ما لا ترونه 3

ما لا ترونه

سليم عبد القادر

- 8-

مرّ شهران لا جديد فيهما غير إضافة السجينين أمين أصفر وعدنان شيخوني، وظل جو المهجع حاراً خانقاً، وكان الذي يشعر بضيق في التنفس، يذهب ليستنشق الهواء النقي في دورة المياه!.. واستيقظ السجناء ذات يوم ليجدوا أحدهم قد أغمي عليه لقلة الأكسجين وفساد الهواء، فحزنوا وغضبوا وخبطوا على باب المهجع ...

جاء السجان فواز غاضباً: ماذا تريدون؟!

رد أمين أصفر: نريد حقنا في التنفس

-لا يوجد تنفس

-هذا حقنا كسجناء

-أتظن نفسك مسجوناً في سويسرا؟

-نعم

-طظ

وصفق الباب في وجهه ، ومضى

وأضربوا عن الطعام حتى يقابلوا مدير السجن، فلما جاء، طالبوه بالخروج للتنفس مرتين كل يوم، أسوة ببقية السجناء.

وحاول أن يثنيهم عن قصدهم بالترغيب والترهيب، فرفضوا فك الإضراب، فاستجاب لطلبهم.

وفي باحة التنفس، التي لم يزد طولها على ثمانية أمتار، أحس الجميع بخدر لذيذ يتسرب فيهم، وقال محمود: ما أروع الشمس! وما أطيب الهواء النقي!.

وتفحص السجناء أجسادهم فوجدوها مليئة ببقع صفراء دائرية  فتساءل أحدهم: متى تزول هذه البقع من أجسامنا!؟.

رد سجين: لقد تكونت نتيجة الضوء الأصفر، وغياب الشمس عن أجسامنا… وستزول مع الزمن.

وقال الأمير: تعالوا نقم ببعض الحركات الرياضية.

استجاب الجميع إلا واحداً ، فقد انزوى في أحد الأركان ساهماً ، اقترب منه عادل وسأله:

-لماذا لا تشاركنا في الحركة؟

-أفكر..

-متى سيكون الفرج؟

-أفكر بأهلي ، أمي وأبي وزوجتي وإخوتي ، إنهم جميعاً يتعرضون لعقاب ظالم ...لا يعرفون شيئاً عني ...إنهم يتعذبون بالقلق والانتظار..

-فوض أمرك إلى الله

-لا إله إلا الله ...وأفكر أيضاً بالفائدة التي تعودعلى هؤلاء الطغاة من حبسنا في أقبية لا تصلح زرائب للحيوان..

شده عادل من يده ، وقال:

-حاول أن تنسى ...واحتسب مصائبك عند الله ، فلا أحد يملك أن يكشف عنا وعن أهلينا الضر إلا هو.

*        *         *

صار الخروج إلى باحة التنفس نزهة مرتقبة، واتجه تفكير محمود للهرب من السجن عن طريق باحة التنفس، لم لا !؟ صحيح أن ارتفاع جدارها يبلغ خمسة أمتار، وفوقه متر من الأسلاك الشائكة… ولكن الإنسان لن يعدم وسيلة للتغلب على هذه الصعوبات.

وبدت له الفكرة مغرقة في الخيال، ومع ذلك، راح يناقش بها بعض أصدقائه، ووجدت الفكرة صدىً مقبولاً، ربما من قبيل مطاردة اليأس، والتعلق بأمل مهما يكن بعيداً.

وقال لعادل: هناك طريقة أخرى للهرب… صعبة، وتحتاج إلى وقت طويل، ولكنها طريقة مناسبة لقتل الملل واليأس. ابتسم عادل وهو يتصنع الاهتمام، وقال: كيف؟.

- نحفر تحت الأرض، من بين المجاري… الفكرة تبدو مضحكة، ولكني شاهدت مثلها في فيلم (الهروب الكبير).

وتابع، وهو يبتسم من جنون خياله: في الفيلم استطاع السجناء الهرب، ولكن أعيد اعتقالهم بسرعة… ومهما يكن من أمر، فعلينا ألاّ نكف عن التفكير في الهرب…

- هذا تفكير عادي لكل سجين.

- لا أحب الموت على حبل المشنقة.

- ومن يحب ذلك!؟.

- أفضل أن أموت وأنا أهرب على أن أموت على حبل المشنقة… أحب الشهادة، وأكره أن أنطفئ كعود ثقاب. كان بإمكاني تفادي الاعتقال بإجراءات ممكنة وسهلة، لكني لم أفعل.. ربما كان ذلك أكبر أخطائي… وربما لا أستطيع تفادي أثره… لكني، لم أكن أتخيل أن الأوضاع هنا على هذا الشكل من القسوة والقذارة.

- لو كنت تعلم، أكنت تفعل شيئاً؟!.

- بالتأكيد… ربما… لا أدري…

*        *         *

مرت ثلاثة أشهر وهم في المهجع الثاني… الأيام تكرر نفسها، والثورة تشتد في الخارج، والسلطة تبحث عن ضحايا… وجاءهم السجان فواز يقول: جهزوا أنفسكم للخروج.

- إلى أين!؟.

- لا أحد يدري.

ووجدوا أنفسهم يقادون مقيدين إلى محكمة أمن الدولة… محكمة سرية، لا يحضرها غير عناصر الأمن… وسألهم القاضي عما ورد في ملفاتهم من اعترافات، فقال الأستاذ عادل:

لقد وقعنا جميعاً على ملفاتنا دون أن تتاح لنا فرصة لقراءتها، وإن ما ورد في التقارير كان اعترافات بأمور لا أصل لها، كوسيلة وحيدة للخلاص من تعذيب جهنمي، ولا ريب أن المحققين قد ضخموا حجم الاعترافات ليثبتوا لسادتهم مدى كفاءتهم وإخلاصهم.

*        *         *

ناداه سجان من كوة الباب: محمود نعيم ..

- نعم.

- جهز نفسك.

- إلى أين!؟.

وغاب السجان، وخلال دقائق كان محمود جاهزاً، وبدا القلق واضحاً في وجهه ، فقال الأستاذ عادل: خير إن شاء الله.

في صالة السجن فتشوه جيداً…

أهو تحقيق جديد!؟ أم نقل إلى سجن آخر!؟ أم زيارة!؟ ولم لا!؟ ألا يمكن أن يسمحوا لأهلي بزيارتي بعد خمسة أشهر من اعتقالي!؟ لقد تمتع معظم السجناء بزيارة إلاّ أنا!.

وقال بصوت راعش: إلى أين!؟.

فلم يرد عليه أحد، ثم اقترب منه أحدهم وهمس بحذر شديد: زيارة.

فاجأته الكلمة… ابتهج، تأثر، اشتعلت في كيانه نيران أشواق حبيسة، ذكريات دامعة، شريط مضطرب لحياة حافلة بالحلو والمر، ورفع بصره، فوجد الشمس تضحك في الضحى.. بعد قليل أرى أمي… اللحظات تمضي ببطء مغيظ، الدقيقة أصبحت ساعة… ماذا أقول لأمي!؟ لا شيء، سينحبس اللسان، وتتكلم العيون، وأمرغ وجهي براحتيها، وألثم قدميها… الله وحده يعلم كم قاست وعانت وبكت وأرقت ودعت وقرأت وتأوهت وذهلت ويئست وتفاءلت… إنها أم… إنها أمي.

وفي سيارة (جيب) مغلقة ذات قفص حديدي من الداخل نقلوه إلى سجن الحلبوني ، ومن خلال الشبك المطل على (كابينة) السائق، مد بصره، فرأى الشوارع والسيارات، والمشاة والمحلات التجارية… حياة تتحرك ماضية في سبيلها لا تكترث لأحد… وشد ما تاق إلى هذه الحياة… إلى الحرية.. هؤلاء الناس يذهبون ويعودون حيث يريدون ومتى شاءوا… يزورون الحدائق والأقارب والمسجد والسينما ويمارسون العمل أو الدراسة… لكل منهم مطامح وآمال وفي دربه عقبات وأشواك، وفي رأسه أفكار تمتد إلى اللانهاية… أما نحن!؟…

دخلت السيارة الفرع الجديد.. وقال له سجان: انزل.

وهاجت في صدره عواصف الشوق، وغمرته أمواج السعادة، وفي مكتب رئيس الفرع، التقى أمه: أمي...

وراح يقبل يديها بشغف بعد حرمان طويل… وقبلته وضمته إلى صدرها كطفل صغير، وارتمى على قدميها يريد تقبيلهما فتراجعت مذهولة مذعورة لاتدري ما تقول… وقبّل خاله، وأخاه الصغير وأخته الصغرى.

الكلام الكثير تحبسه الأشواق، والوقت قصير، والعيون تتبادل أحاديث صامتة غزيرة مبينة… وقال:

لم أزل مشغول الفكر بكم… كيف تعيشون!؟ من يرعاكم!؟ أيَّ محنة قاسية تعانونها؟.

قالت الأم: الله كبير… اهتم بنفسك أنت، ولا تنشغل بنا.. نحن بخير… نحن بخير… حضرنا إلى هنا خمس مرات ولم نستطع رؤيتك، لقد عذبونا كثيراً، المهم أننا رأيناك أخيراً… كيف حالك!؟ كيف تعيش!؟ ماذا قاسيت من هؤلاء الظلمة… لقد طرقنا كل باب من أجلك، ولكن …

- لأنها محنة في سبيل الله، فهي تهون.

وجلس يضم أخويه إلى صدره بحنان جم، ويتلمس الخدود، ويشد على الأيدي، وكأنه يعيش حلماً جميلاً يخشى أن يفتقده في لحظة صحو.

قالت الأم وهي تشير إلى رجل بدا عليه أنه لم يتجاوز الأربعين إلا قليلاً: إنه قريبنا… الذي استطاع تأمين الزيارة، هو من عناصر الأمن كما تعلم، وهو يريد أن يتحدث إليك بأمر، لنرى رأيك فيه.

فقال الرجل: الحمد لله على سلامتك، محنة وتزول، وتعود قريباً إن شاء الله إلى أهلك.

ثم تنحنح قليلاً، وتابع:

يا سيد محمود، لعلك لا تعلم بأن أخاك قد التحق بالشباب، ونحن طلبنا من أمك أن تسلمنا إياه، أو ترشدنا إلى مكانه لاستجوابه وإطلاق سراحه فوراً، ولكنها رفضت. وطلبت مقابلتك أولاً، وقد كنت وسيطاً في الموضوع، وبسب هذا حصلنا لأهلك على أمر بالزيارة من سيادة المقدم علي، الذي وعدني وتعهد لي إن سلّم أخوك نفسه بأن لا يضربه أحد، وأقسم أن يطلق سراحه فوراُ بعد استجوابه… وأنت تعلم بأن الشباب طيبون متحمسون، ولكنهم تورطوا ووقعوا في مصائد غيرهم، ولا تزال أمامهم فرصة.

نظر محمود في الوجوه التي ترقب رد فعله باهتمام، وكان رئيس الفرع  يجلس بعيداً في صدر المكتب يتشاغل ببعض الأوراق أمامه، فسأل محمود : وأخي!؟ ما رأيه!؟.

قالت الأم: إنه يرفض الاستسلام.

فأخذ نفساً عميقاً، وقال: الحمد لله… ثم التفت إلى ذلك الرجل ليطلب منه طلباً استفزازياً مستحيلاً، فقال: أخرجوني من هنا لأسلمكم أخي.

ولم يكترث فيما يكون لسخريته الغضوب من أثر، وتابع الكلام وهو ينظر إلى أمه: إنهم كذابون، مراوغون، واحذروا أن يخدعوكم… لقد عانيت من جراحهم أربعة شهور بلا علاج، إنهم ألعن من الشياطين ألف مرة..

فقالت: حتى المقدم علي!؟.

أجابها بغيظ: إنه أكذب من مسيلمة الكذاب… قولي لأخي وللشباب جميعاً، ألاّ يستسلموا مهما تكن الظروف… أن يقاتلوا بالرصاص، بالسكاكين، بالعصي، بالحجارة، بالأظافر… بأي شيء… والذي يعجز عن ذلك، فليرحل خارج البلاد لينجو من هذا الجحيم الكافر.. ولو كنت أعلم بأني سألقى هنا معشار ما لقيت، لما تركتهم يستلمونني إلاّ جثة هامدة.

فقال الرجل: إذا كان الأمر كما تقول، فأنا أنسحب، وأنتم أحرار.

قال الرائد: انتهت الزيارة.

فقالت الأم: ياله من لقاء قصير، بعد فراق طويل!؟.

وكان وداع.. عناق، وقبلات، ودموع، ولا أحد يعلم إن كان هناك لقاء آخر ، أم لا.

وذهب أهله، ومن ورائهم قلبه، وقال له الرائد وقد خلا المكان:

 اجلس يا محمود.

وراح يحدثه بهدوء ولطف:

- ما رأيك بالسجن!؟.

- إنه جحيم الدنيا.

ضحك الرائد، وقال: أقصد سجننا… ما الذي ترى له من مزايا، أو مثالب!؟.

- لا يوجد سجن ذو مزايا.

- والمثالب!؟.

- إنكم تمنعوننا من أبسط حقوقنا… من أشياء تافهة جداً… الورق، والأقلام، والكتاب، والجريدة، والزيارات المنتظمة، وشراء الحد الأدنى من الأطعمة كالجبن والزيت والزعتر…

- ألسنا نأتيكم بالطعام الكافي!؟.

- بصراحة.. لا، فالطعام رديء، وقليل.

- لا تنس أنك في سجن!.

- ولكننا بشر… أرواح…

- حسناً، سأبحث هذه الأمور مع مدير السجن.

- ومصادر القراءة!؟.

- هذه ممنوعة…

ثم وهو يبتسم: وأنتم مثقفون أصلاً، فما حاجتكم إليها!؟.

وقرع الجرس، فدخل الحاجب، فقال الرائد: خذه.

وبالطريقة نفسها أعادوه من حيث أتى. استقبله أصحابه بتلهف… وبدأت الأسئلة تنهال عليه من كل اتجاه:

- كيف أخذوك؟.

- هل فتشوك جيداً؟.

- من جاء لزيارتك؟.

- ما أخبار المجاهدين؟.

- هل ذكرتهم بأن يمروا بأهلي؟.

وجلس يحكي لهم بهدوء، وقد تنفس الصعداء، لأول مرة منذ نصف عام.

بعد أيام نُقل نصف السجناء في المهجع إلى سجن القلعة، ومعهم الشيخ محمد خير، والمنشد المرح الظريف عبد القادر، وترك الراحلون فراغاً كبيراً، لم يعوض عنه شيء إلا ما كسبه الباقون من خفة الزحام.

وبدأت الأمور تتحسن، وقال الأمير عادل: لقد تلاشت المشكلات من المهجع نهائياً بعدما خف الزحام الشديد، وهانحن  نعيش حياة السجناء بأخلاق الملائكة.

غير أن الأمر لم يدم طويلاً، فبعد أسبوعين، تم إفراغ المهجع الثاني لمعتقلين جدد، ونقل محمود وأصحابه إلى المهجعين الخامس والسادس.

*        *         *

- 9-

أصبح عدد السجناء في المهجعين الخامس والسادس يربو على ستين سجيناً، من بينهم المعتقلون من قيادات الجماعة، وكانت مساحة المهجع الواحد لا تزيد عن عشرين متراً مربعاً… وبالرغم من الزحام الشديد، واشتراك المهجعين في المرافق إلاّ أن الجو كان أكثر هدوءاً وانضباطاً، بسبب وجود عدد ممن تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والخمسين… وكان كلا المهجعين حافلاً بالأنشطة العلمية، من دروس في الفقه والتفسير والحديث والأدب واللغات، وكانت الأوراق والدفاتر والأقلام متوفرة إلى حدٍ ما، إضافة إلى الجرائد الحكومية وبعض الكتب. مما يخفف من وطأة المعاناة الشديدة للسجناء.

ومع ذلك، فلم تخل الأجواء من خلافات تنشب بين الحين والآخر حول قضايا تافهة. وكانت تنشب بعض خلافات بين المهجعين، فكثيراً ما يدور في المهجع السادس كلام، يبدأه أحد السجناء:

- المهجع الخامس أشعلوا الموقد اليوم ساعتين زيادة على حصتهم المقررة!.

- وخنقونا برائحة البطاطا المقلية.

- ينبغي وضع حد لمثل هذه التجاوزات.

بينما يبدأ أحد سجناء المهجع الخامس هجومه بقوله:

- المهجع السادس استهلكوا معظم الماء اليوم، مع أن المياه مقطوعة!.

- إنهم يسرفون بشكل غير مقبول!.

- طبعاً –يا سيدي- فالشباب أكابر!

- سبحان الله، ألا يفكرون بغيرهم؟.

- وقد شغلوا الحمام طوال اليوم ولم يتركوا لنا دوراً!.

- لا يمكن السكوت عن هذه الأوضاع إلى ما لا نهاية!.

وقال محمود للأستاذ عادل:

- بالرغم من تحسن الأوضاع هنا، عما كانت عليه في المهجع الثاني، إلاّ أن الكثير من المشكلات والمثالب والمنازعات لم تختف تماماً.

- نحن في سجن.

- ولكننا إخوان!؟.

- والإخوان بشر.

*        *         *

مما أثار استغراب محمود، ما علمه فيما بعد، بأن أعضاء القيادة لم يتعرضوا لأي تعذيب جسدي، حتى إن بعضهم لم يخضع لتحقيق.. فقال لعادل:

- ألا تستغرب هذه الظاهرة؟.

- نوعا ما.

- كيف!؟.

- لعل السلطة لم تكن مهتمة في البدء بأكثر من اعتقال القيادة، ظناً منها بأن ذلك يعني نهاية الجماعة… ولكن قل لي: لماذا تفكر في هذا الأمر!؟.

- لماذا طلبوا منا أن نموت تحت التعذيب قبل أن نعترف بحرف واحد!.

قال عادل وهو يبتسم: الأفكار النظرية شيء، والواقع العملي شيء آخر

*        *         *

توالت العمليات في الخارج، وكانت الأنباء عنها تتوالى باستمرار، بواسطة الإذاعة والجريدة والرسائل المهربة وبعض السجانين. وبالرغم من التفاف الأكثرية حول الثورة والعمل العسكري، إلاّ أن الخلافات لم تتلاش تماماً، وظلت تصدر عن بعض المعتقلين انتقادات لهذا الخط الذي يقود الجماعة والبلد إلى مصير مجهول لا يعلم مداه إلاّ الله… وإن كانوا في الصلاة يدعون للمجاهدين بالثبات والنصر.

وحملت إليه الأخبار نبأ استشهاد أخيه فخر الدين ابن الثمانية عشر ربيعاً ، فتلقى أكبر صدمة في حياته بالصبر والتسليم ، واستشهد صديقه أيمن ، وهو أمر كان يتوقعه  ، أما أبو اليسر فقد اعتقل بعد إصابات بالغة فقد فيها عينه وذراعيه ، وقضى في المنفردة بضعة شهور ثم حكم بالإعدام ونال ما يتمناه: الشهادة في سبيل الله.

واشتدت ضربات المجاهدين، وازداد عنف السلطة وشراستها، وبلغت الهجمة الإعلامية أشدها… التلفزيون والإذاعة والجرائد والصحف تشن حملات مكثفة… وفي رسالة مهربة قرأ أحد السجناء:

الشعب كله معكم، بماله ودمه، وإعلام السلطة يتلقاه الناس بالتندر والسخرية والشماتة… فاصبروا، فإن الله معكم، والنصر حليفكم.

*        *         *

قال الأستاذ فاروق وهو أحد قادة الجماعة بعد عودته من استدعاء مفاجئ:

ذهبت مع الأستاذ عبد الله والتقينا الأخ الأستاذ أمين يكن ، وهو –كما تعلمون-  أحد كبار قادة الإخوان السابقين، وهو مكلف من قبل الرئيس نفسه بإجراء وساطة بيننا وبين السلطة.

فقال سجين: لقد انهارت السلطة.

وتابع الأستاذ فاروق: قدمنا خمسة طلبات، هي الحد الأدنى الذي يمكن أن نرضى به، والحد الأعلى الذي يمكن أن تقبل به السلطة… وهي:

            1.        إصدار عفو عام عن السجناء والملاحقين.

            2.        إطلاق الحريات السياسية، وحرية الأحزاب.

            3.        إيقاف التحديات لمشاعر المسلمين في أجهزة الإعلام وممارسات السلطة.

            4.        إلغاء التمييز والتسلط الطائفي.

            5.        إعادة المدرسين المبعدين عن التعليم إلى وظائفهم.

ثم تابع: وقد وعدنا خيراً، وعلى هذا الأساس، أمروا بالإفراج عني وعن الأستاذ عبد الله، لتهدئة الأمور في الخارج، على أن تتم عملية الإفراج عن باقي المعتقلين سريعاً.

واستمرت الإفراجات بطيئة، ثم توقفت، وصعّد المجاهدون عملياتهم، أما الذين خرجوا لتهدئة الأمور، فإنهم سرعان ما غادروا البلد. حين فشلت المهمة .

*        *         *

استمرت المحاكمات…… وفي هذا المساء تم إحضار سبعة عشر معتقلاً، من بينهم محمود، إلى المحكمة…

كانت قاعة المحكمة كبيرة، تتوسطها منصة فخمة، يجلس وسطها القاضي فائز النوري، وحوله أربعة مستشارين، أحدهم برتبة عقيد، وإلى يمينهم المدعي العام، وإلى الأسفل يقف أربعة محامين، يقابل قوس المحكمة إلى اليمين قليلاً قفص وضع فيه السجناء.

بعد قليل صاح القاضي: أمين أصفر.

وقف أمين أمام المنصة، فقال القاضي:

أنت متهم بجرائم عديدة… القتل العمد، وإشعال الفتن، ومحاولة قلب نظام الحكم بالقوة… وفي ملفك اعترافات وقّعت عليها، وكلها تدينك.

فقال أمين: هذا كلام منتزع تحت التعذيب، لا قيمة له في ميزان العدالة، بما في ذلك التوقيع… لقد اعترفت لأنجو من التعذيب، بأشياء لم أفعلها، والمحققون يعرفون ذلك، وبعض عمليات الاغتيال وردت في عدة اعترافات، مما يدل على أن ما بين أيديكم من ملفات واعترافات كذب في كذب.

فرد القاضي بعصبية: لولا التعذيب لم تعترفوا بشيء… هل عندك أقوال أخرى؟.

- وما فائدة الأقوال الأخرى!؟.

- عد إلى مكانك…

ثم صاح: عبد الغني.

ووقف أمامه شاب طويل نحيل وديع لم يبلغ العشرين من عمره فوجه إليه الاتهامات نفسها، فضحك الفتى وقال:

يا سيدي أنا لا علاقة لي بالإخوان، ولا التنظيم ولا أعرف معنى هذه الكلمات، التي سمعتها لأول مرة من أفواه المحققين.

- ولكن إضبارتك تقول بأنك منظم، مشارك في العمليات، وفي حوزتك سلاح…

- أنا لا أدري ما ذا تقول إضبارتي، لأني لم أكتبها، ولم أقرأها… كل ما أعرفه أني وقعت عليها بعد فلقة ساخنة…

- هل من أقوال أخرى!؟.

نعم يا سيدي، فإن كلامي لم ينته بعد، وكنت أود أن أقول، بأنك أنت نفسك لو وضعوك في الفلق أو الدولاب أو تحت لسع الكهرباء؛ لاعترفت بأنك أخ لموشيه ديان.

ضحك الجميع إلاّ القاضي، فقد كان هو الآخر أعور، وقال بعد صمت غير متوقع: لا، لن أعترف بذلك.

واستمر المتهمون بالمثول أمام المحكمة، وتابعوا تنصلهم من التنظيم، وإنكارهم لاعترافاتهم المنتزعة تحت التعذيب، وقال شاب يدعى هيثم: أنا أرفض الكلام إلاّ في محكمة علنية يحضرها من يشاء وخاصة أهلي… أنتم تزعمون بأننا مجرمون، فلماذا تخافون من محاكمتنا علناً ليرى الناس صدق ادعائكم!؟.

قال القاضي: المحكمة علنية. انظر إلى الحاضرين، إنهم يتجاوزون الخمسين رجلاً.

- إنهم جنودكم وأعوانكم وحراسكم والسجانون! نحن نريد جمهوراً من الناس العاديين، وأولهم أهلنا.

- عد إلى مكانك إذن.

ثم صاح: صدِّيق.

وتلا عليه موجز ملفه، وهو الاتهامات ذاتها الموجهة لكل معتقل، فقال صديق: هذه ليست محكمة، هذه تمثيلية.. مسرحية.. والأحكام جاهزة، والكلام لا معنى له.

- عد إلى مكانك.

ثم صاح: محمود نعيم .

- حاضر.

وتلا عليه لائحة الاتهام ذاتها.

فقال محمود: أيمكن أن أتكلم براحتي؟.

- بالتأكيد.

- أنا عنصر في جماعة الإخوان منذ سبع سنوات، ورغم أن والدي –رحمه الله-  كان من الإخوان، إلاّ أنني اخترت دربي بعيداً عن تأثيره، فقبل ذلك انتسبت إلى شبيبة الثورة، وأصبحت رفيقاً، فرأيت هناك الانتهازية والعبث واللاأخلاقية، وأنا إنسان لا أستطيع الكذب على نفسي ولا على الآخرين، فتركت الشبيبة، واطلعت على فكر الإخوان ودرسته فاقتنعت به، والتزمت بالجماعة، وأنا أعرف سلفاً ما يكمن في طريقي، وأنا على استعداد لدفع الثمن ولو كان أعصابي وحياتي، وأنا غير نادم على اختياري… كانت حياتي عادية جداً ، إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم، فمن غير توقع، وحين كنت أتقدم للامتحانات في الجامعة، انتهك رجال الأمن –كالعادة-  حرمة الجامعة، واقتادوني إلى سجن أمن الدولة، وهناك… لم أكن أتصور أن الإنسان مهما انحط وأسفَّ يمكن أن يصل إلى ذلك الدرْك السافل الذي لا يمكن أن تصل إليه وحوش غابات الكونغو…كان التعذيب غاية في الشراسة والتمتع بهتك قيم الإنسان، فإذا كان في هذا المجتمع مجرمون، فأولئك هم المجرمون الحقيقيون، فحاكموهم بدلاً من أن تحاكمونا.

كان يتصور أن القاضي سينفجر غضباً، ولكنه فوجئ بإنصات شديد من الحاضرين، وبارتياح بدا في وجوههم، وقال القاضي بهدوء: ولكنك متصل ببعض المسلحين.

أجاب: صلة صداقة قديمة، لا صلة تنظيم… لم أمارس العنف، ولو كنت مقتنعاً به لمارسته، ولما وجدتني أمامك الآن، وأنا لا أقول هذا خوفاً منك ، فأنا لا أخاف منك ولا من غيرك، ولكنها الحقيقة.

- وفكرة الهجوم على أمن الدولة!؟.

- كانت مجرد كلام… صرخة في وجه الظلم والعجز.. كل الناس يصرخون، وينتقدون بعنف.. وأنتم تعرفون ذلك… ولا يوجد قانون في العالم يحاسب الإنسان على شوارد فكره، أو فلتة لسان في ساعة غيظ وقهر… إلاّ إذا كان هذا القانون موجوداً هنا!.

- لا، أبداً.

- اتفقنا إذن.

ابتسم القاضي وقال: أتحب أن تضيف شيئاً؟.

- كان في جعبتي الكثير، ولكني أكتفي بأن أقول لكم: إن هذه الأرض إسلامية، فتحها المسلمون بدمائهم، ولن يقبل أحد بأن تصبح الدعوة إلى الإسلام فيها جريمة، أو النشاط الإسلامي تطرفاً، وأختم كلامي بقول شيخ الإسلام ابن تيميه –رحمه الله- : ما يصنع أعدائي بي –وأرجو أن لا تضعوا أنفسكم في موطن العداء لي- أنا جنتي وبستاني في صدري ، سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة… وبالنسبة لي فالحكم بالإعدام أو السجن المؤبد أو البراءة، كلها سواء، ولكنها مسئوليتكم، ولا تنسوا أنكم ستقفون يوماً بين يدي الله، شئتم أم أبيتم، فحاولوا إنقاذ أنفسكم.

ساد صمت وتأثر بعد تلك الكلمات… لأول مرة منذ دخل السجن، أحس بقوة الحق، وجلاله، وهيبته، وروعة التحرر من الخوف… ورأى بعينيه ثمرة ذلك: الإكبار، والإعجاب من الجميع… أمر لم يكن في حسبانه… قال القاضي وهو يهز رأسه:

- عد إلى مكانك.

كل شيء تغير في المحكمة، وكل نفس تفاعلت مع الموقف بشكل أو بآخر، الإخوة المنكمشون على أنفسهم أحسوا بقوتهم ورفعوا رؤوسهم عالياً…  القاضي ومن معه وعناصر الأمن أحسوا بصدقه واحترموه

كانت العيون الشاخصة إليه، تفصح عما في الصدور من غبطة وإعجاب واقتناع.

انتهت الجلسة، وأعيد السجناء إلى السجن…

وفي المهجع الخامس، اجتمع سجناء المهجعين يستمعون إلى تفاصيل جلسة المحكمة، وكان القادمون يتحدثون عن موقفه باعتزاز، فانكمش على نفسه حياء، وخرج إلى المطبخ يتشاغل حتى انتهى الحديث عنه.

*        *         *

ظهرت شخصية جديدة بين السجانين… الرقيب طاهر، مجند شاب يؤدي الخدمة الإلزامية ،أقرب ما يكون إلى الطول والامتلاء والوسامة، هو ابن أخ الرائد حسن رئيس الفرع… انضم إلى مجموعة السجانين وكان رئيس نوبة… شهد السجن في أيامه انفراجاً كبيراً… وكان يغض الطرف عن الكثير مما يهرّب للسجناء، بل كان يقوم هو أحياناً بتهريب الكتب والمعلومات من السجن وإليه. وبالغ في تعاطفه مع المعتقلين، حتى داخل معظمهم الريب في سلوكه… وقال أحدهم: لا بد أنه مدسوس علينا.

فأجابه آخر: ملامحه، وحركاته، واضطرابه عند تقديم مساعدة، توحي بأنه رجل طيب.

- الحذر واجب.

- كلامك معقول.

أحياناً كان يصلي معهم الجماعة.. حقاً إن أمره مريب!؟.

ثم بدأ في بعض الليالي يستدعي واحداً من السجناء، يختاره في نوبته، ويسهر معه بعد منتصف الليل، حيث ينام السجانون، ويتحدثان في كل موضوع… وقد اختار جلساءه من الكبار والصغار، واطمأن أكثر من سهر معه وحدثه إلى صدقه، ووثق به، ولكن هذا السلوك جعل الجدل يشتد حوله:

- لا ريب أنه مدسوس.

- بل إنه متعاطف وطيب.

- الله وحده يعلم حقيقته.

وتعرض طاهر لمراقبة شديدة، واختبارات قاسية من السجناء دون أن يدري، كلفوه بمهمات خطرة فأداها، ولكن الجدل ازداد بشأنه.

- هذه أمور لا يفعلها إلا مدسوس.

- أو رجل من الإخوان.

- أيمكن أن يكون من الإخوان!؟.

- ربما كان متعاطفاً.

- مستحيل.

- بل ممكن… ممكن جداً.

وكان قد وقع اختياره على محمود ذات ليلة، وتكرر اللقاء أكثر من مرة، وقال طاهر: الحوار معك متعة حقيقية.

- شكراً هذا من لطفك.

- بل هو الواقع.

انتهز الفرصة ليسأله : ما رأيك بالإخوان!؟.

- شباب طيبون.

وكان يفكر في إثارة موضوع معه، فقال:

- هل يستحقون السجن؟.

- لا.

قال وهو يبتسم:

- لماذا لا تقوم بعمل في سبيل الله.

- مثل ماذا!؟.

وبين الجد والمزاح قال له:

- تهريب السجناء…

ولم ينفعل طاهر، بل رد ببرود وهو يبتسم: هذه مفاتيح السجن، خذها، واهربوا.

- هذا مستحيل… لا بد من خطة.

ابتسم طاهر، وسرح بعيداً ، وقال: حسناً ، ضعوا الخطة التي تريدون ، وأنا جاهز.

في الصباح قال محمود لعادل: لقد طرحت على طاهر فكرة الهرب من السجن، فكان رد فعله غريباً… يبدو أنه يقبل الإقدام على عمل من هذا النوع!.

ابتسم عادل بهدوء، وقال: هناك طبخة على النار أوشكت أن تنضج، فدع الأمر سراً.

- عدنا إلى السرية من جديد!.

- أمر لا مفر منه، كما ترى..!

- 10-

كان الاستدعاء إلى المحكمة مختلفاً هذه المرة، فقد جرت العادة أن يؤخذ السجناء على دفعات، والآن يستدعى السبعة عشر سجيناً من المهجعين الخامس والسادس. إضافة إلى الذين نقلوا إلى سجن القلعة من المهجع الثاني… وقال سجان: استعدوا للنقل إلى سجن آخر.

وكانت ساعة عناق ووداع بين الراحلين والباقين، وكانت عبرات وغصص وشد على الأيدي، ودعاء بالتأييد والثبات. وكلمات مفعمة بفيض عارم من المشاعر الإنسانية..

 وبقدر ما كان وداع هؤلاء حزيناً، بقدر ما كان لقاء الآخرين حاراً. وإذا كان الوداع فاجعاً، فها هو ذا لقاء بهيج يعقبه تواً…إنها الحياة.. حزن ومسرة.. أو مسرة وحزن.. يتعاقبان طوراً، ويمتزجان أحياناً.

في المحكمة كانت الجلسة قصيرة جداً، ابتدأت وانتهت بكلام المدعي العام، الذي عاد وكرر التهم نفسها التي رددها القاضي من قبل، وطلب من رئيس المحكمة إنزال أقسى عقوبة بأولئك السجناء جميعاً.

وفي غرفة الانتظار، قال محمود لأحد أصدقائه الذين وجدوا أنفسهم في السجن دون أن يكون لهم علاقة بتنظيم:

إني متفائل جداً بأنكم ستخرجون براءة، وتستأنفون حياتكم من جديد، ونحن ندعو لكم بالتوفيق، فادعوا لنا بالرحمات… وتابع باسماً: ولكن إياكم والسياسة…

ضحك الجميع، وقال الرجل: لا يا شيخ، لقد دخلت السياسة عظامنا بعد الاختلاط بالإخوان…

- والشباب، كيف نفسياتهم!؟.

- كلهم بخير، لقد تغير الجميع تماماً، وما عادوا يهابون شيئاً، لقد نذرنا أرواحنا في سبيل الله.

- إنه تطور خطير، لكنه طيب…

*        *         *

أعيد السجناء إلى سجنهم نفسه، وتكرر لقاء حار مع الذين ودعوهم قبل ساعتين، وكان فرح غامر، مثلما يفرح المرء بشيء ثمين فقده فجأة ووجده فجأة.

قال أحد السجناء: لقد أصبحنا أسرة واحدة… ثم تابع متأثراً: أنتم أصدقائي وحاضري ومستقبلي.

وقال آخر: أرجو الله ألاّ نفترق حتى الفرج الشامل  أو الشهادة.

وتوالت الأنباء عن مجازر ارتكبتها السلطة في كثير من المدن والقرى، وكانت وسائل الإعلام تردد: أوضاعنا الداخلية مستقرة، وسجوننا جدرانها بيضاء، لا يدخلها إلاّ المجرمون… وفي الوقت نفسه تشن الحملات على بعض الأنظمة التي امتلأت سجونها بالأبرياء المنكوبين والقتل الجماعي.

ولم يجد السجناء مخرجاً من ذلك المأزق، إلاّ بالحديث عن الهرب.

وقال محمود: مهما تكن الوسيلة والنتيجة، فلا بد من الهرب.

وتساءل في نفسه: أهو أمر ممكن!؟ أم هوتعبير عن اليأس!؟.

*        *         *

انطلق مندفعاً كالسهم من باب السجن… والسور الذي كان يبلغ ارتفاعه مترين، لم يكن من الصعب عليه أن يقفز من فوقه بعدما وصل إلى لياقة بدنية عالية بعمل تدريبات شاقة في الشهرين الماضيين، وتبعه السجانون والحراس في الخارج، ولكنه لم يكترث، أمروه بالتوقف فأمعن في طريقه، أطلقوا عليه النار من كل مكان، فلم يكن يبالي من أين يعبر الرصاص، وقطع الشارع الخارجي من بين السيارات، وظل يجري مسرعاً، وهم يركضون وراءه، والمسافة بينه وبينهم تتسع… أوقف سيارة أجرة، وقال للسائق: انطلق بأسرع ما تستطيع، وفي مكان مزدحم فتح الباب وهرب، واختار شارعاً جانبياً فاتجه نحوه، وراح يدخل في أحياء وأزقة متشعبة، حتى اطمأن إلى أنه غاب عن عيونهم، وأنهم لن يدركوه، وقال في نفسه: البحث عن مأوى لن يكون صعباً هنا، فعندي الكثير من الأصدقاء، وظل ماشياً بحذر واطمئنان ونشوة، حتى ربت شخص ما على كتفه، فاجتاحه ذعر مفاجئ، وحاول أن يتبين ملامحه بلا جدوى، فصاح: من!؟ وسمع صوتاً يقول له: محمود.. محمود.. قم، فقد اقترب الفجر.

ونهض فوجد الأستاذ عادل يوقظه للوضوء والصلاة.

فلما قص عليه ما رأى في الحلم، قال عادل: فأل خير إن شاء الله.

وقال آخر: إنه انعكاس لأحلام وهموم.

وقال ثالث: أضغاث أحلام نرجو أن تتحول إلى واقع.

وأردف محمود: لقد بدأ يعاودني هذا الحلم كثيراً، مع اختلاف في الجزئيات والتفاصيل… ولكنني أنجو دائماً، وأحياناً أجدني ملتحقاً بالمجاهدين.

- إنك دائم التفكير في هذا الأمر.

الشيء الجديد المثير كان في تعدد اللقاءات بين السجان الرقيب طاهر ، وكل من أمين أصفر وعدنان شيخوني... ، كانت اللقاءات شبه سرية ، تتم في المطبخ ، دون أن يعلم بقية السجناء بتفاصيل ما يدور فيها ، إلا التخمين بأن هناك خطة للهرب.

*        *         *

بعد يومين وقفوا جميعاً في قفص المحكمة، ومعهم الشيخ محمد خير الذي أُحضر من سجن القلعة، وكان هناك أربعة محامين، يتكلمون بالتناوب، يتناول كل منهم عدداً من القضايا، وكان محامي الدفاع عن محمود نعيم والشيخ محمد خير رجلاً في متوسط العمر يدعى المهلب الصالح، فلما تكلم أنشأ يخطب خطبة طويلة، يتلوها صفحة بعد صفحة لمدة ثلث الساعة، وقد ظهر الامتعاض في وجوه الحاضرين بدءاً من القاضي وانتهاءً بالسجناء، فقد أشاد المحامي في مرافعته بالسيد الرئيس، وأطنب له في المديح، ونبه إلى أنه الرجل الصلب الوحيد في المنطقة، الذي يتصدى للإمبريالية الأمريكية ومخططاتها، وللصهيونية العالمية وأهدافها، ولعملاء كامب ديفيد من العرب، وأن تلك القوى الرهيبة العالمية، لما عجزت عن مواجهة الرئيس المناضل البطل، فإنها قامت بتسخير الدين الإسلامي الحنيف، واستئجار قيادات عميلة، واستغلال حماسة الشباب المسلم، وتوريطهم في عصابات مسلحة دموية هدفها التخريب والفتن والقضاء على الثورة الرائدة وقائدها المظفر… وختم خطابه بقوله: ولأن هؤلاء الشباب –يا سيدي القاضي، ويا حضرات المستشارين المحترمين-  شباب مغرر بهم، فأنا ألتمس لهم من عدالتكم الموقرة تخفيف العقوبات عنهم إلى أدنى حد يسمح به القانون.

وشب حريق في القفص… حريق سرى في دم كل سجين. فرفع الشيخ محمد خير يده طالباً الإذن له بالكلام، وأشار له القاضي بالموافقة، فقال:

أيها السادة، كيف يدافع عنا محامٍ لا نعرفه ولا يعرفنا، ولم يلتق بنا، ولم يستمع إلينا!؟.

وأردف بسخرية: ثم لو أنه اتصل بنا لكنا أعطيناه أجره ليقوم بواجبه على نحو أفضل.

وقال محمود: أشكر السيد محامي الدفاع على خطبته الحماسية، وإن كنت أتمنى لو أنه أعفى نفسه وأعفانا من سماعها، لأن أقل ما يقال فيها: إنها كلام جرائد وإذاعة، مما لم يعد له تأثير في هذه الأيام، بل أصبح الناس يمجّونه… ثم إن حضرة المحامي وقف يدافع عن الرئيس مع أنه غير متهم هنا، وكان الأولى به أن يدافع عن موكليه دفاعاً مناسباً… أما عن دفاعه الذي تقدم به، فأنا أرفضه… ونحن –والحمد لله-  مسلمون واعون مختارون طريقنا على بصيرة، ولسنا مضللين ولا مخدوعين ولا أغراراً.

قال المحامي مباشرة، وهو يتلقى نظرة شماتة من القاضي: أنا أسحب دفاعي عن هؤلاء.

وصاح القاضي: رفعت الجلسة.

*        *         *

قال محمود لعادل في الطريق إلى السجن: الأحكام ستصدر في الجلسة القادمة حسب كلام القاضي، وأنا موطن نفسي لأقسى الأحكام، ولكن شعوراً داخلياً يحدثني عن فرج قريب… لا أدري لماذا!؟ مجرد إحساس أرجو أن لا يكون كاذباً…

رد عادل وهو يهز رأسه: الأمر لله من قبل ومن بعد.

وأردف محمود: الإعدام شهادة، والسجن المؤبد لن يضير؛ لأن الظلم لا يعيش طويلاً، والحكم بخمس سنوات يمنحنا الفرصة لحفظ القرآن الكريم ومجموعة طيبة من الأحاديث النبوية، وإذا خرجنا من السجن بعد سنة من دخوله، نكون قد خرجنا بتجربة جيدة في الحياة.

ابتسم عادل، وهز رأسه علامة الموافقة، دون أن ينبس ببنت شفه.

مضى عليه في السجن أحد عشر شهراً… في هذه الليلة فوجئ الجميع باضطراب شديد وضوضاء وجلبة في حركات السجانين وأصواتهم، كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً، حين فتح الباب سجان يقول:

- جهزوا أمتعتكم وأغراضكم جميعاً.

- لماذا!؟.

- لا نعلم.

قال سجين: إما أن هناك مجزرة جماعية تنتظرنا، أو أن انقلاباً قد حصل وسيكون الإفراج عنا هو البلاغ رقم 2.

مضت أربع ساعات في انتظار مبهم، وتحليلات متناقضة، وتخمينات بلا أساس، وأخيراً، قال السجان: ستنتقلون إلى سجن القلعة .

سرت موجة من تفاؤل بين السجناء، وقال عادل : إنه أرحم وأفضل من هذا السجن.

وراحوا ينادون السجناء بأسمائهم حتى بلغ العدد ما يربو على الأربعين منهم، وبقي في المهجعين الخامس والسادس سبعة عشر سجيناً هم الذين سيخضعون للمحاكمة.

وكان وداع شكلي، سريع، لأن الباقين ظنوا بأنهم سيلحقون بإخوانهم بعد قليل… ولكن ذلك لم يتم، فبعد ساعات قال سجان:

- فكوا أمتعتكم فأنتم باقون هنا…

سأله عادل:

- ألن ننتقل معهم!؟.

- لا.

- غير معقول.

- هذه هي الأوامر.

- والشباب أين ذهبوا بهم!؟.

- لا أدرى.

في المساء جاء طاهر مكفهر الوجه، بادي العبوس، تنطق عيناه بالقهر والألم… سأله محمود:

- خير إن شاء الله، ما الأمر!؟.

أجاب بلسان مثقل بالكارثة:

- لقد صار الشباب في سجن تدمر .

- السجن الصحراوي الرهيب!؟.

- نعم.

وأحس كل سجين بأن صاعقة قد نزلت برأسه.

- 11-

بدأت الأمور تجري على نحو مثير...

كان اليوم هو السبت، وقد بدا الرقيب السجان طاهر  قلقاً ... قال لمحمود:

إنها فرصتكم الأخيرة… فأنتم أمام احتمالين: إما أن يذهبوا بكم إلى السجن الصحراوي قريباً، أو أن تذهبوا مساء الأربعاء إلى المحكمة لتلقي أقسى الأحكام… وعند صدور الحكم، فلن تعودوا إلى هنا، بل ستنقلون مباشرة إلى سجن آخر… وفي كلتا الحالتين فإن فرصة تحرركم تكون قد أفلتت منا…أمامنا أيام معدودة فقط

بعد ساعة ، وفي لقاء طويل مع أمين ، قال طاهر: موعدنا يوم الاثنين

قال أمين: نحن مستعدون..

وقال طاهر: والشباب الذين سيتولون إيواءكم في الخارج مستعدون…

كانت الخطة مرسومة بدقة، وجاهزة للتنفيذ تماماً وكل سجين عرف دوره المحدد…

في مساء الاثنين جلس الرقيب طاهر أمام باب السجن مع السجانين الأربعة: أبو محمد وأبوشهاب، وسعدون، وفواز…

قام طاهر وجهز إبريقاً من مشروب (الميلو) بالحليب… ووضع فيه المخدر… قدمه إليهم احتفاءً بخطوبته كما قال…

عاد طاهر يقول لأمين: شرب اثنان منهم الشراب: أبو شهاب وسعدون، ولم يسغه أبو محمد ولا فواز…

وتابع: أما أبو محمد، فإنه عادة ما يذهب ويبيت في بيته… إنه رب أسرة، ونحن نغطي غيابه… وأما فواز فهو مصيبة.

قال أمين : نعتقله!؟

أجابه طاهر: الأمر صعب جداً … لو صرخ صوتاً واحداً لنبه الآخرين، وأفسد عملنا… وانتهينا جميعاً إلى الموت…

مرت نصف الساعة من القلق والحيرة… مشكلة لا حل لها… أمر لم يكن بالحسبان…

كان السجناء صائمين… أذن المغرب فأفطروا، ودعوا الله باضطرار… بعد قليل حدث ما يشبه المعجزة..

كان القدر يقول كلمته بوضوح حين جاء فواز يطلب الدكتور مالك…

أجابه الدكتور: نعم ؟.

فواز: لا بد أن لديك حبة للصداع… أحس بصداع برأسي…

هز الدكتور مالك رأسه: بالتأكيد… لكني الآن أقوم بتنظيف الأطباق. عد إلي بعد خمس دقائق…

عاد فواز بعد خمس دقائق… كان الدكتور قد حشا له المخدر في كبسولة عادية بعد ما أفرغها من محتواها الأصلي… تناول فواز حبة الدواء وعاد بعد قليل يقول للدكتور:

- أحس بثقل في رأسي…

- استرح قليلاً في السرير… وحاول الإغفاء لساعة أو ساعتين، وحين تصحو، ستجد الأمور على ما يرام…

في العاشرة ليلاً كان أبو محمد ينسل من السجن إلى بيته، والسجانون الثلاثة الآخرون: فواز وسعدون وأبوشهاب يغطون في نوم عميق…

في الثانية عشر ليلا بدأ تنفيذ الخطة التي رسمت بإحكام بالغ.. اتصل طاهر بفرع الحلبوني .

- ألو..

- نعم.

- أبو أحمد موجود؟.

- تفضل..

تناول المساعد أبو أحمد، مدير الفرع الهاتف:

- نعم..

- أنا طاهر..

- أهلاً بك..

- لدي مريض…

- دعه إلى الصباح.

- حالتة خطيرة.. إنه في حالة إغماء تام.. وتشنج… و..

- طاهر.. الوقت منتصف الليل… دعه إلى الصباح…

- كما تريد… لكني أكون قد أخليت مسئوليتي…

حين سمع أبو أحمد بالمسؤولية انتفض قائلاً:

- كما تريد… لكني.. آه… طيب… حسناً… إذا كنت ترى الأمر خطيراً إلى هذا الحد، فسأرسل لك السيارة حالاً… لكن انتبه.. كن يقظاً، ورافقه بنفسك إلى المستشفى..

- حاضر.

بعد نصف الساعة كانت سيارة الجيب تجتاز البوابة الرئيسية للمبنى، لتقف أمام باب السجن…طلب طاهر من العنصرين القادمين أن يساعداه في حمل السجين إلى السيارة… دخل العنصران بحذر وتردد… سارا في الممر الضيق الذي يفضي في نهايته إلى باب المهجع الثالث حيث يتمدد المريض...بينما كان ثلاثة سجناء يتسللون من خلفهم قادمين من المهجع المقابل في لباس النوم، في هيئة المتطفلين على ما يجري ...أصبح العنصران بين فكي كماشة...نادى أحدهم بالسجناء من خلفه: عودوا إلى أماكنكم ...في لمح البصر انقض اثنان من السجناء على العنصرين حيث تم اعتقالهما وتقييدهما وإدخالهما إلى المهجع وحقنهما بالمخدر… وفي دقيقة واحدة بدل السجناء ملابسهم وخرجوا بترتيب ونظام من باب السجن، كأنهم ذاهبون في استدعاء للتحقيق…وحدثت أخطاء قاتلة وأخطاء مضحكة في تلك اللحظات ، ولكن الله سلّم.

لم يكن المشهد عادياً بالنسبة للعناصر الآخرين المرابطين عند البوابة الخارجية والذين لا يبعدون أكثر من خمسين متراً عن باب السجن…لكنهم بدوا ذاهلين مسلوبي التفكير والإرادة ...مرة أخرى القدر يقول كلمته بوضوح..

انطلقت السيارة تنوء بضعف حمولتها باتجاه البوابة الرئيسية…

 وجه الرقيب طاهر المعروف جيداً هو الذي جعلهم يفتحون البوابة أمام السيارة لتخرج، دون أن يكون لديهم الظن أو الوقت لملاحظة أن العنصرين الذين دخلا لم يخرجا وإنما خرج مكانهما سجينان، أحدهما يقود السيارة والآخر إلى جانبه، وطاهر إلى اليمين من جهة النافذة…أما في الكبين الخلفي المغلق فقد تكدس خمسة عشر سجيناً؟!

ما إن خرجت السيارة من باب السجن حتى شرع بعض السجناء بالتكبير… وتم إسكاتهم بسرعة.. انطلقت السيارة في شوارع العاصمة، تتجاوز حتى إشارات المرور الحمراء… وفي أماكن محددة كان بعض الإخوة ينتظرون بسياراتهم في الظلام… ترك السجناء الهاربون سيارة الجيب، وانتقلوا إلى السيارات الأخرى الخاصة التي ذهبت بكل مجموعة إلى مخبأ جاهز أمين…

قبل أذان الفجر، كان محمود وأصحابه مختبئين في بيت في إحدى ضواحي العاصمة، في يقظة تامة، يصلون التهجد… يطيلون السجود… يحمدون الله من أعماق قلوبهم… في تلك الليلة التي لم يعرفوا النوم فيها من شدة الفرح ...نهاية أغرب من الخيال...

أذن الصبح، فصلوا الفجر… وقرؤوا الأدعية المأثورة، وشيئاً من القرآن الكريم…

قال عادل: لقد منّ الله علينا بالفرج من حيث لا نحتسب… وهيأ لنا الأسباب المؤدية إليه: السجان طاهر… والإخوة الذين تكرموا بإيوائنا، من غير أن يكون بيننا وبينهم سابق معرفة، مع ما في الأمر من خطر عظيم عليهم…فلنحمد الله أولاً، ولندع لمن بقي من إخواننا بالفرج العاجل… ستكون أمورنا على ما يرام بإذن الله.

وقال آخر: لقد طويت صفحة السجن… وفتحت صفحة جديدة… ما الذي يجب عمله الآن، وما الذي يمكن أن نفعله؟ نلتحق بالمجاهدين!؟ أم نخرج من البلد!؟.

أجاب عادل: سيكون لدينا وقت متسع للحديث في هذه الأمور، بعد تناول الفطور إن شاء الله.

وقال آخر لمحمود: يجب أن تكتب قصة السجن وعذابنا فيه، وقصة الهرب وعجائب اللطف الرباني فيها… هذه أمور يجب أن لا تضيع.. يجب أن يعرفها الناس..

أجاب محمود: يكفي أن رب الناس يعلمها جيداً… ومع ذلك، فأنا أشاطرك الرأي… سأكتب… سأكتب إن شاء الله، إن كان في الأجل بقية.

وقاموا يعدون الفطور وهم يتنسمون لأول مرة –منذ عام-   أنسام الحرية…

قال محمود وهو يحمل إبريق الشاي في يد، وطبق الزيتون في يد أخرى: حقاً إن الحرية هي الحياة. أما هذه السجون فهي أسوأ اختراع بشري ، وستظل وصمة عار في وجه الإنسانية حتى تسوّى بالتراب.

*        *         *

في ضحى اليوم التالي، كانت أم محمود تدخل إدارة الفرع من أجل زيارة ابنها… وكانت تحمل –كعادتها-  ما صنعته بيديها من أشهى أنواع الأطعمة…وكان يسود المكان القلق والتوتر والحركة العصبية ، وكأن القيامة قامت... حينما اقتربت من البوابة الرئيسية سألها أحد العناصر:

- نعم؟.

- أريد زيارة ابني..

- الزيارة ممنوعة..

- كيف… لقد قطعت مسافة بعيدة حتى وصلت إلى هنا..

- قلت لك: الزيارة ممنوعة..

- عندي موعد سابق منذ شهرين.

- ممنوع.

- الله يرضى عليك يا ابني… دعني أكلم المسؤول..

- ممنوع.

أحست بضيق شديد… تمتمت: إنا لله وإنا إليه راجعون… ثم اقتربت وقالت:

- طيب… إذن أوصلوا له هذه الأغراض..

- ممنوع دخول الأغراض..

- إنها بعض أطباق الطعام…

- ممنوع.

- حتى الطعام ممنوع!؟ ما الذي جرى.. أخبرني يا ابني..

في هذه الأثناء كان ضابط برتبة ملازم يمر… شاهد الموقف.. نادى عليها:

- نعم… ماذا تريد الحاجة!؟.

- زيارة…

- الزيارة ممنوعة الآن..

- عندي موعد..

- حتى ولو…

- حتى متى..!؟.

- حتى إشعار آخر..

عادت تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون… وحملت ما معها من متاع، وأدارت ظهرها، وجرّت ولديها، وهمت بالانصراف…

نادى الضابط عليها:

- يا حاجة…

- نعم…

- تعالي ما اسم ابنك!؟.

- محمود نعيم .

تغير لونه فجأة…

قالت:

- خير..؟!

اقترب منها، وهمس بتردد:

اذهبي من هنا حالاً… انجي بنفسك وولديك…

- خير…؟!

- ابنك هرب أمس من السجن، مع عدد من أصحابه…

لم تدعه ينتهي من حديثه… أدارت ظهرها وانصرفت، استقلت أول سيارة أجرة مرت بها… كأنها هي الأخرى هاربة من سجن… أحست بفرح لا يوصف، وبقلق كبير… بدأ قلبها يدق بسرعة… ضمت ولديها إليها بحنان كبير… كأنها تخاف أن يفلتا منها… وعادت مسافرة إلى المدينة… وهي تقول في سرها:

أرجو الله الذي فرّج عنه أن يجمعني به، لتقر عيناي بلقائه…

وذلك ما كان...

*        *         *

انتهت،،،