رسالة إلى ابنتي الصغيرة

رسائل لم يحملها البريد 2

كتبتها قبل تسع سنوات

وقفت تسائلني والقلب منفطر حزين ، أيا ابتي اين الجنان في بلادي و أين البساتين ، أين أزهار الحقول أين الياسمين .

بالأمس كنت تحكي لنا عن دمشق وحمص وحماة كما حكايات العاشقين ، وعن حبك الأبدي الى حلب بشوق وحنين ، عن تاريخها ورجالاتها الخالدين ، عن شوارعها الندية وحجارتها التي تحكي تاريخ آبائنا السالفين ، وعن قلعتها الشماء رغم الاف السنين ، وذكريات الطفولة وكم كنت من المشاغبين ، عن مدرستك والأصحاب والمقربين ، عن المساجد العامرة بالشباب المخلصين .

وهنا تصمت ثم تدمع عيناك وانت تذكر البغي وحقد الظالمين ، وكيف عدو على الأطهار فذاك في السجن المهين ، وهذا شهيد سقط برصاص حقد الغادرين ، وفي الشتات كانت الآلاف تبكي الأحبة في أنين.

ابتاه هذا حالك منذ عشرات السنين ، والغربة تفتك بالشباب من المخلصين ، فهل نفعك البكاء على الأطلال و الندب والحنين ، وهل رجعت الى الأوطان موفور الكرامة مرفوع الجبين.

أبي الحبيب : بالأمس رأيت في التلفاز عن حلب الحبيبة والدمار ، وعن القتل والإرهاب والحصار ، وبراميل الموت تلقى فتصيب كل دار ، وعن بحور الدم ورائحة الأشلاء وقوافل الموت تعصف بأهلنا كالإعصار ، وتمزق الوطن الحبيب وغادره الحب والسلام كما العصفور من الخوف طار ، وأصبح أهلنا في الشتات لاجئين وفي الكهوف وتحت السماء والأشجار ، والعالم كله صامت ياللذلة ياللعار .

أبتاه ماهذا الحقد الدفين وهل أنا في الحقيقة أم في المنام ، أجبني يا أبتي لماذا حقدهم هذا لم الإجرام ، أوهكذا الانسان بفطرته يعدوا على أخيه أم أنها من الحقد الدفين والإجرام ، أنا يا أبتاه لا أصدق ما أرى هذا حرام هذا حرام.

فأجبتها وقد اغرورقت مني العيون ، وتصدعت روحي وبكيت من ألمي في شجون ، وجال بخاطري الماضي الحزين وآلام السنون ، وأخي المغيب كما الآلاف في غياهب السجون ، وآهات أمي تندب حبها بصمت تارة او بجنون.

ورأيت مصارع قومي وقد استباحهاعلج خئون ، وأصبحت بلاد الياسمين تغشاها المنون ، قتل وإرهاب وتدمير والكل حولنا صامتون ، خاطبتها وبنبرت الباكي وغصة المحزون.

أيا صغيرتي ما سمعت وما رأيت حقيقة لا خيالات البشر ، وعدونا قد أسرف في إجرامه فأبكى الأحياء وأنطق الحجر ، هدم المساجد هتك الأعراض وما ستر ، وتفجر الحقد الدفين على تراب وطني والكل صار في خطر, نعم يا بنيتي ماترينه جزء من الحقيقة وليست كخيالات البشر.

ولكن يا بنيتي أبشري بنصر الله والتمكين ، أما سمعت بقول ربنا الرحمن (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) ، ألم أعلمك بأن الله يمهل ولا يهمل الفجار المجرمين ، وأن الله أعد جنانه لعباده الصابرين ، وأن الله منجز وعده بنصر عباده (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ، والنصر قريب (ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا) فلا تيأسين.

غدا يا بنيتي سننتصر وسنبني من الغد القريب فجرا ، وسنذكر الآلام وأنها أعادت لنا الانسان حرا ، وسنعلم ان الدماء التي سالت على ارض وطني قد انبتت زهرا ، سيزهر الياسمين ونشم أريجه مسكاً وعطرا ، وسيكون غدكم كأنسام فجرنا الثرى ، وستعيشين العمر يا صغيرتي حرة حرى.

أيا صغيرتي وقد ابكيتني فلتسلمي ، وعلى تراب أرضك ستعيشين ولن تندمي ، فالغربة مهما طالت ككساء عيرة هيا افهمي ، وفي شامنا سيولد الفجر الجديد فأقدمي.

أرض الشآم أياصغيرتي بوركت بدعاء سيدنا الرسول ، (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا) هكذا جاءنا في الحديث وفي كتب الأصول ، وفيها الطائفة المنتصرة للحق وللأقصى سوف تسعى للوصول ، (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يقضي أمر الله وهم على ذلك) كما قال قائدنا الحبيب المصطفى في الحديث المتواتر المنقول.

وغدا لناظره قريب ، وفي حلب الشهباء يا صغيرتي سيلتقي الحبيب بالحبيب ، وهناك لن يحكمنا ظالم أو رقيب , وسنعيش العمر حباً وسلاماً ووئاماً والله  مولانا نعم الناصر والمجيب.

وسوم: العدد 875