الإسلاميون بين غزل السلطة وخوف المعارضة العلمانية

الإسلاميون بين غزل السلطة

وخوف المعارضة العلمانية

البراء كحيل

[email protected]

منذ فترة ليست بالبعيدة ولربما "حتى نهاية العام قبل المنصرم" كانت الدول العربية بشكل خاص تتقرب للسيد الأمريكي الأوربي بحربٍ لا هوادة فيها على الإسلاميين والأحزاب الإسلامية , ولأنّ هذا السيد أو يمكن أن تسميه المعبود شنّ حرباً سمّاها "الحرب على الإرهاب" وهذا هو الاسم الظاهر لهذه الحرب أو الشكل الخارجي لها بينما المضمون والحقيقة أنّها حربٌ على الإسلام والإسلاميين الذين لم يفرق الغرب بين المعتدل منهم صاحب الفكر الرزين وبين المحارب التكفيري الذي لا يقبل بمعايشة الآخر ولا يعترف بوجوده , فكانت الحرب الغربية على الجميع من الإسلاميين المعتدل منهم والمحارب التكفيري مع أنّ الفريق الثاني ليس بصاحب الكثرة ولربما هم قلّة قليلة على مستوى العالم أجمع , بينما الطرف الأول وهو المعتدل هو صاحب الكثرة في المجتمعات العربية والإسلامية وهو الطرف الذي يقبل الآخر وينادي بالتعايش مع الجميع ويمكنك أن تقول هو الأصلح لقيادة المجتمعات بما لديه من فكرٍ نيّر وبرنامج سياسيٍ ينطلق من مراقبة الله له وعدم احتكار السلطة لغايات شخصية أو حزبية بل هدفه وغايته الصلاح للمجتمعات التي يقودها .

وظنّ الحكَّام العرب والسلطات الحاكمة في البلاد العربية أنّهم بمحاربة هؤلاء الإسلاميين من كِلا الطرفين والتنكيل بهم وملئ السجون بالمنتسبين لهم ظنّوا أنهم بذلك يحمون العروش التي يجلسون عليها لأنّهم بذلك يقدّمون فروض الطاعة للمعبود الأمريكي الأوربي  , وما علموا لحُمقهم وحُمق سيّدهم أنّ الفكر لا يحارب إلاّ بالفكر وأنّ التنكيل والتعذيب بأصحاب المبادئ والأفكار سيجعل الجميع يتعاطف معهم وينساق وراءهم حتى من أولئك الذين لربما كانوا لا يحبّذون التيار الإسلامي كثيراً , وفعلاً انقلب السحر على الساحر فقد أصبح لأولئك الإسلاميين من التيار المعتدل النصيب الأكبر من الشارع في المجتمعات العربية وغدت لهم الكلمة الفصل والغلبة في الرأي عند أي استفتاء شعبي نزيه .

في ظلّ هذه الحالة من ارتفاع الرصيد الشعبي للإسلاميين وقبل ربيع الثورات العربية أدرك المعارضون للحكم في البلاد العربية من العلمانيين والليبراليين أدركوا أنّ الشارع بدأ يتأسلم وبدأت الاحزاب والتيارات الإسلامية تُحكم سيطرتها على هذا الشارع ممّا دفعهم "أي العلمانيين المعارضين" إلى عقد التحالفات مع هؤلاء الإسلاميين المعتدلين أصحاب الشارع الحقيقي , ولعلهم ملكوا نظرة مستقبلية ثاقبة علموا من خلالها أنّ الغلبة ستكون للإسلاميين ويجب أن يكون لهم النصيب الأوفر في الشارع من خلال تحالفهم معهم .

وهذا ما يؤكد القول الآن بعد الثورة المصرية المباركة بأنّ الرئيس المرشّح والمدعوم من قبل جماعة الإخوان هو الذي سيحظى بعرش مصر القادم .

لكنّ الغريب والمدهش أنّه فيما بعد بدء الثورات العربية المباركة بدأت الآية تنعكس والأمر ينقلب والكلام يتغير , فغدت تلك السلطة التي ظنّت أنّ مغازلة أمريكا بحرب الإسلاميين ستحمي عروشها غدت في ورطة تهدد تلك العروش , فما كان منها إلاّ أن بحثت عن المنقذ لها من هذا البلاء الجديد القادم وهو الثورات العربية فلم تر إلاّ الإسلاميين هم من يملك مفاتيح الأبواب المغلقة وهم من بيده قوانين اللعبة القادمة , فلجأت إليهم ولكن حينما فاتهم القطار ولم يعد ينفعهم العودة إلى الوراء .

في مصر وجد الساسة هناك أنّ الشارع بيد الإخوان فحاولوا المغازلة والمهادنة لهم لعلّ الأمر ينفع وينقذهم الإخوان من هذا البلاء ثمّ كالعادة ينقلبون عليهم كما فعلها قبلهم جمال عبد الناصر  وفي سوريا بعد الأزمة وابتداء الثورة المباركة أسرع الحاكم الأحمق إلى حضن الإسلاميين يطلب النجدة والعون فبدأ بالإفراج عن بعض المساجين الإسلاميين ثمّ أعاد المنقبات إلى سلك التعليم وبعدها أنشأ جامعة إسلامية وألحقها بقناة تلفزيونية اسلامية , كلّ هذا الغزل للإسلاميين رجاء أن ينقذوه من نار الثورة التي بدأ يكتوي بها ولأنّه علم أنّ الأمر بيدهم من قبل ومن بعد .

في ليبيا خرج علينا سيف الإسلام والذي ليس له من اسمه أي نصيب لكي يقول : بدأنا مشاورات بنّاءة مع الثوار الإسلاميين لكي نقضي على المعارضين العلمانيين وما هي إلاّ أيامٌ قليلة وينتهي أمر هذه المعارضة العلمانية .

ويا سبحان الله إنّ هذه الدول الثلاثة سوريا ومصر وليبيا هي من أكثر الدول التي نال الإسلاميون منها أشد العذاب والتنكيل وبعد الثورات يطلبون العون منهم وانقاذهم ممّا هم فيه ولكن ينطبق عليهم قول الله في فرعون وهو القول الذي يتمثل ليس بفرعونِ موسى فحسب بل بكلّ فرعونٍ طغى وتجبر وتكبر حيث يقول الله :

{آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }يونس91

بينما نرى بعد ربيع الثورات العربية أنّ المعارضة العلمانية بدأت تخاف وتخشى على نفسها من التيار الإسلامي ولعلّ بعضهم بدأ بشنّ حربٍ عليهم خوفاً من مستقبلٍ سيأتي بهم إلى كرسي الحكم لا محالة عندما تجري انتخابات حرّة نزيهة . ولهم نقول لا تقعوا في الخطأ الذي وقع به الحكّام العرب قبلكم واعلموا أنّ الإسلاميين لا يُقصون أحداً وليس غايتهم السلطة لأجل التسلط والتجبر بل لأجل بناء الوطن على أسس يرضاها الشعب وتجلب للجميع الخير والبركة والسعادة وتجعل الجميع يعيش حياةً كريمةً في مجتمع كريم ضمن وطنٍ عظيم لا يُظلم فيه أحد .

وطالما الحكم للشعب ولصناديق الاقتراع فلم الخوف والوجل إن كنتم حقاً تريدون مصلحة هذا الشعب وبناء الوطن الذي نفخر به جميعاً  " اسلاميين وعلمانيين"