وسط سيناء .. منطقة خارج التاريخ
وسط سيناء .. منطقة خارج التاريخ
نبيل عواد المزيني
باحث- الولايات المتحدة
منطقة وسط سيناء تشغل حوالي 80 % من إجمالي مساحة محافظة شمال سيناء
ونسبة كبيرة من مساحة محافظة جنوب سيناء ، يوجد بوسطها مدينة نخل التي
كان لها تاريخ علي طريق الحج المصري وكذلك مدينة الحسنة ، هذة المدن
مفتاح الطرق البرية المؤدية الي غرندل وأبوزنيمة ورأس النقب وطابا وميناء
نويبع البحرى بما يعني انها تتحكم في الطرق المؤدية الي ثلاث محافظات هي
شمال سيناء وجنوب سيناء والسويس ، وعلي الرغم من كل هذة الأهمية
الجغرافية والحيوية لمنطقة وسط سيناء إلا أنها ظلت علي نفس حالها تقريبا
دون تنمية تذكر منذ عودتها الي مصر في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد ، وحتي
التبرعات التي قامت بجمعها مؤسسة الأهرام المصرية عام 1982 بهدف بناء
قرية ياميت التي دمرها المستوطنون الاسرائيليون قبل رحيلهم ، مازال
مصيرها مجهول حتي كتابة هذة السطور.
الأدهي والأمر من ذلك ان سكان مدينتي نخل و الحسنة وتوابعهما من اكثر
البدو معاناة وتهميش حتي مقارنة بباقي بدو سيناء في الشمال او الجنوب ،
فمدينة نخل التي تضم عشر قرى يتبع بعضها إداريا جنوب سيناء مثل سدر
الحيطان ورأس النقب والكونتيلا والتمد وبئرجريد والخفجه والبروك،
بالاضافة إلى أكثر من 54 واديا والتي يقطنها قبائل الاحيوات والترابين
والحويطات ، ومدينة الحسنة التي بها أكثر من 20 تجمعا سكنيا منها القسيمة
والمليز بالإضافة إلى أكثر من 110 واديا ، يتم معاملتهما علي انهما مناطق
صحراوية خاوية عازلة ومجرد حدود فاصلة مع إسرائيل دون النظر إلى الإنسان
الذي يقطن في هذه المنطقة دون اهتمام ، مما يضع منطقة وسط سيناء خارج
التاريخ , يقول صبحي أبو قرشين من قبيلة التياها في القسيمة " نحن هنا
نعاني من البطالة ونقص فرص العمل مما يدفع الشباب للبحث عن طرق أخرى غير
شرعية لمواصلة الحياة، كثير من الناس هاجروا وتركوا المكان بلا رجعة،
الانفلات الأمني وصل لحد أن الناس من الممكن أن يتبادلون إطلاق النار على
أتفه الأسباب".
فالحصول علي شربة ماء تعتبر من المهمات الصعبة ان لم تكن مستحيلة ، حيث
يعتمد قاطني هذة المناطق علي تخزين مياة الامطار في خزانات أرضية تدعي "
هربات" كانت المفوضية الاوربية قد ساهمت في أنشاء بعضها ، ويتحدث عويض
سلمان 43 سنة بدوي من قرية ام القطف عن الوضع المائي في وسط سيناء قائلا
" قامت الحكومة بحفر بئر مياه هنا منذ عدة سنوات ولكن المياه لم تصله
ابدا،ومع عدم سقوط المطر يحصل أهل القرية على احتياجاتهم من المياه عن
طريق الشراء من احد الاشخاص الذي يملء جراكن مياه من بئر على بعد 3 كيلو
متر من القرية وهو بئر موجود منذ عشرات السنين،ويعتمد على المياه
الجوفية" ، ويؤكد سعيد عودة من بدو قرية الجفافة أن المياه تمثل مشكلة
حيث يبلغ ثمن شاحنة المياه 400 جنيه من اقرب مدينة لهم " بئر العبد".
وربما يعتقد البعض ان مشكلة المياة تخص سكان الاودية والمناطق النائية
فقط ، لاكن الحقيقة المًرة هي أن هناك اجزاء في بعض المدن بها شبكات مياه
ولكن ليس فيها مياه ولم تأتي لها المياه منذ انشائها مثل مدينة الشيخ
زويد ، ولأن مياة الابار فيها غير صالحة لشرب لملوحتها العالية ، يضطر
السكان الي شراء المياه بسعر الجركن بجنيه اما في القرى فسعر الماء يزيد
حيث يصل سعر شاحنة المياه ال8 أمتار الي 120 جنية.
لاكن من حسن حظ بدو وسط سيناء ان انتهي مؤخرا مشروع لايف سيناء (LIFE
Sinai Program) الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)
بمبلغ 55 مليون جنيه مصري من أنشاء ثلاث محطات لتحلية المياة في مناطق
ثلاثة بوسط سيناء وهي المسوطية بقرية المغارة و قرية المنبطح و بير بدا
بمركز الحسنه، وتوفر هذة المحطات 600.000 لترا يومياً من المياه النقية
الصالحة للشرب عالية الجودة تكفي احتياجات أكثر من 6000 فرداً تؤدي إلي
الحد من المخاطر الصحية للأسر البدوية ، بالإضافة الي مشروعات أخري لرصف
وصيانة الطرق والتدريب المهني والحرفي للشباب ومشروعات للتنمية الريفية ،
وتم نقل ملكية محطات تحلية مياه الآبار الثلاث من مشروع لايف سيناء
الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية إلي محافظة شمال سيناء .
والحقيقة ان الشراكة التنموية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، تعمل
علي زيادة الفرص الاقتصادية والخدمات الحيوية للمجتمعات البدوية المنعزلة
والموجودة فى وسط سيناء ، فقد قامت مؤخرا الوكالة الأمريكية للتنمية
الدولية بتسليم دفعة جرارات زراعية والملحقات الخاصة بها الي مركزى نخل
والحسنة بوسط سيناء ، وتستخدم هذه الجرارات من قبل حوالى 10 آلاف مواطن،
مما يشجع على زراعة أراضٍ جديدة وزيادة المحاصيل وتحسين الخدمات البيئية
والمرافق .
ولهذا أعرب المسؤلون في سيناء عن سعادتهم بهذا التعاون ، حيث صرح اللواء
العربى السكرتير العام لمحافظة شمال سيناء بالقول "نحن سعداء للعمل معا
مع الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير الفرص والخدمات لسكان وسط سيناء" ،
كما عبر رئيس مركز نخل نصر الله محمد عن امتنانة قائلا "هذه المعدات هى
هدية كبيرة للأهالى الذين لا يستطيعون استئجار الجرارات الخاصة، والذين
كانوا يضطرون إلى حرث أراضيهم بطريقة يدوية مضنية" ، وأضاف اللواء هاشم
بشير رئيس مركز الحسنة ان "هذه المعدات ستساعد في تحسين الزراعة ،التي
تعتبر من ركائز الاقتصاد المحلي، كما أنها ستساعد على تلبية احتياجات
المواطنين من خدمات الصرف الصحي ،التي ستساهم بدورها في المحافظة على
الصحة العامة".
لقد بوح صوت بدو منطقة وسط سيناء وهم يطالبون يأنشاء محافظة خاصة بهم حتي
يتمكنوا من الحصول علي حقوقهم من التمثيل في البرلمان وعلي نصيب من
المشاريع التنموية ، كما أوصي المؤتمر الدولى الأول لتنمية سيناء الذى
انعقد بجامعة القاهرة فى الفترة من 16 إلى 18 يناير 2012 ، بإنشاء محافظة
ثالثة بوسط سيناء لضرورة اقتصادية وأمنية والتعجيل بتنمية وسط سيناء
ودراسة الحكومة لمشروع قناة "طابا – العريش" الملاحية ، ولاكن كل ماحصل
علية البدو في تلك المناطق هو تعيين الشيخ عبد الله جهامة نائب في مجلس
الشعب ، بعد أن اصدر المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري الذي يدير
البلاد منذ ثورة 25 يناير قرارا بتعينة ضمن العشرة نواب التي يسمح
الدستور لرئيس البلاد بتعينهم .
والسؤال الذي يطرح نفسة الان .. هل تكفي البرامج التنموية التي تقدمها
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لسد احتياجات منطقة وسط سيناء
التنموية ! وهل قيام رئيس المجلس العسكري مشكورا بتعين نائب عنهم في مجلس
الشعب يرضي تطلعاتهم نحو الديمقراطية وممارسة حقوقهم السياسية ! أم سوف
تستمر وسط سيناء .. منطقة خارج التاريخ ؟ .