الثورة والعودة إلى بداية الثورة

أبو طلحة الحولي

إن المتتبع لكتاب التاريخ الصادق الذي لا يزوره شاهد زور ، أو يفبركه كتاب وقنوات فضائية ، يجد انه ما استعان احد بجيوش غربية إلا هزم فيما بعد ، وكان خاضعا ذليلا وإن انتصر على خصومه .

ولقد علمنا التاريخ أن الغرب يغير من احتلاله واستخرابه للبلاد حسب فهم الشعوب ومصالحه ، ولهذا يعتبر أن تحالفه مع الشيطان ، أو مع دول أخرى لتقسيم ثروات البلاد الضعيفة التي يستعمرها عسكريا أو فكريا أو ثقافيا أو اقتصاديا هي أمر مشروع له ، لأنه ينظر إليها بمنظاره هو ، لا بمنظار الشعوب المستجدية .

ولهذا فإن المشروع الغربي الاستخرابي ( الاستعماري) موجود في سجلاتهم وكتبهم القديمة ، ولا ينكرها عاقل وينتظرون الفرصة تلو الفرصة لتطبيقها ، ولكن السؤال المطروح ماذا فعلنا نحن المسلمون ؟ لبناء قوتنا وعزتنا فلا يستضعفنا احد ، ولا يذلنا احد .

لقد خرج الاستعمار بعد أن قسم البلاد العربية ، ووضع أذنابا له تُقسّم المقسّم ، وتحيك المؤامرات تلو المؤامرات حتى لا يرتفع صوت الحق والعدل والحرية والكرامة .

إن ما يقال عن سوريا من أنها معرضة للتقسيم هو كلام في خطط الغرب ، وليس كل ما يرد في تخطيط الغرب هو أمر مسلم به ، وكأنه واقع لا محالة .

من حق الغرب أن يخطط وفق مصالحه ، ولكن أليس من حقنا أن نخطط أيضا ، وأن نمنع مؤامرات الغرب من التحقيق ، فإرادة الشعب السوري فوق إرادة الغرب وأذياله ، وإرادة الله تعالى بنصرة الحق فوق إرادة البشر .

لقد عاش الشعب السوري بتنوعه العرقي والطائفي بصورة متميزة في ظل الحضارة الإسلامية ، ولم يمثل مشكلة في تاريخ سوريا بل كان الاستقرار والسلام والتجاور الحسن ، إلا في حالات استثنائية وقعت أثناء ضعف الدولة العثمانية عن طريق أذيال ودسائس وتأمر الدول الأوربية ، وعندما احتلت فرنسا سوريا لم تخرج صاغرة إلا حين هب الشعب السوري بكافة تنوعه وطوائفه في ثورته ضد الاحتلال .

إن الثوار لم يستشيروا الغرب ولا الشرق في البدء بالقيام بثورتهم ، ولم يتجهوا صوب أي دولة على وجه الأرض يطلبون منها المدد ، أو المساعدة . بل قامت ثورتهم لله ، معتمدين على الله ، متوكلين على الله ، ولم يدر في بال احد الثوار عندما قامت الثورة أن يمد يده للغرب أو للشرق . بل رفعها لله ، لله .

فلماذا هذا التغير في الوجهة ؟

ولماذا الابتعاد عن النبع الصافي الذي تفجر فارتوت منه الثورة ؟

لقد تفجرت الثورة لله ، لا للشرق ولا للغرب فلم تختلط بالماء الآسن ، والماء العكر ، ولم تتلوث بمياه المستنقعات الراكدة ، فانطلقت بعون الله ، فطرية المنشأ ، قوية الرسالة ، معتمدة على الله ثم على إرادة هذا الشعب .

إن الثورة التي تعتمد على غيرها هي ثورة فاشلة ، وان انتصرت على خصمها فقد خضعت وذلت لمن اعتمدت عليه ، وها نحن نرى الغرب والشرق يقتنص الوقت بحثا عن مصالحهم في سوريا حتى يتخذ موقفا صارما ضد النظام .

إن نجاح أي ثورة هو من ثبات وإرادة أبنائها وشبابها وبناتها ونسائها وكهولها .. وإرادة الشعب وثباته أقوى من النظام وعلى هذا نتكل بعد الله " وان تنصروا الله ينصركم " لقد ضحى الشعب الجزائري بمليون شهيد ولم يفقد الأمل ، وخرج المستعمر ذليلا خاسئا ، ولم يقف في منتصف الطريق وقال سقط خمسمائة ألف شهيد فلنستسلم او فلنستعين بالغرب ، لقد ضحى وثبت وصبر فنال حريته ، فالصبر الصبر أيها الشعب الأبي ، المناضل ، إن كل شهيد ترتفع روحه للسماء هو قطعة يقطع من جسد هذه الأمة ، وكل جريح يجرح هو نزف في هذه الأمة ، وكل دمعة عين هي ألم في هذه الأمة ، ولكن أملنا في الله كبير ، فالشهيد في الجنة ، والجريح يولد من جديد ، والله معنا ، ولا تنسوا انه عندما قامت الثورة لم يكن هناك جيش حر وطني أصيل ، ولم يكن هناك منشقين ، وتمر الأيام ويحدث ما لم يكن بالحسبان انشقاقات وجيش يدافع عن الثوار .

إن المؤامرات على سوريا تشتد ، وتزداد ضراوة وقسوة سواء من النظام أو من الغرب ، فالنظام والغرب كلاهما عدو للشعب السوري . فهل نسينا احتلال فرنسا ، وهل أصبحت فرنسا اليوم هكذا فجأة صديقة للشعب عدوة للنظام ؟ وهل الغرب الذي كان يبارك النظام بل ويحميه أصبح خائفا على الشعب السوري من فقد حريته ؟

وهنا يتبين لنا أن الثورة السورية غير الثورة المصرية والليبية والتونسية ، ومختلفة عن أي ثورة في العالم لمكانة سوريا في المنطقة من الناحية الدينية وموقعها المتميز ، وعلاقة النظام المتشابكة مع دول الجوار وتمر آليات السيناريو لسقوط النظام وتحليلات السياسة في ثلاثة خطوط :

1- إصلاحات النظام والاحتواء الأمريكي بما لا يؤثر على مخططاته في المنطقة .

2- التدويل وتحث عليه أوربا وخاصة بريطانيا وفرنسا لضمان استعادة نفوذهما المهدور في سوريا ، ولهذا تحاولان السعي إلى التأثير على الثورة وتوجيهها بحسب مشاريعهما .

3- إرادة الشعب ويقظة الجيش : وهذا هو المسار الحقيقي لنيل الحرية ، فليس هناك فزاعة من تقسيم سوريا ، وليس هناك هيمنة أمريكية ، ولا خضوع وذل للدول الأوربية ، وهذا ما نرجوه ونأمله من هذا الشعب العظيم ، فثورته ثورة أمة وليس ثورة بلد ، وثورته ثورة حرية ،  ضد العبودية لكل الأصنام الأرضية ، وثورته ثورة كرامة ضد الاستخفاف بالإنسان في كافة أرجاء البشرية .

هذا هو الطريق الصحيح الذي اختاره الثوار في بداية ثورتهم ، هي لله هي لله ، فهلا راجعنا أنفسنا ، وفهمنا تاريخنا ، وحملنا راية عزتنا { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ، { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } .