سوريا وروسيا.. تشارك في الحروف والمصالح
سوريا وروسيا..
تشارك في الحروف والمصالح!
جعفر عبد الله الوردي
لم يكن من المصادفة أن تشترك كلمتا (سوريا – روسيا) بالأحرف ذاتها حيث يسميه علماء البلاغة جناسا ناقصا، لكن بينهما في المصالح جناسا تاما..!
منذ أن سقط الاتحاد السوفيتي سنة 1991 واستولت أمريكا على اسم الدولة العظمى في العالم، -وهناك بغض دفين من السوفيتيين تجاه أمريكا، لأنها سحبت هذا اللقب منهم واستفردت بالعالم ومصالحه.
كما هي الفكرة السائدة قديما على تقاسم المصالح والشعوب الضعيفة من قبل الدول العظمى في العالم، بقيت كذلك إلى يومنا هذا، فالشرق الأوسط –كما يسمى- هو محل نزاع الدول الكبرى، ومحل قسمتها في الرضا والسخط..
تتسابق الدول الغربية إلى تناهش خيرات العالم العربي، وتقدم كل دولة ما تملك لكي تكسب حليفا من هذه الدول تشرب منه الخيرات وتبيعه ما تشاء وتجعل منه سوقا ومستوردا..
وهكذا كانت روسيا التي هي معقل الاتحاد السوفييتي، حيث أرادت منافسة أمريكا في العالم العربي فبنت مع سورية أوطد علاقة وأغرته وقدمت له القرابين والدعم في سبيل ذلك..
فالاتحاد السوفييتي في أوجه كان يدعم سورية بالسلاح والمال والمشاريع ويقرضه بسخاء، واستمرت كذلك العلاقة إلى هذا اليوم.
وحتى صعود حافظ الأسد على منصة الرئاسة سنة 1970 كان ذلك بدعم من الروس، كما ذكر ذلك رئيس الحكومة يوسف زعين الذي انقلب عليهم حافظ الأسد وأودعهم السجون هو والأتاسي وجديد.
فكانت بداية حكم حافظ الأسد بمباركة ودعم قوي من الروس لكي تكون لهم يد قوية في العالم العربي، ويظهر ذلك جليا في العدائية العلنية من نظام حافظ الأسد لأمريكا ومخططاتها.
وإذا كان لأمريكا صلة حميمة وقواعد عسكرية في الخليج العربي، فإن لروسيا أكبر قاعدة أيضا في ميناء سورية في طرطوس على المتوسط.
يظهر من هذا التقاسم شدة المنافسة بين تلك الدول على فريسة الوطن العربي..!
استمرت روسيا بدعمها القوي والمتباسل لسورية وحكومتها وأقرضت سورية قروضا عديدة وباعتها العديد من الأسلحة من بينها دبابات عسكرية سوفييتية من طراز ت 72 اشترتها دمشق في عهد الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف وتستخدمها حالياً في قمع الاحتجاجات الشعبية. وأخذت العديد من المشاريع والخدمات في سورية، على مستويات شتى شملت التعليم والسياسة والاقتصاد والجيش والسلاح وغيرها..
ولم تزل روسيا تدعم النظام السوري إلى أن استلم بشار السلطة وراثة من أبيه في ظروف غامضة أشبه ما تكون بمسرحية على مجلس الشعب السوري، وضمنت له الحضن الدافئ والدعم اللوجستي والمادي.
مما يعضد تسمك روسيا في الإخلاص للنظام السوري ما وصف به الرئيسُ الروسي بوتين، الرئيسَ الأسد في برقية عزاء بعث بها إلى القيادة السورية بأنه "كان صديقا لروسيا عمل الكثير لمصلحة علاقات التعاون الروسية السورية وكان واحدا من ألمع زعماء العصر".
وفي وجه المرآة الآخر كان النظام السوري يظهر العداء والنقمة على أمريكا والغرب، ويستهزئ بهم على الملأ؛ لأنهم يستندون إلى دعم الروس بقوة، هذا ما جعل وزير الخارجية السورية المعلم في وسط الأزمة الحالية يقول: ليس الغرب هو العالم كله، لدينا بدائل كثيرة..
وهذا الدعم ذاته هو الذي يسند يد النظام السوري في البطش والفتك بالشعب، حيث لا تزال روسيا تدعمهم حتى بالسلاح، وتلوّح بحق النقض فيتو إن توجه مجلس الأمن لإدانة سورية، مما يرسم عند الشعب السوري تلطخا كبيرا لأيدي روسيا بدماء الشعب السوري البريء الذي قُتل منه ما يقرب من عشرة آلاف مواطن مدني في أقل من سنة واحدة فقط..!
وروسيا في فعلها هذا أقرب إلى الغباء وفشل السياسة، ليس مثل أمريكا التي تدور مع مصالحها، حيث روسيا تتشبث بالأشخاص والمؤسسات التي توفر لها الدعم حتى وإن غدت ضعيفة، أما أمريكا فليس لها صديق حميم ولا شخص مقرب دائما، بل صداقتها حيث حلت مصلحتها وكان هدفها، فهي تلعب دورا سياسيا نشيطا في العالم بسبب هذه المرونة.
أما عقلية الدب الروسي فهي صلبة كما يظهر، وتسوق نفسها إلى شرفات هي غنية عنها، فإن اقتربت من الهاوية تراجعت، فتخسر من الوقت والسمعة الشيء الكثير، وهذا ما فعلته مع العقيد الليبي حيث تشبثت به إلى آخر لحظة، وعندما أيقنت لا محالة بهلاكه عزفت عنه..
وهي تفعل الأمر نفسه مع الأسد في سورية وتمنحه الرضا والطمأنينة فإذا ما هو قارب الهاوية ستفلته وتتخلى عنه، مع يقينها بزواله واستحالة بقائه في السلطة..!
فتكشف روسيا غباء جليا في سياستها العشوائية التي تدور رحاها حول الأشخاص لا المصالح كما أمريكا والغرب..!
وهي أيضا مع غياب الحكم الواحد للشخص والحزب الواحد ستخسر حلفائها العرب ولن يتبقى لها صديق يودها؛ لأنهم لن ينسوا خيانتها لهم حيث الحاكم سيكون الشعب، فعصر الاستبداد والانفراد ولى إلى غير رجعة.
وهذه بدت بوضوح في المسيرات المناهضة لبشار الأسد، حيث قام المتظاهرون بإحراق علم روسيا والتنديد بها وشتمها على الملأ..
والأعجب من ذلك كله ما تقدم به اتحاد كتاب روسيا بجائزته لبشار الأسد حيث عبر عن وقوفه بوجه الهيمنة العالمية، وكأن روسيا تغيظ العالم بهذه الأفعال وتسخر منه..
فهي تعرف يقينا أنه لم يعد هناك شعبية لبشار الأسد في العالم كله، حيث سقط من أعين الحكام والشعوب لما بدا منه من السفك والقتل والإبادة الجماعية لشعبهن ومع ذلك تمنح جائزة لوقوفه بوجه الهيمنة.
فروسيا تحارب العالم وتسخر منه بعصا سورية، فهي لا تكترث للشعب ولا للنظام بقدر ما تريد أن تغيظ وترسل رسائل لمنافسيها وأعدائها بهذه الأفعال التي تقوم بها..!
وستسقط هذه العقلية الروسية لا محالة، حيث الربيع العربي بدأ يتفشى في الغرب، وما هو عن الدب الروسي ببعيد..