هل الغرب يريد إسقاط النظام السوري

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

بعد إطلالة الربيع العربي في سورية ، والذي طال شتاؤه واشتد برده وادلهمت خطوبه واسودت لياليه وأظلمت حلكتها ، وبعد ردة فعل النظام الفاشي ضد مطالب الشعب الثائر المطالب بحريته التي سلبوها وكرامته التي داسوها ، فقام هذا النظام المستبد بتنفيذ كل الممنوعات والمحظورات ، واقتراف جميع الجرائم والموبقات ، من اعتقال وقمع وقتل وانتهاك للحرمات ، واعتداء على الأعراض وتدنيس للمقدسات ، واغتصاب للحرائر العفيفات ، وتمثيل وحشي بأجساد الأطفال الأبرياء وأفعال إجرامية مشينة تنم عن نفسيات حاقدة وعقول مريضة ، يتحكم بأصحابها طبيعة سادية ، ومهنية احترافية في القمع والقتل ، للتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الأعضاء ، وتنفيذ المذابح والمجازرالجماعية بحق المواطنين العزل الشرفاء .

قامت قوات القمع الأسدية من عناصر أمنية وعصابات الشبيحة والفرقة الرابعة لماهر الأسد ، مع العصابات الفارسية الحاقدة والميليشات الطائفية المستوردة ، بقمع المواطنين وقتل الناشطين واغتيال العقول والكفاءات والخبرات ومطاردة الشرفاء ، وإذلال المواطنين من نساء وشيوخ وأطفال بعقاب جماعي مهين .

وقد وقف العالم الغربي يدين منددا بهذه الأفعال الإجرامية والانتهاكات الانسانية والمجازر الجماعية ، ففي كل يوم تطالعنا تصريحات من زعماء الغرب تدين وتندد بالقمع الوحشي والنهج الأسدي:

* ساركوزي : النظام فقد شرعيته  ، كماأكد للراعي أن نظام الأسد قد انتهى .

* كلينتون وأوباما : على الأسد أن يتنحى .

 * كاميرون : الأسد فقد شرعيته تماما .

* ميركل : دعت بشار الأسد إلى التنحي .

* الأتحاد الأوربي وأميركا : على بشار الأسد التنحي عن السلطة .

* تركيا واردوغان : يطالب بشار الأسد بالتنحي بعد أن ضاق ونفذ صبره وهو يقدم له النصائح لإيقاف الحل الأمني وعمل إصلاحات حقيقية بالصدمة .

* روسيا : حتى مديفيديف الحليف الأقوى للنظام السوري نصح الأسد بالقيام بإصلاحات حقيقية ، وإلا فإن مستقبلا حزينا ينتظره .  

* واتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس الأسد ، بأنه لم يف بالوعود التي قطعها ، داعيا إلى القيام بعمل دولي موحد ضد النظام السوري .

* حتى الجامعة العربية ونبيلها الذي لم يتحلّ  بأية مواقف نبيلة تجاه الشعب السوري الذي يذبح كل يوم حتى الآن  ، صرّح أخيرا أن الأسد لم ينفذ وعوده ويف بالتزاماته   ....

* وبعض الدول العربية سحبت سفراء ها للتشاور .

* كما أوصى البرلمان العربي بتجميد عضوية البرلمانيين السوريين ووقف العمل بمكتبه الرئيسي ومقره دمشق .

استبشر الشعب السوري الحروالشباب الثائر بهذه التصريحات ، وتوقع دعما جديّا وقربيا لإسقاط هذا النظام الفاشي ... وكيف لا وقد رأى كيف تخلت أمريكا عن عرّابها في المنطقة حسني مبارك خلال أسبوعين ، وطلبت منه التنحي وضغطت عليه مع تزايد الضغط الشعبي حتى أجبر على ذلك صاغرا، ومن قبله زين الهاربين الذي فرّ تحت جناح الليل بعد أن باعته أمريكا وتخلت عنه .

لكن الشعب السوري ومع مرور الأيام والشهور ، لاحظ أن هذه التصريحات خالية من أية إجراءات حقيقية على الأرض ، يمكن أن تجبر هذا التظام الغاشم على السقوط والتنحي عن السلطة ، بل بدا للمعارضين والمحللين والسياسيين أن الغرب يقدم الفرصة تلو الأخرى ، ويمنح المزيد من الوقت لهذا النظام السفاح كي يقضي على المعارضة ويجهز عليها .

إذا كان هؤلاء الزعماء في الغرب أو غيرهم  يريدون فعلا إسقاط هذا النظام ويعنون فعلا ما يقولونه من تنحيه عن السلطة ، وأن شرعيته فعلا قد انتهت ، كان يمكن لهم أن يتصرفوا بأكثر من طريقة عملية لإسقاطه . 

لقد تدخلت أمريكا في العراق وأفعانستان واحتلتهما احتلالا عسكريا وحشيا ، دون موافقة الأمم المتحدة ودون أن تصغي أو تلقي بالا إلى المجتمع الدولي أو غيره .

لقد قامت الأمم  المتحدة باستصدار قرار إدانة لليبيا وسمحت بتدخل عسكري فيها لحماية المدنيين ، تبع ذلك تدخلا من قوى الناتو حتى تم طرد القذافي ، وأخرجوه من جحره في باب العزيزية هائما على وجهه لا يعلم أحد قراره .

وبالطبع فإن هذا التقديم لا يعني الموافقة على ما حصل أو الدعوة إلى تكرار النموذج العراقي أو الليبي أو ...  خاصة وأن المعارضة السورية أصبحت ممثلة بمجلسها الوطني والذي أصبح صوتها الناطق ويعبر عن أهدافها ، مازالت متمسكة بخيارها واستراتيجيها من رفض التدخل الأجنبي في الشأن السوري .

إن رفض التدخل العسكري الخارجي من الغرب في الشأن السوري ، لا يعني  رفض تصريحات زعماء الغرب وأنه لم يعد لها معنى .

لقد سمع الشعب السوري ومعارضته ذلك الكلام المعسول من الغرب ، مع ما سمعه من تركيا وبعض الزعماء العرب والشعوب العربية في انتقاد النظام السوري،  وممارساته القمعية والتي ترقى الى جرائم ضد الانسانية ، فشد ذلك من أزر الشعب الثائر والمعارضة ، ودغدغ حلما طالما داعب خيالهم عن سقوط النظام وتنسم الحرية التي طال انتظارها ، وخرج بمظاهراته يطالب بالحماية الدولية .

إن الغرب لو كان صادقا في دعواه ضد النظام ، كان يمكن أن يساهم بشكل كبير في إسقاط هذا النظام أو إجباره على التنحي ، ليس بعمل عسكري ولا نموذج عراقي أو ليبي ، خاصة وأن أغلب الشعب السوري والمعارضة يرفضون ذلك جملة وتفصيلا ، ولكن عندما يعلن زعماء الغرب بأن هذا النظام الفاشي قد سقط وعلى بشار أن يتنحى ، فإنهم يمكن أن يقوموا بأعمال كثيرة من حراك سياسي وضغط دبلوماسي

ومقاطعة  اقتصادية ... وحصار... وغير ذلك  تؤدي إلى استسلام هذا النظام وانهياره .

كان يمكن أن تقوم هذه البلدان بتشديد العقوبات على النظام السوري لتضييق الخناق عليه .

كان يمكن لهذا الغرب من استدعاء سفرائه من سوريا وقطع علاقاته السياسية والدبلوماسية بهذا النظام الفاشي القاتل .

كان يمكن لهذا الغرب أن يطرد السفراء السوريين من أراضيه خاصة ، وأن كثيرا منهم إن لم يك جميعهم يقومون بعمل استخباراتي ونشاط إرهابي ضد المواطنيين السوريين المعارضين في تلك البلدان . 

كان يمكن لهذا الغرب أن يضغط على كثير من البلدان العربية التي تدور في فلكه ، لتحذو حذوه وتسحب سفراءها من سورية وتطرد السفراء السوريين من أراضيها. 

كان يمكن للأمم المتحدة أن تطرد ممثل سورية من مقرها ، والذي يدافع عن جرائم نظامه المستبد الفاسد وجرائمه الوحشية بحق شعبه .

كان يمكن للغرب والأمم المتحدة أن تضغط على روسيا والصين -  وهي قادرة على ذلك لو أرادت -  لإدانة النظام السوري واتخاذ  عقوبات جماعية ضده .

كان يمكن للجامعة العربية أن تطرد ممثل سورية فيها وتجمد عضويتها .

كان يمكن للمجتمع الدولي أن يقوم بحظر الأسلحة على سورية ومراقبة حدودها البرية والبحرية والجوية ، لمنع دخول أية شحنة سلاح أو دعم لوجستي من روسيا أو طهران أو غيرهما تساهم في قتل الشعب السوري . 

كان يمكن لهذا المجتمع الدولي أن يقوم بالضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي بشكل حقيقي وفاعل حتى يسقط هذا النظام .

لو أراد الغرب فعلا إسقاط النظام لفعل ، ولكن يبدو أن الغرب حتى هذه اللحظة مازال يمنح هذا النظام المزيد من الوقت والكثير من الفرص ، وأنه فعلا حتى هذه اللحظة لا يريد إسقاط  النظام !.