المُرجفُون في المدينة

إبن يونس الورداني

المُرجفُون في المدينة

إبن يونس الورداني

من يُدمن من مشاهدة وسائل الإعلام في تونس وهو في حالة استرخاء نفسيّ مستريحا من أعباء العقل الثّاقب ينتهي به الأمر تدريجيّا من حيث لا يشعر إلى أن يستحوذ عليه المشهود ليكون مسلوب الإرادة ، لا شهيدا واعيا يُقيّمُ ما يرى ببصيرة تتجاوز ظواهر البصر .

 إن كثرة المشهود الذي يُسوّدُ وجه ربيع الثّورة ويُلقي بالصّواعق المصطنعة على الواقع التونسي أحدث في الناس خوفا على ثورتهم الوردية الجميلة وكاد يفقدهم فرحتهم بروعة الإنجاز الذي أذهل العالم ، وأوجد فيهم قلقا بسبب الصيّب المنهمر من الفضائيات محمّلا بالرّعُود والبُروق ، ونخشى أن يتطوّر هذا القلق إلى مرض عُصابيّ يُمكن تميته ( رُهابُ الشّاشة )

 لهؤلاء القلقين الذين سرق منهم الخوفُ من القادم أمل أطواق الياسمين ، واختطف منهم شذى رائحتها الزّكية . إليهم وإلى كل أبناء تونس الحبيبة ، أقول لهم لا تخشوا على تونس من هؤلاء المرجفين في المدينة الذين تشاهدونهم يحتلُّون الشاشات عنوةً ، فهم أقلُّ من أن يُمثّلوا وطننا الحبيب ،،،وطنُنا أكبر من أن يصطفيهم ليتكلّموا باسمه .

 إنّ مساحة الوطن ضاقت بالمرجفين الذين يتكلّمون بكل حرّية ، وبلا قيود ،ومع ذلك فهم يصرخون من أجل مزيد من الحرية ، لكنّ كثرة صخبهم وشدّة جلبتهم صارت تُثير الشّكوك في الحرّية التي يرفعونها مثل قميص عثمان أو مثل الدّم الكذب على قميص يوسف ، فهي حرّية ليست حرّةً ، بل حرّية مقيدة بمصالح أعداء الثّورة ، ومستعبدة لأوتاد الطّاغية الهارب ، الذين لم تأخذ مسيرة الثورة منهم مأخذها ، وذلك لأنّ ثورتنا كانت ياسمينا يلقي الورود لا الأشواك ، وكانت ربيعا جميلا لا شتاء معه ولا طفان هادر ولا تنّور يفور يسحق الأخضر واليابس . فلطافة ثورتنا أبقت في الأرض رواسب لا تنفع النّاس ، ونحن على ثقة أنّ وعي الشّعب سيلفظ كلّ واحد منهم ، وسينبذه وهو مُليمُُ ، وأنّ العدالة ستتعقّب فلولهم ، لتحاسبهم على ما قدّمت أيديهم ، أما عدالة الغيب والسماء فلها قدرُُ نافذُُ سيُبدي لهم من ربّهم الحكم العدل العدل مالم يكونوا يحتسبون ...

 ونحن نتأسّى بنبّنا الكريم الذي رغم علمه بأفعال المافقين ، ورغم اطّلاعه على على قائمتهم السّوداء وعلى أفعال المرجفين الذين يوالونهم ، تركهم أحرارا لم يمسّهم بسوء حفاظا على مظهر المجتمع الواحد لأنهم كانوا قلّةًً لا يُمثّلون الوطن كله . لذلك لم يُغريه ربٌّه بهم ليعاقبهم ويُسكت أصواتهم ،فالله تعالى هدّدهم لعلّهم يؤجعون قال تعالى ( لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) سورة الأحزاب رقم 60 فالله تعالى

لم يُغر نبيّهُ بهم وبقُوا في جواره يُرجفُون ويُشكّكون بحرّية إلى أن غلبهم نور الحقّ ، وغمرهم تيّارُ الأمّة فدخلوا في نفق التّاريخ المظلم ، وصاروا لا يُذكرون إلاّ لضرب الامثال بمصيرهم التّعيس .

 إنّ المُرجفين الذين يُجاورُوننا في وطننا ، ويحتلُّون الشّاشات فب بيوتنا ، لهم أهواءٌ خسيسةٌ في قلوبهم ماهم ببالغيها ، وهم لا يستحقّون أن نُغري بعضنا بهم لنجعل منهم أبطالا زائفين ، للحرّية الموهومة التي يتشدّقون بها ، بل يكفي أن نصبر قليلا على ما يقولون كما قال الله تعالى (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ) وذلك إلى حين يقعون في شراك شكوكهم ، ويغمرهم تيّار الشّعب المتفطّن أمثالهم وحينئذ سيُصيّرُهم أُضحوكة التّاريخ وسوف لن يُغني عنهم كيدهم شيئا .

 ثقوا في ثورتكم وتمسّكوا بالأمل ، فإنّ الله تعالى أهدانا هذه الثّورة الجميلة بلطف منهم سيُعيننا عليهم بما لا نتوقّع ولا يتوقّعون ....