وقفة مع طبيعة العلاقة بين أطر التعليم العالي في الجامعات والمعاهد العليا وطلابهم

انشغل الرأي العام الوطني مؤخرا بحادثة انتحار الطبيب المقيم بالمركز الاستشفائي الجامعي بمدينة الدار البيضاء ، وقد دارت أحاديث حول سبب انتحاره حيث ذهب البعض إلى أن الأمر يتعلق بسوء معاملة أستاذه المشرف معه.

 ودون الخوض في سبب انتحاره الذي هو من اختصاص الجهات المعنية بالتحقيق في ظروفه وملابسته، سنقف عند طبيعة العلاقة بين أطر التعليم العالي في الجامعات ، والمعاهد العليا  وطلابهم ببلادنا ،وهي علاقة يكثر الحديث عنها في الأوساط الطلابية ، وبين أهلهم وذويهم ، وهو ما يجعل الرأي العام الوطني يتطلع إلى معرفة حقيقتها بعيدا عن الأجواء المشحونة بين الطرفين ، وعن تراشق التهم فيما بينهم ، علما بأنه لا بد من استطلاع آرائهما معا من أجل الوصول إلى حقيقة هذه العلاقة .

ولا شك أن كل من مر بجامعة  من الجامعات أو معهد من المعاهد العليا  في بلادنا سواء كان ذكرا أو أنثى لديه انطباع حول هذه العلاقة من خلال تجربته الخاصة ،الشيء الذي من شأنه أن يكشف النقاب عنها في حال إجراء استطلاع آراء طلاب وطالبات سابقين من خارج الأوساط الطلابية الحالية .

وما سجلته وسائل الإعلام الوطنية سابقا عن طبيعة هذه العلاقة في بعض الجامعات أمر يتعلق بجانب أخلاقي حيث سجلت حالات تحرش جنسي بطالبات جامعيات من طرف أطر تدريس جامعية ، وربما يكون الأمر قد وصل حد الاعتداء جنسيا عليهن ، ولعل القضاء عندنا قد قال كلمته، وأصدر أحكامه بخصوص هذه الجنايات  كما نقلت لنا ذلك وسائل الإعلام .

ومعلوم أن وجود حالات تحرش أو اعتداء جنسي في جامعاتنا ومعاهدنا العليا يمس  في الصميم موضوع العلاقة بين الأساتذة وطلابهم التي لا ندري هل توجد نصوص تشريعية وتنظيمية في التعليم العالي تحدد طبيعتها كما هو الشأن في التعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي حيث توجد مذكرات تنظيمية تمنع تعنيف الأساتذة تلاميذهم  في هذه الأسلاك  التعنيف المادي والمعنوي على حد سواء ، وفي المقابل تمنع تعنيف التلاميذ لأساتذتهم أيضا .

ومن أخطر أنواع التعنيف الصادر عن الأساتذة التحرش أو الاعتداء الجنسي الذي قد تسجل حالات منهما أيضا في الأسلاك الابتدائية والثانوية مما تنقله وسائل الإعلام بين الحين والآخر ، أو تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي .

ومعلوم أن  ما يغري من لا ضمائر لهم من الأساتذة في الجامعات والمعاهد العليا بالانجرار نحو التفكير في التحرش أو الاعتداء الجنسي  على الطالبات هو الفئة العمرية للطالبات الجامعيات وقد تجاوزن مرحلة القصور . ولا شك أن التحرش أو الاعتداء الجنسي في الجامعات والمعاهد العليا حين يحدث يكون ذلك في إطار مقايضة الأعراض بالنقط أو العلامات أو الحصول على الشواهد والدبلومات ، ويكون هذا جريمة  مركبة  تجمع بين استغلال المنصب ، وتزوير النتائج والشواهد والدبلومات وهي خيانة الأمانة ، وبين الاعتداء على الضحايا جنسيا. وقد تكون مثل هذه الجرائم  دون مقايضة ، وهي حينئذ جرائم فساد أخلاقي  ليس فيها ضحايا  بل شركاء في الفساد .

وباستثناء التحرش والاعتداء الجنسي قد تعرف العلاقة بين أطر التعليم العالي وطلابهم توترا يعزى لعدة أسباب  قد  يعود بعضها إلى صرامة وجدية بعض تلك الأطر والتي  قد يساء فهمها من طرف الطلبة  حيث يعتبرون ذلك تسلطا وشحا في التنقيط ، وانتقاما ، وغيابا للتعامل الإنساني ... إلى غير من الظنون التي قد لا تخلو من سوء  . وقد  يكون مبعث تلك  الصرامة أحيانا عبارة عن تغطية على عدم القيام بالواجب على الوجه المطلوب أو التراخي  فيه ، وهي حينئذ آلية من آليات ترهيب أو تهديد كل من يحتج على ذلك .

ولا تخلو العلاقة بين أطر التعليم العالي وطلابهم من حالات توتر تعزى إلى أمور مزاجية تجعل بعض هؤلاء الأطر يتصرفون بنوع من التعالي والسادية تجاه طلابهم أو تجاه  بعضهم على وجه الخصوص ، وهو ما يتسبب في مشاكل نفسية لدى هؤلاء قد تصل إلى  حد العلاج لدى أطباء نفسانيين ، وتعاطي الأدوية المسكنة ذات التأثيرات الجانبية الخطيرة والمؤثرة على مستقبلهم وعلى حياتهم.وقد يصل الأمر أيضا إلى حد الانتحار أو الإجرام .

وفي المقابل قد تعاني بعض الأطر الجامعية من قلق نفسي بسبب الشغب الطلابي الذي قد يصل أحيانا إلى أنواع من التهديد بالانتقام مما ينغص عليهم حياتهم الخاصة ، ويؤثر على عملهم ومردوديتهم .  

وليست العلاقة بين الأطر الجامعية وطلابهم دائما يطبعها السوء والتوتر بل توجد علاقات جيدة بل مثالية أحيانا حيث ينخرط الجميع في الاحترام المتبادل مع سيادة المودة ،الشيء الذي يترك في نفسية الطلاب انطباعات  جد إيجابية  عن أساتذتهم بل من هؤلاء الطلاب من تنشأ بينهم وبين أساتذتهم علاقات صداقة حميمة  ، وهو ما يجب أن يكون في جامعاتنا ومعاهدنا العليا خصوصا وأن الأطر العاملة بها هي النخبة العالمة التي تقود المجتمع ، وهي قدوته .

ولهذا نأمل أن تعقد ندوات ولقاءات من أجل تدارس موضوع هذه العلاقة  دراسة موضوعية من أجل الوصول إلى سن  تشريع يضبطها ،ويكون ملزما للجميع  أساتذة وطلبة ، وذلك من أجل سمعة جامعاتنا ومعاهدنا العليا التي هي من سمعة وطننا الغالي .

وسوم: العدد 998