي الوليد عن الأفعى العملاقةِ استأذن من أبيهِ كي يتكلّم، ولمّا سمحوا له بالحديث قال:
كنتُ ألعبُ أنا وعددٌ من زملائي في تلك المغارة، ورأيتُ إحدى الزّواحفِ الصّغيرةِ تمشي على طحالبَ خضراء، لونُ تلك الزّاحفة أخضرُ، كانتْ تفتحُ فمها وتنفخُ، فدفعتُها بخشبةٍ صغيرةٍ كانت معي، فسقطتْ على الأرض، فتحلّقنا حولَها، ولمّا مشتْ على التّرابِ محاولةً الهربَ منّا، وضعتُ الخشبةَ تحت بطنِها، وألقيتُ بها على الطّريق أمامَ المغارة، فانقلبَ لونُها من الأخضرِ إلى لون التّراب، فعدتُ ورفعتُها بالخشبة، فأمسَكتْ بها بقوائمِها الأربعة، وعدتُ بها إلى البيتِ، وأنا أستغربُ حركةَ عينَيها وكأنّها ترى من الجهات الأربعة، وفي الطرّيق مازحتُ زملائي، وحاولتُ أنّ أضعَ تلك الزّاحفة عليهم، فيهربون منّي وهم يصرخون، وعندما وصلتُ البيتَ رأتْها أمّي فصاحتْ بي:
من أين لكَ هذه الحرباءُ يا سعيد؟
فسألتُها وأنا أشيرُ إلى الزّاحفة:
هذه هي المرّةُ الأولى الّتي أشاهدُ فيها حرباء حقيقيّةً، ورددتُ على سؤالها:
هذه وجدتُها في مغارة الصّالحين.
فانتفضت أمّي وقالتْ مذعورةً:
مِنْ مغارةِ الصّالحين؟ كم مرّةً قلتُ لك لا تلعبْ هناك، ولا تدخلْ تلك المغارة.
وركضتْ إليّ وانتزعتِ الخشبةَ من يدي وهي تُبسملُ وتتعوّذُ بالله من الشّيطان الرّجيم، وهرولتْ إلى المغارة؛ لِتُعيدَ الحرباء إليها.
هلّلَ الحضورُ وكبّروا عندما سمعوا قصّةَ سعيدٍ مع الحرباء، فقالَ أبو زيد:
يبدو أنّ الأرواحَ الّتي تسكنُ المغارةَ تُحبُّ الأطفالَ ولا تُؤذيهُم، ولهذا فهي تظهرُ لهمِ على شكلِ حشراتٍ وزواحفَ صغيرةٍ؛ كي لا يخافوا منها.
وهنا تساءلَ أبو الوليدُ:
كيف تُحبُّ الأطفالَ ولا تؤذيهم ومنّا من رآها تشوي رجُلًا وتبتلعُ خروفَا؟
أبو زيد: الأطفالُ أحبابُ الله، ولا يؤذيهم مخلوقٌ عاقلٌ.
وهنا تدخّلّ الطّفلُ سعيدٌ وسأل:
هل الرّجلُ الّذي شَوَتْهُ امرأةُ المغارةِ من أبناء القرية؟ وهل الخروفُ الّذي ابتلعته الأفعى يملكُهُ أحدُ مربّي الأغنامِ من أبناء القرية؟
نظرَ الرّجالُ بعضُهم في وجوهِ بعض لا يجدون جوابًا لسؤالِ الطّفلِ سعيد، فعاد سعيدٌ يسألُ ثانيةً:
هل سمعتم عن فقدانِ رجالٍ وأغنامٍ من القُرى والبلداتِ المجاورة؟
فعادوا ينظرُ كلٌّ منهم إلى وجوهِ الآخرين؛ لِيَسمعَ جوابًا لكن دون جدوى، وعندما خيّمَ الصّمتُ عليهم، ابتسمَ سعيدٌ ببراءة طفولتِه، فانتبه أبوه له وسأله:
لِمَ تبتسمُ يا سعيد؟
فردّ سعيدٌ ضاحكًا:
كلُّ ما قصصتموهُ عن المغارة خُرافاتٌ لا يُصدِّقُها عاقلٌ، ولو كانت صحيحةً، لما كنّا موجودين، لأنّ المرأةَ التي تأكلُ الرّجالَ والأفعى الّتي تبتلعُ الخراف، لو كانت حقيقة، لما بقي منّا واحدٌ على قيدِ الحياة.
وهنا صاحَ أبو سعيدٍ بابنه وتساءل:
هل تُكَذّبُ أباءَك وأجدادَك يا غلام؟ انصرف من هنا.
انصرفَ سعيدٌ خائبًا من مجلسِ الرّجال، فخرجَ يلعبُ مع الصّبيان.
بعد أن خرجَ الطّفلُ سعيدٌ من المجلس، انشغل عددٌ منهم بكلامه، حتّى إنّ محمّد العيسى وجّهَ حديثَه لوالدِ سعيدٍ وسأل:
لِمَ صرفتَ سعيدًا من المجلس، فهو ولدٌ ذكيٌّ ومهذّبٌ؟ وليتَكُم تفكّرون بأسئلتِه وتحاولون الإجابةَ عليها؟
الوالد: ماذا تقول يا رجل؟ هل تريدُني أن أتركَ ابني يتطاولُ على وجاهات وشيوخِ القريةِ وأبقى ساكتًا؟
- الولدُ لم يتطاولْ على أحدٍ، وهو ذكيٌّ بطريقةٍ لافتةٍ، وليتَ الكبارَ يفكّرون مثلما يُفكّر.
وهنا تنحنحَ أبو عارفٍ وقال:
هل تعلمون أنّني بعد أن سمعتُ كلامَ هذا الطّفل قد شعرتُ بأنّني كنتُ كالمضبوعِ، والآن التطمَ رأسي بسقف جُحْرِ الضّبعِ، فسال دمي وعدتُ إلى رُشدي؟
تنحنحَ أبو زيدٍ ورفعَ صوتَهُ قائلًا:
اسمعوا يا قومُ، يبدو أنّنا في آخر الزّمان، فهل يُعقلُ يا محمّد العيسى أن نُسَفِّهَ عقولَ آبائِنا وأجدادِنا وحكمتَهم وما رأيناه بعيونِنا، وننجرَّ خلفَ صبيٍّ لم يبلغْ سنَّ الحلم؟
محمّد العيسى: لا يعيبُنا إذا ما صحّحَ أبناؤنا أخطاءَنا.
أبو زيد: عن أيّ أخطاءٍ تتحدّثُ يا رجل؟
محمّد العيسى: ليتكم تُجيبون على تساؤلات الطّفلِ سعيد؟
أبو زيد: أيّةُ أسئلةٍ يا رجل؟
محمّد العيسى: من هم الرّجالُ الّذين أكلتهم امرأةُ المغارةِ المزعومة؟ وهل رأيتمُ امرأةً تأكلُ رَجُلًا؟ ومن يملكُ الخرافَ التي تبتلعُها أفعى المغارةِ المزعومةُ؟
وهنا لم يعدِ الحاجُّ خنيفس قادرًا على السّكوت فوجّهَ حديثَهُ لمحمّد العيسى وسأل:
هل يعني هذا يا ابن "صبحة الطّرما" أنّك تُكذِّبَ ما رأيتُه بعينيّ؟
وهنا شعر محمّد العيسى بإهانةٍ مزدوجةٍ له ولوالدتِه، لكنّه تمالك أعصابَه، احترامًا للبيتِ حيثُ يجلسون، وللحضور، وعدا عن أنّ الحاجّ خنيفس أكبر عمرًا من أبيه، فتصنّعَ ضحكةً صفراويّةً وقال:
أنا لا أُكَذِّبُ أحدًا، ومن حقّي ألَا أصدّقَ كلَّ ما أسمعُ. وما تتحدّثون عنه وتقولون بأنّكم رأيتموه بعيونكم فهو من باب" الّلي بِخاف من القرد، في الّليل بطلع له".
الحاجّ خنيفس: ماذا تقصد؟
محمّد العيسى: أقصدُ أنّكم تؤمنون بخرافاتٍ خارقةٍ، ومن شدّةِ خوفِكم منها، فإنّكم تحلمون بها، وتُصدّقون ما تحلمون به.
حسمَ أبو زيدٍ النّقاشَ وسأل:
هل تعلمونَ قصّةَ وتاريخَ هذه المغارةِ؟
تنهّد أبو الوليدُ وأجاب:
لقد سمعنا أحاديثَ كثيرةً عن هذه المغارة، لكن من حفرَ هذه المغارةَ؟ وما هو تاريخُها، فلا يعلمُها إلّا الله.
برمَ أبو زيدٍ شاربيه وسأل باعتبارِه عميدَ القريةِ وحكيمَها:
هل تحبّون سماعَ تاريخِ المغارة الصّحيح؟
فأجابوا بصوت واحدٍ: يا ليت.
التفتَ أبو زيد إلى محمّد العيسى وسأل:
هل تحبُّ سماعَ تاريخِ المغارةِ يا محمّد؟
محمّد العيسى: أَسمِعنا يا عمّ.
أبو زيدٍ: سأقصُّ عليكم تاريخَ المغارةِ كما سمعتُه من جدّي لأبي، ومن أبي، كما سمعتُه من آخرين من مجايليهما.
الحاجّ خنيفس يوجِّهُ حديثَه لأبي زيد قائلًا:
والله "إنّك حلو وكلامك أحلى".
أبو زيد: هذه المغارةُ خلقها اللهُ عندما خلق الأرض، يعني أنّها قديمةٌ جدّا، لذا فهي واسعةٌ جدّا، وعندما تشكّلتْ قريتُنا قبلَ آلافِ السّنين، وكما تعلمون فإنّ أصولَنا تعودُ إلى خمسةِ إخوةٍ كانوا يفلحون الأرض، وتقاسمَ الإخوةُ المغارةَ، وسكن كلُّ وحدٍ منهم في قسمِه، ولمّا تكاثروا انتشروا وبنوا بيوتًا على سفح الجبلِ، الّذي يعلو المغارة، وصارت قريةً تتكوّنُ من خمسِ حمائل. واستعملوا المغارةَ مخزنًا لِتَخزينِ الحطبِ فيها. قبلَ أكثر من مائةِ عامٍ مرّتْ سنةُ خِصْبٍ تساقطتْ في فصلِ شتائِها ثلوجٌ تراكمتْ وأغلقتِ الطّرقات، ولمّا ذاب الثّلجُ وبانَ المرجُ ذهبتِ النّساءُ؛ لِيُحضرنَ الحطبَ من المغارةِ، وهناك وجدنَ ثلاثةَ رجالٍ غرباء، وقد أحرقوا جميع الحطبِ في المغارة، فصرخن واستنجدن برجالهنّ، وعندما وصل الرّجالُ المغارةَ صاح بهم الرّجالُ الثّلاثةُ قائلين:
لقد أحرقنا الحطبَ إنقاذًا لكم من غضبٍ ربّانيّ، ففي هذه المغارةِ مدفونٌ وليّ من أولياء الله الصّالحين، اسمه الشّيخ حمروش، وعندما تأتي نساؤكم إلى المغارةِ؛ لِيَأْخُذْنَ الحطبَ فإنّ بعضَهنّ تقضي حاجتَها على القبرِ الطّاهر، فتعالو وانظروا القبرَ، فقد حفرنا وأزلنا الأوساخَ عنه.
هلّلَ أهلُ البلدةِ وكبّروا وشكروا الرّجالَ الثّلاثةَ على تقواهم وورعِهم. واستضافوهم في بيوتهم.
جمعَ رجالُ القريةِ ما تيسّر لهم من مال وسلّموه للرّجال الثّلاثة؛ لِيبنوا ضريًحا على قبرَ الشّيخ حمروش. وما لبثوا أن بنوا بيتًا لكلّ واحدٍ من الرّجالِ الثّلاثة، وزوّجوهم أجملَ ثلاثِ نساء من بنات القرية. ومنذُ ذلك الوقت صارت المغارةُ مُقدّسةً، وعرف أهلُ القرية قدْرَ ومقامَ الشّيخِ حمروش، فصاروا يُقسمون باسمه لإثبات شيءٍ ما أو لنفيه. وأضاف أبو زيد:
والعلمُ عند الله أنّنا نحن من أحفادِ أولئك الرّجالِ الثّلاثةِ الصّالحين.
لكنّ محمّد العيسى ضرب كفّا على كفّ وحوقل وقال:
" لا يُصلح العطّار ما أفسد الدّهر". بينما الطّفل سعيدٌ يقف ضاحكًا خارج الخيمةِ بعيدا عن عيني أبيه، ومواجِهًا لمحمّد العيسى، استمع الطّفلُ لرواية أبي زيدٍ وضحك من أعماقِ قلبِه، فقد سمع روايةً أخرى من محمّد العيسى، ومن بعضِ شبابِ البلدة.
التفتَ أبو زيدٍ لمحمّد العيسى وقال:
عندما انتهيتُ من سرْدِ قصّةِ الرّواية سمعتُك تُحوقلُ، يبدو أنّك لم تُصدّقِ القصّة؟
من جانب بابِ الخيمةِ قال الطّفلُ سعيدٌ بصوتٍ مُرتفعٍ وهو يهربُ من المكان:
أنا لم أصدّقُ روايتك يا أبا زيد.
كتم محمّد العيسى ضحكةً وقال:
" إذا انجنّوا جماعتك ما بنفعك عقلك".
فردّ عليه أبو الوليد:
الصّحيح:" إذا انجنوا جماعتك فَتِّشْ على عقلك".
أمّا الحاجُّ خنيفس فقد قال لمحمّد العيسى ساخرًا:
أراك يا ابن صبحه "الطّرما" لا يُعجبك العجب ولا الصّيام في رجب"، وبما أنّك وصفتَ أهلَ القريةِ بالجنون، فما هي قصّةُ العقلاءِ الّتي تعرفها؟
استفزّ الحاجُّ خنيفس بكلامِه وسخريتِه محمّد العيسى، لكنّ العيسى تمالك أعصابَه وقال وهو يبتسم:
قصّةُ المغارةِ وتاريخُ قريتِنا يعرفُه جميعُ أبناءِ المنطقة، ويروونها وهم يضحكون، وأعتقد أنّكم جميعكم سمعتموها.
فقال أبو زيد:" زيادة الخير خير". أسمعنا روايتَك يا محمّد.
في هذه الأثناء تسلّل الطّفلُ سعيدٌ إلى داخل الخيمة، جلس بجانب أبي زيد بعيدًا عن نظراتِ أبيه؛ لِيَستمعَ لروايةِ محمّد العيسى، مع أنّه سمعَها من قبل.
قال محمّد العيسى: لقد جاء القريةَ ثلاثةُ لصوصٍ يمتطي كلٌّ منهم حمارًا؛ لِيَسرقوا، ولمّا وصلوا طرفَ القريةِ كانوا مُنهكين من شدّةِ البردِ والتّعب، احتموا بالمغارة المذكورة من الثّلوجِ الكثيفةِ المتساقطة، وأشعلوا نارًا وقودُها من حطبِ القريةِ لِيَتَدَفّأوا. ومات حمارٌ من حميرهم، فدفنوه في المغارةِ بناءً على نصيحةِ أحدهم؛ لِيَجعلَ منه وليًّا صالحًا، وانطلتْ خديعتُهم على أهلِ القريةِ الّذين بنوا ضريحًا على القبر، وصاروا كلّهم يقدّسونه ويُقسمون باسمه" حمروش"، وتزوّجوا أجملَ ثلاثِ نساء في القرية، وواصلوا سرقةَ البيوت، ويتقاسمون ما يسرقون، وذات يوم سرق أحدُ الّلصوص زميلَه، وأقسم بالشّيخ "حمروش" أنّه لم يسرقه، فقال له الآخر:
كيف تقسمُ بالشّيخ حمروش وتريدُني أن أصدّقَك و"احنا دافنينه سوا"؟
**************
في مُحاولة من أبي زيدٍ لإثباتِ صِحَةِ روايتِه عن المغارة، وأنّ أحاديثَ المناطقِ الأخرى عن الّلصوص -كما رواها محمّد العيسى- ما هي إلّا أكاذيبٌ اختلقها الحاسدون، وكي يثبتَ صِحَّةَ رأيِه حولَ وجودِ أرواحٍ في المغارة فقد أعلن:
لقد تقدّمَ كثيرون لخطبَة ابنتي، لكنّني لن أُزوّجَها إلّا لمن يغرسُ ليلًا وتدًا أعطيه له في وسطِ المغارة، ومن يفعلُ ذلك فابنتي له دون مهر.
فقال محمّد العيسى:
والله لولا أنّني متزوّجٌ ما غرسَ الوتدَ في المغارة أحدٌ غيري، ودون شروطٍ أعطني الوتدَ الآنّ يا أبا زيدٍ؛ لأغرسَه في المغارةِ، ولِأعودَ إليكم وأنتم في مجلسكم هذا.
أبو زيد: سأعطيك الوتدَ الآن وإن غرستَه في المغارة فجمانة ُحليلةٌ لك دون مهرٍ.
محمد العيسى: تعرفون جميعُكم أنّني متزوّجٌ من زينبَ ولن آتيها بضّرّة.
نظر الحاجّ خنيفس إلى محمّد العيسى وقال:
هذه حجّة الجبانِ يا ابن صبحه الطّرما.
شعر محمّد العيسى بالإهانة وقال لخنيفس:
تحمّلتك كثيرًا بسبب شيخوختِك، وإيّاك أن تذكرَ أمّي على لسانك مرّةً أخرى وإلّا....،
وأضاف: بما أنّكم مصرّون على شرطكم هل تقبلُ يا أبا زيدٍ تزويجَ بنتِكَ جمانة لياسين ابن عمّي إذا ذهبتُ الآن وغرستُ الوتدَ في المغارة؟
أبو زيد: ابنتي لن تتزوّجَ إلا مِنْ الّذي يغرسُ الوتدَ بيديه في المغارة لا بيديْ غيرِه.
الطّفلُ سعيدٌ: أعطوني الوتدَ الآن وسأغرسُهُ في المغارة.
ضحك الجميع من كلامِ الطّفلِ سعيدٍ، ومازحَه أبو الوليد قائلًا:
إذا غرستَ الوتدَ في المغارةِ يا سعيد هل ستتزوّجُ جُمانة؟
أجاب الطّفلُ سعيد على سؤال أبي الوليد ببراءة الطّفولة:
خالتي جُمانة ستتزوّجُ شابّا من جيلِها.
أمّا محمّد العيسى فقد قال:
سأُقنعُ ياسين ابنُ عمّي غدًا.
***************
بعد حوالي شهرٍ جاء ياسين وابنُ عمّه محمّد العيسى إلى ديوان أبي زيد، وقال:
إذا غرستُ الوتدَ في مغارة الصّالحين هذه الّليلة، فمتى ستُزَوِّجُني جمانة يا عمّ؟
أبو زيد: سأزوّجُها لك غدا يا ياسين.
ياسين: أعطني الوتدَ الآن.
أبو زيد: سأعطيك الوتدَ عند منتصفِ الليّلة، بشرط أن يوافقَ أبوك وعمُّك أبو مُحمّدٍ على شَرطي، وإن لم يوافقا فلن أعطيَك الوتدَ؛ كيلا يتّهماني بقتلِكَ إنْ قتلتْكَ الأرواحُ في المغارة.
وهنا وقف محمّد العيسى وقال:
سأُحْضِرُ الآن أبي وعمّي ياسين؛ لِتَسمعَ موافقتَهُما.
وهنا طلب أبو زيدٍ من أحدِ أبنائه أن يذهبَ؛ لِيَدعُوَ إمامَ المسجدِ وعددًا من وُجهاءِ القريةِ؛ ليكونوا شهودًا على اتّفاقِه مع ياسين.
تجمّعوا في ديوانِ أبي زيدٍ، وعندما نظرَ أبو زيدٍ حركةَ النّجوم في السّماء سأل:
لقد انتصف الّليلُ فهل ما زلتَ على رأيكَ يا ياسين؟ ولمّا سمع مُوافقتَه قال على مسامعِ الجميع:
خُذِ الوتدَ الآنَ يا ياسينُ وأتمنّى لك التّوفيق. واشهدوا يا قومُ أنّني بريءٌ من دمِه إنْ حصلَ له مكروهٌ -لا سمحَ الله-.
نظرَ ياسينُ إلى الوتدِ وتمعّنَه، انتبهَ هو وابن عمِّه لحلقةٍ دائريّةٍ من النُّحاسِ معلّقةً برأسِ الوتد، فسألا عن ماهيّتِها؟ فأجابَ أبو زيدٍ:
هذه علامةٌ تُمَيِّزُ الوتدَ عن غيرِه.
عندما طلبَ ياسين "شاكوشًا" لِيَدُقَّ الوتدَ به، قالوا له:
الحجارةُ كثيرةٌ.
غادرَهم في طريقِه إلى المغارة، وهو يقولُ:
سأدقُّ الوتدَ في منتصفِ المغارةِ وسأعودُ إليكم فورًا.
انتظروه....بعد مرورِ ساعةٍ راودتْهُم أفكارٌ سوداويّةٌ كثيرةٌ، صلّوا الفجرَ جماعةً في المسجدِ وعادوا إلى بيتِ أبي زيد، عندما أشرقتِ الشّمسُ قال لهم أبو زيد:
إن لم تجدوا ياسين في بيتِه، فاذهبوا إلى المغارة؛ لِتَبحثوا عنه أو عن بقاياه.
ركض محمّد العيسى إلى البيتِ يبحثُ عن ياسين، ولمّا لم يجدْهُ ذهبوا جميعُهم بصحبة أبي زيد إلى المغارة، وكلٌّ منهم يحسبُ ألفَ حسابٍ ويتظاهرُ بالّلامبالاة، وكانتِ المفاجأةُ عندما وقفوا بابِ المغارةِ ورأوا ياسين مُمَدّدا في وسَطِ المغارة كما المصلوب، ركضَ محمّد العيسى ابنُ عمِّه باتّجاهِه، فوجدَهُ متجمّدا من شدّةِ الخوف، فقد غرسَ الوتدَ في طرفِ ثوبِه دون أن ينتبهَ لذلك وهو يجلس القرفصاء، وعندما أنهى مهمّتَه وقف فسحبَهُ الوتدُ من ثوبِه، فخاف خوفًا شديدًا أفقدَهُ وعيَه.
وضعَ محمّد العيسى رأس ياسين في حضنِه، وضربه بقبضة يدِه ضربات متتاليّة على جانب صدرِه الأيسر؛ لِيُنشّط ضرباتِ قلبِه، وعمل له تنفُّسًا اصطناعيّا حتّى أفاق من غيبوبته، بينما والدُه يصرخُ ويولولُ ويشتُم جمانة وكلَّ النّساء، كما يشتمُ ابنَ أخيه محمّد العيسى؛ لأنّه ورّطَ ياسين بهذه الكارثة.
عندما أفاق ياسينُ من غيبوبتِه، وجدوه قد تغوّط في ملابسِه من شِدَّةِ الخوف، فرافقَهُ ابنُ عمّه محمّد العيسى إلى البيتِ؛ كي يستحمَّ ويستبدلَ ثوبَه، لِيَعودا إلى بيتِ أبي زيد؛ كي يعقدا قِرانَ ياسين على جُمانة.
بعدَ أن استحمَّ ياسين واستبدلَ ثوبَهُ سألَهُ أبوه:
ماذا جرى لك في المغارة يا ولد؟
اصفرَّ وجهُ ياسين، وانعقدَ لسانُه للحظات، شربَ كوبَ ماءٍ وقال:
غرستُ الوتدَ في منتصفِ المغارة، وعندما حاولتُ القيامَ شعرتُ بشيءِ يشدُّني بقوّةٍ إلى الوتد، فوقعتُ على ظهري، وبعدَها لا أعلمُ ما جرى لي، ولم أنتبهْ إلّا ورأسي بين يدي محمّد العيسى ابن عمّي.
فقالَ محمّد العيسى: الّذي شدّك من ثوبِكَ هو الوتدُ، فقد غرستَهُ في طرفِ ثوبِك.
أبو ياسين: القضيّةُ ليست بريئة، وأخشى ما أخشاه أنّ حلقةَ النُّحاس المثبّتَةِ على رأسِ الوتدِ ليست عفويّة ولا بريئة، فقد يكونُ فيها سِحر؛ لِيوقِعَ أبو زيدٍ بمن يحاولُ أن يدقَّ الوتدَ في منتصفِ المغارةِ عند منتصفِ الّليل.
ضحك محمّد العيسى وقال:
هذه خزعبلاتٌ يا عمّ لا تمشي على قدمين، فأبو زيدٍ لم يكنْ على معرفةٍ بأنّ ياسين قد يأتيه؛ لِتَنفيذ شرطِه من أجلِ زواجِ ليلى.
وبعد جدالٍ بين أبي ياسين وأبي محمّد من جانب، وبينَ محمّد العيسى من جانبٍ آخر، حسمَ محمّدٌ الموضوعَ عندما قال:
دعونا نذهبُ الآن إلى بيتِ أبي زيدٍ؛ لِنَعْقِدَ زواجَ ياسين على جُمانة، وبعدها سأعود إلى المغارة لإحضار الوتدِ إليكم، فتفحّصوهُ كما تشاؤون.
عندما وصلوا بيتَ أبي زيدٍ، وقبلَ أن يحتسوا قهوةَ الضّيافةِ كما هي العادةُ قال أبو زيد:
حياتُنا كلّها "قِسْمِهْ ونصيب"، والحمدُ لله على سلامتك يا ياسين، والتفت إلى محمّد العيسى وقال:
آمل أن تكون قد اقتنعتَ يا محمّد بأنّ المغارةَ مسكونةٌ بالأرواح، بعدَ ما جرى لياسين.
دُهِشَ محمّد العيسى ممّا سمع وقال:
لمْ يحدُث لياسين ما يخالفُ المعقول، فقد غرسَ الوتدَ في طرفِ ثوبِه دون أن ينتبهَ لذلك بسبب الظّلام الدّامس، ولو كان هذا في النّهار لما وقع الحادثُ.
حوقلَ أبو زيد وقال:
يبدو أنّك ضعيفُ الإيمانِ يا ولدي.
ضحك محمّد العيسى وقال:
سواء كنتُ قويَّ أو ضعيفَ الإيمان فهذا أمرٌ بيني وبين ربّي، وآملُ يا أبا زيدٍ أنْ تفي بوعدِكَ وأن نعقدَ الآن قرانَ ياسين على جمانة.
عاد أبو زيدٍ يُحوقلُ ويلتزمُ الصّمت، فسأله محمّد العيسى:
ما بكَ يا رجل؟ "وعدُ الحّرِّ دينٌ".
فقالَ أبو زيد: مبروكةٌ عليكم جُمانة، وطلبَ من إمامِ المسجدِ أن يعقدَ قرانَ ياسين على جمانة.
وعندما سأله الأمامُ عن مهرِ العروس أجاب:
المُعجّلُ درهمٌ واحدٌ والمُؤجّلُ درهمٌ واحدٌ أيضا.
بعدَ إتمامِ عقدِ الزّواجِ باركوا لياسين ولوالده، وقال أبو زيد:
بإمكانك يا ياسين أن تأخذَ عروسَك الآن إلى بيتك.
وهنا قال أبو محمّد عمّ ياسين:
ماذا جرى لك يا أبا زيد؟ كيف يأخذُ عروسَهُ الآن؟ الإشهارُ من متطلّباتِ الزّواج، سنقيمُ سهرات لمدّة أسبوعٍ كاملٍ، ويومُ الجمعة القادم، سنأتيكم بِفارِدَةٍ كبيرةٍ؛ لِنأخذَ العروسَ.
أبو ياسين: وخلال هذا الأسبوعِ سنشتري لِجُمانة مصاغًا ذهبيّا وكسوةً كما بقيّة بناتنا.
أبو زيد: أنا قلتُ أنّ من يَغرس الوتدَ في مغارة الصّالحين عندَ منتصفِ الَليل، سأُزَوِّجِهُ جمانةَ دونَ مهرٍ، وليسَ سِرّا أخفيهِ عنكم، أنّ هذا هو شرطُ جمانة، فقد طلبها كثيرون؛ ورَفَضَتْهم لأنّها تريدُ شريكَ حياتِها شجاعًا شهمًا.
إمام المسجد: الشّرعُ يشترطُ مهرًا.
أبو زيد: لهذا قلتُ أنّ مهرَ جمانةَ درهمٌ واحدٌ.
أبو ياسين: ما قصّرتَ يا أبا زيدٍ، وكما قال المثل:" إذا صاحبك عسل لا تلحسه كلّه"، والمصاغُ الّذي سنشتريه لجمانة، ليس مهرًا لها، بل هو هديّةٌ منّي ومن ياسين لها.
ابتسم محمّد العيسى عندما سمعَ شَرْطَ جمانَة، فقد تذكّرَ أنّ ياسين تغوّطَ في ملابسِهِ من شدّةِ الخوفِ، عندما أمسكَ الوتدُ ثوبَه.
ذهبَ محمّد السّعيد واشترى حوالي خمسة كيلوغرام "حامض حلو، وملبّس على لوز وخمسة أطباقِ حلقوم"، حلوى للخطبة ولعقد الزّواج وعاد بها إلى بيتِ أبي زيد.
بينما ذهب ياسين برفقة أبيه لشراء خاتم الخطوبة وقلادةَ ذهبِ للعروس.
*************
في ساعاتِ الضّحى خرجَ الأطفالُ؛ لِيَلعبوا في الحقولِ، وليجمعوا ما يحلو لهم من نباتات الأرض الّتي تُؤكلُ نيّئة، فيأكلون منها ما يشاؤون، ويعود كلُّ منهم بكمّيّة منها إلى بيتِه، يأكلُها والداه وإخوتُه الصّغار.
في أثناء عودتِهم من الحقولِ مرّوا بمغارة الصّالحين، فدخلوا المغارةَ؛ لِيَسْتَريحوا بناءً على اقتراحِ من الطّفلِ سعيد، وهناك جلستْ الطّفلةُ سعديّةُ بنت السّنوات الخمسِ على ضريح "الشّيخِ حمروش، وفي لَفْتَةٍ عفويّة منها رأتِ الوتدَ المغروسّ في الأرض، فقفزت وأمسكتْ بحلِقَتِهِ النّحاسيَةِ، حاولت رَفْعَ الوتدِ وهي: تسألُ ما هذا؟ لكنّها لم تستطعِ اقتلاعَ الوتدِ، فهرَعَ إليها زميلُها سعيد، ولم يستطعْ هو الآخرُ اقتلاعَ الوتدِ إلّا بعدَ أنْ ضربَهُ بحجرٍ صَلدٍ على جوانبِهِ، وعندما تخلخلَ الوتدُ انتزعَهُ سعيدٌ بِقُوّةٍ، وحمله معه.
*****************
بعد أنِ انفضّتْ جلسةُ خطوبةِ ياسين على جمانة، ذهبَ محمّد العيسى إلى المغارةِ؛ كي يحضرَ الوتدَ؛ لِيَتَفَحّصَهُ عمُّه أبو ياسين، وفي الحقيقة فإنّ محمّد العيسى لا يُؤمنُ بهكذا خرافات، وما ذهابُه إلى المغارة لإحضارِ الوتدَ إلّا تلبيةً لِرغبةِ عمِّه أبي ياسين.
وقف محمّد العيسى في وسط المغارةِ حائرًا، نظرَ إلى ضريحِ حمروش فشعرَ للمرّةِ الأولى بشيءٍ من الخوف. دار في جَنَباتِ الضّريح وإذا بأفعى رفيعة خضراءَ الّلونِ يزيدُ طولُها عن المتر تلتفّ عند شاهد القبر، أمسكَ حجرًا؛ لِيَطحنَ رأسَها به، لكنّه تراجع عندما لمعتْ بدماغه الأرواحُ الّتي يقول أبو زيدٍ أنّها تسكنُ المغارة، وإذا بأبي الوليدِ يمرُّ من باب المغارةِ وعلاماتُ الخوفِ باديةً على وجهه، خصوصًا عندما سمعَ وَقْعَ خُطوات محمّد العيسى، فأغذَّ الخطوَ مسرعًا، فناداه محمّد العيسى قائلًا:
إلى أين أنتَ ذاهبٌ يا عمّ، فجفلَ مذعورًا، لكنّه تظاهر بالجرأة، وقال:
ماذا تُريدُ يا محمّد؟ وماذا تفعلُ هنا؟
من جانبه استأنسَ محمّد العيسى بِرُؤيةَ أبي وليد وقال:
رأيتُ أفعى تدخلُ المغارةَ فتبعْتُها؛ لِأقتُلَها.
فقال أبو الوليد بِصوتٍ مبحوحٍ:
اتركْها يا رجُل، فهذه المغارةُ لا يدخلُها عاقلٌ وسأل:
هل قتلتَها؟
تظاهر محمّد العيسى بالشّجاعة وقال:
لم أقتُلْها بعدَ أنِ اقتربتُ منها وعرفتُ أنّها من أفاعي الحقولِ، الّتي تبتلعُ الحشراتِ والفئران، وهي غيرُ سامّة.
أبو الوليد: اترُكْها وشأنُها وتعالَ معي.
محمّد العيسى: تقدّم قليلًا يا أبا الوليد لِتُساعدَني في البحث عن الوتدِ الّذي دقّهُ ياسين في المغارة، فكما يبدو هناك من اقتلَعَه.
تقدّم أبو الوليد وهو يُحاولُ التّغلُّبّ على مخاوفه، لكنّه لم يستطعْ حَبْسَ لُهاثِه. وأشارَ إلى مكانِ الوتدِ وقال:
الوتدُ غُرِسَ هنا، لكن يبدو أنّ شخصًا ما اقتلعه، هيا بنا يا محمّد فاختفاءُ الوتد ليس عفويًّا ولا بريئًا، والكلُّ يتحدّثُ عن الأرواحِ الّتي تسكنُ هذه المغارة.
تصنّع محمّدٌ ابتسامةً وقال بصوتٍ مرتفعٍ وهو يتظاهرُ بالشّجاعة:
يا أيّتُها الأرواحُ اخرجي إلينا إن كنتِ موجودةً.
وفي هذه الَلحظةِ سمعوا وقعَ خُطوات سريعةٍ فوق رأسيهما، فخرجا مسرعين، وجاءت التفاتةٌ من محمّد العيسى، وإذا أتانٌ ترعى الأعشابَ وجحشُها الرّضيعُ يحوم حولَها، فقال لأبي الوليد:
انظرْ تلك الأتانَ وجحشَها.
ارتاب أبو الوليد من طلبِ محمّد العيسى فقال:
لنْ أنظرَ، فليستِ كلُّ الحمير الّتي تراها حميرًا.
- كيف؟
- هناكَ أرواحٌ خفيّةٌ تتشكّلُ في أجساد حيوانات كما تريدُ.
- يا رجل هذه حمارةُ عمّي أبو ياسين وصغيرُها فأنا أعرفها.
- " ربُّكَ يخلقُ من الشّبَه أربعين".
- ماذا تقصد؟
- أقصدُ أنّها رُبّما تكونُ من الأرواح التّي تسكنُ المغارة.
عندما اقتربوا من البيوتِ سمعوا صُراخًا في بيتِ محمّد العيسى، والنّاسُ يهرعون إليهم، فقال أبو الوليد:
يا ستّار يا ربُّ، ورفعَ يديه إلى السّماء ودعا:
يا الله كُفّ عنّا شرّ هذا اليوم.
هرعوا إلى البيت وإذا أمُّ محمّد العيسى تصرخُ ألَمًا، فقد لدغتها أفعى في ساقها اليُمنى، فجاء خنيفس وقامَ بفصدِ مكان اللّدغةِ بعد أنْ ربطَ منديلًا فوق الّلدغة بشبر، وربطَ منديلًا آخرَ تحت اللّدغة أيضًا، لِيُحاصرَ السُّمّ؛َ كي لا ينتشرَ في الجسدِ من خلالِ الدّورَةِ الدّمويّة. وهو يقوم بمصِّ مكان اللدغّة بفمه بعد أنْ فصدَهُ بشفرة حلاقة.
سألَ محمّد العيسى:
هل رأيتم الأفعى الّتي لدغتِ الوالدةَ؟
فأجابَ أبوه، نعم عندما صرختْ أمُّكَ من شدّةِ الألَمِ، هرعتُ إليها وقتلتُ الأفعى بعصايَ، وها هي ممدودةٌ عنَد الجانبِ الشّرقيّ للبيت، حيثُ كانت والدَتُكَ تخُضُّ الّلبنَ؛ لِتَستخرجَ الزّبدةَ منه.
خرجَ محمّد العيسى؛ لِيرى الأفعى، فوجدها من أفاعي الحقولِ غير السّامّة، وهي لا تؤذي أحدًا، فعاد مُسرِعا إلى المُتجمهرين وقال على مسمع الجميع:
لا تخافوا فالأفعى غيرُ سامّةٍ وغيرُ مؤذيةٍ، ويبدو أنّ الوالدةَ قد داستها بقدمِها فالتفّت على ساقها. والتفتَ إلى خنيفس وقال:
اتركِ الوالدةَ يا حاجّ، فهي لا تعاني من أيّ شيء.
اقترب محمّد العيسى من والدته ونزعَ المنديلينِ المربوطينِ على ساقِها، ونظر الجرْحَ الّذي عَمِلَهُ الحاجُّ خنيفس وقال:
أسألُ اللهَ أن يحميَ الوالدةَ من هذا الجرح.
فسأله خنيفس بِلَهجةٍ غاضبةٍ:
كيف عرفتَ أنّ الأفعى غيرُ سامّة؟
محمّد العيسى: هذه أفعى من أفاعي الحقول، تأكلُ الحشراتَ وتبتلعُ الزّواحفَ الصّغيرةَ، ولولا أنّ أحدَكُمْ طحنَ رأسها لأتيتُكم بها؛ لِتَرَوا أنّه لا أنيابَ ولا أسنانَ لها.
هدأتِ أمُّ محمّد العيسى عندما سمعتْ كلامَ ابنِها المُطمئن، لكنّها اشتكتْ من ألمٍ في ساقها، فقال ابنُها:
هذا من الجرحِ بالشّفرة، وآملُ ألّا تكونَ الشّفرةُ وسخةً؛ كيلا يتسمّمَ الجرحُ.
وهنا غضبَ الحاجّ خنيفس وقال:
الشّفرةُ هي الّتي يحلقُ أبوكَ بها ذقنَهُ، فهل ذقنُ أبيكَ نجسةٌ؟
كظم محمّد العيسى غيظَه، ولمْ يقلْ سوى" الملافظ سعْد".
لكنّ أبو الوليد همسَ لأبي محمّد وهو يغادرُ المكان قائلًا:
لا تتركْ ابنَكَ محمّدا يذهبُ إلى مغارة الصّالحين، فـ "الجرّه لا تسلم كلّ مرّه".
أبو محمّد: خيرًا ماذا فعلَ محمّدٌ في المغارة؟
أبو الوليد: اسأل ابنَكَ و" ما على الرّسولِ إلَا البلاغ".
بعدَ أنْ تفرّقَ الحضورُ وعادَ كلٌّ منهم إلى بيتهِ سأل عيسى ابنَه محمّدا:
لِمَ ذهبتَ إلى مغارةِ الصّالحين؟ وماذا فعلتَ بها؟
ذهبتُ كي أُحضرَ الوتدَ الّذي دقّهُ ياسين في المغارة؛ لِيَراه أبوه.
- هل أحضرتَه؟
- لَمْ أجدهُ، ووجدتُ أفعى كالّتي قتلتَها أنت عند شاهدِ قبرِ حمروش، وفي تلكَ الّلحظةِ مرَّ أبو الوليد، وجمد من الخوفِ، وصارَ يتكلّمُ عن الأرواحِ الّتي تسكنُ المغارة.
- ابتعدْ عن هذه المغارةِ يا ولدي، فالكلُّ يتكلّمون عن أشياء مُريبةٍ فيها، وحسب تقديرِكَ أين اختفى الوتدُ؟
- رُبّما اقتلَعَهُ أحدُهم.
- الله يرضى عليك يا ابني "ابعد عن الشّرّ وغنّي له".
تظاهر محمّد العيسى بأنّه لا يؤمنُ بهكذا خرافات، لكنّ نبضاتِ قلبِه كانتْ تزداد سُرعتُها كلّما تكلّم أحدُهُم عن المغارة، لقد عاش صراعًا بين عقلِه وقلبِهِ الّذي يحنُّ إلى رأيِ المجموعة، فـ "الموت مع الجماعة فرج".
**************
في اليومِ التّالي تورّمت ساقُ "صبحه الطّرما" والدةِ محمّد العيسى، وصارتْ تستصعبُ الوقوفَ عليها من شِدّةِ الألَمِ، عندما رأى زوجُها ساقَها التفتَ إلى ابنِه محمّد يلومُه وسأل:
ألَمْ تقلْ بأنّ الأفعى الّتي لدغتْ أمَّكَ غيرُ سامّةٍ؟
- وما زلتُ أقولُ، فهذا الورمُ الّذي تراه ناتجٌ عن الجرح الّذي جرحَه خنيفس، وهذا ما تخوّفتُ منه بالأمس، فشفرةُ الحلاقةِ ليستْ نظيفة.
غضبَ الأبُ وتساءل:
كيفَ تكونُ الشّفرةُ غيرَ نظيفةٍ وأنا أحلقُ ذقني بها؟
محمّد العيسى: لأنّها غيرُ مُعقّمةٍ.
لمْ يفهمُ الأبُ ما قالَهُ ابنُه، ومع ذلك فقد طلبَ منه أن يذهبَ لاستدعاء خنيفس؛ كي يفحصَ ساقَ والدتِه، فضحكَ محمّد العيسى وتساءل حولَ قُدرات خنيفس، وأضاف بأنّه سيأتي والدتَه بطبيبٍ شعبيٍّ يسكن في القريةِ المجاورة ويداوي بالأعشاب، لكنّ الوالدَ بقيَ مُصِرًّا بأنّ ما تعانيه أمُّ محمّدٍ هو بسبب لدغة الأفعى.
فقال محمّد العيسى: أنا واثقٌ أنّ الأفعى الّتي قتلتموها ليست سامّة، ولو كانت سامّة لَتَوَرَّم جسدُ أمِّي كاملًا، ولماتَتْ من ذلك.
عندما جاء الطّبيبُ الشّعبيُّ، ونظرَ ساقَ أمِّ محمّدٍ قال:
هذا جرحٌ تسمّمَ، وليس لدغةَ أفعى ولا عقرب.
أبو محمّد: مِمَّ تسمّم؟
الطّبيب: لا أعرفُ لكنّه في الغالب من الأداةِ الّتي جرحتُم بها ساقَ هذه المرأةِ البائسة.
أبو محمّد: كيف عرفتَ؟
الطّبيب: لو كان ما أصابها لدغةُ أفعى لَتورّمَ جسمُها جميعُه، ولماتت.
أبو محمّد: جَرَحَها خنيفس بشفرةٍ كنتُ أحلقُ ذقني بها.
الطّبيب: ومن قال أنّ شفرةَ حلاقةِ ذقنِكَ نظيفةٌ؟ كان يجب تسخينَ الشّفرةِ على النّار؛ للقضاء على الجراثيم العالقةِ بها.
التفتت صبحه لابنها وسألت:
ماذا يقولُ الطّبيبُ؟
محمّد العيسى: يقول أنّكِ بخير، وسيعملُ لك الآنَ "خلطةَ أعشابٍ"؛ ستشفين بعدها.
الأمّ: ارفعْ صوتَكَ يمّه؛ لأنّ سمعي خفيفٌ.
أخرجَ الطّبيبُ من خُرجهِ صُرّاتٍ صغيرةً عدّةً ملأى بالأعشاب الجافّة، أخرج بعضَ الأعشابِ من ثلاثِ صُرّاتٍ، طلب ملعقتين من زيت الزّيتون، ونصفَ كأسِ ماء، خلطها مع بعضها وطلب من محمّد أن يغليَها على النّار، وعندما تبردُ يدهنُ مكانَ الجرحِ والورمِ في ساق أمِّه منها مرّتين يوميّا.
سأل أبو محمّد الطّبيبَ قائلًا:
زوجتي كما ترى تعاني من مشكلةٍ في سمعِها، فهل لديها علاجٌ عندك يا أبا مصطفى؟
- منذ متى صارتْ معها هذه الحالة؟
منذُ عرفتُها وهي تعاني من مشكلة في السّمع، حتّى إنّ أهلَها وأبناءَ حارتِها أطلقوا عليها لقبَ "الطّرما".
أبو مصطفى: إذا خلقَها اللهُ "طرما"، فلا علاجَ لها، والتفتَ إلى محمّد وقال:
ضعْ نقطةً من حليبِ أتانٍ في أذُني أُمِّكَ لثلاثة أيّامٍ متتاليات، وإن تحسّنَ سمعُها استمرّوا في ذلك، فحليبُ الحميرُ فيه منافعُ كثيرة.
أبو محمّد: قال أبوها أكثرّ من مرّة، أنّها كانت تسمعُ دبيبَ النّمل، لكنّها مرّتْ من جانب مغارةِ الصّالحين وهي في الرّابعةِ من عمرِها، ومِنْ يومِها خفّ سمعُها، واللهُ أعلمُ ما رأتْ في المغارةِ يومذاك.
انتبه أبو مصطفى لكلام أبي محمّد وقال:
وأنا قادمٌ إليكم هذا اليوم، من طريقِ المغارة، رأيتُ فيها أطفالًا يلعبون ويتقافزون كالقردةِ، حتّى إنّ أحدَهُم كان يرقصُ فوق القبر، فوقف شعرُ رأسي من الخوف.
محمّد: مِمَّ خِفتَ يا عمّ؟
أبو مصطفى: خفتُ من الأطفال، لأنّني أعتقدُ أنّهم ليسوا بشرًا.
" لعب الفار في عِبِّ محمّد"، حتّى كادَ يرتجفُ من شدّةِ الخوف، وصار يُراجعُ معتقداتِه حولَ المغارةِ وما يجري فيها، فمن غير المعقولِ أنْ يُصابَ جميعُ سكّان القريّةِ بالهوسِ. والطّبيبُ أبو مصطفى من قريةٍ مجاورةٍ، وها هو ذا الآخر متخَوِّفٌ من المغارة، فهل التّفكيرُ الصّحيحُ في المكانِ الخطأ كارثةٌ؟
أبو مصطفى: بِمَ تُفكّرُ يا محمّد؟
- أستغربُ كلامَكَ، فكيف خفتَ من الأطفال الّذين يلعبون في المغارة؟ وكيف اعتقدتَ أنّهم ليسوا بشرًا؟
صمتَ أبو مصطفى قليلًا، وَهَمْهَمَ لِيُضفي على نفسِهِ هيبةَ العلماءِ وقال:
" ليسَ كلُّ ما يُعْرَفُ يُقالُ" يا ولدي.
ضحكَ محمّد وسأل:
هل هذا يعني أنّ هناك أشياء يجبُ ألّا يعرفُها البشرُ جميعُهم؟
وجدَ أبو مصطفى نفسَه في ورطةٍ أمام هذا السّؤال، فردّ عليه بسؤال أخر، وهو يغادر المكان:
وهل يوجد إنسانٌ يعرفُ كلَّ ما يعرفُهُ الآخرون؟
******************
لم يرضخ الطّفلُ سعيد لتعليمات والديه له، بِعَدَمِ الذّهابِ إلى مغارة الصّالحين، بل كان يردّ على تحذيراتهما متسائلًا عن سببِها، لكنّهما لَمْ يُعطِياه سبَبًا؛ كي لا يُخيفاهُ بالحكايات الّتي سمعاها وهو بهذا العمر، لكنّ حِرْصَ والديهِ عليه لم يمنعْهُ من سماعِ الكثيرِ من الحكايات على ألسنةِ بعض كبارِ السّنِ، عندما يُجالسُهُم دون أن ينتبهوا له، أو يسمعُها على ألسنةِ بعضِ أقرانِهِ الأطفال الّذين يلعبون معه وسمعوها من والديهم، لكنَّه لم يُصدّقْ أيًّا منها، ويقولُ لهم:
لقد لعبنا كثيرًا في هذه المغارةِ، ولمْ نشاهدْ شيئًا غير مألوفٍ فيها.
ذاتَ يومٍ ذهبَ الطّفلُ سعيدُ وعددٌ من أقرانِه الأطفال؛ لِيَقطِفوا بعضَ ثِمارِ شجرةِ الزّعرورِ الّتي تنمو على جانبِ بابِ المغارةِ، ولا يجرؤُ الكبارُ على قطفِها، عندما أطلّوا على المغارةِ رأوا حمارين أمامَها فاستغربوا ذلك، ولمّا وصلوها وجدوا فيها رجُلًا وزوجتَهُ وثلاثةَ أطفالٍ، كانوا يُرَتّبون أثاثَهم في المغارةِ، وكما يبدو فإنّهم ينوونَ الإقامةَ في المغارةِ، فسألهم سعيدٌ بعد أنْ طرحَ التّحيّة:
من أنتم؟
ردّ عليه الرّجل:
أنا عبده النّوري، جئنا إلى قريتكم لِنَبيعَ الغرابيلَ والكرابيلَ، ولِنجليَ الأوانيَ النّحاسيّةَ؛ لِتَعودَ إلى بريقِها، وفي المساءِ نقيمُ سهرةً أعزفُ فيها على الرّبابة، وزوجتي ترقص.
الطفلُ سعيد: هل تريدون السّكنَ في هذه المغارة؟
- نعم سنسكُنها لمدّة أسبوعٍ وبعدها سنرحلُ إلى قريةٍ أخرى، فنحن لا نستقرُّ في مكان مُعيّنٍ.
- لكنّنا نلعبُ في هذه المغارةِ يا عمّ.
- لن نمنعَكُم من الّلعبِ، لقد رأينا هذه المغارةَ فارغةً، فاعتبرونا ضيوفًا عندكم.
رحّبَ بهم سعيدٌ وصحبُه، وانصرفَ هو وأقرانُه؛ لِيَقْطِفوا ثمارَ الزّعرور.
خرج عبدُه النوريّ ووقف بجانبِ شجرةَ الزّعرور، يقطفُ الثّمارَ عن أغصانها العاليةِ الّتي لا تطالُها أيادي الأطفال، أكل ما تيسّرَ له، وملأ صحنًا صغيرا لزوجتِه ولطفليه.
من بطن الجبل المُقابلِ كان محمّد العيسى يُراقبُ المغارة، رأى الأطفالَ وهم يعتلونَ أغصانَ شجرةِ الزّعرور، ورأى عبده النّوري وهو يدور حولها ويمدُّ يديه؛ لِيَقطفَ الثّمارَ النّاضجةَ، لم يتبيّنْ محمّد العيسى شخصيّةَ عبده النّوريّ، فاحتارَ فيمن يكون، وازدادت حيرتُه عندما خرجتْ زوجةُ النّوري حاملةَ في يدها قربةً، سألتِ الأطفالَ:
أينَ يوجدُ أقربُ بئرِ ماءٍ من هنا؟
نزل الطّفلُ سعيدٌ عن الشّجرةِ وقال لها:
هيّا بنا يا خالة؛ لأدُلَّكِ على بئرِ الماء، ومشى معها إلى بيت أبي محمّد؛ لأنّه البيتُ الأقربُ. ولم يجدْ إلّا ربّةَ البيت صبحه الطّرما، حتّى زوجة ابنِها محمّد العيسى لم تكنْ موجودة، فسألتّه أمّ محمّد:
من هذه المرأةُ يا سعيد؟
- هذه زوجةُ عبده النّوري تريدُ أن تملأَ قربتَها ماء، فقد سكنت أسرتُها مغارة الصّالحين.
لمْ تسمعْ الطّرما كلامَ الطّفل سعيد، فالتفتَ إليها ووضع في يدها ملءَ قبضتِها من ثمار الزّعرور وقال:
هذا زعرورٌ لذيذٌ يا خالة.
عادَ محمّد العيسى سريعًا إلى بيتِهِ عندما رأى الطفلَ سعيدًا يتّجه بالمرأة إلى بيتِه، لفتَ جمالُها انتباهَهُ وقبْل أن يطرح التّحيّةَ سألها وهو يبتسم:
من أنت يا امرأة؟
فأجابتْ أنا صبريّة زوجةُ عبده النّوري.
- هل أنتم من كنتم في المغارة؟
- نعم ولن نمكثَ فيها سوى أسبوع.
عندما رأتْ صبريّةُ وسامةَ محمّد العيسى وقيافةَ ملابسِه سألتْهُ:
هل أنت مختارُ القرية؟
فأجابها: لِمَ تسألين؟ أنا لستُ المختار.
- نريدُ أن نذهب إلى بيتِ المختار، لِنَعرضَ ما لدينا من غرابيلَ وكرابيلَ للبيع، ولِنُقيمَ حفلًا لأهلِ القريةِ عند بيت المختار، زوجي يعزفُ على الرّبابة وأنا أرقص.
وعندما سألتْه عن بيتِ المختارِ أشار إلى بيتِ أبي زيد وقال:
ذاك بيت المختار.
واصلت صبريّةُ طريقَها عائدةً إلى المغارةِ حيثُ ينتظرُها زوجُها وأطفالُها، وعاد معها سعيدٌ أيضًا حيثُ ينتظرُه أقرانُهُ، وهناك عجنتْ صبريّةُ طحينًا، وأخرجت الصّاجَ، ثمّ خرجتْ لِتَجمعَ الحطبَ؛ لِتَخبزَ فهبَّ الأطفالُ بإيعازٍ من زميلِهم سعيدٍ لمساعدتِها في جمعِ الحطب.
لم يحتجْ محمّد العيسى لكثيرٍ من الذّكاءِ؛ لِيَجعلَ من عبده النّوري وزوجتِه وأطفالِهِ اختبارًا لِما يُقالُ حولَ المغارةِ، فهم لا يعرفون أو يسمعون عنها شيئًا، وها هم يسكنونها بنوايا حسنة، وسينتظرُ ما سيحلُّ بهم إنْ كانت في المغارة أرواحٌ كما يُشاعُ في القرية، لذا فقد قرّرَ أن يُواصلَ مُراقبةَ المغارةِ ومراقبة عبده النّوري وأسرته وكلّ من يدخُلُها.
قبل ساعاتِ الغروب بقليلٍ، حمل عبده النّوري ربابتَه وغربالَ شعيرٍ، وغربالَ وكُربال قمحٍ، وحملتْ زوجتُهُ صبريّةُ طفلَها الرّضيع، ومشوا باتّجاهِ بيتِ أبي زيدٍ، يتبعُهم خمسةُ أطفالٍ، يتقدّمُهم سعيدٌ الّذي أشفقَ على الابن الأوسطِ لعبده وصبريّة، الّذي لا يقوى على المشي لمسافات فهو لا يزال في الثّانية من عمره، فحملَهُ على ظهره.
عندما اقتربوا من بيت أبي زيدٍ أمسك عبده النّوري ربابتَه، وعزفَ عليها وغنّى بصوتٍ عالٍ:
سمّيت باسم الله واسم الرّسول والصُّبح مدّيتْ
بابْ دارْ كريمْ وبابْ داركمْ قصدنا.
عندما سمع أبو زيدٍ الصّوتَ قال للمتواجدين في ديوانِه:
ضيفُنا نوريٌّ.
فسأله محمّد العيسى:
كيف عرفتَ؟
أبو زيد: البدوُ لا يتكسّبون بالعزف على الرّبابة والغناء، ولا يُغنّونَ في الطّرقات، فهذه من عاداتِ النّوَر.
محمّد السّعيد: كيف لا يُغنّي البدوُ في الطّرقات، وقد شاهدتُ وسمعتُ بعضًا من رجالهم، وبعضًا من نسائهم، وهم يغنّون في المراعي.
ضحك أبو زيد وقال:
البدويّ يُغنّي "الهجيني"؛ كنوعٍ من التّسليةِ وهو وحيدٌ في المراعي أو في الطّرقات الخالية، كما تُغنّي البدويّةُ "التّراويد" وهي وحيدةٌ في المراعي، كنوعٍ من التّرفيهِ عن الذّاتِ، لكن من المستحيلِ أن يُغنّيَ أيٌّ منهم عندما يرتادُ بيوتَ الآخرين.
وهنا تدخّل الحاجّ خنيفس وقال:
كلّنا نغنّي في مواسمِ الحراثة والحصاد ودِراسةِ الحبوب، فما الغريبُ في الأمر؟
أمرَ أبو زيدٍ ابنَه زيدًا أن يقفَ أمامَ البيتِ لاستقبال النّوريّ وأسرتِه. عندما وصلوا أشارَ زيدٌ للمرأةِ؛ كي تدخلَ وأطفالها إلى الجانب الآخر من البيت حيثُ تجلسُ النّساء، لكنّها تجاهلتْه ودخلتْ مع زوجِها إلى ديوانِ الرّجال، كما دخلَ الطّفلُ سعيدٌ وصحبُه أيضًا، دخلَ النّوريُّ وهو يعزفُ على الرّبابةِ ويُغنّي دون أن يطرحَ السّلام، جلسَ وجلستْ زوجتُه بجانبِه. فاشرأبّتْ أعناقُ الرّجالِ صوبَ صبريّة زوجةِ النّوري. بعدَ حوالي ثلاث دقائق أنهى عبده النّوري عزفَه وغناءَهُ على الرّبابة، فلوّحَ بيدِه اليُمنى يُحيّي الحضورَ ويقول:
أسعد الله مساءَكم.
صبّ زيدٌ قهوةَ الضّيافةِ للنّوريّ ولزوجتِه، وأبوه يُرحّبُ بالنّوريّ قائلًا:
أهلا "أخو مُرَّة".
عبده النّوري: حيّاكَ اللهُ يا وجهَ الخير، وأضاف:
نحن نصنعُ الغرابيلَ والكرابيلَ، وهذه نماذج منها نبيعُها للفلّاحين، كما نقومُ بـــ " تبييض" الأواني النّحاسيّة؛ فتعودُ تلمعُ مثل الذّهب.
تنحنحَ محمّد العيسى وسأل:
مِمَّ تصنعون الغرابيلَ والكرابيل؟
النّوري: من جلودِ الدّوابّ.
- أيُّ دوابّ؟
- البقر والحمير والبغال والخيول.
- هل تذبحون الحميرَ والبغالَ والخيولَ؟ وهل تأكلون لحومَها؟
- لا نذبحُها ولا نأكلُ لُحومَها، لكنّنا نسلخُها إذا ما وجدناها نافقةً، نأخذُ جلودَها ونعتني بدباغتِها وتجفيفها، ثمّ نعملُ منها سُيورًا ننسجُ منها الغرابيل والكرابيل.
- أيّ الجلودِ أفضلُ لِصناعةِ الكرابيلِ والغرابيل؟
- جلود الحمير والبغال؛ لأنّها الأكثر متانة.
نظر المتواجدون نماذجَ الغرابيلِ والكرابيل، تفحّصوها، فسأل أبو الوليد:
كم قرشًا ثمنُ الواحدِ من هذه؟
- رُبْعُ دينار.
- سآخذها أنا فهذا العامُ عام خِصْبٍ.
فسأل خنيفس: هل عندكَ مزيدٌ من الغرابيل والكرابيل؟
- نعم عندي من كلّ نوعٍ عشرة.
أبو زيد: هاتِها وسنشتريها جميعَها.
صبريّة: ومن يوجدُ عندهُ أوانٍ نحاسيّة، فليأتِنا بها إلى المغارة، وسنقومُ بتبييضها له.
عندما بكى طفلُ صبريّة الرّضيعُ قالَ لها أبو زيد:
خذي أطفالَك واذهبي إلى مجلس النّساء.
نفّذتْ صبريّةُ طلبَ أبي زيدٍ وغادرتْ دون نقاشٍ، وعيونُ الرّجال تُلاحقُها.
عندما رأتْها النّساءُ بُهِتْنَ بجمالِها الغجريّ الفاتن. عرّفَتْهنّ صبريّةُ إلى نفسها وهي تُرضعُ طفلها، كما تعرّفتْ إليْهُنّ، التفتتْ صبريّةُ إلى جُمانة، تمعنّت بها ولم تقلْ شيئًا، لكنّ أمَّ زيدٍ سألت صبريّة:
هل تعرفين الطّالع؟ هل أنتِ بصّارَةٌ؟
أسندت صبريّةُ ظهرَها إلى الحائطِ، وضعت طفلَها الرّضيعَ أمامَها، تركتْه يحبو كيفما يشاء، وأجابت:
نعم أنا أقرأُ الطّالعَ من خلالِ قراءةِ الكّفِّ أو فنجانِ القهوة، كما أنّني أفتحُ بالودع.
أشارتْ أمُّ زيدٍ لقريبتِها زعرورة؛ كي تقتربَ منها، وهمست لصبريّة النّوريّة:
وفّقكِ الله يا أختي صبريّة، هذه زعرورة بنت عمّي تزوّجتْ قبل عشرة أشهر، ولم تحملْ حتّى الآن، فانظري لها حظَّها، لعلّ اللهَ يُفرجها عليها.
ابتسمتْ صبريّةُ وهي تُمسكُ الكفَّ الأيمنَ لزعرورة وقالت:
هناك حاسداتٌ لا يُردنَ لك خيرًا، فاحترسي منهنّ، خصوصًا تلك الحرباء الّتي تتقرّبُ منك، لا تنخدعي بها، فهي تريدُ اختطافَ زوجكِ منك، وقد دسّتْ لكِ في كأس الشّاي ما يمنعُكِ من الحمل.
ارتعدت زعرورة من شدّة الخوفِ وسألت:
هل يوجدُ علاجٌ لذلك؟
أجابتْ صبريّة ضاحكةً بعد أن قبضتْ دينارًا:
لقد خلقَ اللهُ الدّاءَ والدّواءَ، أغلقي عينيكِ وافتحي فَمَكِ، بصقتْ صبريّة على إصبعيها السّبّابةِ والوسطى، ولاكت بُصاقَها في فمِ زعرورة، وطلبتْ منها أنّ تتمضمضَ وتبتلعَ الماء، ثمّ صفعتْها صفعةً خفيفةً على وجهها وهي تقول:
"داواك مسعود وشرّك ما يعود"، ستحملين هذا الشّهر بإذن الله.
شعرتْ زعرورة بسعادةٍ غامرة، عبّرت عن امتنانها لصبريّة فقالت لها:
أسألُ اللهَ أن يرزقَني بنتًا جميلةً مثلك.
على الجانبِ الآخر، وفي مجلس الرّجالِ طلب خنيفس من عبده النّوري أن يُسْمِعَهم قصيدةً مع العزفِ على الرّبابة، استند أخو مرّة وقال:
بعد وفاة زوجة جحيش بن مهاوش السّرحاني لم يتزوجْ بعدها، وتفرّغ لتربية أولادِه الثّلاثة، وكانت المعيشةُ صعبةً فى ذلك الوقت، وكان في اليوم الّذي لا يجد ما يكفي إلّا لأولاده فإنّه يحرمُ نفسَهُ، ويكتفي بشرب الماء، كبر أولادُه وقام بتزويجهم واحدا تِلْوَ الآخر، بعد ذلك رحل أولادُه مع نسائهم وهو فى أمَسِّ الحاجة لهم لِكِبَرِ سنّه وضَعْفِ قوّته، فأخذ يبحــــثُ عنهم في كلِّ مكــــان، فما كـــان منهم إلا أن يرحلوا كلّمـــا علموا بقـــدومِه، فلا يجدُ إلّا ما تبقّى من آثارهم، وعنــــدما أدرك هذا الأمر قال، وعزف أخو مُرّة لحنًا حزينًا على الرّبابة وهو يُنشدُ باكيًا قصيدة جحيش بن مهاوش السّرحاني، وممّا جاء فيها:
قال الذي يقرأ بليّا مكاتيب...ياللي تقرون العمى من عماكم
ياعيال ما سرّحتكم للمعازيب....وياعيال ما عمر المعزب ولاكم
يا عيال ما ضربتكم بالمشاعيب...ولا سمعوا الجيران لجّة بكاكم
أحفيت رجليني بحامي الّلواهيب..وخليت لحم الرّيم يخالط غداكم
خوالكم يا عيال هم ماكر الطيب...ياعيال مدري هالرّدى منين جاكم
يالله عسى اعماركم شمسها تغيب...يعتم قمركم ثم تظلم سماكم
عسى نساكم ما تحمل ولا تجيب...ولا حدّن من البزران يمشي وراكم
اخسوا خسيتوا يا كبار الّلغابيب...اهبوا هبيتوا يقطع الله نماكم
بكى بعضُ الحضورِ حزنًا على "جحيش" الّذي عانى من عقوق أبنائه، فقال قصيدتَه هذه. وهنا سأل محمّد العيسى:
من هو جحيش بن مهاوش؟
استند أبو الوليد في جلستِه وقال:
جحيش بن مهاوش من نجدٍ، عاشَ قبلَ قرونٍ عديدة، عانى من عقوقِ أبنائه، فقال قصيدتَه الّتي سمعنابعضًا منها وأبكى بواكيا، وعلى ذمّة الرّاوي فإنّ اللهَ قد استجاب لدعواتِه على أبنائه العاقّين، فحرمهم من الإنجابِ رغم أنّ كلّا منهم تزوّج أربع نساء.
غادر عبده النّوري وزوجتُه صبريّة بيتَ أبي زيدٍ عندما حلَّ الظّلامُ، واشتدَّ بكاءُ أطفالِهما، عندما اقتربا من المغارة، سمعا أصواتَ أطفالٍ فيها، فلم يكترثا، عند بابِ المغارةِ قفزَ أمامهم الطّفلُ سعيد، وخلفه بضعةُ أطفالٍ وقال:
جئنا نلعبُ هنا قبلَ قليل، ووجدنا أطفالًا يريدون امتطاءَ حماريكُما، فطردناهُم.
شكره عبده قائلًا:
أنت طفلٌ رائع.
دخلتْ صبريّةُ المغارةَ، وأشعلتْ سراجًا، وضعتْ طفليها في الفراش، في حين أبقتِ الرَّضِيعَ في حضنِها. بينما جلس عبده أمام المغارة يتسامرُ مع الأطفالِ، فسأله سعيد:
ما رأيُكَ أن تُعلّمني العزفَ على الرّبابة يا عمّ.
ضحك عبده وقال:
لا تزالُ صغيرًا يا ولدي، عندما تكبرُ إذا التقينا سأعلّمُكَ.
صمت الطّفلُ سعيدٌ قليلًا وعاد يسأل:
لِمَ لَمْ تبنِ بيتَ الشّعَرِ يا عمُّ؟
عبده النّوري: وجدنا هذا الكهفَ، فسكَنّاه، ولا حاجةَ لنا لِبناءِ بيتِ الشَّعَرِ، فإقامتُنا في هذه القريةِ لمُدّةِ أسبوعٍ فقط، فنحن دائمو التّرحالِ سعيًّا وراءِ رِزقنا.
******
في ديوان أبي زيدٍ تنحنحَ أبو الوليد بعدَ أن غادرَ النّوريُّ وزوجتُهُ وقال:
هذا النّوريُّ إنسانٌ غريبٌ عن ديارِنا، وقد سكنَ مغارةَ الشّيخِ حمروش؛ لأنّه لا يعرفُ عنها شيئًا، وقد غابَ عن أذهاننا أنْ نُخبرَهُ عنها؛ لِنُبَرِّئَ ذمّتَنا أمامَ الله، خصوصًا وأنّ الرّجلَ له ثلاثةُ أطفالٍ لا حولَ لهم ولا قُوّة.
قالَ أبو زيدٍ وهو يعضُّ على غليونِه:
السّاترُ هو الله.
أمّا خنيفس فقد أخذتْهُ الحميّةُ وقال:
سألحقُ به الآنَ وسأطلبُ منه مغادرةَ المغارةِ والابتعادَ عنها، وكما قال المثل:" لا تنام بين القبور ولا تحلم أحلام مزعجه".
وهنا تظاهر محمّد العيسى بالشّجاعة، وأرادَ أن" يقطعَ الشّكَ باليقين" بخصوص المغارةِ والأقاويلِ التي تُقالُ عنها فقال:
لا تستعجلوا الأمور، وكما قالَ المثل:" خوض الميّه بغيرك"، فَدَعوكم من الأوهامِ الّتي لم تثبتْ صحّتُها حولَ المغارة، وقد سبقَ وأن رأيتم كيف غرسَ ياسينُ الوتدَ في وسطِها عند منتصف الّليل، وها هو ذا النّوريُّ يسكنُ المغارةَ بنيّاتٍ حسنةٍ ولا يعلمُ عنها شيئًا، فلننتظرْ وسنرى ما سيحدثُ له وَلِأُسْرته.
غضب خنيفس من كلام محمّد العيسى وتساءل:
ماذا سنفعل إذا قتلتْهم الأرواحُ الّتي تسكن المغارة، أو إذا ما سلبتْ عقليْ النّوريّ وزوجتِه؟ ومن سيُربّي أبناءَهُما بعدهما؟
محمّد العيسى: ألسنا مُتّفقين أنّ حمروش ساكنَ قبرِ المغارة كان رجلًا تقيًّا؟ فهل سمعتُم أنَّ تقيًّا قتل أو يقتلُ الآخرين؟ وكيف سيقتُلُهم وهو ميّتٌ ومدفون؟
وجّه أبو زيدٍ كلامَه لمحمّد العيسى:
ما الّذي تقصدُه من كلامِكَ هذا يا محمّد؟
- أقصد أن نتركَ النّوريَّ في المغارة دون أنْ نُخبرَهُ شيئًا عنها، وخلال هذا الأسبوع سنرى ما سيحصلُ له ولزوجته ولأطفالِه، وإذا لم يحصلْ لهم شيءٌ؛ فَلْنُراجعْ حساباتنا حولَ الخرافاتِ الّتي تقالُ حولَ المغارة.
خنيفس: وإذا حصلَ مكروهٌ لهذا المسكين، فمن يتحمّلُ المسؤوليّة؟
محمّد العيسى: أنا أتحمّل المسؤوليّةَ، ولن يحدثَ له شيءٌ، فها هو ذا الطّفلُ سعيدٌ يجمعُ الأطفالَ ويلعبون في المغارةِ، ولمْ يُشاهدوا فيها شيئًا غريبًا.
*******
في اليومِ التّالي جاءت عشراتُ النّساءِ إلى المغارةِ، وكلُّ واحدةٍ منهنّ تحملُ وعاءً نُحاسيّا أو أكثر؛ لِتَبييضهِ عندَ عبده النّوريّ، وعمليّةُ تبييضِ النُّحاسِ هذه كانت من اختصاصِ صبريّة زوجة عبده، حتّى إنّها كانت تقومُ بهذا العملِ وهي تُرضعُ طفلَها. أو تقومُ بتطبيبِ بعض النّساءِ الّلواتي يعانين من مرضٍ ما، أو يتأخّرن بالحملِ، أو من تُريدُ عملَ تعويذةٍ لزوجِها؛ كيلا يتزوّج عليها، فكثيراتٌ هنّ من يعتقدن أنّ للنّوَرِ قدراتٍ روحانيّةً خارقةً، حتّى إنّ هناك من يقبلنَ أن تبصقَ النّوريّةُ في فمِها كدواءٍ لبعضِ الأمراضِ أو لِلتّعجيل بالحَمْلِ، أو لِطردِ الأرواحِ الشّرّيرة، وبعضُ النّساءِ كنّ يلتفتْنَ للجمال الغجريّ، فتحاولُ كلٌّ منهنّ الانفرادَ بِصَبريّةَ؛ كي تصفَ لها أدواتِ الزّينةِ الّتي تستعملُها؛ لِتُصبِحَ حسناءَ مثلَها، وصبريّةُ هذه كما العديد من الغجريّاتِ كانت تحملُ معها العديدَ من الأعشاب الجافّةِ، وتبيعُها للنّساء كعلاجٍ من بعض الأمراضِ، وما على المرأةِ إلّا أن تغليَها بالماء، وأن تشربَ منها حسبَ وصفةِ صبريّة، كما أنّها كانت تحملُ أنواعًا من الحنّاء يتركُ كلُّ نوعٍ منها لونًا خاصًّا، تبيعُه لمن تريدُ تغييرَ لونَ شعرِها، أو لِتَصبُغَ شعرَها الأشيبَ.
أمّا عبدُه زوجُ صبريّة، فقد كان يُغادرُ المغارةَ عندَ وصولِ أولِّ امرأةٍ، فيحملُ الغرابيلَ والكرابيل على ظهرِ حمارِه؛ لِيَبيعَها، ويحملُ ربابتَه بيده، وعندما يمرُّ برجلٍ أو بمجموعةٍ رجالٍ فإنّهم يستضيفونَه، يشتري كلٌّ منهم حاجتَه من الغرابيلِ والكرابيل، ويطلبونَ منه أن يعزفَ لهم على الرّبابة، وهم سعيدون بوجودِه وهو سعيدٌ ببيعِ بضاعتِه، وبما يجودون به عليه مقابلَ عزفِه على الرّبابة وغنائهِ في أثناءَ العزف.
الطّفل سعيدٌ كعادته يحبُّ الّلعبَ هو وأقرانُه في المغارةِ أو قريبًا منها، وعندما تجيءُ النّساءُ إلى صبريّة، فإنّهنّ لا ينتبهنَ للأطفال، بينما سعيدٌ يُراقبُ كلَّ شيءٍ ببراءة تامّة، وذاتَ يومٍ تقزّزَ من بُصاقِ صبريّةَ في فمِ إحدى النّساء وتقيَّأ، فردّتِ المرأةُ سبب ذلك بأنّه مصابٌ بالبردِ.
في الّليلةِ الأخيرَة لوجودِ عبده وصبريّة في البلدة ضربَ المنطقة زلزالٌ، فانهارَ قبرُ حمروش وبعضُ البيوتِ القديمةِ والسّلاسلِ الحجريّة، تشقّقتِ الأرضُ وأصيبَ بعضُ السّكّانِ برضوضٍ وكسور. في ساعات الفجرِ حمّلَ عبده وصبريّةُ أغراضَهما القليلة على حماريهما، غادرا المكانَ إلى قريةٍ أخرى دون أن يقولا وداعًا لأيّ إنسان.
تداول النّاسُ بأمر الزّلازلِ، واعتبروه عقابًا من الشّيخِ حمروش لهم، لأنّهم لم يُخبروا ولم يُبعدوا عبده النّوريّ وأسرتَه عن حمى حماه، أمّا الطّفلُ سعيدٌ وأقرانُه فقد اقتربوا من ضريحِ حمروش المهدّم، رأوا تشقّقَ المغارةِ بسبب الزّلزال، فظهرتْ عظامُ حمروش. حملَ سعيدٌ جمجمةَ حمروش وعادَ بها إلى البيت وهو يقول:
هذه جمجمةُ حمروش.
ارتعبتْ أمُّه من الجمجمةِ وصاحت بابنِها:
انصرفْ من هنا وأعدْ هذه الجمجمةَ إلى حيث وجدتَها.
قادَ محمّدُ العيسى مجموعةً من الرّجالِ إلى المغارة، ورأوا الهيكلَ العظميَّ للحمارِ، فاحتاروا بتفسير ذلك، ولِيَخرجوا من هذا المأزقِ قرّروا أن يغلقوا بابَ المغارةِ بجدارٍ؛ لِيُحاصروا الأرواحَ التّي تسكنُها.
جميل السلحوت:
- جميل حسين ابراهيم السلحوت.
- مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
- حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربيّة.
- عمل مدرّسا للغة العربيّة في المدرسة الرشيدية الثّانويّة في القدس من 1-9-1977 وحتّى 28-2-1990.
- اعتقل من 19-3-1969 وحتى 20-4-1970وخضع بعدها للأقامة الجبريّة لمدّة ستّة أشهر.
- عمل محرّرا في الصّحافة من عام 1974-1998في صحف ومجلات الفجر، الكاتب، الشّراع، العودة، ورئيس تحرير لصحيفة الصّدى الأسبوعيّة. ورئيس تحرير لمجلة"مع النّاس"
- عضو مؤسّس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.
- عضو مؤسّس لاتّحاد الصّحفيين الفلسطينيين، وعضو هيئته الإداريّة المنتخب لأكثر من دورة.
- عمل مديرا للعلاقات العامّة في محافظة القدس في السّلطة الفلسطينية من شباط 1998 وحتى بداية حزيران 2009.
- عضو مجلس أمناء لأكثر من مؤسّسة ثقافيّة منها: المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ.
- فاز عام 2018 بجائزة القدس للثّقافة والإبداع.
- منحته وزارة الثّقافة الفلسطينيّة لقب"شخصيّة القدس الثّقافيّة للعام 2012".
- أحد المؤسّسين الرّئيسيّين لندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس والمستمرّة منذ آذار-مارس- العام 1991وحتّى الآن.
- جرى تكريمه من عشرات المؤسّسات منها: وزارة الثّقافة، محافظة القدس، جامعة القدس، جامعة بيت لحم، جامعة خضوري في طولكرم، اتحاد الكتاب الفلسطينيين، بلديّة طولكرم ومكتبتها، المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ، ندوة اليوم السّابع، جمعيّة الصّداقة والأخوّة الفلسطينيّة الجزائريّة، نادي جبل المكبر، دار الجندي للنّشر والتّوزيع، مبادرة الشباب في جبل المكبر، ملتقى المثقفين المقدسي، جمعية يوم القدس-عمّان، جامعة الأمير عبد القادر الجزائريّ، في مدينة قسنطينة الجزائريّة، المجلس الملّي الأرثوذكسي في حيفا.
شارك في عدّة مؤتمرات ولقاءات منها:
- مؤتمر "مخاطر هجرة اليهود السّوفييت إلى فلسطين"- حزيران 1990 – عمّان.
- أسبوع فلسطين الثّقافي في احتفاليّة "الرياض عاصمة الثقافة العربية للعام 2009."
- أسبوع الثّقافة الفلسطينيّ في احتفاليّة الجزائر "قسنطينة عاصمة الثّقافة العربيّة للعام 2015".
- ملتقى الرّواية العربيّة، رام الله-فلسطين، أيّار-مايو-2017، وعام 2020.
-حصلت رولا غانم على رسالة الدكتوراة من جامعة طنطا عام 2019 برسالة"القدس في روايات جميل السلحوت."
اصدارات جميل السلحوت
الأعمال الرّوائيّة
- ظلام النّهار-رواية، دار الجندي للطباعة والنشر- القدس –ايلول 2010.
- جنّة الجحيم-رواية – دار الجندي للطباعة والنشر- القدس-حزيران 2011.
-هوان النّعيم. رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-كانون ثاني-يناير-2012.
- برد الصّيف-رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس- آذار-مارس- 2013.
- العسف-رواية-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014. ترجمها إلى الانجليزية الأستاذ سهيل أقيور، وصدرت عام 2023 عن دار الأمير للنشّر والتّوزيع في مرسيلية في فرنسا.
- أميرة- رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2014.
- زمن وضحة- رواية- مكتبة كل شيء- حيفا 2015.
- رولا-رواية- دار الجندي للنّشر والتّوزيع- القدس 2016.
- عذارى في وجه العاصفة-رواية- مكتبة كل شيء-حيفا 2017
- نسيم الشّوق-رواية-مكتبة كل شيء، حيفا 2018.
- عند بوابّة السّماء- مكتبة كل شيء-حيفا 2019.
- الخاصرة الرّخوة-رواية-مكتبة كل شيء-حيفا 2020.
- المطلقة- رواية-مكتبة كل شيء حيفا 2020.
- اليتيمة-رواية-مكتبة كل شيء-حيفا 2021.
- الأرملة- رواية مشتركة مع ديمة جمعة السمان- مكتبة كل شيء-حيفا 2023. وقد ترجمها إلى الفرنسية رغيوي قويدر، ودقّق التّرجمة رضوان صحباتو ودهري حمداوي، وصمّم غلافها زكريا رقاب، وتقع الرواية في 300 صفحة من الحجم المتوسّط.
- الليلة الأولى- رواية-مكتبة كل شيء-حيفا 2023. ترجمتها إلى الفرنسية الكاتبة المغربيّة فاطمة أكوراي، وصدرت عام 2023 عن دار فكرة كوم للنّشر والتّوزيع في الجزائر.
- الوبش- رواية-مكتبة كل شيء 2024.
روايات اليافعين
- عشّ الدّبابير-رواية للفتيات والفتيان-منشورات دار الهدى-كفر قرع، تمّوز-يوليو- ٢٠٠٧.
- الحصاد-رواية لليافعين، منشورات الزيزفونة لثقافة الطفل، 2014، بيتونيا-فلسطين.
- البلاد العجيبة- رواية لليافعين- مكتبة كل شيء- حيفا 2014.
– لنّوش"-رواية لليافعين. دار الجندي للنّشر والتوزيع،القدس،2016.
- "اللفتاوية" رواية لليافعين. دار الجندي للنشر والتوزيع، القدس 2017.
- كنان يتعرّف على مدينته-رواية لليافعين-مكتبة كل شيء-حيفا 2020.
- أنا من الديار المقدسة-رواية لليافعين-مكتبة كل شيء- حيفا 2020.
- "مايا" روية لليافعين-مكتبة كل شيء-حيفا-2022.
- جبينه والشاطر حسن-رواية للفتيات والفتيان-مكتبة كل شيء حيفا 2023.
- المائق- رواية للفتيات والفتيان-مكتبة كل شيء-حيفا-2024.
قصص للأطفال
- المخاض، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيّين- القدس،1989.
- الغول، قصّة للأطفال، منشورات ثقافة الطفل الفلسطيني-رام الله 2007.
- كلب البراري، مجموعة قصصيّة للأطفال، منشورات غدير،القدس2009.
- الأحفاد الطّيّبون، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لثقافة الطفل، بيتونيا-فلسطين 2016.
- باسل يتعلم الكتابة، قصّة للأطفال، منشورات الزّيزفونة لتنمية ثقافة الطفل، بيتونيا، فلسطين، 2017.
- ميرا تحبّ الطيور-منشورات دار الياحور-القدس 2019.
- النّمل والبقرة- منشورات دار إلياحور-القدس 2019.
- كنان وبنان يحبّان القطط- منشورات دار إلياحور-القدس 2019.
- زغرودة ودماء-منشورات دار إلياحور-القدس 2020.
أدب السّيرة:
- أشواك البراري-طفولتي، سيرة ذاتيّة-، مكتبة كل شيء-حيفا 2018.
- من بين الصخور-مرحلة عشتها، سيرة ذاتية، مكتبة كل شيء-حيفا 2020.
- ابن العمّ أبو شكاف، سيرة غيريّة، دار الرّعاة للنّشر والتّوزيع-رام الله، فلسطين 2023.
- شقيقي داود، سيرة غيريّة، دار الأزبكيّة للنّشر والتّوزيع-رام الله، فلسطين 2024.
أبحاث في التّراث.
- شيء من الصّراع الطبقي في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات صلاح الدّين – القدس 1978.
- صور من الأدب الشّعبي الفلسطينيّ – مشترك مع د. محمد شحادة منشورات الرّواد- القدس 1982.
- مضامين اجتماعيّة في الحكاية الفلسطينيّة .منشورات دار الكاتب – القدس-1983.
- القضاء العشائري. منشورات دار الاسوار – عكا 1988.
بحث:
- معاناة الأطفال المقدسيّيين تحت الاحتلال، مشترك مع ايمان مصاروة. منشورات مركز القدس للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة، القدس 2002
- ثقافة الهبل وتقديس الجهل، منشورات مكتبة كل شيء- جيفا،2017.
أدب ساخر:
- حمار الشيخ.منشورات اتّحاد الشّباب الفلسطيني -رام الله2000.
- أنا وحماري .منشورات دار التّنوير للنّشر والتّرجمة والتّوزيع – القدس2003.
أدب الرّحلات
- كنت هناك، من أدب الرّحلات، منشورات وزارة الثّقافة، رام الله-فلسطين، تشرين أوّل-اكتوبر-2012.
- في بلاد العمّ سام، من أدب الرّحلات، منشورات مكتبة كل شيء-حيفا2016.
يوميّات
- يوميّات الحزن الدّامي، يوميات،منشورات مكتبة كل شيء الحيفاويّة-حيفا-2016.
الرسائل
- "رسائل من القدس وإليها"، مشترك مع صباح بشير، منشورات مكتبة كل شيء-حيفا-2022.
أعدّ وحرّر الكتب التّسجيليّة لندوة اليوم السّابع في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ – الحكواتي سابقا – في القدس وهي :
- يبوس. منشورات المسرح الوطني الفلشسطيني – القدس 1997.
- ايلياء. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 1998.
- قراءات لنماذج من أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس كانون اول 2004.
- في أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 2006.
- الحصاد الماتع لندوة اليوم السابع. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس كانون ثاني-يناير- 2012.
- أدب السجون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-شباط-فبراير-2012.
- نصف الحاضر وكلّ المستقبل.دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-آذار-مارس-2012.
- أبو الفنون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس نيسان 2012.
- حارسة نارنا المقدسة- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس. أيار 2012
- بيارق الكلام لمدينة السلام- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس- ايار 2012.
-نور الغسق- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2013.
- من نوافذ الابداع- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس 2013.
- مدينة الوديان-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس 2014.
وسوم: العدد 1127