يا رئيس الحكومة إن الاقتطاع من معاشات المتقاعدين حكمه حكم أكل أموال اليتامى فاتق الله فيهم

محمد شركي
mohammed.said.chergui@gmail.com

مما تداولته مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع أن رئيس الحكومة يعتزم فرض ضريبة على المعاش ، فإن صح الخبر قلنا له ما يلي :

من المعلوم أن المعاشات عبارة عن اقتطاعات تقطع  من الأجور خلال مدة الخدمة ، وهي أجور تؤدى عنها ضرائب  للدولة . ولم يحدث من قبل أن فكر رئيس حكومة  سابق في إخضاع المعاشات للضريبة ، لأن ذلك يعني أن الدولة تحصل الضريبة مرتين مرة على الأجور ، ومرة أخرى على المعاشات ، وهذا ظلم صارخ ،وحكمه حكم أكل أموال اليتامى، لأن القاسم المشترك بين اليتامى والمتقاعدين هو الضعف ، ذلك أن اليتيم ضعيف بحكم صغره ، والمتقاعد ضعيف بحكم شيخوخته . وحكم آكل مال اليتيم كحكم آكل مال المتقاعد ، نقول هذا لرئيس حكومة ينتمي إلى حزب يصرح بمرجعيته الدينية ، وكان من المفروض أن يكون سباقا للدفاع عن الشيخوخة المستضعفة إلا أن العكس هو الذي حصل حيث لم يرع رئيس الحكومة للمتقاعدين حرمة ، وأغلبهم أنهى الخدمة وهو يعاني من علة يكلفه علاجها مصاريف، وقد تكون كلفتها باهظة  تغطي منها التعاضديات التي تقتطع بدورها من الأجور شطرا معينا ، ويستهلك الشطر الباقي رصيدا معتبرا من المعاش.

 وعلى غرار أصحاب الأجور يعول المتقاعدون أيضا أسرهم ، وفيها المتمدرسون الذين يطول تمدرسهم المكلف  ، والمرضى أمراضا مزمنة ... إلى غير ذلك من المصاريف التي تغطيها معاشات  قارة أو جامدة لا ينتظر أصحابها تعويضات عن ترقيات أو غيرها ، وهي على حالها  إلى أن يهلك أصحابها فتضع الدولة يدها على أنصبة منها أوعليها كلها في بعض الحالات ، وهي في الحقيقة مقابل عرق أو جهد المتقاعد الهالك  خلال الخدمة ، والذي لا يعلم إلا الله ما الذي عناه  .

وكان من المفروض في رئيس حكومة يمتهن الطب النفسي ، وهو أدرى بما تعانيه النفوس من غيره لأنه يعالجها ، وينبه الناس إلا الرفق بها وإلى كيفية التعامل معها لمساعدتها على التغلب على المعاناة ألا يقع في هذا الاعتداء السافر  على فئة مستضعفة أضعفتها الشيخوخة ، وألا يتجرأ على النيل من معاشها لأنه في حقيقة الأمر قد اقتطع من أجر دفع  لها مقابل نصب وعرق ومعاناة .

وكان من المفروض فيه أيضا بحكم تصريحه بتوجهه الديني كما يرفع ذلك حزبه كشعار ، ومن خدع الناس بالله انخدعوا له أن يكون أرأف وأرحم بهذه الشريحة  التي تشترك مع اليتامى في الضعف ، وقد وصف الله عز وجل الذين يأكلون أموالهم بأنهم إنما يأكلون في بطونهم نارا ، وفي هذا وعيد شديد كان على رئيس الحكومة  المتدين ـ ياحسرتاه ـ أن يحذر منه ،ويخشى ربه، ويتقه في شريحة مسنين لا حول لهم ولا قوة . وكان من المفروض أيضا أن يذهب تفكيره إلى فرض الضرائب على الذين يتهربون من أدائها، وهي عليهم واجبة أو الذين  يتحايلون في أداء اليسير منها تلفيقا وتزويرا وكذبا وزورا  .

إن التفكير في فرض ضريبة على المعاش يعتبر وصمة عار ستظل فوق جبين رئيس الحكومة المتدين والطبيب النفسي ، وستلطخ سمعة حزبه الذي يدعي المرجعية الإسلامية ، والإسلام براء ممن يستهدف المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا .

وعلى رئيس الحكومة أن يتدارك أمره  قبل فوات الأوان وحلول الندم ولات حين مندم ، وأن يعدل عما أقدم عليه  من إساءة إلى المتقاعدين عن عمد وسبق إصرار، فإن أصر على ذلك، فحسبهم الله ونعم الوكيل ، وموعد من ظلمهم الصبح أليس الصبح بقريب ؟

وسوم: العدد 804