وثيقة المبادئ الأساسية للتيار الشعبي الحر
وثيقة المبادئ الأساسية للتيار الشعبي الحر
لقد لبى الشعب السوري في الثامن عشر من اذار / مارس 2011 نداء التاريخ , للعودة اليه , بعد غياب دام نصف قرن , قضاها في ظل احد أكثر الأنظمة الشمولية في العالم المعاصر قمعا وبطشا وفسادا . ويعلم المحللون والخبراء أن سوريا كانت مهيئة لانطلاق ما اصطلح على تسميته ( ثورات الربيع العربي) منها قبل أي بلد عربي أخر , نظرا لتوفر العوامل الموضوعية فيها اكثر من البلدان الشقيقة الاخرى , بدليل الإرهاصات المتتالية التي سبقت الشرارات التونسية , والمصرية , والليبية , واليمنية , وخاصة ربيع دمشق عام 2000 وانتفاضة الأكراد السوريين عام 2004 . بل والارهاصات التي سبقت هبة الأطفال الحورانيين , ووقفة الحرائر الدمشقيات في الأسابيع الأخيرة التي مهدت للانفحار الكبير في درعا البطلة , وسقوط أول شهيد فداء للحرية . لقد كان الشعب السوري يمارس أقصى درجات صبط النفس , لمعرفته المسبقة بأكلاف الثورة في وجه النظام المتوحش , ومخاطرها على مستقبل الوطن والدولة , ووعيه بطبيعة النظام الدموية الفاشية , وكان يأمل أن يستجيب حكامه سلميا لإرادة التغيير والاصلاح التي عمت العالم كله في العقدين الأخيرين . ولكن ردود أفعال النظام على البوادر والارهاصات الأولية للاحتجاجات الشعبية , قطعت الشك باليقين في استعداده للتجاوب مع المطالب الشعبية مهما كانت بسيطة , إذ طبق أقصى وأقسى التدابير العقابية الأمنية على الأطفال والحرائر دون اعتبار للطفولة أو للنسوية . ثم بدأ مسلسل القتل المفرط بوحشية ذكرت الجميع بوحشية النظام في جميع المرات السابقة منذ عام 1963 مرورا بمجزرة حلب 1980 ومجزرة تدمر , ثم مجزرة حماة الكبرى في 1982 . وبطبيعة الحال لم يكن الشعب السوري أقل تصميما من الشعوب العربية الأخرى على التمرد على النظام بعد عقود من الاستعباد , وكان يدرك أن هذه اللحظة هي لحظة التغيير والتحرر التي لا ينبغي أضاعتها , لحظة اتحدت فيها عوامل الثورة الموضوعية والخاصة , وتهيأت الظروف العالمية والقومية والوطنية في اتساق تاريخي متناغم .
لقد اتحدت عناصر الشخصية السورية وخصائصها في وثبة واحدة للانعتاق من أغلال القهر والكبت والخوف والاحباط بعد ان كانت الديكتاتورية المتوحشة الممزوجة بالفساد قد أحكمت مخالبها على عنق الوطن والمجتمع عشرات السنين وعاثت فيه فسادا وبغيا وتمييزا متعمدا بين مكوناته وطوائفه , وحظرت الحياة السياسية وصادرت الحريات كافة وعقمت المجتمع من مصادر الابداع والاشعاع , وقد كانت سوريا إحدى الدول النادرة التي طبقت الاحكام العرفية لخمسين سنة متواصلة في ظل اعلان مستمر لحالة الطوارىء , وساهم ذلك ايضا في اباحة النهب المبرمج للموارد الوطنية, فسيطرت على موارد البلاد وجعلتها غنائم حرب للموالين للسلطة فقط . ولم تترك لبقية المواطنين سوى التسول والعمل ساعات طويلة للبقاء على قيد الحياة , أو الهجرة الى الخارج , حيث فقدت سوريا عدة ملايين من خيرة عقولها وعلمائها وعمالها المهرة ورؤوس أموالها خلال حكم البعث - الاسد . لقد تصحرت سوريا في هذا العهد فكريا واجتماعيا وسياسيا قبل ان تتصحر بيئيا ووتحطم اقتصاديا ووتمزق وطنيا مما أدخلها في ( دورة الأزمات المستعصية ) التي تتوالد ووتكاثر خارج نطاق السيطرة وتعني عمليا أن النظام القائم لم يعد قادرا على معالجتها بنفسه , وبنفس الأساليب المطبقة , ولا بد من تغيير جذري واصلاح شامل , وإلا فالانهيار الشامل على غرار ما شهدته النظم الشيوعية في نهاية الثمانيات هو المصير الحتمي . ولذلك جاءت الثورة كرد فعل تلقائي وعملية دفاع مشروع عن النفس تعبيرا عن وعي عميق بضرورة إنقاذ البلاد والعباد قبل انهيار الدولة وتفتت المجتمع . وقد لاحظ المراقبون أن اعظم ما في انتفاضة 18 اذار - مارس هو انها لم تـأت نتيجة تخطيط مسبق من أي جهة حزبية أو عسكرية , لأن الأحزاب السياسية السورية المعارضة على اختلاف مذاهبها ومشاربها الاديولوجية كانت في الواقع عاجزة عن صنع ثورة بهذا الزخم بعد ان أنهكها النظام واستنزف طاقاتها عبر عقود من القمع المتواصل وخلق بموازاتها مجموعة أحزاب كرتونية عميلة له تلعب دور المعارضة الحليفة له عبر ما سمي الجبهة الوطنية التقدمية .
إن ثورة شعبنا كانت انتفاضة شعبية وطنية المنشأ والمحتوى اظهرت قدرة شعبنا على الاعتماد على قواه الذاتية لتحطيم جملة من الاغلال والأسوار والقيود الأمنية التي ابتكرها النظام بنفسه ليضمن الاستقرار والاستمرار الى ما لا نهاية في شكل حكم وراثي عائلي طائفي قرو- وسطي ضيق مغلق على ذاته مغلف بالشعارات القومية الثورية المزيفة . الامر الذي جعل هذه الثورة في ظل المعطيات القائمة بمثابة معجزة استثنائية على واقع العجز وعلى نظام البغي , في آن واحد , وكانت الأحزاب المعارضة القديمة أيضا في عداد من شملتهم الثورة بالإنقاذ , لأن هذه الأحزاب كانت استسلمت للعجز , ولم تستطع طرح اي استراتيجية , أو خطة أو حتى رؤية للخروج من المأزق , واسقاط النظام , على افتراض أنها تريد إسقاطه , مع الاقرار والاعتراف لبعض الاحزاب بتقديم نضالات مشهودة وعظيمة وتضحيات هائلة وهي تتصدى لطغيان الاسد الاب ثم الابن طوال 40 سنة . ولكن ما حصل في لحظة انفجار الثورة كان مفارقة حقيقية تتمثل في ان الشعب هو الذي تقدم لإنقاذ الاحزاب التي تعتبر نفسها طلائع له بدل ان تتولى هي قيادته للثورة والمواجهة . مفارقة مليئة بالدلالات الموحية , وأهمها ثلاث :
اولا - ان الثورة الشعبية التي اعتمدت على القوى الخلاقة للمجتمع اصبحت بسرعة مطمعا للاحزاب السياسية ومجموعات من الانتهازيين والمتسلقين وتحول هؤلاء الى اوصياء على الجماهير التي اعادتهم الى الحياة
ثانيا - ان النظام الذي يترنح بفعل الثورة حاليا سيمضي لا محالة ومعه الكثير من مخلفاته وملحقاته بما فيها احزاب الجبهة واحزاب اخرى استعصى عليها فهم الثورة ومتطلبات المرحلة الجديدة
ثالثا - ان سوريا الجديدة التي ستولد من رحم الثورة ستشهد ظهور احزاب جديدة بمفاهيم عصرية وتمثل قوى اجتماعية جديدة ولن يكون لبعض القوى القديمة سوى دور محدود . والقوى الجديدة هي المعول عليها العودة بسوريا الى حركة التاريخ وادماجها في سياق التطور العالمي للحداثة والعولمة ومواكبة التحولات الفكرية والحضارية وسيكون للشباب المتعلم المنفتح دور رائد وطليعي في إنشاء هذه الاحزاب وقيادة التحولات المأمولة يتسق مع دورها الحالي في قيادة الحراك الشعبي الرائع حاليا على الأرض .
ونحن نعتقد أن تيارنا الشعبي الحر هو قوة من القوى الجديدة الطامحة للتعبير عن متطلبات الثورة ومطالب شعبنا في بناء الغد المشرق لسوريا .. فما هو هذا التيار ؟؟
التيار الشعبي الحر
أولا - السمات العامة :
ان تيارنا الذي يقدم نفسه اليوم الى شعبه السوري وامته العربية والى العالم انما يعبر عن المخاض الثوري لمجتمعنا منذ بداية الانتفاضة ويعبر عن تطلع القوى الثورية الجديدة للمساهمة في اقتلاع نظام الاستعباد والاستبداد والفساد القديم والمشاركة في بناء سوريا الجديدة بهويتها العربية الاصيلة و بناء دولتها العصرية واستئناف دورها الحضاري بالاستناد الى مرتكزات دستورية وديمقراطية وعلمية وابتكار الصيغة الوطنية المناسبة لتحقيق اماني شعبنا في التقدم المادي والمعرفي وتوفير الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وخلق الظروف الملائمة للتفاعل الحي بين قوى شعبنا ومكوناته وفعالياته الانتاجية في كل المجالات المادية والمعرفية .
ونحن اذ نقدم انفسنا الى شعبنا وامتنا نحدد بوضوح اهم سماتنا وملامحنا الوطنية :
1 - إننا حزء من الحراك الشعبي الثائر الذي يصنع هذه الثورة المباركة , سيما وأننا كنا أفرادا وتيارا مكونا رئيسيا من حركة النضال السياسي والفكري المتواصل عبر عشرات السنين وخبرنا الامها وعذاباتها طوال عهد البعث - الأسد منذ 1963 واستخلصنا عبرها ونتائجها , كما استوعبنا ما يصبو اليه شعبنا , وخاصة الفئات العمرية الشابة .
2 - إننا نطمح أن نمثل أوسع الفئات الاجتماعية والتيارات السياسيةالتي يتكون منها شعبنا , وأن نمثل أعظم الخصائص والمزايا التي صاغت تاريخنا وهويتنا , كما أن نعبر عن المصالح الاستراتيجية لاوسع الشرائح الاجتماعية .
3 - اننا لا نطرح تيارنا بديلا عن أي قوة وطنية اخرى من القوى التي تؤيد اسقاط النظام , ولا نعتبر أنفسنا قوة سياسية تحتكر الحقيقة والصواب , وإنما نعترف أننا قوة من القوى التي يزخر بها مجتمعنا , ونؤمن بحتمية التنافس والتفاعل بينها وبين المكونات والجماعات الاخرى بلا عقد من الماضي ولا حساسيات مذهبية أو عنصرية , ولا تسلط ولا تطرف , ولا فوقية او احادية , لأننا نؤمن أن سوريا هي لجميع أبنائهاوبحاجة لجهود أبنائها جميعا , وللمواطن السوري وحده الحق في أن يختار ويقررأيا من هذه القوى هي الأجدر بالثقة .
4 - اننا تيار وطني اصيل يتجاوز كل الانقسامات المذهبية والطائفية والقبلية ويعتبر الانقسامات الطبقية والفكرية هي وحدها الانقسامات الصحية التي تمنح المجتمع حيويته وعصريته وقابليته للتطور . ونحن نعتبر النزعات الطائفية والعشائرية تشد مجتمعنا الى الخلف والتخلف , وتسبب التفكك والضعف , ونتعهد مقاومتها .
**********
ثانيا - المبادىء الوطنية :
اننا في التيار الشعبي الحر نؤمن بمجموعة مبادىء سياسية وفكرية نعتقد انها بمثابة ركائز ثابتة لمجتمعنا وشعبنا ووطننا , ولا يجوز تجاهل اي منها , وسنحدد مواقفنا وعلاقاتنا وتحالفاتنا مع التيارات والاطراف الوطنية الاخرى على الساحة السورية بالنظر اليها :
1 - إن سوريا بلد عربي , وجزء لا يتجزأ من الامة العربية , ويرتبط بالعالم الاسلامي بروابط حضارية عميقة أيضا . وهذه الحقيقة بوجهيها تشكل هوية سوريا التي تكونت عبر الف وخمسمائة عام , وقد كان لسوريا دائما دور رائد وفاعل في التاريخ . ومن هنا لم يكن استثنائيا التأثير المتبادل بين الشعوب العربية في سياق ثورات الربيع العربي . ولولا الثورة التونسية لما كان ممكنا التيقن من انفجار الثورة الليبية , او المصرية أو اليمنية في هذا الوقت بالذات , وبنفس المقياس لم يكن ممكنا انتظار الثورة السورية في 18 اذار - مارس . ولا بد من الاعتراف بأن الثورة السورية مدينة للثورات العربية التي سبقتها وخاصة التونسية والليبية والمصرية واليمنية . وهو اعتراف ينطوي على التسليم بحقيقة ووحدة الامة العربية ووجود شرايين تنقل وتضخ الدم الواحد بين جميع أجزاء الجسد الحي الواحد .
2 - ان المكونات والاقليات في سوريا هي عناصر ومصادر ثراء للمجتمع السوري ثقافيا وانسانيا , وهي كانت دائما كذلك ولم يشهد تاريخها اي نزاعات اهلية بسبب الدين او العنصر , ومن نافل القول أن عروبة سوريا لا تتناقض وكونها البلد الذي شعت منه أنوار المسيحية الأولى الى العالم .
3 - إن سوريا بحدودها الحالية وحدة تامة , غير قابلة للتجزئة , ولا تقبل القسمة لا طائفيا ولا اثنيا , ولا جهويا , وإننا كتيار نقاوم اي محاولة للتفريط بأي شبر منها ونناهض اي دعوات او محاولات للتفتيت والتقسيم او الانفصال .
4 - ان التيار الشعبي الحر يؤمن في ضوء المعطيات العالمية المعاصرة انه لا توجد دولة واحدة تخلو من تعدديات دينية او اثنية ولا توجد فيها اقليات , ولكن هذا لا يعني مطلقا حق هذه الاقليات تقرير مصيرها بنفسها منفردة او ان تهدد وحدة البلاد او تخرج منها بطرق غير مشروعة . وعليه فان تيارنا يؤمن بأن المظالم التي وقعت على بعض مكونات شعبنا كوردا او سريانا او سواهم خلال حقبة الاستبداد والتمييز الطائفي لا بد ان تعالج سلما وبتفاهم جماعي وبوسائل ديمقراطية ودستورية . أما المسألة الكوردية فلا بد أن تعالج وطنيا باعتبارها مسألة وطنية تعني جميع السوريين .
5 - يؤمن التيار أيضا أن الدولة السورية المدنية الديمقراطية الجديدة التي ستنشأ على أنقاض النظام لا بد ان تتأسس على وحدة السوريين كافة ومساواتهم امام القانون وحق الجميع في الوصول الى مناصب الدولة كافة بلا تمييز , وتكافؤ الفرص , بلا أي فرق بين المواطنين من كل الطوائف والمكونات . ويؤمن ايضا ان المؤسسات الديمقراطية هي التي ستختار الصيغ الملائمة للبلاد على صعيد الحكم الاداري بين المركزية واللامركزية .
6 - ان التيار الشعبي الحر يؤمن بأن سوريا الجديدة ينبغي ان تسعى بكل الوسائل والامكانات لاسترجاع اراضيها المفقودة والمحتلة من العدو الاسرائيلي .
ثالثا - المبادىء السياسية :
اما على الصعيد السياسي فإن المبادىء الثابتة التي يتمسك بها التيار الشعبي الحر فهي :
1 - اننا تيار وطني ديمقراطي يلتزم بالوحدة الوطنية ويتمسك بالديمقراطية والتعددية ويعترف بحق جميع الفئات والقوى والتيارات الوطنية الاخرى في التعبير عن ذاتها وافكارها ومصالحها من خلال تنظيمات سياسية . ويلتزم بمبدأ : الوطن ملك للجميع ويتسع للجميع , والحرية فيه كالهواء للجميع وليس لفئة دون اخرى او لحزب دون اخر وان العمل السياسي يجب ان يكون حقا موفورا ومحفوظا للجميع مع ما يستتبع ذلك من مفاعيل ونتائج , وخاصة حق تشكيل الاحزاب والتعبير عن المعتقدات التي لا تتعارض مع وجود الدولة والوطن ولا تتناقض مع مصالحه العليا ، وحق الجميع في التنافس على السلطة والحكم والوصول لكل المناصب بما فيها الرئاسة .
2 - الدولة المدنية العصرية هي الخيار المتفق عليه بين جميع قوى الثورة والمعارضة وهي تعني في نظرنا دولة لا يسيطر عليها العسكر والاستخبارات ولا رجال الدين ولا الفئات المتطرفة من اي لون . دولة يحكمها مواطنون سياسيون منتخبون مباشرة من الشعب .
3 - لا بد لسوريا من نظام حكم ديمقراطي عصري , تتوفر فيه المؤسسات المفترضة حسبما هو سائد في الدول الديمقراطية المعاصرة , وأهمها برلمان منتخب في دورات انتخابية مستقرة ومستمرة تشارك بها احزاب ومنظمات سياسية حرة لا قيود على انشائها . نظام يعتمد على الفصل بين السلطات الثلاث , وتكون فيه هياكل ووظائف وادوار هذه السلطات فاعلة وقوية بعيدا عن المحسوبية والفساد والتجاوزات ، وتقليص صلاحيات السلطة التنفيذية المتضخمة ومنعها من التعدي على السلطات التشريعية والقضائية , والتخلص من اجهزة الاستخبارات التي شكلت العمود الفقري للنظام القهري السابق , ورفض العودة بأي شكل الى ما يسمى حالة الطوارىء , وعدم تطبيق الاحكام العرفية لأي سبب اللهم إلا في حالات الحرب والكوارث العظمى محصورة بالمناطق المعنية وبقرار من الجهة المخولة دستورياً , ولا بد بدلا من ذلك من تعميق الوعي بمفهوم احترام القانون وسيادته فوق الجميع .
4 - لا بد لسوريا الجديدة من اعادة النظر بكل ما خلقته وخلفته حقبة النظام السابق من تشوهات بهدف تحرير البلاد والدولة والوعي العام من ثقافة النظام السابق واديولوجياته ورموزه ومداميكه , وعليه يجب ان نمتلك رؤية علمية وارادة حاسمة لاجتثاث الجذور العميقة للاستبداد والفساد , باعتبارهما ثقافة قبل ان يكونا مؤسسات حكم , وفي مقدمة هذه العملية اعادة بناء الجيش والشرطة على أسس وطنية , وتعميم ثقافة حقوق الانسان وتجذيرها , وكذلك ثقافة الاختلاف واحترام الاخر وقبول الرأي الاخر .
5 - لا بد لسوريا الجديدة من افشاء ومأسسة كافة الحريات السياسية والحزبية والصحافية والفكرية والعلمية وما يستتبعها من حريات النشر , والنقد , وتدفق المعلومات والوصول اليها بشفافية , وحريات التنظيم النقابي والاجتماعي وحماية الحريات الشخصية وحرمات البيوت وقدسية الملكية الخاصة وحريات العمل والمبادرة وحرية التنقل والحركة .
6 - ان النظام الاكثر عصرية ومواءمة بين النماذج المعروفة في العالم هو النظام القائم على الفصل بين الدين والدولة فصلا معتدلا يحفظ للدين قدسيته واستقلالية مؤسساته عن الاستغلال السياسي . ان الشعب السوري بكل طوائفه متدين ومؤمن , بحيث يتعذر الفصل الحاد والمتطرف بين الزماني والروحي , ولذا فلا يمكن اقصاء الدين من وظائف الدولة , وعليه فالحل الأمثل هو في ابتكار صيغة معتدلة من العلمانية تناسبنا سيما وان العلمانية ليست لباسا عالميا موحدا , بل هي تتراوح في التطبيق شدة ولينا من تجربة لأخرى بحسب طبائع الشعوب وخصائصها .
7 - ان الحداثة بحد ذاتها مبدا جوهري متمم للديمقراطية ولا يمكن بأي حال النكوص عنها حتى لو وصل للحكم بواسطة الانتخابات مثلا حزب لا يؤمن ببعض معطياتها ولا بد من تحريم فرض ما يتعارض معها دستوريا , وخاصة ما يتعلق بحقوق المرأة , كما لا يجوز تشريع سياسات معادية للاديان ومثيرة للمتدينين . ولا بد ان نلتزم التزاما طوعيا كدولة ومجتمع بمنطوق وفلسفة حقوق الانسان كما عبر عنها الاعلان العالمي الصادر عن الامم المتحدة باستثناء ما يتعارض منها مع احكام الاديان السماوية تعارضا واضحا .
8 - ان تيارنا يؤمن بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات بين الجنسين الى الحد الذي لا يتعارض والخصائص الجنسية او الاحكام الدينية الثابتة , ولا بد من تعزيز دور ومكانة وحقوق المرأة بتخصيص حصص كبيرة لها في البرلمان والحكومة وبقية المؤسسات .
9 - ان التيار الشعبي الحر يؤمن بأهمية انشاء نظام اقتصادي على مبادىء الحرية والعدالة والتنمية المخططة وتشجيع المبادرة الحرة. ولا بد من المواءمة الفعالة بين اقتصاد حر بطبيعته , وسياسة اقتصادية تدخلية للدولة لحماية الفقراء وحقوق العمال والعاطلين والمسنين والمرضى وذوي الاحتاجات الخاصة ، اقتصاد يؤمن بضرورة ايجاد صيغة متوازنة تحمي الملكيات الخاصة وحرية الاستثمار والمبادرة من ناحية وتكفل من ناحية اخرى حق الدولة في التخطيط الاستراتيجي وتوزيع الثروات بعدالة لاقامة توازن نسبي ضمن طبقات المجتمع وبين مناطق البلاد الجهوية بهدف تقليص فجوات الفقر والتنمية , وخاصة بين الريف والمدينة , وحماية المعوزين والمحرومين وما الى ذلك من مسائل تقتضي تدخل الدولة .
10 - إن التيار الشعبي الحر يقتنع بقوة ان سوريا لا يمكن الا ان تكون متكيفة ومنسجمة مع عالمها وعصرها بلا عزلة ولا عقد , ويقتضي ذلك تطوير علاقات سوريا المستقبل مع جميع بلدان العالم على اساس التكافؤ والمصلحة المتبادلة ( نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا ) , ولا بد ان تعكس سياستها الخارجية ترجمة هذه المصالح والمبادىء الى علاقات ندية وودية مع الجميع وحل الخلافات والمشاكل بالطرق السلمية والدبلوماسية , وتعزيز الدور السوري الاقليمي والعالمي وخاصة في الدائرتين العربية والاسلامية .
ثالثا - الموقف من مسائل الثورة واسقاط النظام :
إن التيار الشعبي الحر يؤمن بقناعة راسخة ان الثورة الحالية هي مركب لانقاذ سوريا والسوريين وان غرق هذا المركب او فشله في الوصول الى بر الامان المتمثل بالنصر سيكون بمثابة كارثة للجميع وعليه فانه يتعين على الجميع التعاون للوصول الجماعي الى الضفة الاخرى والانتصار الحاسم , ومن أهم المسائل التي تفرض نفسها على هذا الصعيد :
1 - لا بد من وحدة قوى الثورة في هذه المرحلة ويتعين على جميع الاطراف الفاعلة ان تصل الى اعلى درجة من الوحدة والتنسيق وخاصة على الارض في ساحة الثورة في الداخل وعلى صعيد الاهداف والبرامج السياسية .
2 - بنفس الاهمية يجب وجوبا الزاميا ارتقاء المعارضة السياسية الى مقام الثورة وغاياتها النبيلة في توحيد الصفوف والبرامج السياسية لمواجهة النظام وسحب الشرعية منه باثبات دورها كمعارضة ناضجة تمثل الشعب السوري بكل مكوناته ويمكنها ان تحل محل النظام بعد سقوطه وتستطيع التعامل مع المجتمع الدولي بكفاءة .
3 - ان عقد مؤتمر جامع لممثلي الشعب السوري واحزابه وقواه الحية هي ضرورة استراتيجية عليا ولا بد ان تتضافر جهود الاطراف كافة لانجازه والاتفاق على استراتيجية تغيير وطنية ديمقراطية تعالج جميع الظروف والحالات والطوارىءالناجمة عن الثورة اولا ثم سقوط النظام ثانيا ثم حماية سوريا من الانزلاق في هاوية الحروب الطائفية والاهلية التي يسعى النظام لها أخيرا . وعلى الجميع التحلي بأخلاقيات الثوار ولا سيما انكار الذات والتنافس في العطاء والتضحية بدل التطاحن على المناصب والمكاسب .
4 - على قوى الثورة والمعارضة معا وضع خطط عملاتية لمواجهة الأثار المترتبة على سقوط النظام , والحفاظ على السلم الاهلي والاستقرار وحماية الدولة من العبث والتأمر . إن المرحلة الانتقالية التي ستبدأ بسقوط حكم الطغمة تحتاج منا التخطيط الدقيق ووضع التدابير الكفيلة بصيانة البلاد لكي لا يتحول سقوط النظام سقوطا للدولة , وبداية لحروب وصراعات بينية يمكن ان تؤدي لتمزيق البلاد وتفكك وحدتها .
5 - ان تيارنا يحمل جميع الاطراف مسؤولية اسقاط النظام وحماية المجتمع والسلم الاهلي وانتصار الثورة وعليه فاننا ندعو لتحريم اي صراعات او نزاعات تمس الوحدة الوطنية وتحريم اي عمليات انتقام وتصفية حسابات , وتحريم اي تسلح على اساس طائفي او حزبي او عرقي وتحريم تشكيل ميلشيات ومجموعات مسلحة على ذلك الاساس ويطالب التيار بالمقابل تدعيم القوى والتشكيلات الوطنية للثورة وخاصة الجيش السوري الحر .
6 - ان الجيش السوري الحر قوة رئيسية في قوى الثورة افرزتها تظورات الثورة وفرضت نفسها وليست ظاهرة عنف او تطرف او عسكرة . وعلينا كثورة ان نشجع ظواهر الانشقاق عن النظام الاسدي كافة وخاصة من الجيش الذي اكد الواقع انه جيش عصبوي مافيوي , ولاؤه للعائلة المالكة المتسلطة وليس للوطن او الشعب او الدولة وكل انشقاق عنه عمل وطني واخلاقي , ويستحق المنشقون كل التقدير الان كما يستحقون بعد انتصار الثورة تكريمهم كابطال وتعويضهم عن الخسائر والاضرار وتمكينهم ليكونوا نواة الجيش الوطني الجديد .
7 - الثورة السورية هي في نظرنا ثورة مدنية وسلمية بدات كحركة احتجاج شعبي على الفساد والاستبداد وغياب الحريات والحقوق الرئيسية ولا يغير من هذه الحقيقة ظهور الجيش الحر لانه حالة استثنائية فرضتها الظروف فرضا مثلها كمثل عمليات التسلح الفردية التي لجأ لها بعض السوريين دفاعا مشروعا عن النفس والعرض والمال , فهذه الظواهر مجرد استثناءات جاءت كردود افعال موضعية ولا تنال من طبيعة الثورة السلمية والمدنية والشعبية .
8 - نطالب بأن يتبنى النظام الوطني الجديد بعد النصر خطة لتعويض المواطنين كافة عن خسائرهم المادية التي الحقها بهم النظام الاسدي لا سيما ابان الثورة وكذلك تطبيق سياسة عقابية لملاحقة كل الذين شاركوا في جرائم النظام المادية والاقتصادية والبدنية , من عسكر واستخبارات وشبيحة . ولا بد من خطة لاعادة بناء حمص وبقية المدن المنكوبة بطريقة تليق بدورها في الثورة وحجم تضحياتها .
9 - على النظام الوطني بعد الثورة من سياسة منهجية خاصة لمعالجة مأساة الحرائر اللواتي تعرضن للاغتصاب من رجال النظام وشبيحته وعسكره , واعتبارهن ضحايا سياسة القمع شأنهن شأن الجرحى والمصابين ولا بد من تكريمهن بدل مضاعفة ألامهن ودفع تعويضات مناسبة لهن .
10 - يتعين علينا جميعا كمعارضة وقوى ثورية التعاون للعمل بسرعة لبناء مؤسسات ادارية وامنية مؤقتة للحفاظ على المؤسسات العامة في كل موقع من البلاد لمنع سقوط الدولة بعد سقوط النظام ومنع نشوب الصراعات المسلحة . وبشكل خاص ينبغي الاهتمام ببناء هيئات قضائية وقانونية للنظر في جميع المشاكل الناجمة عن الثورة والفصل في جميع الشكاوي ولا سيما ما يتعلق منها بالنزاعات الطائفية .
11 - يتعين على المعارضة السورية توحيد المواقف والجهود في التعاطي مع الدول الاجنبية وبناء ادوات تنظيمية للتواصل مع المؤسسات الدولية دعما للثورة ونشاطها على المسرح الدولي الدبلوماسي , لزيادة عزله ونزع الشرعية عنه واحالة رموزه للمحاكمات الدولية كمجرمي حرب , ولمتابعة الجهود والمبادرات الدولية الخاصة بالقضية السورية في هذه المرحلة والتعاطي معها تعاطيا واعيا وثوريا وتحاشي اللهاث وراء سراب الكثير من الوعود والجهود الخلبية .
12 - علينا كمعارضة الاهتمام بأعلى درجة من الجدية بظاهرة اللاجئين السوريين في داخل وخارج سوريا , فهناك كما هو معروف أكثر من عشرين الفا في تركيا واكثر منهم في لبنان وما يزيد على مائة الف في الاردن , وهناك الوف كثيرة توزعت بين العراق ومصر والخليج واوروبا , وهؤلاء المهجرون والنازحون ضحايا العمليات الهمجية لعصابات الاسد وشبيحته التي تعمدت بصورة مدروسة ومبرمحة قتل السكان وترويعهم انتقاما او ترهيبا , وتعمدت في حالات اخرى افراغ بعض المدن من سكانها تنفيذا لمشاريع طائفية تخامر رؤوس العصابة الطائفية . وتأتي حمص في المقدمة نموذجا صارخا لهذه السياسة الاجرامية التي ادت لنزوح اكثر من نصف سكان حمص , كما ان احصاءات الصليب الاحمر الدولي تؤكد وجود أكثر من مليون سوري فقدوا مساكنهم بسبب الاعمال الوحشية وادواته الامنية . ان علينا الوقوف الان وغدا مع جميع هذه الحالات وتوفير برامج اغاثة ومساعدة للجميع خاصة لمن نزحوا خارج سوريا .
13 - رغم الحجم الهائل من الالام والعذابات التي يشعر بها شعبنا بكل افراده وفئاته واحزابه من جراء سياسات القمع المنظم لنظام البعث - الاسد طوال نصف قرن , وما ولدته من ضغائن واحقاد وحساسيات طائفية وجهوية يتعين علينا من اللحظة تهيئة النفوس والعمل على اعداد الطرق الملائمة لإجراء مصالحة وطنية وفق صيغة لا تفرط في حقوق المتضررين والضحايا والمعذبين من المجرمين واللصوص الذين قتلوهم ونهبوا حقوقهم واموالهم ولا تطلق العنان لشهوات الانتقام العشوائي لأن ذلك يؤدي الى نتائج كارثية على مستقبل الوطن , والحل لا بد ان يستند الى عدالة محسوبة وتسامح وطني عام , يتوج بمصالحة وطنية ونسيان لألام وحسابات الحقبة السوداء الكئيبة . ولا بد من وضع قانون عادل وديمقراطي يحظر نشاط حزب البعث بصيغته الحالية ويتضمن عزلاً سياسياً على رموزه المتورطة في قمع الشعب أو الفساد , دون أن يغلق الباب أمام كوادره الشريفة وجماهيره من استيلاد شكل اخر يقطع مع ماضي هذا الحزب حيث لا إقصاء لأي فكر سياسي أو لأية وصاية عليه .
*****************
إن شعبنا السوري بعد سنة ونيف من الثورة العظيمة المباركة بات يدرك بحكم ملامسته ومعايشته للواقع أن جميع الدول الكبرى ومعظم النظم العربية تقف في مواقع ومواقف غير مساندة للثورة ولإسقاط نظام الاسد , وتتراوح هذه المواقف بين العداء التام والسافر وبين التفرج والسلبية مرورا بالتواطؤ السري , وهذا الوضع الشاذ يتناقض بحدة مع طبيعة العصر والنظام الدولي ومفاهيم المجتمع الدولي , بل ومع تجارب سابقة قريبة وقعت في البلقان وافريقيا وامريكا الجنوبية ما يؤكد وجود تواطؤ عالمي اوسع مما يرى بالعين المجردة مع نظام القتلة الاسدي دعما لاستمراره وخوفا من انتصار ثورتنا . ولا شك ان لهذا التواطؤ اسباب كثيرة في مقدمتها دور وتأثير اللوبيات اليهودية - الصهيونية - الاسرائيلية في العالم . ولا يستثنى الموقف الروسي المعادي لشعبنا من هذا التأثير الذي سبق لنا اختباره في ملفات القضية الفلسطينية . لقد بات شعبنا على يقين أن ثورتنا يتيمة لا نصير لها ولا سند حقيقيا لا اقليميا ولا عربيا ولا دوليا , وعلينا كثوار ومعارضين أن نعي هذه الحقيقة بواقعية وصبر وثبات ونتعاطى مع المبادرات والمعطيات الدولية في ضوئها ومن منظورها والاتفاق بأننا لا نملك خيارا اخر او بديلا سوى متابعة الثورة واسقاط النظام مهما ارتفعت كلفة الثورة من دماء وتكبد شعبنا من خسائر , لأن العودة الى بيت الطاعة في ظل أل الاسد ليس خيارا ابدا بل هو الهلاك والفناء بكل المعاني . علينا ان نواجه قدرنا بإيمان وثبات ومواصلة الثورة نحو النصر بخطى ثابتة معتمدين على الله أولا وعلى قوانا الذاتية ثانيا . واقتناعا بهذه المعطيات رفع تيارنا شعار ( المقاومة الشعبية طريقنا الى النصر ) وعلينا في هذا السبيل تطوير امكاناتنا وابتكار الوسائل والسبل والطرق الناجعة لتحقيق اهدافنا بدون تنازل أو تراجع او تردد او مساومة عليها فلقد حسم شعبنا ( ومعه حسمنا موقفنا ) من هذا النظام ونرفض اي حوار معه , اذ لا بد من اسقاطه بكل مؤسساته , ومحاسبة رجاله ومسؤوليه عن جرائمهم وهي جرائم ابادة وجرائم ضد الانسانية حسب قراري مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة وقرار الجمعية العامة المتعلق بهذا الصدد . بل لا بد من اعادة فتح جميع ملفات الجرائم السابقة وانتهاكات حقوق الانسان التي وقعت في عهد الاسد الأب , وخاصة في الثمانينات في حماة وحلب وادلب وتدمر. ولا بد من محاسبة كبار المجرمين من رموز هذا النظام على امتداد حكم الأسد الأب والإبن . وعلينا الان وفي المستقبل ان نولي أهمية خاصة لاستعادة ثرواتنا وأموالنا التي تهبت وسرقت وحولت للخارج .
إن ثورتنا ما لم تكن ثورة شاملة وجذرية لن تحقق أهدافها ولن تشفي غليل ضحاياها وشهدائها , والاهم من هذا هو انها لن تهيئ البيئة الضرورية السياسية والوطنية للانتقال الى عهد جديد يستند على العدالة والحرية والكرامة وحكم القانون . وما نسعى له ونطلبه ليس بدعا من خيال ولا ضربا من مستحيل فقد سبقتنا اليه ثورات عربية وغير عربية , وهو غاية اخلاقية مشروعة وتقع في متناول ايدينا ما دمنا قادرين على الاستمرار في هذه الثورة حتى النصر , وهو قريب حتما بإذن الله وارادة شعبنا التي لا تقهر .
النصر لشعبنا والمجد لثورتنا والخلود لشهدائنا الابرار والحرية والتقدير لمعتقلينا الابطال والشفاء لجرحانا .
عاشت سوريا حرة عربية
التيار الشعبي الحر