نعم للسلاح، نعم للحماية
رسائل الثورة السورية المباركة (53)
الثورة السورية: المرحلة الثانية (19)
مجاهد مأمون ديرانية
المتظاهرون في سوريا يرفعون منذ أسابيع لوحات تطلب "الحماية الدولية". لو كنت مكانهم لطلبت الحماية أيضاً، وربما ذهبت في طلبها -من فرط اليأس- كل مذهب، فمَن يتلظّى بالنار لا يبالي من أي طريق تكون النجاة ويكون الفرار.
لو كنت معكم -يا أيها الكرام- لصنعت ذلك، لكني لست معكم، ليتني كنت معكم، أنا أعيش آمناً وأراقب من بعيد. من المُعيب أن أتفلسف وأفكر وأقترح وأنا آمن بعيد، لكنْ يشفع لي أني لم أهرب من المعركة مختاراً، وأني أتمنّى أن أكون اللحظةَ بينكم لأعيش كما تعيشون وأحمل معكم العبء الذي تحملون، ويشفع لي أني عشت معكم كل لحظة من عمر الثورة من أول أيامها إلى اليوم، وأني أشارككم بعقلي ومشاعري، وبدمع العين وخفقات القلب.
أنتم طلبتم الحماية الدولية، وأنا أتفق معكم في الشطر الأول من الطلب وأختلف في الثاني: نعم للحماية، لا للدولية. بالطبع يجب أن تتوفر للثورة السلمية حمايةٌ من أجهزة النظام المجرم، لكني كلما فكرت عدتُ إلى النتيجة نفسها التي فصّلتها في مقالة سابقة (تفريغ الجيش ج1): أشد الأعداء عداءً للثورة وأكثرهم شراسة في محاربتها -الأمن والمخابرات والشبيحة- سينجون من التدخل العسكري الأجنبي لأنهم سيختلطون بالمدنيين ويذوبون وسطهم، فيما ستوجَّه الضربات الرئيسية إلى الجيش السوري ويتعرض للدمار.
ستقولون: إذن ما معنى "نعم للسلاح، نعم للحماية"؟ اسمحوا لي أن أعود مقالتين إلى الوراء، فأنسخ هنا الفقرة الأخيرة من مقالة "تفريغ الجيش ج2" حيث قلت: إن الجيش ليس عدواً أصلياً للأمة والثورة، وكيف يكون كذلك وهو مكوّن في أكثره من أبناء الشعب البسطاء الشرفاء المرغَمين على الخدمة العسكرية بالإكراه لا بالاختيار؟ لذلك أرجو أن تجعلوا تدمير هذا الجيش هو آخر الحلول. وبما أن الأكثرين ينادون بحماية الثورة (ولكنهم لا يتصورون كيف يمكن توفير الحماية للثورة) فليكن شعارنا منذ اليوم: نطالب جيشنا الحر بحماية ثورتنا. أليس جيشُنا أَولى بحمايتنا من جيش غيرنا؟
هذا هو جماع الأمر: يجب أن نطلب الحماية ولكن ليس من الغرب، بل من جيش البلاد الحر. لو قلت هذا الكلام قبل شهرين لما كان له معنى، أما اليوم فإنه يبدو منطقياً تماماً، فكل مَن يتابع أخبار الثورة منكم سيلاحظ أن الانشقاقات صارت أخباراً روتينية لا يخلو منها يوم، وأنها تتزايد من حيث الأعداد والانتشار الجغرافي، وأنها تشمل الجنود والضباط، والخبر الجيد هو أن الجيش الحر يتعامل مع الانشقاقات بكفاءة، فمن المنشقين مَن توفَّر لهم الطرق الآمنة للانسحاب إلى مدنهم وقراهم، ومنهم من يلتحق بكتائب الجيش الحر مباشرة، وهو أمر صار ميسوراً مع انتشار كتائبه وسراياه في أكثر مناطق سوريا.
أعترف بأن قدرة الجيش الحر على حماية الثورة ومناطق الثورة وجمهور الثورة أقل بكثير من قدرة حلف الناتو عندما نقارن القوة والأعداد، ولكن الاعتماد عليه لا على القوة الأجنبية آمَنُ وأضمن على المدى القصير وعلى المدى الطويل؛ فجنودنا سيكونون أحرصَ علينا من الجنود الغرباء، ولن نرى -بإذن الله- إصابات عشوائية وقتلاً للمدنيين بطريق الخطأ (كما حصل في ليبيا)، ولن يتسلى الجنود الغرباء بقنص الأبرياء في أوقات فراغهم (كما فعل الجنود الأميركيون في العراق، وقد رأيتم ذلك في الفيديوهات الكثيرة المسرَّبة). ثم إن جنودنا هم أبناء هذه الأرض ويعرفون تضاريسها وتفاصيلها ويعرفون أعداء الثورة، من مخابرات وشبيحة أو قوات عسكرية موالية (الفرقة الرابعة والقوات الخاصة)، وهؤلاء يختلفون -في موقفنا منهم- عن القوات المسلحة السورية الوطنية (الجيش البري وأسلحة الطيران والبحرية والصواريخ) التي هي "الخزّان الإستراتيجي" للجيش الحر، حيث يُنتظَر أن تتزايد فيها الانشقاقات وأن يكون لها أثر كبير في حسم المعركة مع النظام.
الأمر الآخر هو الكلفة، فلا شك أن تسليح الجيش الحر أرخص بما لا يقاس من التدخل الغربي. ألا تتذكرون كيف بلغت الأرقام المعلَنة لتكلفة الحملة الأميركية على ليبيا قرابة المليار دولار قبل أيام من تسليم القيادة للناتو؟ لقد نشروا حينها معلومات تقول إن صاروخ التوماهوك الواحد كلّف نحو مليون وثلاثمئة ألف دولار! لو قسمنا هذه الكلفة على ألف فسوف نحصل على مبلغ يكفي لشراء قاذفة "آر بي جي" ومعها ثلاثمئة قذيفة، أي أننا نستطيع -بقيمة صاروخ واحد من الصواريخ الأميركية التي سيطلقون منها المئات لو تدخلوا في سوريا عسكرياً- أن نسلّح ألفاً من المقاتلين الأحرار بمخزون من القذائف المضادة للأبنية والدروع تكفي لمدة ثلاثة شهور من الاشتباكات والغارات على عصابات النظام.
* * *
قرأت أن الملازم الشهيد البطل أحمد الخلف كان قناصاً ماهراً، وكان حلمه أن يحصل على قنّاصة ليقنص بها المجرمين الذين يقنصون المتظاهرين. باع ذهب زوجته بسبعين ألف ليرة سورية وكان بحاجة إلى خمسين ألفاً أخرى لشراء القناصة، وانتظر في الأردن بعد انشقاقه أكثر من أسبوعين فلم تصله ليرة واحدة لأن تنسيقية الرستن -التي طلب المبلغ منها- ما طرقت باباً إلا وأُغلق في وجهها، فذهب إلى درعا واشترى "روسيّة" بما معه من مال، فقاتل الشبّيحة ومجرمي الأمن وقتل منهم قبل انتقاله إلى الرستن لاحقاً، حيث قاتل حتى الشهادة عليه رحمة الله.
أرأيتم ماذا يمكن أن يصنع الرجال الصادقون بالمال القليل؟ فكيف بالكثير وكيف لو توفر لهم السلاح؟ جيشنا الحر يملك الكثير من الرجال والكثير من الأبطال، وفّروا له السلاح وهو سيحمي الثورة بإذن الله.
هنا نصل إلى الفكرة الرئيسية في المقالة وخلاصتها: استمروا في طلب الحماية، ولكن لا تضعوا أملكم في الغرب الذي سيبتلع خيرات سوريا واستقلالَها ثم لن يحسن الدفاع عنكم، بل ضعوه في جيش بلادكم الحر الذي سيتضخم مع الوقت بإذن الله -بالانشقاقات حالياً وبالتطوع في مرحلة لاحقة إذا لزم الأمر- ويصبح قادراً على حماية الثورة في كل أنحاء سوريا، واضغطوا على القوى الخارجية لتقدم الدعم لهذا الجيش الباسل. وفي المقالات الآتية مزيد من التفصيل لهذا الإجمال.