استشهاديو حسون...معان ودلالات

د. ياسر سعد الدين

بعد خطابه الغريب بعيد مقتل أبنه "المعلن" والذي تحدث فيه مفتي النظام السوري أحمد حسون عن إيمان لا يتزعزع بقيادة الأسد الزاهد في الرئاسة بحسب المفتي والذي تقمص (في خطابه) شخصية متسامح كبير ينضب عاطفة في حب الوطن المستهدف مخاطبا المعارضة بعبارات سعت لتأثير على رجل الشارع، فاجأ حسون المتابعين والمراقبين بكلمة حازمة وحاسمة أمام وفد نسائي جاءه ليعزيه بابنه. حسون هدد أوروبا وأمريكا بعمليات "أستشهادية" يقوم بتنفيذها أشخاص متواجدون بالفعل في أوروبا وأمريكا في حال تعرضت سوريا أو لبنان لأي قصف أو اعتداء. المفتي الذي تحول وفي أيام من حمامة سلام وادعة في نعي ابنه إلى صقر جارح أما نساء معزيات يردد "أقولها لكل أوروبا وأقولها لأمريكا سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم وأنتم من ظلمتمونا". وأضاف المفتي "سنقول لكل عربي ولكل إنساني: لا تعتقدوا أن من سيقوم بالاستشهاد في أراضي فرنسا وبريطانيا وأمريكا سيكونون عربا ومسلمين، بل سيكونون محمد درة جديد وسيكونون كل الصادقين الجدد".

حسون كان قد خاطب وفدا امريكيا من جامعة جورج ميسون يرأسه البروفيسور مارك غوبن رئيس المركز العالمي للاديان التقاه في مطلع العام الماضي قائلا: "حملنا المسيحية للعالم وحافظنا على اليهودية في العالم، امرنا الاسلام بالمحافظة على المسيحية واليهودية"، واضاف: لو طلب مني نبينا محمد، ان اكفر بالمسيحية او باليهودية لكفرت بمحمد. وتابع المفتي حسون : لو ان محمدا امرني بقتل الناس لقلت له انت لست نبيا، واعتبر ان الفرقة بين البشر جاءت عندما "حولنا الدين الى مذاهب سياسية".

مقارنة بين مواقف الرجل وتصريحاته المختلفة تفضح إزدواجية عجيبة وتناقضا فاضحا وأستخداما معيبا للدين ومفهوم الشهادة من أجل تثبيت حكم دكتاتوري يواجة رياح التغيير الشعبية العارمة. الرجل يريد أن يدافع بالاستشهاديين عن نظام يعلن أنه علماني بل كان يسوق نفسه في الغرب على أنه يواجه جماعات سلفية ومتطرفيين إسلاميين، بل وأكثر من ذلك فقد تباهى بشار في أول لقاء جمعه مع تشريعيين أمريكيين بعد أحداث سبتمبر 2001 بأن النظام السوري هو أول من كافح الإرهاب الإسلامي.

وبعيدا عن الموقف الشخصي للرجل، فإن النظام الذي يمثله أراد بهذه الرسالة - والتي جاءت بعد تهديدات المعلم بتدابير مشددة ضد الدول التي تعترف بالمجلس الوطني وبعد تسريبات متعمدة لوكالة فارس الإيرانية عن وعيد الأسد بحرق الشرق الأوسط إذا تم استهداف نظامه- أن يلوح بخيارات "إرهابية" يمكن اللجوء إليها إذا أكره على الرحيل. بيد أن مثل هذه التصريحات تكشف عن شعور الأسد بالأختناق وبتقلص فرصه في النجاة والبقاء في الحكم عبر المسالك الدبلوماسية والسياسية الطبيعية. كما إن تصريح حسون والذي يعيد للأذهان تهديدات جديدة-قديمة منسوبة لتنظيمات متشددة، يبرهن على زيف دعاوي النظام وهو يسوق لما يجري في سورية على أنه مواجهات مع جماعات إرهابية متطرفة.

الأمر المثير والذي يستحق التوقف عنده أنه في الوقت الذي يتبنى فيه الإسلاميون والإخوان المسلمين المواطنة والمشاركة والدولة المدنية في سورية، نجد أن النظام يسلك نهج تنظيم القاعدة ويتبنى أيدلوجياتها. العجيب أن النظام السوري بعد انتهاكاته للمساجد والمصاحف في رمضان وفي غيره وإجباره للمواطنين على ترديد عبارات تؤله بشار واعتدائه على العلماء وعلى الأعراض وتباهي إعلامه بصور الموالين وهم يسجدون للأسد، يلجأ لاستخدام الدين ويتوقع أن يجد من يستشهد ليفتدي بروحه مثل هذا النظام الوحشي الدموي. هذه الطرح يكشف كيف تمسخ الدكتاتورية عقول وأذهان حتى من يمارسوها فتجعل تفكيرهم أقرب للعبثية وأقوالهم للهذيان.