المستهلك هو الطرف الضحية في غياب من يحميه وغياب من يراقب أسعار المواد الغذائية

لا أجد أبلغ من التعبيرعما آلت إليه الوضعية المعيشية المتردية في بلادنا  من افتتاح مقالي هذا بقول الشاعر :

لقد أسمعت لو ناديت حيّا        ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نار نفخت بها أضاءت      ولكن أنت تنفخ في الرماد

وهو مثل يضرب حين لا يجدي  نداء أو تحذير أو شكوى  .

ولقد ناديت من قبل في مقال سابق نبهت فيه من يعنيهم الأمر ممن انتدبوا لمراقبة أسعار ما يستهلك المواطن المغربي من مواد غذائية ، والتي التهبت نيرانها وقد قدح شرارتها ملاك شركات الوقود ، وأفسحوا بذلك المجال واسعا  لارتفاع أسعار كل شيء ، وقد أعطوا بذلك الذريعة لكل نافخ فيها نفخا غير مسبوق عندنا.

ومما أشرت إليه سابقا  أن باعة أرغفة الخبز على سبيل المثال لا الحصر لجئوا إلى حيلة النقص من وزنها  إلى النصف للتمويه على الزيادة في سعرها حيث صار نصف الرغيف يباع بثمن رغيف كامل ، وهو ما يعني أن  هذا الأخيرقد تضاعف ضعف ثمنه  بنسبة مئة بالمئة .

واليوم اشتهيت الإسفنج فمررت صباحا  بسفّاج لأقتني بعض الإسفنجات، فلاحظت أن نصف الإسفنجة قد اختفى لكن ثمنها ظل على ما كان عليه  وقد تضاعف أيضا كما تضاعف ثمن الرغيف بنفس النسبة ، والذريعة دائما هي زيادة ثمن الوقود .

ويبدو أن أجهزة مراقبة أسعار المواد الغذائية خصوص الخبز وما شابهه مما يعتبر مواد أساسية في معيشة المواطنين  قد ألقت الحبل على الغارب ، كما أن ما يسمى بجمعيات حماية المستهلك تغط في سبات عميق ، وكأن الجميع قد تواطأ ليكون المستهلك هو الطرف الضحية وقد صار كاليتيم في مأدبة اللئام  كما يقال .

ولا ندري هل  الأطراف التي تتمادى  في قدح شرارة الغلاء غير المسبوق تقدر خطورة ما تقدم عليه أم أنها قد أوحي إليها أن المواطن قد أسلس لها القياد وأنه يمكنها أن تفعل به ما تشاء ، وأنه لن يحرك ساكنا مهما بلغه  به غلاء المعيشة من عنت .

ولنفرض جدلا أن الوقود لم يقف عند حد ، وظل في تزايد مستمر ، وبزيادته تزداد  أسعار المعيشة  ارتفاعا، فإلى أي وضع ستؤول إليه معيشتها  وحياتنا والوضع في بلادنا  ؟ ألا يدري النافخون في أسعار الوقود  أنهم بصدد تسريع وتيرة  بركان  قد ازداد نشاطه ، وأنه إذا ما ألقى بحممه ـ لا قدر الله ـ سوف يكون مدمرا ؟

ولما كان الغلاء نوعا من أنواع الحرب، لا أجد ما أنصح به  من يتحملون مسؤوليته خيرا مما نصح به  الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى صنّاع الحرب أو مساعرها  في زمانه حيث قال :

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم        وما هو عنها بالحديث المرجم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمـــــة         وتضر إذا ضريتموها فتضرم

فتعرككم عرك الرحى بثقالهـــا        وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئــــــــم

فتنتج لكم غلمانا أشأم كلهـــــــم        كأحمر عاد ثم ترضع فتفطـــم

فتعلل لكم ما لا تغل لأهلهــــــا        قرى بالعراق من قفيز ودرهــم

وإذا كان  زهير  قد حذر قومه من تعاطي حرب السلاح التي سبق لهم أن اكتووا بنارها ، وهم يعرفونها جيدا، وكان وصفه لما يترتب عنها من شرور أمرا واقعا وليس رجما بالغيب ، فإنني أحذر مساعر حرب الغلاء عندنا من مغبته لأنه لا يوجد أخطر على السلم الاجتماعي من آفة الغلاء .  

وسوم: العدد 1003