الحصانة للجميع ما عدا الشعب

علاء الدين العرابي

الحصانة للجميع ما عدا الشعب

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

 تعالوا بنا نستعرض بعض المواقف المهمة في المشهد المصري خلال الفترة من سقوط الرئيس المخلوع وحتى الآن :

الموقف الأول : عندما تأكد المجلس العسكري أنه خارج من السلطة لا محالة أشاع وثيقة السلمي التي كان هدفها ترتيب وضع خاص للجيش في الدستور الجديد ، يضمن لمجلسه الأعلى عدم المساءلة ، وعدم مناقشة ميزانية الجيش

هذه الوثيقة تمنح الحصانة لأفراد المجلس العسكري ، خصوصا وأننا قد سمعنا بعد ذلك من يتحدث عن الخروج الآمن

الموقف الثاني : عندما أتى الشعب ببرلمان ذي صبغة إسلامية سارع رجال الفن بمسيرة لتسليم البرلمان في يوم انعقاده الأول بيان سمي ببيان " جبهة الدفاع عن الإبداع " ومضمونه : أن حرية الإبداع خط أحمر ، وأن الفنان هو رقيب نفسه ، وقبل ذلك وجدنا نقيب الفنانين يزور المرشد العام للإخوان للتأكد من عدم المساس بحرية الإبداع ، مع أني أكاد أجزم أن مساحة الحرية التي كانت ممنوحة للفن في العهد البائد هي حرية مغلوطة فقد كان مباحا لهذا الفن انتهاك ستر الفضيلة والأخلاق في المجتمع في الوقت الذي كان يمنع فيه من الاقتراب إلى الحرية الحقيقية المتمثلة في محاربة النظام الفاسد

مبادرة الفنانين تمنح الحصانة لأهل الفن ضد أي قيد حتى لو كان القيد هو الدين والأخلاق

الموقف الثالث : فُتحت قضية لمحاكمة أفراد يحملون الجنسية الأمريكية ومعهم مصريون ، وهي ما تعرف بقضية التمويل الأجنبي ، ثم سرعان ما هٌرّب الأمريكان بليل ، وبقي المصريون يواجهوا مصيرهم في قفص الاتهام ، وقد نسي صاحب القرار السياسي في لحظة ما أن الأمريكان في مصر لهم حصانة تفوق حصانة أي شخص على أرض مصر حتى لو كان هذا الشخص هو الرئيس ، ولا زالت إرادة صاحب القرار المصري ضئيلة جدا بالمقارنة مع كبر حجم تلك الحصانة الأمريكية

الموقف الرابع : آخر هذه المواقف 00 هي مبادرة بعض الإعلاميين والتي تهدف إلى استقلال الإعلام ، أصحاب هذه المبادرة أحسوا أن هناك تحولا في أيدلوجية الإعلام من الليبرالية إلى الإسلام ، فأرادوا الحصول على حصانة تمكنهم من الخروج من أي وصاية حتى لو كانت تلك الوصاية دينية أو أخلاقية

 قراءة هذه المواقف تكشف لنا عن مأساة حقيقة ، مفادها أن ذوي العضلات في مصر يريدون الحصول على حصانة من نوع ما ، ولكن هذه الحصانة يختلف مستواها ، فبعضهم يريدها حصانة ضد المحاسبة من أي جرم ، والبعض الآخر يريدها حصانة ضد الأخلاق والدين ، والبعض يريدها حصانة رغم أنف المصريين 00 حصانة لغير المصريين على أرض مصر

 الحاضر الغائب في هذا المشهد هو الشعب المصري ذاته ، فالمصريون ليس لهم حصانة تحميهم ضد الفقر والمرض والأمية ، أو حصانة تحميهم من بطش قانون الطوارئ أو المحاكم العسكرية ، أو حصانة تحميهم من دهس العربات المجنزرة أو الرصاص الصادر من القنص الموجه ، وليس لهم حصانة تحميهم من المجرمين الذين سرقوا أموالهم وآمالهم ، أو السفاحين الذين نهبوا ثرواتهم ومقدراتهم

 والمصريون ليس لهم حصانة تحميهم من تجرع كئوس الفن الهابط والتي تعتبر أشد فتكا من الرصاص المسكوب والعربات المجنزرة ، لأنه يدمر مقومات إنسان من المفترض أن له حرمة ، ومن المفترض أن له كرامة لابد أن تصان

 والمصريون ليس لهم حصانة تحميهم من إعلام يحمل رؤى غريبة عن دينهم وأخلاقهم ، أو إعلام يهبط بهم إلى مغارات الكذب والتضليل ، ويبتعد بهم عن الحقيقة ، أو إعلام يشكل عقولهم وثقافتهم بمواد مغلوطة ليس فيها غير الغش والخداع

 في عهد النظام السابق كانت الحصانة ممنوحة لرأس النظام والمنتفعين من حوله – على بابا والأربعين حرامي – حصانة ضد المحاسبة من أي جرم ، حتى لو كان هذا الجرم سرقة شعب بأكمله ونهب ثرواته ، ثم التسول باسمه من قريب أو بعيد ، أو كان إبعاده قسرا عن قافلة التقدم والرقي ، أو كان هذا الجرم إقصاء هذا الشعب عن قافلة الحضارة التي ظل عمره يصدرها للعالم

 بقي أن نشير إلى أن هذه المواقف بينها قاسم مشترك آخر غير الحصانة ، هذا القاسم هو الخوف من الإسلام ، وكأن الإسلام الذي حرر الإنسانية كلها من عبودية البشر للبشر إلى عبودية رب البشر ، ومنح الناس الحرية والعدل وهدى البشرية إلى الطريق القويم ، هو الذي يكبل الناس ويصادر حرياتهم ، وأعتقد أن الذي يخاف من الإسلام واحد من اثنين الأول : إنسان يلبس لباس الظلم ويظهر للناس غيره ، والثاني : إنسان يدعي الفضيلة وهو عاري الجسد وعاري الخلق

 ونحن نعلم أن الإسلام لا يمنح الحصانة لآحاد الناس وقد أعلنها رسول الإسلام صريحة " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها " ، في الوقت الذي قد يمنحها للشعوب " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة " ، فمتى تمنح الحصانة للشعب وليس للأفراد ؟