الثورةُ السورية، ومرحلةُ ما قَبْلَ النَّصر

محمد عبد الرازق

يرى الخبراءُ، و المحلِّلون العسكريون أنَّ من أشدِّ المراحل التي ينبغي أن يحتاط لها القادة العسكريون، تلك المرحلة التي تسبق لحظة إعلان النصر النهائي؛ ذلك أنَّ هِممَ الجُند قد يتسلل إليها كلٌّ من:

 1ـ المللُ، و الكسل.

 2ـ الميلُ إلى الدنيا، و الطمع في الغنائم.

3ـ الإسراعُ في رؤية ساعة النصر.

 فهؤلاء يَرَوْن في تقهقر الخصم بشكل متسارع مؤشرًا على انجلاء غبار المعركة، و وَضْعِ أوزارها فيبادرون إلى التَّخفُّف من أسلحتهم، و أخذ قسط من الراحة بعد طول عناء و مشقة، و السعي للاستحواذ على أكبر قدر من الغنائم، و هو ما كان من الصحابة الكرام في معركة بدر عندما أحاطوا بالمشركين، فانطلقت طائفةٌ منهم في آثارهم يُطاردونهم، و أكبَّت طائفةٌ على المغنم يُحرزونه، و يجمعونه، و أحدقت طائفةٌ برسول الله صلى الله عليه و سلم؛ خشية أن يُصيبَ العدوُّ منه غِرَّة.

حتى إذا كان الليلُ، و فاءَ الناس بعضُهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حَويناها، و ليس لأحدٍ فيها نصيب. و قال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم أحقَّ بها منَّا، نحن نحّينا منها العدو، و هزمناه. و قال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه و سلم: خِفنا أن يُصيبَ العدوُّ منّه غِرَّةً فاشتغلنا به. 

فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ أن انتدبهم للاستعداد صبيحة اليوم التالي لبدر؛ لملاقاة المشركين الذين نمى إليه خبرُ تجمّع فلولهم، رغبةً في استعادة الكَرَّة. و قد أراد صلى الله عليه و سلم من ذلك أن يصرفهم عن هذا الخلاف الذي لا طائلَ منه؛ فالحرب بينهم و بين عدوّهم ما تزال فتيَّةً، و عدوهم على بعد خطوات منهم، فالحذرَ الحذرَ من فرقة صفهم، و اختلاف كلمتهم.

و فيما يتعلَّق بشأن الغنائم أنزل الله سورة سمَّاها ( الأنفال )، و لم يُسمّها ( غزوة بدر )؛ كي يُعلِّمنا أن حبّ الاستحواذ على الغنائم أمرٌ جُبلت عليه نفوس المقاتلين، و ليس سهلاً عليها أن تتخلّى عنه. و لكن هناك ضوابط ينبغي أن تُراعى في تقسيمها، و عليهم أن يمتثلوا لها.   

و من الأمور التي ينبه عليها هؤلاء الخبراء الخطأ في تقدير نهاية المعركة، مثلما  كان من أغلبية جماعة الرُّماة يومَ أُحُد عندما خالفوا أوامر رسول الله صلى الله عليه و سلم، و لم يلتفتوا لنصائح قائدهم عبد الله بن جبير؛ وقد كانوا من جراء فعلهم هذا سببًا في ردِّ الكَرَّة على المسلمين من خلال حركة اِلتفافية قامت بها خيول المشركين بقيادة خالد بن الوليد ( قبل إسلامه ) على مؤخرة جيش المسلمين، أباد فيها عبد الله و أصحابه، و أوقع بها خسائر فادحة بالمسلمين، و كاد الأمر أن يكون سببًا في مقتل النبي صلى الله عليه و سلم؛ هذا فضلاً على أنهم تركوا أسوأ أثر على سمعتهم، و الهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد معركة بدر.

إنَّ ما تشهده الثورةُ السورية في هذه الأيام من تسارع سقوط معسكرات الأسد، و مقرات جنده، و كتائبه، و ما يصلنا من أخبار قسم من الجيش الحر، و كتائب الثوار من رغبة في السرعة بالحسم، و انشغال بجمع ما في مستودعات كتائب الأسد المنهزمة لتكون من نصيبها؛ ليُذكِّرنا بما كان من الصحابة في هاتين المعركتين.

 الأمرُ الذي يجعلُنا نُنَبِّه إخوتنا في قيادة الجيش الحر، و المجالس الثورية كي يحتاطوا لذلك، و يحسنوا التصرّف في حال وقع من المقاتلين شيءٌ من هذا؛ فهم في ذلك ليسوا بأحسن حالٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، الذين رأينا ما كان منهم، و رأينا كيف كانت ردة الفعل تجاه ذلك من قائدهم محمد صلى الله عليه و سلم.