شخصية الثورة
شخصية الثورة
نبيل الطرابيشي
إذا استقرأنا التاريخ وجدنا أن المبادئ الأفضل هي التي تنتصر و يكون لها أن تنتشر فيستفيد منها الناس و إننا نرى هذا القانون قد أودى بعنصرية هتلر و لا أخلاقية النظم الشيوعية إلى مزبلة التاريخ و اليوم نرى صراعا بين الحق و الباطل و الحرية و الإستعباد و التقدم و الرجعية في سورية وليس هناك أدنى شك في أن الخير سينتصر على الشر و أن النور سيجل
ي الظلام.
هذا الصراع التاريخي في هذا البلد العريق ليس مجرد مفاهيم نظرية لا علاقة لها بالواقع بل هو متصل اتصالا وثيقا بتجارب الناس و حياتهم اليومية. لقد شكلت نار الثورة شخصية كنا نسمع أنها وجدت يوما في تاريخنا البعيد و لكننا افتقدناها و كدنا نيأس من احيائها أو عودتها لحياتنا. فمن منا كان يتصور أن يرى الإنسان البريء يصاب برصاص القناص الحاقد فيتقدم شخص لإنقاذه فيقتل و يتقدم أخر لمساعدتهم فيقتل. شهيد فوق شهيد فوق شهيد بدون خوف ولا وجل ... أناس بذلوا أرواحهم بسرور لعلهم ينقذون الآخرين.
إن هذا الطفل اليافع الذي لا اعرف اسمه و لا عمره و إن كنت أظن أنه لا يتجاوز العاشرة قد أعطى العالم أجمع درسا في القوة و الصمود في وجه الطغيان. لقد فقد كلتا يديه و فقد عينا و يعاني من تشوه في منطقة البطن و الصدر و إن أي انسان في مثل حالته سيشعر بالحزن على نفسه و تتحطم معنوياته لما اصاب جسمه الغض اليافع و لكنه و بكل هدوء (الهدوء الذي يزلزل الجبال) أعلن بأن يداه سبقتاه للجنة و بأن الله قد أبقى له عينا ليبصر بها النصر.
إن اللسان ليعجز عن وصف هذا الإنسان هذا البطل و لا أرى له مثيلا إلا في قوله تعالى: " و كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا و ما استكانوا و الله يحب الصابرين"
فمكان هذا البطل إلى جانب الأنبياء و الأبطال الذين لم يقدرهم البشر فقط و لكنهم نالوا إعجاب رب البشر. بوركت ثورة أعطتنا هذه النماذج وبوركت ثورة شكلت في بوتقتها إنسانا ارتقى لمصاف الأنبياء و لو لم يكن للثورة من فائدة سوى أنها أعادت صياغة الإنسان لتعطي هذه الأمثلة الرائعة لكفاها فخرا فأبشروا فالنصر قادم و شدوا الهمة فأنتم الآن أساتذة العالم
"و جعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون"
عاشت سوية حرة ابية و عاش ابطالنا الشجعان منارة للعالم أجمع