غياب ثقافة احترام قوانين السير في بلادنا ولا جدوى مقاربة كمائن دوريات شرطة أو درك المرور

من المؤسف الأسف الشديد أن تظل قوانين السير حبرا على ورق  في بلادنا التي تعرف ما بات يسمى بحرب الطرق، والتي تزهق بسببها العديد من الأرواح سنويا ، لأن عموم المغاربة  الراجل والراكب منهم ما زالوا لم يتشربوا ثقافة احترام قوانين السير . ويلاحظ غياب هذه الثقافة من خلال سلوكهم في الطرق داخل المدن وخارجها ، وأمام العلامات والأضواء المنظمة لحركة المرور ،الشيء الذي يعكس استهانة بقوانين السير واستخفافا بها .

وتغلب عادة سرعة السير السيئة عند الراكبين عندنا سواء الذين يمتطون الدرجات النارية أو المركبات على اختلاف أنواعها ، الشيء الذي يحملهم على العناد أثناء السياقة  ، ذلك أنه لا أحد منهم يقبل أن يتجاوزه الآخر ، وكأن في ذلك مذمة وعار .وأمام هذه العادة السيئة لم يعد من معنى لعلامات تحديد السرعة . والمؤسف أن يتواطأ الجميع على عدم احترام تلك العلامات حيث ينبه بعضهم بعضا بإشارات ضوئية  من مركباتهم أثناء مراقبة شرطة أو درك المرور السرعة بواسطة أجهزة الرادار دون أدنى شعور بتأنيب الضمير . ومعلوم أن هذا السلوك يعكس تشجيع بعضهم البعض على الإفلات من العقاب ، وهم يعتقدون أن ذلك سلوك سوي بل يعتبرونه تآزرا  واجبا ، ويشكر بعضهم بعضا عليه . والغريب أن هؤلاء عند وقوع حوادث يكون سببها السرعة المفرطة يعبرون أسفهم الشديد ، ويتفننون في إدانة المسرعين وكأنهم لا يساهمون  في وقوعها حين ينبه  بعضهم بعضا لتحاشي دورات المراقبة.

كما تغلب عادة عدم احترام علامات الوقوف الصفيحية والضوئية على حد سواء ، وأكثر الذين لا يحترمونها ،ولا يقيمون لها وزنا أولئك الذين يمتطون الدراجات النارية على اختلاف أنواعها ثنائية وثلاثية العجلات، فضلا عن الدراجات الهوائية ،والعربات التي تجرها الدواب وكأنها غير معنية بالوقوف حين تقف طوابير السيارات عند إشارة الأضواء الحمراء ، ولا يبالي أربابها بما يمكن أن يحدث من حوادث بسبب هذا السلوك الذي لا يمكن إلا نعته بالمتخلف والمنحط .  وأذكر أنني وقفت بسيارتي  أمام ضوء أحمر ذات يوم والساعة تشير إلى الثانية  صباحا في انتظار إشارة الضوء الأخضر، فتجاوزتني سيارة  فيها بعض الشباب فسخروا من وقوفي في مثل تلك الساعة ، وقال أحدهم هازئا : "أنت مواطن صالح " معبرين  مع الأسف  الشديد عن افتقادهم   الإحساس بثقافة احترام قانون السير الذي لا يحترمونه إلا بحضور شرطة المرور خوفا من أداء الغرامات المالية  .

وأمام الأضواء المنظمة لعملية المرور تلاحظ  أيضا سلوكات غريبة حيث  يستعجل البعض إشارة الضوء الأخضر الذي يوجد أمامهم  ، وتشد عيونهم إلى إشارة الأضواء المقابلة أو الموجودة عن يمينهم أو شمالهم  وذلك من فرط استعجالهم . ومباشرة بعد أن يشع الضوء الأخضر تزعق أبواق السيارات بسبب الاستعجال متبوعة  في الغالب بعبارات الاحتجاج  على من  يكون في مقدمة الطابور فيتأخر في الانطلاق،  وقد يشبع  سبابا  وكلاما  بذيئا .

وقد يوقف البعض مركباتهم والضوء الأحمر خلف ظهورهم من فرط استعجالهم معولين على من يوجد مقابلا لهم كي ينطلقوا مسرعين  أو معولين على من يقف خلفهم لينبههم  ببوق سيارته ، وهذا أيضا أغرب سلوك يلاحظ  عندنا .

وإذا كان السائقون  يوقفون مركباتهم عند الأضواء الحمراء ، فإنهم غالبا ما يتجاهلون الوقوف عند الصفائح التي تحمل كلمة  " قف " .

ومن العادات الغالبة أيضا ركن السيارات فوق الأرصفة ، ودون المسافات المطلوبة عند أطراف الشوارع  بداية وانتهاء ، وأحيانا في اتجاهات معاكسة . وقد يضيق ركن المركبات على جانبي الشوارع الضيقة من المسافة التي  لا يمكن أن تسمح إلا بمرور عربة واحدة ،ويكون ذلك سببا في عرقلة السير .

ومن العادات السيئة أيضا عدم احترام حق الأسبقية ، الشيء الذي يتسبب في حوادث مأساوية ، وكذا عدم احترام الراكبين  ممرات الراجلين مقابل عدم التزام هؤلاء بالمرور عبرها مع المرور حيث لا يسمح لهم بذلك ، فضلا عن كونهم لا يمشون فوق الأرصفة والتي غالبا ما تكون محتلة أو ضيقة .    

وأمام هذا الغياب المؤسف لثقافة احترام قوانين السير عندنا ،لا تجدي نفعا مقاربة الكمائن التي تنصبها دوريات الشرطة  أو الدرك  في نقط معينة تصير معلومة فيتحاشاها السائقون حين ينبه بعضهم بعضا إليها  .

ومن المؤسف أن تكون حركة السير ببعض الأماكن خلال  أوقات الذروة في أمس الحاجة إلى وجود دوريات لتنظيمها بينما تكون هذه الأخيرة مشغولة بنصب الكمائن في أماكن تقل بها حركة السير ، ويكون شغل تلك الدوريات الشاغل هو تسجيل المخالفات وتحصيل الغرامات . ويبدو أن أنها لم تعد تهتم بتنظيم السير والمرور بقدر ما صارت تكمن ورصد وتغرّم.

و أمام هذا الواقع المؤسف لا بد من البحث الجاد عن سبل ترسيخ ثقافة احترام قوانين السير المفقودة  عندنا ،الشيء الذي يقتضي تغيير الذهنيات ، علما بأن بعث الحياة في الضمائر أو تحريك الوازع الديني  قد يكونان أجدى من نصب الكمائن  والتغريم  وحذف النقط الذي لن يزيد إلا التمادي في  تجاهل قوانين السير والاستخفاف بها . وشتان بين أن يكون احترام قوانين السير بدافع ضمير حي أو بحضور وازع ديني وبين أن يكون مجرد تحاشيا للتغريم وحذف النقط .

وسوم: العدد 862