الأسد: وخِطَابُ الإهانات، والتخوين، والتشبيح

محمد عبد الرازق

يحضرني و أنا أستمع إلى الخطاب الأسد ظهيرة هذا اليوم ( الأحد:6/ 1/ 2013م ) كلمةٌ سمعتُها من أحد المعارضين الليبيين إبَّان الثورة الليبية على القذافي، مُفادُها: أشدُّ ما يؤلمنا في عهد القذافي أنَّه أعطى للعالَم انطباعًا عن الليبيين بأنهم أكلةُ أوراق الشجر، و نَهَشَةُ لحوم البشر، و سُكنى الخيام في الصحراء ( مع فائق الاحترام لأهلنا في البادية من سُكَّان الخيام ).

فهذا هو صاحبنا أيضًا ما ترك نقيصةً إلاَّ و ألصقها في السوريين؛ فها هو يطلّ عليهم بعد سبعة أشهر بخطاب ينعتهم فيه بشتَّى النعوت التي يخجل أعداؤهم من القول بها. و معلومٌ لدى المُنصفين من الخصوم أنّه من شرف الخصومة أنّ يكون المرءُ عادلاً حين الحديث عن صفات خصمه؛ فلا يُلحق به ما ليس فيه، و لا ينسِب إليه ما لم يفعله، و لا يقوِّله ما لم يقُلْه.

لم يترك الأسد صفةً ذميمةً إلاَّ و لصقها بشعبه ( نقول ( شعبه ) من باب المشاكلة اللفظية )، فهو عنده شعبٌ جاهل، و قاصرٌ، و أبلهٌ، و أحمقٌ؛ و عليه لا يرقى لأنْ يكون شريكًا له في القرار، و قيادة البلد. و هو عنده خائنٌ، و عميلٌ، و مأجورٌ، و مُرتهنٌ في قراره؛ و عليه لا يصلُحُ لأنْ يضع يده في يده للعمل سويّةً لبناء سورية الغد. و هو عندَه متطرِّفٌ، و إرهابيٌّ، و مُغالٍ، و تكفيريٌّ، و من شذاذ الآفاق؛ و عليه يجبُ أن يُنفى من الأرض، و يُستعان بدهاقنة معتقل غوانتنامو من أجل ترويضه، و جعله إنسانًا سويًّا.

هذه هي خصائلُ الشعب السوريّ التي وجدها الأسد فيه، بعد خمسين سنة من التثقيف الحزبي ، و بعد اثنتين و أربعين عامًا من التنشئة الوطنية في ظل حكم آل الأسد؛ فعلى مِنْ يا تُرى يقع اللومُ، و مِنْ ذا الذي يؤاخذ في هذه النتيجة التي خَلُصَ إليها السوريون؟

لقد ألقَتْ الأمّهاتُ السوريّات ــ راغباتٍ، و مُكرهاتٍ ــ بفلذات أكبادهنّ إليكم؛ من أجل أن يرينَ الجيلَ الثوريَّ المنشود الذي كان يحلُم به ( الرفيق الأب الخالد )، تأسيًّا بتجربة الرفاق في بيونغ يانغ؛ فكان هذا الجيلُ الذي تربّى في أحضان فِرقكم، و شُّعَبكم الحزبية، و في صفوف طلائع البعث، و الفتوّة، و الشبيبة؛ فعلامَ اللَّومُ و الحسرةُ من بعد ذلك؟

لقد انقسمَ السوريون الذين نعموا بالعيش على مدى هذه السنيين ما بين جاهلٍ، و قاصرٍ، و إرهابيٍّ، و خائنٍ بحسب ما قال الأسد ( و بعضمة لسانه )، و شبيحٍ بحسب ما قالوا هم عن أنفسهم لرئيسهم و هو يهمّ بالخروج، و لا يعرف أين يقع باب الخروج: ( شبيحة للأبد من أجل عيونك يا أسد ).

لقد تساوى السوريون في نظر الأسد؛ فلا ضيرَ عنده في إلحاق هذه الصفات بمعارضة الخارج، و معارضة الداخل. و خيرٌ دليل على ذلك أنّه رغم كلّ الجهود المبذولة من قبله على مدى عامين لم يجد شريكًا (داخليًّا، أو خارجيًّا ) يحاوره؛ من أجل النهوض بعبء مشروعه الإصلاحي؛ و بالتالي فإنّه مضطرٌ، و مُكرهٌ للاستعانة بالحلّ الأمني، و العسكري من أجل تنظيف سورية من هذه المُخرجات حتى أخر جرثومة منها.

و ليتَ الأمر قد توقّف معه عند حدود الأسوار الداخلية للوطن؛ فهو أيضًا و بعد هذه السنيين الطويلة من نسج العلاقات: عربيًّا، و إقليميًّا، و دوليًّا قد خلُصَ إلى أنّ العالَم من حوله لا يعدو أن يكون خائنًا، و ناكرًا للجميل، و متآمرًا على نظامه، و على مشروعه الإصلاحي، ما عدا ثُلّة من الدول التي وجد فيها الصدق و الوفاء ( روسيا، و إيران، و الصين ).

بالله عليكم يا عقلاء العالَم ( من الإنس، و الجِنّ ): هل يُلام شعبٌ ينعتُه رئيسُه بهذه النُّعوت حين يثور عليه، و يًقسِمُ ألاَّ يلوي على شيء حتى يحقق أهدافه في التخلّص منه، و من أركان نظامه إلى أبد الآبدين؟.