وقفة مع مراسلة من الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى إلى رؤساء المجالس العلمية المحلية بخصوص هندام خطباء الجمعة

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مراسلة من  السيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى إلى السادة رؤساء المجالس العلمية المحلية يأمرهم  فيها ـ  بصيغة مؤدبة كما هو معهود فيه ـ  توجيه عناية خطباء الجمعة إلى ضرورة ارتداء الجلباب والسلهام أو البرنوص بلون البياض كما يقضي بذلك دليل الإمامة والخطابة والوعظ ، وجريا على عادة موروثة ، وكان الدافع وراء هذه المراسلة أنه بلغ إلى علمه عدم التزام بعض الخطباء بهذا الزي  حسب وشاية الواشين المتربصين بالخطباء فيما يقولون وما يلبسون .

ومع أنني أكن كامل الاحترام والتقدير لشخصه ، وكذا لكل رؤساء المجالس العلمية المحلية ، فإن ذلك لا يمنع من أن نقف عند مراسلته وقفة القصد منها لفت أنظارهم إلى أن المطلوب من الخطباء في هذه المراسلة ليس فيه ما يعاب أو ينتقد لو أنها حملت إليهم بشارة رصد الوزارة الوصية على الشأن الديني مبلغا ماليا يغطي كلفة الجلابيب والبرانس الملزمين بارتدائها فوق المنابر ، وتكون من زوجين أحدهما شتوي ، والآخر صيفي لأن معظمهم لا يسمح وضعه المادي  كما هو معلوم بما يطالب به السيد الأمين العام ، علما بأن كثير من الإدارات العامة والخاصة التي تلزم موظفيها بأزياء خاصة تغطي نفقتها ، وبذلك يحق لها أن تلزمهم بارتدائها ،وتحاسبهم على مخالفة أمرها في ذلك .

وليس السيد الأمين العام  للمجلس العلمي الأعلى ، ولا السادة رؤساء المجالس العلمية المحلية ممن يذكرهم مثلي بقول الشاعر :

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه       فكل لباس يرتديه جميل

أو قول القائل : لباس الرهبنة لا يجعل من يرتديه بالضرورة راهبا .

أما ما أمر به الله تعالى من أخذ الزينة عند كل مسجد ، فلا نقاش فيه ، ولكنه ليس فيه ما يلزم بزينة دون أخرى ، والمؤمنون وعلى رأسهم الخطباء يأخذون من الزينة ما يتيسر لهم دون أن يكون في ذلك إلزام كما جاء في مراسلة السيد الأمين العام خصوصا وأن الجلابيب والبرانس تتفاوت أنواعها وأثمانها ، وليس ما يقتنيه منها السيد الأمين العام ، والسادة رؤساء المجالس المحلية متاح لكل الخطباء خصوصا الفقراء منهم، لهذا فالأصوب أن يوحد زي الخطباء في عموم الوطن ويكسون مما يلبس السيد الأمين العام، والسادة رؤساء المجالس المحلية ، ومما يلبس الوزير نفسه .

ولقد كان من المفروض أن يوصي السيد الأمين العام ، وأمانته ومسؤوليته جسيمة أمام الله عز وجل رؤساء المجالس العلمية المحلية بتعهد الخطباء لتكون خطبهم مسايرة للواقع المعيش ، ولأحداث الساعة من قبيل تعرض الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم للإساءة ، ومن قبيل تعرض بيت المقدس للتهويد ، ومن قبيل استهداف الشرع الإسلامي فيما يتعلق بالإرث  على سبيل الذكر لا الحصر ، وإلا فأمام الخطباء التصدي لما ترفعه أصوات البعض من دعوات إلى إحلال ما حرم الله تعالى ورسوله عوض تكميم أفواههم  ، ومعاقبتهم بالعزل إن هم أنكروا ما يجب إنكاره من المنكرات .

السيد الأمين العام إن هيبة الخطيب عند رواد المساجد لا يكتسبها بجلباب أو بسلهام بل بعلمه أولا  ثم بصدقه معهم ، ولعل السيد الأمين العام يعرف جيدا قصة الشيخ محمد عبده حين اعترض سبيله أحد العوام طالبا منه أن يقرأ له رسالة توصل بها ، وكانت طويلة  وبخط دقيق ، والشيخ في عجلة من أمره ، فاعتذر لصاحبها  متذرعا بجهله القراءة ، فبادره بالسؤال لماذا يضع عمامته الأزهرية فوق رأسه  ، وما كان من الشيخ إلا أن خلعها ووضعها فوق رأس صاحب الرسالة ، وطلب منه قراءة رسالته بنفسه . لهذا ما أظن أن رواد المساجد يحضرون خطب الجمع لمعاينة  زينة أو جلابيب و برانس الخطباء بل يحضرون للاستفادة من علمهم المشفوع بصدقهم .

وأخيرا أرجو أن يتسع صدر السيد الأمين العام لما جاء في هذا المقال ، وأن يبادر بزف بشارة لكل الخطباء بتحمل وزارته الغنية  نفقة الجلابيب والبرانس الشتوية والصيفية  ، وسيكون ذلك فضل منه أجره عند الخالق عز وجل ، وذكره حسن عند الخلق.

وسوم: العدد 985