من يوميات حلب

من يوميات حلب

منار حيدر/المندسة السوريّـة

يسكن طلاب من اقاربي , و منذ عدة سنوات , في مدينة حلب لـلدراسة , و قبل عدة أشهر تعرضت مدينتهم للقصف , فـجاء بقية اهلهم كي يسكنوا معهم في حلب , ظناً منهم أنها ستكون أكثر اماناً دائماً ,,

سكنوا في منطقة الميرديان , و هي المنطقة المشتهرة بـبيوت الآجار, و خاصةً الطلاب ,, ذكروا سابقاً لي ؛ أن جارهم في القبو , لديه بئر ,, و كون أغلب مناطق حلب , تُقطع فيها المياه , لـمدة تصل إلى 12 ساعة يومياً , في المناطق المرتفعة نسبياً , فـكانوا اذا احتاجوا يتزودون بـ الماء , من بئر جارهم ,, و مع دوام الحال , علّقوا حبلاً يصل إلى القبو , لكي ينزلوا السطل و يسحبوه مليئاً , دون عناء نزول الدرج و صعوده ,,,

ذكروا لي أيضاً , أنّ جارهم صاحب البئر , أراد في أكثر من مرة ردمه , كونه يقع في وسط حديقة المنزل , و يخشى على الاطفال الصغار منه ,,, كما يريد الاستفادة من المساحة التي يشغلها , في بناء غرفة اضافية ,, و كان مشيئة الله أن يبقى البئر دون ردم ,,,

و بعد ضرب تحويلة المياه في حلب منذ ايام , اضافة إلى شح الماء في حلب عموماً ,, تحوّل ذلك البئر , إلى كنز حياة ,, يقصده سكان الحي و الأحياء المجاورة , و يقفون في طوابير , تصل الليل بـالنهار , و تحوّل الزقاق , إلى ما يشبه الشارع العام نتيجة الازدحام , و شكّل شباب البناء لجنة تنظيم , و حددوا عدد العبوات لـلشخص ,,

من نهفات القصة , تموضع البسطات امام باب البناء , لـبيع الخضار و بعض الاحتياجات المتوفرة عموماً ( أنو منعبي مي و نجيب شوية خضرا ) !!

كما أصبح خط السيرفيس ( إن تمكن من العمل ) يأتي من منطقة الفيض التجارية و يمر من امام البناء و صار نقطة علّام بـاسم  جبّ أبو محمد ( نزّلنا عند جب ابو محمد زكاتك )

كما ارسل مسجدا الحي , الأنوار و المبشرين, بـصهاريج صغيرة , تحمل الماء لكي يتوفّر في المسجد ,,

يقول لي قريبي, و هو يعيش هذا المشهد , مرة معاوناً , و مرة مراقباً من شرفته , أنّ مدخل البناء تحوّل لـمجتمع صغير , تسمع فيه اخبار المناطق , و آراء الناس , المتفائلين و المتشائمين , السلميين و المتعسكرين ,, يقدمون لـبعضهم البعض النصح و المساعدة

فمثلاً ؛ من يحتاج دواء معيّن , يحضره له آخر يملكه في اليوم التالي و أشياء كثيرة ايجابية , يطول سردها ,, و الأهم من ذلك , هو احساس الناس بـبعضهم أكثر , و شعورهم بـوجع مشترك , لم يجتمعوا عليه في الماضي

و يختتم مازحاً: أنّ مشكلتي الوحيدة , هي عندما أغادر البناء و الحي , لـ أحضر حاجةً ما ,, فـأجد الصعوبة في العودة , حتى أقنع الناس في الطابور , أنني لست طالباً لـلماء , بل من سكان البناء!!

___ ___ ___

هل فعلاً كنّـا نحتاج , لـوجع مشترك , يعيد لنا شعورنا بـالآخر و يجدد فينا انسانيتنا و ينزع منّـا أنانية الحياة ؟ ربما , و لكنّ الثمن غالي جداً ,,