سقوط العرب على أبواب سورية

جعفر عبد الله الوردي

[email protected]

أما عن كوننا حفظنا أن الحكام العرب هم خونة عملاء فهذا لا نشك به منذ الطفولة حيث كان الكبار يرددون على مسامعنا أوصاف الوهن والذل والعار من الحكام العرب، وأنهم تخلوا عن قضايا أمتهم وانصاع كل حاكم إلى شهواته الدونية وإلى أهدافه الشخصية وطموحاته الدنيوية.

وبعد أن انقضى من العمر ما انقضى، ولم يتغير –طبعا- الحكام العرب؛ حيث هم مخلدون في الدنيا على كراسيهم، وفي الآخرة إن شاء الله مخلدون أيضا في نار تلفح وجوههم الكالحة.

لم يتغير الحكام منذ ذاك الزمن الغابر، وإن تغير واحد أو اثنين فهو نسخة عن خلفه، أو ابنه خلفه في حكم العباد والبلاد، وبقي ذل الحكام ظاهرا للعيان مقصدا لطالب الدون والسفل من القوم.

مذبحة سورية التي تجري على مرأى ومسمع من العالم أجمعه عربه وغربه، هي مذبحة ما شهد التاريخ مثيلا لها قط، ولا أظنه سيشهد كذلك.

حيث الحاكم في سورية يقتل شعبه ويبيدهم ويسلط ثروات الدولة وجهدها وأفرادها إلى إبادة شعبها وسومهم سوء العذاب، وإن كان فرعون استحيا نساء قوم موسى وقتل رجالهم، فمجرمي سورية لم يستحيوا حتى الحمير والبهائم، حيث أهلكوا العباد والدواب والحرث والنسل.

مع إبادة هذا الحاكم المجنون -كما هو أسمى نفسه – شعبه وأهله، والعرب –أخوتنا- ينظرون إلينا صباح مساء، وينقلون أخبارنا لكي يطّلعوا عليها ويتداولوها فحسب، حيث كل العالم تضامن مع سورية في نصرة الشعب إعلاميا وإخباريا، فلا حاجة حينها لأن يُنقذ أحدٌ من البشر هناك أو يُحمَى جريحا أو طريدا، فالكل قام بدوره في إيصال الصورة.. ولا أدري لمن يريدون إيصال هذه الصورة، إنهم يوصلونها لبعضهم البعض فحسب، ويحللونها بأنظار مختلفة وألفاظ متجانسة. ولا يزيدون على ذلك.

مع هذا الجرم العظيم الذي تتحمل الأمة العربية والإسلامية وزره وتبعاته يسقط الحكام العرب منكَّسين واحدا تلو الآخر، يسقطون من عين الله ومن أعين الناس، وتنداس بالذل والخور كرامتهم ومناظرهم اللماعة، يسقطون مع كل قطرة تنزل ومع كل قبر يُحفر.

ولو هززت أنف ذلك الحاكم العربي برياء أو سمعة أو تجارة أو مال، لانتفض ملبيا واستبسل في الظهور والزهو، أما أن تنتخيه لنصرة مظلوم أو لرد حق، فتُشلُّ يده ويتسمر بأرضه كأن صاعقة عاد وثمود حلت به –ويا لتها حلت-.

فقط يتسابق العرب في إظهار شهامتهم، وعلى رأس ذلك الحكام والرؤساء والأمراء، فما رأينا منهم قط في يوم من الأيام البيضاء أو السوداء أي نخوة أو عروبة أو انتصار لمظلوم أو وقوف مع الحق.. فالحق عندهم –لا أبقاهم الله- في جمع الأموال والتكاثر في تزيين المحال والمتاجر، وكرامة مواطنيهم أبخس شيء في دولهم.

أذل مواطن في هذه البسيطة هو المواطن العربي، فإن كان جيبه مليئا وماله وفيرا، لكن كرامته منحطة، وسمعته دنية، كل ذلك بسبب حكامهم -قاتلهم الله شر قتلة-، فلا هم رحمونا ولا تركوا رحمة السماء تنزل علينا..

وتريد من واحد منهم ينصر شعب سورية الذي يذبح ؟!! وتترجى ممن تظن عنده أدنى شرف عربي أو ناموس إنساني أن ينصر مظلوميهم أو يداوي جرحاهم ؟!! كلا، فلا نترجى منهم أي شيء من هذا..

وأرادوا أن يتفضلوا على الشعب السوري بإرسال بعثة مراقبين، وضعوا مجرما أبلها عليها رئيسا، وكأنه لا يوجد في البلاد العربية إلا هذا المعتوه لينصبوه رئيس بعثة مراقبين، وضحكوا على الشعب السوري وضحكوا على شعوبهم وعلى العالم بهذه البعثة التي يقتل كل يوم في ظلها وتحت إشرافها ما يزيد عن ثلاثين نفسا..!

هذا عدا عن اجتماعاتهم التي تفصلها أسابيع وشهور بين اللقاء واللقاء، وكأن نقاشهم يدور حول بناء مدينة ألعاب ترفيهية أو مطاعم وملاعب رياضية، فلا يهمهم ساعة تمر، حيث بهذه الساعة تُرمَّل زوجةٌ أو تُيتم طفلة أو يُقضى على روح طاهرة بريئة..

ألا أخزاكم الله يا حكامنا، ولا بارك بكم ولا عليكم، فالشعب السوري تعلّم درسا قاسيا في اللجوء والاتكال عليكم، حتى يعلمه الله فيرجع لله وحده، وينفض يديه من دنس نخوتكم وطلب العون منكم..