عندما تثبت لي أنك موجوداً بالفعل

عندها أقول لك سقط عدوي وعدوك

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

عبد الغني حمدو

من الحكايات الشعبية  , أنه اجتمع ثلاث رجال , كل واحد منهم يحمل علامة مميزة , الأول أصلع , والثاني أعور , والثالث بساق واحدة , وعلا الصراخ بينهم ووصل الأمر للتهديد والوعيد , ولكن الصراخ هدأ بينهم بمرور رجل بجانبهم ,يبدو عليه هيئة الوقار, وسألهم عن أمر صراخهم ,وتطوع لمساعدتهم في حل مشاكلهم , فقال الأصلع جلسنا وتحدينا بعضنا , في من هو أغبى الموجودين ؟

وكل واحد  منا روى سبب عاهته , وبعد ذلك اختلفنا , لأن كل واحد منا يعتبر نفسه هو الأول في الغباء , فقال الرجل المصلح هل تستطيع أن تروي لي قصتك ؟ ومن بعد ذلك أسمع حكاية الآخرين , لأحكم بينكم فيما اختلفتم فيه  .

فقال الأصلع : عملت من نفسي ميتاً لأن زوجتي تصرفت بجزء مما اشتريته من رأس شاة وأربعة أطراف لها , لأنها عندما قدمت لي الطعام وجدت الرأس وطرفين فقط , وعندما سألتها عن الطرفين المفقودين , أنكرت وقالت لم تشتر إلا رأساً وطرفين , وأصرت هي على موقفها وأصررت أنا على موقفي , وعندما وضعوني في القبر , ووضعوا شطيحة فوق رأسي , مر الجزار وسأل من الميت فقالوا له فلان , فقال لقد اشترى من عندي البارحة رأس شاة وأربعة أطراف , وعندما سمعته يقول ذلك , نهضت بقوة لكي أقول لزوجتي أنك كاذبه , ولكن ضُربت رأسي بالشطيحة الصخرية فسببت لي الصلع .

ثم قال الأعور : كنت نائماً انا وزوجتي في الفراش ونسينا الباب مفتوحاً , فقلت لها انهضي واغلقي الباب ولكنها رفضت وقالت انهض أنت , ولم تنهض هي ولم أنهض أنا , وكان الشرط بيننا , أن الذي يتحدث اولاً هو من سيغلق الباب , ولم يمض وقت طويل حتى دخل ضبع البيت والتهم ساقي ولم أتحرك ولم أنطق بكلمة , ولكن زوجتي نطقت وقالت تحرك قبل أن يلتهمك كلك , فقلت لها قومي فاغلقي الباب .وقال الأعور كنت نائماً على ظهري والمطر يهطل بغزارة , مما سبب سقوط نقط متتالية في عيني , فتخيلت عيني وعاء , وبقيت على وضعي حتى انقطع المطر وانقطعت نقاط الماء ولكن عيني كانت قد ذهبت .

فقال لهم الرجل : كل عمل يقوم به الانسان لايقدم نفعاً له أو للمجتمع الذي يعيش فيه , هو بالأصل معدوم , لأنه شرٌ نابع عن تصرف حيواني , والحيوان عندما يخرج عن طوع صاحبه , لايمكن ترويضه إلا بالعصا التي تسلخ ظهره , وبهذه العصا يمكن ترويضكم .

أعود للعنوان , وأقول لكل فئات المعارضة السورية وبشتى أشكالها وأنواعها وتطلعاتها

قبل الثورة كان الصراع الذي يدور بينكم , على لاشيء وليس موجوداً , كصراع الثلاثة مع الوهم أو العند أو الغباء , وبعد الثورة بقي الصراع نفسه , ولكن أُضيف له صراع جديد , الصراع على السلطة , والسلطة ليست بيد أحد منكم , فيكون الصراع على ذلك صراع وهمي يتخذ مسارين , الأول أنكم أنتم لاوجود لكم , والسلطة لاوجود لها فهي في يد الغير , بينما الصراع في الداخل يقابله صراع وجود بين نظام مجرم قاتل يريد أن يبق في مكانه ويستميت في الدفاع من أجل البقاء , وشعب ثائر مظلوم يقابل إجرام النظام بتحد منقطع النظير  , ويمكن الحكم على الطرفين أنهما موجودان , وبالتالي فإن الفعل سينتج عنه وجوداً آخر يسعى إليه كل فريق , والمنتصر حتماً هو العمل الذي يكون فيه خير للجميع (فكل عمل يقدم ليس فيه خير للمجتمع ,فلا يمكن تصنيفه على أنه عملاً أخلاقياً ) .

وحتى تثبت المعارضة أنها موجودة بالفعل , يتوجب عليها أن تتجه بكتلة واحدة , نحو هدف يثبت لها وجودها , ولا يمكن أن تكون موجودة , مالم يسقط النظام الحاكم في سوريا .

فعندما تثبت المعارضة أنها موجودة بالفعل , عندها يمكننا القول أن النظام قد سقط بكامل كيانه.