إلى دمشق فَلْتَتَّجِهْ الأنظار

إلى دمشق فَلْتَتَّجِهْ الأنظار

محمد عبد الرازق

 من المعروف في تاريخ الثورات و الحروب أن انهيار الأنظمة، و سقوطها يكون مرهونًا بالاستلاء على العواصم، فلو سقطت مدن الدولة كلها، و لم تسقط العاصمة فلن يعترف أحد بانهيار و سقوط النظام، و الشواهد على ذلك أكثر من أن تُعَد؛ و دوننا مثلاً على ذلك طرابلس الغرب، التي وضع الثوار الليبيون خطةً محكمة للوصول إليها، و قد كان لهم ذلك مع شيء من التخطيط المحكم الذي لم يخلُ من التضحيات كما بيَّنت شهادة منسق ثوار طرابلس( مصطفى نوح ) على قناة الجزيرة .

لذلك على قادة الثورة بجناحيها( العسكري، و المدني ) أن تتجه أعينهم صوب العاصمة (دمشق ) و بشكل مكثَّف، و عدم قصر الحراك الثوري على يوم الجمعة فقط. و للأمانة نقول لقد بدأت بعضٌ من ملامح هذا التحرك تأخذ طريقها إلى حيِّز التطبيق، فهاهي المظاهرات بدأت تقض عرين الأسد، و هاهو الإضراب الذي بدأه تجار دمشق أخذ يزعجه، فشهدت أهم أسواق العاصمة دمشق و لأول مرة إضرابًا عامًّا؛ حدادًا على مقتل العشرات من الأطفال في مجزرة الحولة التي اتُّهِم النظامُ بارتكابها الجمعة الماضي، وأفاد شهود عيان أن نسبة الاضراب تراوحت بين 50 و90% في أسواق الحميدية والحريقة والبزورية وباب سريجة وسوق مدحت باشا والحلبوني والخياطين وسوق حوش بلاس وباب الجابية، التي تعتبر من أهم أسواق دمشق وأكثرها ازدحامًا، فيما وصل إلى أحياء العاصمة أخرى كالميدان والقدم وكفر سوسة والتضامن والحجر الأسود ونهر عيشة وقبر عاتكة والعسالي وحي الزهور والزاهرة الجديدة ، و هناك أسواق أخرى انضمَّت صباح اليوم ( الخميس: 31/ أيار)، و هناك أنباء عن وصول هذه الإضرابات إلى بعض أسواق مدينة حلب.

 إن دخول التجَّار على خط الحراك الشعبي له دلالات مهمة جدًّا؛ وذلك أن رأس المال الذي عادة ما يوصف بأنه ( جبان )، و أنه يصب في خانة الأنظمة ( بغض النظر عن القناعة المسبقة ممَّا يحصل على الأرض، قد تخلَّى عن النظام، و لم يَعُد يقبل أن يجيَّر عليه، و هناك أخبار تفيد بأن قسمًا من أصحاب رؤوس الأموال قد أخرجوها إلى خارج سورية، و يزداد الأمر أهمية عندما نعلم أن تجار دمشق، و لا سيما منطقة الحريقة يمسكون بالعصب الرئيس في تجارة المنطقة الوسطى و الجنوبية في سورية، فإذا ما انضم إليهم تجار حلب الذين يمتد نشاطهم إلى المناطق الأخرى فإن الأمر يزادد إيلامًا عل النظام.

 و لم يبق على قادة الثورة بشقها العسكري إلاَّ أن تتجه أنظارهم صوب دمشق، و لقد أحسن الثوار اختيارًا عندما سمَّوا الجمعة الفائتة( دمشق موعدُنا القريب)؛ و عليهم أن يستثمروا دلالات هذه التسمية، صحيح أن التركيز على مناطق أخرى قد يكون مهمًّا لإبقاء خطوط الإمداد تحت السيطرة، و لكن بشرط ألاَّ يؤدي ذلك إلى تضخم في خاصرة الثورة على حساب المركز المتمثِّل في العاصمة. إنَّ طلقة واحدة في دمشق تعدل إنفجارًا فيما عداها، و إن أسر ضابط فيها أشدَّ وقعًا و إيلامًا على النظام من تدمير حاجزٍ شديد التحصين في مدينة أخرى؛ و لذلك علينا ألاَّ نركِّز جهودنا على ما سوى العاصمة، على أهمية و جلالة ما يقوم به الجيش الحر في المدن الأخرى.

 إنَّ عشرة من مغاوير الجيش الحرّ يتحركون ليلاً في دمشق يقضُّون مضاجع النظام، و يجعلونه يحسب للأمر ألف حساب، فوسائل الإعلام عيونها محدِّقة إليها، و المراقبون، و الدبلوماسيون يرقبون كل حركة فيها، و اللافت للنظر أن النظام لا يجرؤ على البطش و الإجرام كما يفعل في المحافظات الأخرى، و لقد رأينا كيف يتحاشى جنود الجيش، والشرطة، و الشبيحة القيام بعمليات تكسير المحَال كما فعلوا في درعا، و حمص؛ فهم يطوفون أنحاء المدينة القديمة بمكبرات الصوت ويأمرون التجار بإعادة فتح متاجرهم، و هو أمر أُجبروا على سلوكه لاعتبارات عدة، و منها ما ذكرناه آنفًا، و سمعنا عن سعي النظام لاحتواء أية تظاهرة، أو الخروج لتشيع شهداء الثورة بأسلوب أقلّ عنفًا عمَّا يكون فيما عداها.

فإلى دمشق حدِّقوا عيونكم أيها الثوار؛ فبغيرها لن يسقط بشار.