قصاصات ترصد المشهد السياسي السوداني

هذه قصاصات ترصد المشهد السياسي، وتعبر عن رؤيتي وقناعاتي الشخصية، قد تصيب وقد يحيط بها الخطل، ولكنها على كل حال تنفتق عن قريحة تنشد أن تساهم في تقديم الحلول المطلوبة، والكاتب هنا قد يمثل التيار الإسلامي المتبني لفلسفة لها رصيد أكبر في الانصهار والتقدم والاندماج في المجتمع السياسي، رغم إخفاقها كحركة وثبت على الحكم وسعت أن تتماهى بين الإسلام وبين القوى التي نشطت لإجهاض مآربها. وقد شابت هذه التجربة الكثير من الأخطاء الفادحة التي نجحت في خلق تيار معادياً للإسلام السياسي، ولكن كل هذا لا يمنع من سعي هذا التيار مجدداً بالتعاون مع أحزاب أخرى لتأسيس دولة تحمل طموحات المجتمع الملتزم، والحركة الإسلامية فوق ذلك تملك رؤية سياسية بديلة مناهضة لرؤى قحت التي فشلت في إدارة اللعبة السياسية بشكل متوازن، كما أنها عملت على اتساع نطاق الصدام بين قطاعات الشعب المنتصرة للدين، وبين سعيها لغرس الخزاية والتهتك بين صفوف المجتمع السوداني.

نبدأ القصاصات:

*بكل أسف مازال الساسة يتبعون نهج ضيق وفهم محدود لاستقطاب جماهيرها وغايتها تحقيق أهداف مسرفة في الأنانية حتى وإن اضطرتها تلك الأهداف إلى الخروج عن دائرة التشريع الفقهي كاستعداء الجيشز

*نحن وساستنا لا نستطيع أن نكون حاضراً شاملاً في اعتقادي لغياب رموز وقيم ومعالم الوطنية في حنايانا.

*لم ينفع مع جدار قحت الواهي الترميم، فعمد الجيش على تنحيته وإسقاطه، لو كانت قحت حصيفة ومحنكة لجندت كماً هائلاً من المؤازرين والأنصار من ضباط الجيش نفسه حينما تنتهج العدل وتعلي من سقف الوطنية، ولوقف هؤلاء ضد أي مخطط يسعى لتجريم قحت أو استئصاله.

*رسم السياسات منوط بالهيئات التشريعية التي عزفت قحت عن نصبها، الأمر الذي أغرق البلد في هذه الاضطرابات، فأتاحت بذلك المناخ الملائم للبرهان وعصبته لبلورة دور الجيش ورسمه كدفة تدير الأمور في هذه المرحلة.

*نحن الآن بطبيعة الحال لا يمكن أن نميز الخبيث من الطيب، والعارض من الأصيل، في قيادات الجيش المتصدرة المشهد الآن، ولا نستطيع أن نضع كل ثقتنا فيها لتوافقها الشكلي مع ماضي البشير، ولكن نستطيع أن ننسجم مع مبدأ أن القوات المسلحة هي التي تزود عن حمي هذا الوطن، ومع هذا التخبط والفشل يجب ألا نركن إلا إليها.

*لم تستطيع التركيبة التي اختارتها الحرية والتغيير بموافقة رئيس الوزراء المعزول، أن تضع الصرح الذي يعجل بإرجاع الجيش إلى ثكناته، وتدفعه للتركيز على أداء مهامه، ومن أسمى هذه المهام إعادة كل الديار التي شمخ فيها الغريب بأنفه إلى حضن الوطن.

*حقبة البشير هي أكثر الحقب راديكالية وعنفاً، وفي عهدها بزغ نجم حميدتي وجيشه اللجب، وقد نجحت منظومة الدعم السريع أن تجعل مكانتها غير مطعونة في عهد البشير، الذي كان يتعامل مع الجيش كما يتعامل المرء مع تالده وطريفه، وكما نعلم أن المخلوع قد صنع هذا الكيان ليضيق على خصومه، ويكسر شوكتهم، وبعد الثورة بات جيشاً ذو نظم ونفوذ، لأنه زج بنفسه في المعترك السياسي بتنازله عن الولاء لمن أوجده ودعمه.

*العبارة المجملة التي يجب أن تسود، والتي لا تحتاج إلى شرح أو تحليل، هي مناصرة الجيش، فإذا لم نرى من وعوده غير أطياف، اصطففنا في شوارعنا حتى يحقق ما وعدنا به.

*قحت لم تستكمل دائرة الأحكام السياسية، وهذا أكبر إخلال بالوثيقة الدستورية، كما أنها مرتهنة للغرب في كل قرارتها، ولم يعد يعنيها أمر المواطن في شيء، فهل نتوقع من الجيش أن يتمسك بوثيقة أزرى بها أصحابها

*أشكال العصيان والتمرد هي السمة الطاغية، وقد أجاد الشعب حبكتها، فلماذا لا ننتظر حتى نرى عما تتمخض عنه وعود البرهان؟ فإذا أوفى بما وعد فقد جنبنا دواهي عظام، وإن نكص عن وعوده انتفضنا عليه.

*لماذا نرمي دائماً من نختلف معهم بتهم الخيانة وننتهي إلى حقيقة مفادها ن تقييمنا هو التقييم الكاشف لجوهر هذه النخب، وما حقيقة مواقفنا هذه من الظاهرة الديمقراطية التي تتيح لكل شخص أن يعتقد ما يشاء، أو يتعصب لما شاء.

*مما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن أفعال قحت هي التي صنعت إطاراً صالحاً لمعاضدة العسكر.

*العسكر هم الأندى صوتاً لما لهم من قدرة استثنائية على التأقلم مع هذا الصخب الذي لن يفضي إلى شيء.

*لا أحد يستطيع أن يماري في حجم الغثاثة والهزال التي احتشدت في شخص حمدوك، وعن كونه خاضعاً للغرب ويتقاضى راتبه منه، كما أنه أخفق في أن يشكل معايير الحياة الكريمة التي كان الشعب يمني نفسه بها، فلماذا التباكي عليه الآن؟

*التصور الأكثر حضوراً وشيوعاً، أن المكون العسكري قد سعى لإجهاض الديمقراطية، وقد وطدت أذرع قحت من وتيرة هذا التصور، وظلّ في تنامي وارتفاع، حتى حجب حقيقة مفادها أن قحت لم تستكمل بناء مفاهيم الشرعية بكل مضامينها وظلالها، لأنها تتعارض مع فلسفتها ونظرتها التي تكبح من الحرية المطلقة في التصرف في موارد الدولة.

*الفهم الراسخ في الأذهان أن الجيش لا يقوى على مغالبة النزعة السلطوية التي طبعت بميسمه، وأنه هو الذي أصرّ على إخضاع قحت لمنظومته التي تعكس قهره و إرغامه لكل وافد ديمقراطي، ولكن الحقيقة التي يتعمد الناس تجاهلها أن قحت لم تستفيض إلاّ في احتكار السلطة السياسية، ضاربة عرض الحائط بتحديات الحاضر ومعاش الناس.

*الضابط المرجعي الذي يجب أن يؤول إليه الأمر، هو معرفة الجهة التي هيأت المناخ الملائم للتشرذم والانقسام، هل هي قحت الساعية دوما لاجتراح نظم وقواعد ليس منصوصا عليها في الوثيقة؟ أم المكون العسكري الذي ضاق ذرعا بتهافتها وانحرافاتها.

*من يتأمل الخط التفاعلي لهذه المظاهرات، يجد أن وقودها هو كاريزما الخوف من عودة النظام السابق، وأن تطويق العسكر لأقزام قحت، ما هي إلا المؤازرة الأولى التي تعيد جذور الكيزان وأصلهم إلى سدة الحكم، ينبغي تجاوز تلك الخشية، وفهم المأزق الراهن للخروج منه، قحت لم تشكل تحدياً مباشراً لسلطة الجيش حتى يقصيها، مهمة الجيش الدفاعية هي التي دفعته لاتخاذ هذه الخطوة، ولعل رصد وتبيان العوامل المتعددة لا يمكن اختزاله فقط في الاختلاف المذهبي، كما لا يمكن أن نذهب أن تنفيس الاحتقان الذي نشأ بين قحت والمؤسسة العسكرية هو الذي قاد لكل هذا.

*انغلاق قحت وتقعوقها حول أحقادها وسخائمها، هو الذي أدى إلى هذه الحلقات المتواصلة من الفوضى والاضطراب، وهو الذي شوه حقيقة الثورة، كما أن تفرع الأغراض والاتجاهات لقادتها هو الذي كرس في دواخلنا هذا السخط عليها.

*التلازم الواضح والصريح لغيبوبة قحت بمآلات التكليف، وسمات التشتت والضياع التي شابت بواكير مسيرتها، هو الذي قاد إلى هذا العنف والتناحر بين أطياف المجتمع، وهيأنا نحن للسير في ركاب العسكر حتى تنجلي الحقائق وتتكشف الظنون.

*ما هو الكسب السياسي الذي أحرزته قحت في ساحة المجابهة، حتى يهجم عليها العسكر ويخضعونها لحظرهم وجبروتهم؟ نريد معرفة توسعها وانتصاراتها في طريق الديمقراطية وأسس الحكم الرشيد، الذي اعتمدته لنكيف مواقفنا، ونخمد ريبتنا وشكوكنا حول نظمها اليسارية التي تدعي الصمود وإفشال خطط الاستعلاء الإخواني، نريد منها أن تفحمنا حتى نعتنق أصوليتها التي ما زالت خافتة ومتضعضعة، وعاجزة عن التوفيق بين أطرها المتخلفة العجفاء، وبين التصاميم الرأسمالية التي قربتها من جاذبية الحكم الليبرالي.

*عودة حمدوك إلى الواجهة مرة أخرى تعتبر اجترار لمرحلة الفشل.

*قبضة حمدوك على مفاصل الدولة لم تكن قوية وخاصة في الأطراف، كما لم توجد أجهزة تنفيذية متناغمة على مستوى الدولة القاعدي في عهده.

*لعل الحقيقة التي نرى من الحيف عدم ذكرها، أن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي تتسع له شعاب، وتضيق به شعاب، خيانته عندنا واضحة لا لبس فيها ولا التواء، ولو صبر عليه العسكر طويلاً لأعاد السودان إلى خواء الوثنية.

*لا نرى في سيرة قحت ما يشجي أو يلهم، كل ما رأيناه سلاسة عجيبة في تبعيتها لسادتها في بلاد ما وراء البحار، وقوانين هزيلة تصاغ من أجل تحرير الجسد الأنثوي، الذي ضمدته قيود الدين المختلفة، والرسف في أغلال العهر والمجون الذي يهلل الغرب بمباركته.

وسوم: العدد 954