قرار عزل رئيس مجلس علمي يسفر عن كرة ثلج من الآراء والمواقف المتباينة في وسائل التواصل الاجتماعي

محمد شركي
mohammed.said.chergui@gmail.com

عرفت الساحة الوطنية إثر إيقاف أو توقيف أو عزل رئيس المجلس العلمي لجهة فجيج  بوعرفة  من طرف الوزارة الوصية على  الشأن الدني ضجة إعلامية كبرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي . ولقد انقسم الرأي العام بخصوص هذا الحدث  إلى فئة قليلة  انحازت إلى قرار الوزارة ، وإلى سواد أعظم متعاطف مع الرئيس الموقوف ، وهو الموقف الذي نعته  السيد رئيس المجلس العلمي الجهوي بجهة الشرق  في تعقيبه على الحدث بكرة ثلج ، وهي عبارة تدل على معنى مجازي حين تطلق على شيء قليل سرعان  ما يكبر ، و هو تعبير يدل  في الغالب على الاستخفاف، والتحقير، والتندر . وما أظن هذا الاستعمال كان موفقا  في هذه الحالة حين أطلق على ردود الأفعال المنتقدة لإيقاف الموقوف ،والسبب هو أن الذريعة التي تذرعت بها الوزارة لم تقنع  هذا السواد الأعظم المؤيد له ،خصوصا مع وجود تدوينة له انتقد فيها موقف العلماء مما يحدث في قطاع غزة من تجويع ، وإبادة جماعية تتطلب منهم التنديد والشجب كأضعف الإيمان ، والمرجح أنه كان يقصد بالدرجة الأولى زملاءه سواء في المجلس العلمي الأعلى أو في المجالس العلمية الجهوية والمحلية .  

ومعلوم أن الذي حمل السيد رئيس المجلس العلمي الجهوي  لجهة الشرق على التعقيب على قرار الإيقاف من وجهة نظر الوزارة ممثلة في شخص الوزير ، وفي شخوص زملائه في المجلس العلمي الأعلى هو رد فعل السيد أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا والذي انتقد هذا القرار بشدة وبقسوة  ، ووسمه بالعيب من وجهة نظره ،الشيء الذي ترتب عنه  سيل عارم  من التعليقات عليه، وهي التي نعتت بكرة الثلج .

ومعلوم أن ما بررت به الوزارة  قرارها لم يقنع لا العلماء ، ولا المثقفين، ولا عموم الناس حيث  أن العقوبة على الغياب  في جميع القطاعات  المختلفة غالبا ما تكون  عبارة عن  اقتطاعات من الرواتب أو الأجور أو توقيفها لمدد معينة  ، ولا يصل الأمر إلى حد الفصل عن الوظيفة أوالمهمة أوالعمل بسبب الغياب  إلا بعد مدة معينة يحددها القانون ، والتي تكون غير مبررة بمبررات مقبولة لأسباب قاهرة كالمرض على سبيل المثال أو بسبب عقوبات السجن ، أو ما شابه ذلك .  

ويبدو أن وزارة الشأن الديني هي الاستثناء الوحيد من بين جميع القطاعات التي تطبق قانون الإيقاف دون أن تسلك مسارات تلك القطاعات والتي تكون متدرجة قبل قرار الإيقاف . ولا ندري هل  ترتكز هذه الوزارة في قرارها على قانون يقره دستور البلاد أم أن الأمر يتعلق بمزاجية الوزير ،وأعضاء المجلس العلمي الأعلى ؟

ولقد دأب هذا الوزير منذ تقلده منصبه على إيقاف عدد  لا يستهان به من رؤساء المجالس المحلية ، وفيهم علماء أجلاء كان من المفروض أن تشفع لهم مراتبهم العلمية عنده ، وعند زملائهم في المجلس العلمي الأعلى لمعرفتهم الشخصية بهم ، فضلا عن عزله عددا لا يستهان به أيضا من الخطباء والوعاظ الذين لم يشفع لهم طول مدد  خدمتهم واشتغالهم بالخطابة والوعظ  ، وبأجور رمزية لا نكشف عنها براءة من التشهير  .

ولم يحدث أن تم التعليق  سابقا  على أي  إيقاف أو عزل لرؤساء المجالس أو الخطباء والوعاظ على غرار التعليق الأخير الذي تناول موضوع إيقاف أو عزل رئيس المجلس العلمي لجهة فجيج بوعرفة ،وهو ما جعل الرأي العام يستغرب أمر هذا التعليق الذي صدر عن عالم له وزنه العلمي الكبير  في الجهة الشرقية ، وعلى الصعيد الوطني . ولقد ربأ به بعض المعلقين أن يصدر عنه ذلك  باعتبار مكانته العلمية وسمعته ، خصوصا وأن الأمر ملغوم  قد التبس فيه سبب العزل ما بين خطإ مهني ، و بين تغريدة  للموقوف . ولو تضمن التعليق على العزل ذكر السببين  معا المعلن ، وغير المعلن  لما كبر حجم التعليقات التي صارت كرة  ثلج  في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومعلوم  أنه لا يمكن غض الطرف عن السبب غير المعلن خصوصا وأن المعني بالعزل قد واصل عبر موقعه حديثا يعبر فيه صراحة  عما سماه  فك قيود كانت تقيده وهو في مهمته  الرسمية، وقد حمد الله تعالى على هذا العزل ، واعتبره فرجا من عنده . و في هذه الحالة من المحتمل جدا  أن يذهب التفكير أو الظن  إلى أنه  ربما تعمد  توفير ذريعة  للوزارة  كي تعزله  دون إيقاعها في حرج مع وجود سبب غير معلن فيه حساسية ، والمؤشر على ذلك أن التعليق على عزله تضمن  شكره والثناء عليه، والإشادة بشجاعته الأدبية .

ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحدث قد أثار على الصعيد الوطني  قضية  العزل أو الإيقاف الذي تمارسه الوزارة الوصية على الشأن الديني في حق التابعين لها إداريا أو في حق  الخطباء والوعاظ  سواء استأثر بهذه الممارسة  الوزير وحده أو شاركه في ذلك أعضاء المجلس العلمي الأعلى. وسيظل الرأي العام يتساءل وباستغراب واندهاش عن تميز هذه الوزارة عن باقي الوزارات الأخرى التي تنضبط دستوريا  وقانونيا فيما يخص إجراءات العقوبات المتدرجة من أدنى عقوبة  إلى أعلاها ،وهي عقوبات استحدثت من أجلها محاكم إدارية تعد مؤشرا على سيادة القانون الذي يعلو ولا يعلى عليه ، وعلى الممارسة الديمقراطية  والحقوقية المنشودة في دستور البلاد.

ولقد كان على هذه الوزارة أن تراجع ممارستها الزجرية بالانضباط لقوانين العقوبات من خلال عقد مجالس تأديبية يوكل أمرها إلى أعضاء المجلس العلمي الأعلى في حالات  أو إلى أعضاء المجالس العلمية الجهوية والمحلية في حالات أخرى ، كي تنظر في نوع المخالفات أولا شرعا ثم قانونا ، وبذلك تدفع عن نفسها شبهة الوقوع في الخطأ أو الشطط أو العسف . ولا بد من استحضار هذه المجالس الخدمات التي يقدمها من يعرضون عليها للتأديب تجنبا للعيب الذي عبر   عنه الشاعر زفر بن الحارث بقوله :

أيذهب يوم واحد إن أسأته          بصالح أعمالي وحسن بلائيا ؟

وكفى بهذا العيب منقصة في المجالس التأديبية مهما كان نوعها .

وأخيرا وليس آخرا نقول إن معظم  العزل الذي مارسته الوزارة الوصية على الشأن الديني في حق الخطباء والوعاظ  كان لأسباب لا تتطلب  هذا العزل من قبيل انتقاد المهرجانات  على سبيل المثال لا الحصر، خصوصا وأنها محل انتقادات شديدة من طرف السلطة الرابعة ، و كذا من طرف الرأي العالم الوطني الذي يراها محض تفاهات وصرف لأموال تعد بعض القطاعات في أمس الحاجة إليها فضلا عن أسباب أخرى . وليعلم من يصدر عنهم الإيقاف أو العزل أنه  بالنسبة لمن  يشملهم هو بمثابة  أوسمة اعتزاز وفخر على صدورهم أو تيجان  فوق رؤوسهم ، وتكون  قيمتها على قدر سبب الإيقاف والغزل ، والشاهد على ذلك الرأي العام  الذي لا يجوز الاستخفاف به ،والتاريخ الذي يسجل ولا ينسى .

وآخرا  نقول لرؤساء المجالس العلمية الأعلى منها، والجهوية ، والمحلية إن أمانتكم عظمى ، ومسؤوليتكم جسيمة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها .

وسوم: العدد 1130