رغم الموت جوعا وعطشا في غزه.. فالاولوية هي لوقف حرب الإبادة فورا ومحاسبة اسرائيل
رسالة من "دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية" الى أحزاب العالم وصانعي الرأي العام
رغم الموت جوعا وعطشا في غزه.. فالاولوية هي لوقف حرب الإبادة فورا ومحاسبة اسرائيل
السيدات والسادة،
قادة الاحزاب السياسية وصانعي الرأي العام العالمي،
تحية التقدير والشكر لصرخاتكم التي يضج بها الاثير العالمي، رفضا لحرب الابادة التي تواصل الفاشية الصهيونية ارتكابها ضد المدنيين من الاطفال والنساء في قطاع غزه. نتقدم منكم بهذه الرسالة التي تتضمن لابقاء شعار "وقف حرب الابادة" مرفوعا ومدويا كمطلب اساسي، وعدم الوقوع في افخاخ المخططات الاسرائيلية الامريكية التي تسعى الى استبدال هذا المطلب بمطلب "ادخال بضع شاحنات الى قطاع غزه".
السيدات والسادة،
نجح الاحتلال الاسرائيلي في جعل مطلب الدعم الانساني الاغاثي والحياتي يطغى على المطلب الاساسي وهو وقف حرب الابادة فورا في قطاع غزه. وعلى اهمية استمرار الجهد والضغط من اجل ادخال المساعدات بشكل عاجل، سواء الاقتصادية او الطبية او المحروقات، نظرا لحالة المجاعة التي وصلها الشعب الفلسطيني في غزه، فان تكريس هذا الامر باعتباره النقطة المركزية من شأنه ان يعفي الاحتلال من جرائمه ويعفي المجتمع الدولي من مسؤولياته لجهة ضرورة مواصلة الضغط على اسرائيل والولايات المتحدة لوقف الحرب..
ففي مراجعة العديد من المواقف الدولية وتعاطيها مع حرب الابادة، يلاحظ ان الجانب الانساني يتقدم على الشق السياسي والعملاني الذي يجب ان يبقى منصبا على وقف الحرب، ومن شأن النجاح في اجبار الاحتلال على وقف حربه ان يسهم في فتح المعابر وادخال كافة احتياجات القطاع الانسانية.. ومنذ ان بدأت اسرائيل حربها على غزه والموقف الغربي الاطلسي يركز على استحياء على قضيتين هما: اولا، اطلاق سراح الرهائن الاسرائيلين، دون اي اشارة الى الآلاف من الفلسطينيين القابعين في معتقلات العدو. وثانيا السماح بدخول المساعدات، نظرا لان استخدام إسرائيل الغذاء والمساعدات الإنسانية كسلاح يعتبر جريمة حرب، كما وصفها اكثر من مسؤول اممي.
قد نفهم هذا الموقف من منظمات اغاثية وانسانية ومن منظمات كالصليب الاحمر منظمة الغذاء العالمي وغيرهما من مؤسسات انسانية، كون الاغاثة والغذاء من صميم مهمتهم الاساسية، لكن ان تختصر دول عظمى موقفها من قضية بحجم حرب الابادة في قطاع غزه بقضية المساعدات فقط، فهذا امر مقصود وتهرب من تبني مواقف سياسية واضحة قد تحرجها مع اسرائيل والولايات المتحدة، خاصة وان الكثير من الدول الغربية ما زالت تمد اسرائيل بالاسلحة وبالتعاون الاستخباري، اي انها بشكل او بآخر هي شريكة في العدوان ووجب محاسبتها كما المجرم الاساسي اسرائيل.
لا يختلف اثنان على ان استخدام التجويع كسلاح هو جريمة حرب، لكن مقاربة المجتمع الدولي لهذه القضية ما زالت تتجاهل الجانب القانوني، وما زالت العلاقة مع اسرائيل لوقف استخدام الجوع كسلاح ومن ثم ادخال المساعدات يدور في اطار.الرغبات والتمنيات والنقد الاعلامي بهدف امتصاص التحركات الشعبية في الدول الغربية. وحتى عندما حاولت بعض الدول الغربية ممارسة قليل من ضغط على اسرائيل، كانت النتيجة ادخال عدد بسيط من الشاحنات لا تكفي لحي واحد في القطاع، او جعل توزيع المساعدات مقتصرا على هيئات ومؤسسات الهدف منها فرض وقائع عسكرية وسياسية على الارض. لذلك كان اعلان الامم المتحدة رفض الالية الاسرائيلية لتوزيع المساعدات، وهي خطوة جيدة ومهمة، ويجب ان تستكمل بالاصرار على ان من يجب ان يتولى هذه المهمة بشكل رئيسي هي وكالة الغوث، التي بامكانها التنسيق والتعاون مع مختلف منظمات الامم المتحدة العاملة في القطاع، لكن شرط ان لا يتم الرضوخ لاسرائيل بانجاح مخططها المتعلق باستهداف "الاونروا" في اطار مشروعها السياسي الهادف الى تصفية حق العودة..
ومن يتابع المواقف الغربية بشكل خاص والمتعلقة بالدعوة الى ادخال المساعدات، يعتقد ان حصار قطاع غزه عمره ايام فقط وليس اشهر كان من نتائجه حدوث مجاعة حقيقية بسبب منع وصول المساعدات الغذائية والطبية، وبسبب قطع المياه والتيار الكهربائي، الامر الذي ادى الى استشهاد عدد من المدنيين، من ضمنهم اطفال. لذلك نجد صيغة المواقف اشبه بالتمني على اسرائيل. وعلى سبيل المثال:
- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا إلى إدخال المزيد من المساعدات الانسانية إلى قطاع غزة، وهناك حاجة ماسة لادخال الغذاء والادوية. لكن النتيجة ان اسراغئيل تمنع ادخال المساعدات.
- رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر مصدوم من منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقطع الكهرباء وقد يشكل ذلك برأيه انتهاكا للقانون الدولي. معتبرا ان لوضع في غزة بكل بساطة لا يطاق ويزداد سوءا.
- المستشار الألماني ميرتس يدعو جميع الأطراف إلى تجنب مجاعة في قطاع غزة، معبرا عن شعوره بقلق بالغ بشأن تصرفات إسرائيل في غزة، ومؤكدا وقوف بلاده إلى جانب إسرائيل..
- قال الرئيس الفرنسي ماكرون ان المعاناة الإنسانية في قطاع غزة بلغت حدا لا يطاق، واصفا منع إسرائيل إدخال المساعدات إلى غزة بـالمخجل، ومتهما نتنياهو، باتباع سلوك مخز بمنع إدخال المساعدات للفلسطينيين في غزة.
- وجهت 80 دولة رسالة إلى الأمم المتحدة اعتبرت فيها إن غزة تواجه أسوأ أزمة إنسانية، محذرة من أن المدنيين بالقطاع يتعرضون لخطر "المجاعة.
- طالب وزراء خارجية 22 دولة، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا واليابان وأستراليا، إسرائيل بـالسماح بادخال المساعدات بشكل كامل وفوري إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.
- استنكر قادة ثلاث دول (المملكة المتحدة، فرنسا وكندا ) مستوى المعاناة الإنسانية الذي لا يُطاق في غزة، معتبرين ان إعلان الحكومة الإسرائيلية بأنها ستسمح بدخول كمية أساسية من الغذاء إلى القطاع بغير الكافي.
- طالب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بسرعة إدخال المساعدات إلى قطاع غزة لأن الوضع بات الآن شاذا بشكل مروع.
ليس منطقيا ان غالبية دول العالم، التي تؤيدا انهاء الحرب، تحصر مواقفها بمسألة ادخال المساعدات، لكنها عاجزة عن الضغط على اسرائيل لاجبارها وقف القتل اليومي. وان كانت الدول الغربية ليست طرفا مباشرا في العدوان على الشعب الفلسطيني، الا ان ثقلها الدولي يؤهلها لممارسة دور اكبر مما فعلته لجهة العمل على وقف حرب الابادة. والمؤكد ان الاستجابة الجزئية من قادة الفاشية الاسرائيلية بادخال بضع شاحنات، وان كان لا يساوي شيئا مقارنة بالاحتياجات الفعلية، الا انه لم يأت الا بعد ان لوحت اوروبا بفرض عقوبات على اسرائيل، وبعد ان هدد بعضها (فرنسا وهولندا ودول اخرى بتعليق اتفاق الشراكة بين الطرفين). وهذا ما اكده وزير الخارجية الاسرائيلي الذي قال: طلب ادخال مساعدات لغزه، جاء نتيجة ضغط اوروبي وامريكي وتهديد بعقوبات، بينما نتنياهو كان اكثر وضوحا حين قال: "يجب ألا نسمح لسكان غزة بالانزلاق نحو المجاعة، وذلك لأسباب عملية ودبلوماسية على السواء". وان اصدقاء اسرائيل أكدوا أنهم مستعدون لتزويد إسرائيل بالسلاح والدعم السياسي في مجلس الأمن، لكنهم لن يقبلوا بمشاهد المجاعة في غزة.
وكان وزير المالية الاسرائيلي اكثر صراحة عندما قال: إن "ما سيتم إدخاله سيكون الحد الأدنى من الطعام والدواء للسكان. لذلك فإن إدخال عدد قليل من الشاحنات إلى القطاع، بدعوى إنقاذ السكان من الجوع، خطوة مفضوحة وإستغباء للرأي العام، ودليل على إصرار دولة الفاشية مواصلة عدوانها بكل أساليب القتل الجماعي لاحتلال القطاع وضمه إلى إسرائيل، وتهجير سكانه.
وان كنا ندعو دائما المجتمع الدولي والدول الغربية الى تبني مواقف حاسمة مع الفاشية الاسرائيلية لجهة وقف حربها فورا، الا ان الضغط من اجل ادخال المساعدات على اختلافها انما هو بالغ الاهمية ويجب ان يبقى على راس الاولويات الدولية. ونقدنا لبعض الدول في تركيزها على المساعدات مرده التحذير من عدم الوقوع في محظور يعمل عليه نتنياهو بجعل قضية المساعدات هي الاساس، مع اهمال المطلب الاهم وهو وقف الحرب.. وهنا لا بد من التقدير والشكر لكافة الدول التي تقدم موقفا متكاملا بوقف الحرب وادخال المساعدات واطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين وضمان اعمار ما دمره العدوان ودعم الشعب الفلسطيني في تقرير مستقبل قطاع غزه..
الواضح ان الموقف الاوروبي والغربي الداعم لاسرائيل تراجع نسبيا عن الموقف الذي صدر في بداية حرب الابادة، بعد ان تكشف حقيقة اسرائيل باعتبارها فاشية جديدة تمارس ارهاب الدولة المنظم، وحتى لو كانت بعض اعتبارات هذا التحول مراعاة نبض الشارع الأوروبي، الذي شهد تحولات مهمة، تمثلت في التظاهرات الحاشدة، التي لا سابق لها في إدانة العدوان الإسرائيلي، والدعوة إلى الوقف الفوري للعدوان، ودعوة الدول المعنية لوقف إمداد إسرائيل بالسلاح والذخائر، وعدم تغطيتها سياسياً في المحافل الدولية. وهذا ما انعكس على صعيد المواقف الرسمية للدول الغربية التي وان كانت مواقفها لم يرتق بعد الى مستوى المطلب الاساسي المتمثل بالدعوة الصريحة والمباشرة للوقف الفوري لحرب الابادة، ووقف إستهداف المدنيين، وتوفير مقومات الحياة لهم، وكسر الحصار، وفتح المعابر إلى القطاع، واطلاق سراح الاسرى..
إن "دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تعتبر بأن الإحتلال الاسرائيلي يحاول أن يلتف على النداءات والدعوات التي تطالبه بوقف الحرب ووقف التجويع وفتح المعابر، وما خطوته الهزيلة سوى تأكيد على تحدي إسرائيل للمجتمع الدولي، الأمر الذي يتطلب الرد على هذا التحدي باللجوء إلى خطوات فاعلة، تؤدي إلى عزل إسرائيل ومقاطعتها لإرغامها على الإستجابة لنداءات الأمم المتحدة ودول العالم.
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
دائرة العلاقات الخارجية – أيار 2025
وسوم: العدد 1127