فلتسقط الأصنام

فلتسقط الأصنام

عبد الحميد الشدة

منذ بدايات الثورة تفاجأ العالم بالقدر الهائل من الصور والتماثيل التي كانت تملأ كل أرجاء سوريا وكان المتظاهرون ينتشون فرحاً وهم يدوسون ويكسّرون رموز الأسد وأبيه وأخيه كإعلان عن نهاية الطغيان وعن نهاية تقديس الشخص ومنع إنتقاده لدرجة إعتباره إله ويتوجب عبادته بالمعنى الديني وغير الديني.   كان سقوط الأصنام تعبير عن رغبة الشعب السوري بالتحرر ولكن  وعندما طال وقت الثورة وبدأت تنفرز الأمور وتظهر النوايا المخفية بدأت بعض الظواهر تطفوا لتطرح تساؤلات عن مدى عمق وتجذر تقديس الأشخاص في العقول والعادات. وإحدى هذه الظواهر هي تلك المتعلقة بتقديس بعض الأشخاص  وبعض الفئات في بعض الأوساط المعارضة. ورغم محاذير التعميم وجدت نفسي مضطرا لهذا لما رأيته في هذه الأوساط؛ مع التحفظ على بعض الحالات المخالفة القليلة. ففي بداية الثورة كان هناك نوع من الإعجاب للمعارضين للأسد من الأقليات والمبالغة في الإعجاب كانت مفهومة لسببين:  الأول لأن جزءً كبيراً من الأقليات أعلن عدم تأييده للثورة بل ومعاداتها،    والسبب الثاني أن َنفَس الثورة ليس له توجه طائفي ويدعو إلى وحدة وطنية وكل من يتحالف مع الثورة مرحب به وبشدة وخاصة إذا كان من أبناء الأقليات. ونفس التحليل يمكن أن ينطبق على أفراد الأحزاب التي كانت إما مهادنة للنظام أو متواطئة معه وهذه الأحزاب كانت أحزاب يسارية وأحزاب ناصرية والحزب السوري القومي. مع الإشارة أن ليس كل الشيوعيين وليس كل شخصيات اليسار كانت هكذا حيث أن بعضهم عارض ودفع الثمن غاليا مثل الترك. والثورة رحبت "بحرارة" بالقادميين من هذه الأوساط لأنها غير حزبية وتهدف إلى الوحدة الوطنية ولأن هذا شئ طبيعي فالبلد لكل المواطنين.

ولكن وبعد دخول هؤلاء الأشخاص معترك السياسة وأخذهم مواقف بطبيعة الحال لاتعجب الجميع عرضوا نفسهم للإنتقاد وللهجوم على شخصهم وعلى مواقفهم وعلى أفكارهم. وفي خضم هذه الحرب الفظيعة ليس مستحيلا أن يكون إنتماؤهم الطائفي أو الإيديولوجي غير برئ في هذه المواقف والأفكار. وإنطلاقاً من الواقعية يمكن أن يتعرضوا للإنتقاد وحتى للتهجم العنيف. إن من يتعرض للقصف أو تتمركز الدبابات تحت بيت أهله أو قُتِ إبن أخيه لايمكن أن يأخذ كفوفاً مخملية لإنقاد من يعتبر أنهم يشاركون بإطالة مأساة السوريين. هذه الأوساط التي تتقاطع أراءها مع الكثير من آراء هيئة التنسيق وآراء هذه تتقاطع في الكثير من بروباغاندا النظام ( حوار مع النظام، رفض التسليح، قلة التعاطف مع الجيش الحر، السلمية، عدم التدخل الخارجي، التوجه إلى روسيا، رفض فضح هيمنة العلويين على سوريآلتخويف من وصول الإخوان والتأكيد على خطر ووجود السلفيين التكفيريين على كل المفارق.). وبغض النظر عن مضمون الرأي فإن بعض التيارات  الإيديولوجية خلقت لنفسها إيكونات غير قابلة للنقد والتهمة جاهزة ومعلبة : تهمة التخوين والتكفير . فكيف تنتقد فلانا وكان في السجن وكيف تنتقد فلانة وقد عارضت النظام وخاطرت بنفسها وكيف لاترضى بفلان هل لأنه من الطائفة الفلانية، وكيف تنتقد فلان وهو دكتور وعظيم ويتكلم على الفضائيات،بعض الأشخاص مثل أدونيس يحظى بالتقديس حتى لو كان ضد الثورة ولاتدري هل لعدائه للإسلام أم لإنتمائه الطائفي.

وفي كل الحالات ستتهم بالطائفي والمخوّن وبالمكفّر وبداية يقولون لك من أنت مقابل هذا العظيم (أو العظيمة) دون أن يهمهم إن كنت ناضلت طوال حياتك وفقدت 70 شخصاً من عائلتك، المهم أنك لاتنطبق على قالبهم الإيديولوجي أو الطائفي ولن يشفع لك سوى إتباعهم، دون إعتبار لحقك كمواطن بأن تنتقد أي شخص تريد مادام دَخَل السياسة. وأُدين بنفس الدرجة بل وأكثر تقديس رجال الدين ورفعهم فوق النقد وهذا ماخلق أشخاصا مجرمين بحق شعبهم ودينهم مثل البوطي. هالة من القدسية تنسج حول أشخاص مما يخلق تربة خصبة للعظمة ويجعل مجتمعنا مصنعاً للطغاة. هدف الثورة هو إسقاط الفكر التسلطي والشمولي فلتسقط كل الأصنام.